كوردستان بين قضايا تقرير المصير والنضالات المطلبية 2

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

tayseer54@hotmail.com

 

(2) النضالات المطلبية وآليات تفاعلها بين خطابي الإيجاب والسلب

 

تبرز أمام الحكومة الكوردستانية المقبلة جملة مهام من بينها مكشلة محاربة الفساد ومعالجته بآليات مناسبة إلى جانب تلبية المطالب الشعبية التي باتت أكثر من ملحة في ضوء ظروف العيش وتفاصيل اليوم العادي للمواطن.  ويمكننا ملاحظة تنامي النضالات المطلبية وإلحاحها في ضوء النتائج الانتخابية وطبيعة الحراك السياسي والمطلبي  منه تحديدا. حيث نجد قوى وليدة جديدة في الحياة العامة وهي تتأسس على وفق تصاعد الأصوات الشعبية  بمطالبها الحياتية العامة والخاصة...

ومن المتوقع أن تعمل هذه القوى في ضوء ضغوط المطالب اليومية من جهة وبحسب درجة وعيها لآليات عرض المطالب وآلية التفاعل مع مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني.. وبين ضغط المطالب ودرجة وعي القوى المعنية في التعبير عن تلك المطالب ستتجه حالة التفاعل الرسمي والشعبي.. ومن الصائب أن تنهض القوى السياسية كافة ومنها (قوى المعارضة) الوليدة بمهمة خلق التوازن بين الواقعي والافتراضي غير المتاح.. إذ أن القضية ليست في الاحتجاجات وفي الضغط بإعلاء صوت المطالب، بل الصحيح هو في إيجاد آليات تحقيق المطالب ميدانيا وفعليا..

والمهمة ليست في التقاطع مع مسؤولي الحكومة والدوائر الخدمية ولا في أشكال الاحتدام في التفاعل مع  القوى السياسية التي تنهض بالمهمة؛ والعمل المطلبي لا يتعارض في الدولة الديموقراطية ووجود الحكومة والتفاعل معها لأن الأساس والجوهر هنا ليس في مبدأ يسقط يعيش.. ولأن المهمة لا تكمن في الصراع ولا في تحقيق مكاسب انتخابية بل في وسائل اقتراح الحلول والتفاعل بنائيا مع الجهات المسؤولة لتحقيق عمليات البناء وتلبية المطالب بأفضل ما متاح للجهات المسؤولة..

إن درجة الوعي بمطالب المرحلة ينبغي أن ترقى لفلسفة بناء مؤسسات الدولة وتنضيجها وتطويرها والعناية بتفاصيل الدفاع عن مؤسسات المجتمع المدني من جهة وعن طبيعة مؤسسات الحكومة وقدراتها في العمل والانتاج وفي تلبية المهام الوظيفية التي تُعنى بالخدمات والمطالب التفصيلية للمواطن من جهة أخرى.. ولن يكون أداء تعميق الاختلاف وحوار التقاطع والتناقض وسيلة مناسبة لمثل هذا الهدف المنتظر.. بمعنى أننا ما زلنا بحاجة للسير بمؤسسات الدولة كيما تنتقل من زمن مؤسسات الدولة القمعية في ظل النظام الدكتاتوري السابق إلى مؤسسات الدولة الديموقراطية التي ينبغي أن تختلف آليات عملها...

وقد يكون من معاني هذا التعاطي ما يكمن في استخدام  آليات التفاعل البنائي لتحقيق المطالب بطريقة لا تُضعِف أداء الحكومة وشاغل الوظيفة العامة بل تساعده بالبحث معه عن وسائل الوصول ببرامج مناسبة لتحقيق الأهداف الممكنة وتدريجا بما يدعم فرص الدفاع عن تطوير المؤسسة في المدى الاستراتيجي البعيد ويحقق لها إمكانات أو قدرات العطاء والتنفيذ وتلبية الحاجات.

وبهذا فيُفترض أن يكون النقد المطلبي المتوقع منصبا على إيجاد وسائل المعالجة وليس على آلية الفضح والتعرض للمسؤول ووضعه في خانة الاتهام والتسقيط.. لأن هذا لن يساعد على خلق الموظف الجديد الذي يحمل المسؤولية بلا خشية من احتمال حصول خطأ غير مقصود أو بروز ثغرة عن غير تعمد. كما أن هذا لا يمثل صحيح الخطوات لا تكتيكيا إجرائيا على المستوى اليومي المباشر في العمل ولا استراتيجيا على المستوى البعيد وسيخلق تضاغطات غير صحية في العمل العام بين عمل ينتهز الحال لا للعلاج بقدر ما للكسب وقى تتحمل ضغط العمل من أجل النهوض بمهام ليست سهلة في ظروف الأزمة العالمية الشاملة...

بعامة يبقى على قوى المعارضة أن تعي كيفية تجنيب الأوضاع أية توجهات قد تؤزم بدل أن تساعد على الحل.. وهذا وحده كفيل بسير السفينة بالاتجاه الصائب لترسو على أهداف الجميع في العيش في البيت الواحد على أساس من فهم أفضل السبل للعمل مطلبيا وسياسيا. حيث التوجه للإنجاز والمردود الإيجابي وحيث تعاضد الجهود وتضافرها في زمن الأزمة وضغوط تأتي من كل حدب وصوب محليا وعالميا...

ولا ننسى هنا أن القضية العراقية بشمولها مازالت تعاني من نواقص سواء في استكمال مؤسسات الدولة أو تشريع القوانين الضرورية اللازمة أم في طريقة تعاطي قوى بعينها مع الفديرالية ما يتطلب التفكير بدعم وحدة الكلمة الكوردستانية في الإطار العراقي كيما تؤتي ثمارها بطريقة موضوعية صائبة ومفيدة.. وكيما توصل رؤية شعب كوردستان ومطالبه النوعية البعيدة بأنضج أشكال الفعل وأبعده تأثيرا في مستقبل القضية القريب والبعيد..

إن الخلاصة التي يستفاد منها بهذه القراءة هي ضرورة العمل بثقافة التحالفات وتعاضد الجهود بدل إشغال المواطن بصراعات تستغل همومه وتتاجر بها بلا مردود فعلي له.. وسيكون هذا مما يتأسس عل قدرات حقة في التعاطي مع مجريات الحدث وواقع الأمور ميدانيا... وستثبت كل قوة تعاطيها المسؤول ودرجة النضضج عبر برامجها وأداءاتها الفعلية وهو ما يتطلع إليه المواطن بآمال أدخل في الإيجاب منها في أية احتمالات أخرى.. فيما الحياة تتطلع لوعي المواطن ومشاركته الأهم في قراءة المجريات والوقوف إلى جانب كل ما يبني ويتقدم به إلى أمام...