رسالة رمضانية

تهاني وأمنيات في عمل وطيد من أجل إعمار الأنفس والأرض

 

بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل، يطيب لنا أن نتوجه بتهاني الخير وأمنيات في أن يكون رمضان القابل فرصة لمزيد من التمسك بإرادة العمل الوطيد من أجل صلاح الأنفس وعَمَار الأرض. إنَّ طقوس هذا الشهر الكريم جاءتنا تذكرة  بفكرة تعزيز الإحساس بالمعاناة الإنسانية ومشاطرة الآخر همومه وآلامه، أفراحه وأتراحه؛ مثلما قامت على  الخشوع للمعاني السامية النبيلة في علاقاتنا وفي توجيه النيات والأعمال إلى مراجعة الأنفس في أعمالها وفي طقوسها وإلى توجيه الأنشطة نحو مقاصد إعمار الأرض فليس بغير العمل الصحيح ينبت الزرع ويعلو البناء ويعمّ الخير..

ولنا أسوة في معاني الآيات البيّنات والأحاديث الشريفة التي تؤكد قيم العمل وقدسيته كما في: "وقل اعملوا فسيرى الله ورسوله..." و"لايغيِّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، و"جعلناكم خلفاء على الأرض" لتعمروها، و"عامل يعمل خير من ألف عابد" وهي المعاني التي تمنع ضمنا قبول الكسل والتبطل واستغلال الشعائر والمناسك سلبيا كما في ظواهر ترك العمل بذريعة التفرغ لممارسات طقسية دينية لمقاصد غير سوية أو لمشاغلة إنسان وإبعاده عن التفكر في صحيح فعاله...

إنّنا في الوقت الذي نتبادل التهاني بهذه المناسبة المهمة الكبيرة، لـَـ نذكـِّر أنفسنا والآخرين بقيم العمل الروحي التي تتصدى لأخطاء ونواقص ومثالب.. فما أحوجنا اليوم لنتذكر ملايين الأرامل والأيتام ولنفتح مبادراتنا في قراءة ظواهر البطالة والأسر المتعففة التي تحيا تحت خط الفقر، وإذا بدأنا بأنفسنا وبجمعياتنا التطوعية الخيرية من مؤسسات المجتمع المدني فلا ينبغي أن نتوقف عند هذا بل يلزم أن نتجه إلى حيث (الموظف الحكومي) المسؤول عن الرعية في اللحظة الراهنة ليمتنع عليه أن يأكل زاده وهو يهمل على طاولته مشروعات العمل والبناء وعلاج المريض وإنصاف المظلوم..

كم سيكون مهما لــ "أحزاب" و "شخصيات" تدعي الدين حلا، أن تتذكر أنّ الدين في جوهره ومبدئه الأول أداة إصلاح وخير وعَمَار وليس أداة مزايدة سياسية [كما يجري استغلاله من بعضهماليوم ] بالانحدار به لذرائعية التقسيم الطائفي خدمة لمطامع ما أنزل الله بها من سلطان، في وقت يجب أنْ ندرك أنَّ المذاهب في أصل وجودها تمثل اجتهادات لتسهيل قراءة النص الديني والبحث في حلول منطقية للمعضلات بما لا يلغي الإنسان ومطالبه بل يعزز احترامه وزيادة إكرامه بمقدار عمله وحسن فعله وصوابه...

من هنا، كان واجبا ألا يغرّ بعضهم توزيع (جزرة) لا تغني ولا تسمن؛ فذلكم بعض واجب في مبتدأ الصلاح وأن الواجب الحق يكمن في رفض الطائفية ونزع أرديتها نهائيا فهي فلسفة (سياسية) مرضية (لا قدسية) فيها ولا إيجابا وهي من أمراض زمننا تحدرت من عقول أرادت بنا المرض والألم والخسران وأرادت بالدين غطاء أو ورقة توت تنفذ بها ومن خلالها..

وكم سيكون رائعا أن نتخذ من وحدة نسيجنا الإنساني الوطني ركنا مهما وأن ننبذ ما يفرقنا وأن نصحو إلى اتباع صحيح العقل وسليم المبادئ وألا يكون من بين ذلك وجودنا في و\أو مع حزب يدعي تمثيله الدين والمقدس زورا وبهتانا واستغفالا ولو تظاهر اليوم، بعد افتضاح فلسفة الطائفية وهزيمتها، نقول تظاهر بارتداء ثوب آخر للنفوذ به واللعب على العباد لمواصلة نهب البلاد..

إنَّ رمضان القابل إلينا هذا العام، هو رمضان الذي ينبغي أن تتكشف فيه الافتراءات التي يُخـْفون وراءها طبائع الشر والاستغلال؛ لنختار مرجعيتنا في منطق عقلي صحي صحيح صائب؛ فمرجعيتنا ليس من يدَّعي افتراءَ َ أنه نائب الله على الأرض ويُسقط عل نفسه القدسية ويضع في يده الأمر والنهي والتحكم في الناس بل مرجعيتنا صلاح عقولنا نحن جميعا بعقلنا الجمعي بجمهور وجودنا الإنساني، وصحيح إيمان تلك العقول النابهة المتفاعلة المتخذة خيار طريق الوسطية والاعتدال، و رفض التطرف "فلا غلو في الدين". وفي رمضان القابل علينا، سيشرق بصحيح خيارنا لطريق الحياة لا طريق التهلكة  "ولا تؤدوا بأنفسكم إلى التهلكة" فالانتحار محرّم قطعا.. وفي رمضان الآتي ببشائر انتصارنا على طاغوت التجبر والكراهية والفرقة، نختار طريق السلم والتعايش مع أخوتنا ومع الآخر بمنطق تبادل الخير والنفع بدل طريق الضيق والألم والاحتراب..

رمضان كريم بأهله وبأفعالهم الصحيحة وبمنطق أعمالهم الصائبة وكلّ يأتي غدا بصحيفته، له ما أحسن فيها و أصاب وعليه ما أخطأ وتجنَّى. فليكن رمضانكم جميعا رمضان نقاء الأنفس وصلاحها، وصواب الخيار وصحته، رمضان رفض زمن التبعية لمرضى الافتراء على المقدس مع استيلاد روح التسامح والإخاء وأن نتمسك بهما، وأن نُحيي ليالينا بذِكرِ ِ طيب ونهاراتنا بعملِ ِ زكي طاهر..

ورمضانكم خير ومودة ومحبة وتآلف. فتواصوا بالانتفاض من أجل الحياة الحرة الكريمة النقية، من أجل وحدة في كلمة سواء ومن أجل عالم يخلو من الضغائن وأسباب الاصطراع والاحتراب.. ولتتطلع الأفئدة إلى اللقاء الذي سينعقد في ختامه احتفالية عيد هي كرنفال الانتصار لكل ما هو سام ونبيل في عملنا وكينونتنا ويومنا وغدنا... وكل عام وأنتم بخير وعيش هانئ آمن مستقر.

 

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر