حقوق العراقيين في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

 

 

 أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث سياسي أكاديمي\ناشط في مجال حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كل التفاصيل التي تخص مطالب الإنسان وحاجاته وحقوقه كاملة تامة بلا استثناءات أو مصادرة أو استلاب.. وقد صارت هذي الوثيقة عنوانا كيما يتعرف الناس إلى ما ينبغي أن يكفله لهم  القانون أولا وما يلزم أن توفره لهم حكوماتهم الوطنية والمحلية...

وبصرف النظر عن قائمة تلك الحقوق الواردة في الإعلان العالمي؛ فإنَّ كل إنسان يتطلع إلى تلبية ما يحفظ له حياته وسلامته ودفع أية ضغوط قد يتعرض لها وتوفير الغذاء والدواء ومفردات صحته النفسية والبدنية وكفالة تعليمه وحاجاته الروحية الثقافية... وتلكم جميعا مما  تفرضها ظروف العيش في راهن عصرنا الحديث.

وبين النموذج المثالي لحقوق الإنسان وواقع حال العراقيين بون شاسع لا يمكن حسابه بسهولة لجملة تعقيدات نعيشها ويعيشها العراقي. فعلى الرغم من الاستبشار بنهاية نظام الدكتاتورية وطغيان الفرد إلا أن العراق الجديد لم يبرر حتى هذه اللحظة أيّ حال استبشار بتطمين حقوق العراقيين  بل ذهبت تلك الحقوق أدراج الريح وعبث العابثين..

فلقد شابت قائمة حقوق العراقيين ليس على وفق واقع الحال المأساوي لهم حسب بل على وفق التقارير الرسمية  الحكومية والدولية، ثغرات لها أول ولكن ليس في الأفق لها من نهاية يمكن قراءتها! إذ تقول المنظمة الدولية فيما أورده تقرير العفو الدولية السنوي: إن حوالي الأربعة ملايين عراقي لا يحصلون على الطعام الكافي وإن نحو 40% لا يحصلون على مياه صالحة للشرب ونحو ثلث السكان لا يحظون بالرعاية الصحية الملائمة..

ويكاد النظام التعليمي ينهار لعدم توافر الكتب المطلوبة والمدرسين الذين يغطون الحاجة فضلا عن تعرض الطلبة والأساتذة للضغط الشديد عبر عمليات العنف من تهديدات وأشكال الابتزاز  وعمليات الخطف والتفجيرات والتصفيات والاغتيالات..

وليس للعراقي من عدل ينصفه أمام هول التجاوزات على حقوقه سوى القضاء الذي يقولون: إنه صار مستقلا حرا؟ بخاصة بعد مظاهر نقل السلطة من  قوات الاحتلال للسلطة المحلية ولكن الأمر حتى عند صدور قرارات قضائية عادلة تذهب هباء وأدراج الرياح بسبب من سطوة السلطة التنفيذية وسلطة جهات عديدة تفرض سطوتها على حساب قرارات القضاة مُلقية بالقانون في سلة المهملات...!

ومن جهة مضافة فإن تكرر الانتهاكات على أيدي الميليشيات المسلحة تسجل جرائم جسيمة وهي تدعي تمثيلها جماعات دينية وأحزاب ممثلة في البرلمان.. وسجلت التقارير أن من بين انتهاكات الجماعات المسلحة الاختطاف والتعذيب والقتل وعمليات تفجير عشوائية استهدفت المدنيين بالأساس وبتركيز واضح على المجموعات القومية والدينية من مسيحيين وأيزيديين ومندائيين  وعلى أعضاء جمعيات مهنية من النخبة المتعلمة من أساتذة جامعات وعلماء وأطباء ومهندسين ومحامين وصحفيين فضلا عن استهداف النساء...

وفي وقت تتراخى السلطة التنفيذية عن فرض ما يساعد على حماية أرواح المواطنين تُصدِر أحكاما بالإعدام  في محاكمات لا تتوافر فيها المعايير الدولية  للعدالة كما أن  حجم الإعدامات غير معلن بأرقامه الحقيقية ويجري التدخل بأسس سياسية على حساب سلطة القضاء والعدالة.. وتجري اعتقالات واسعة بلا ضوابط قانونية ويجري الاحتجاز التعسفي ولمدد طويلة كثير منها بعمر الحكومة نفسها..

ويجري بشكل منظم التجاوز والاعتداء على السجناء من تعذيب بالأسلاك الكهربائية وخراطيم المياه والتعليق لفترات طويلة وكسر الأطراف والصعق بالكهرباء ونزع الأظافر وثقب الجسم بمثقاب وجرى اغتصاب سجناء وسجينات في سجون الداخلية وجرت حالات الإعدام والتصفية خارج الإجراءات القضائية  وعلى أسس طائفية سياسية الغايات..

وتعرضت النسوة العراقيات للضغوط من تهديدات واعتداءات لأتفه الأسباب من مثل طبيعة الزِّي الذي يرتدينه أو لأسباب تتعلق بالعلاقات الأسرية وبسلطة الرجل المطلقة التي تبيح له إيقاع مطلق العقوبات ما قد يصل حدّ القتل بلا روادع قانونية بخاصة  في ظرف استخدام ذرائع (غسل العار) وما شابه من حجج  للتغطية ولشرعنة جرائم القتل البشعة تلك!

وتعاني بغداد والبصرة وأغلب محافظات البلاد من نقص في الطاقة ومن عجز في توفير المياه الصالحة للشرب ومن ثغرات خطيرة في مجال الصرف الصحي فضلا عن تلوث بيئي ينذر بكوارث وعواقب إنسانية خطيرة.. فمثلا لا توجد كفاية مناسبة وتخصصية لإصابات السرطان المتفاقمة بحجم حدوثها حتى باتت بمئات الألوف ومثيلاتها من الولادات المشوهة ومن الإصابات بالأوبئة والأمراض المزمنة التي صارت رديفا شائعا لحياة العراقي,,,

إن مجريات الأمور تتم بطريقة فاجعة تدخل في جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة شاملة للعراقيين وبخاصة لبعض فئاتهم من مجموعات قومية ودينية تُدعى الأقليات ويمكن المرور على الآتي في تقرير موجز للوقائع:

1.   تدعي الحكومة العراقية دعم القضاء والالتزام بالقانون والدستور فيما تجري اعتقالات جماعية وفردية بلا أية أوامر قضائية ويجري الاحتجاز لمدد لا علاقة لها بقانون فضلا عن أشكال التعذيب الواردة في التقارير الرسمية...

2.  تدعي الحكومة تحسن الوضع الأمني بفضل جهودها المتقدمة!؟ فيما جرت فقط في الأسابيع الأخيرة جرائم الأحد والثلاثاء والأربعاء الدامية ما حصد أرواح مئات وأصاب مئات أكثر أخرى فضلا عن الخسائر المادية والنفسية.. والموقف ما زال يلعب بطريقة انتخابية لا علاقة لها بضبط الأمور وحسمها...

3.  وتزعم الحكومة حماية المواطن وتوفير سلامته فيما جرت اغتيالات بكيفيات جنائية لم تفتح الجهات المسؤولة تحقيقا فيها أو أنها اكتفت بالإعلان عن بدء التحقيق بلا نتائج؛ متهاونة  مستهترة بأرواح المدنيين والضحايا ومنهم شخصيات ثقافية وأكاديمية وسياسية معروفة حاولت التصدي للفساد والخطايا والثغرات الجارية في الحكومة وأجهزتها...

4.  تدعي الحكومة انتهاء موجة القتل على الهوية وما زالت رموز عشائر ومواطنين يتعرضون لهجمات معلنة بهذا النمط من الجريمة من دون اية مواجهة فعلية..

5.  وتدعي الحكومة الالتزام بالدستور وكفالة المساواة فيما المرأة ما زالت تتعرض لشتى صنوف الجريمة من حجر منزلي وسطوة سلوكيات التخلف من أفعال الضرب والجلد والاعتداء والاغتصاب وحتى جرائم القتل والتصفية غسلا لعار لم ترتكبه ولمجرد وشاية أو حالة شك أو حال غضب لمعتوه متشدد من رجال الأسرة، وبالضد من كل الشرائع الدينية والمدنية..

6.  تدعي الحكومة نهوضها بحماية الحياة وكرامة الإنسان وحقوق الطفولة فيما تنتشر الجريمة بخاصة في أشكال اختطاف الأطفال وبيعهم أو بيع أعضاء من أجسادهم والمتاجرة بهم ومن ذلك في سوق (تجارة الجنس) حيث يوجد بشكل علني في مدن دول الجوار عشرات ألوف المتاجر بهم في هذه التجارة المحرمة..  فضلا عن حرمان هؤلاء (الأطفال) من الأمان الأسري الاجتماعي ومن توفير حاجاتهم الإنسانية وسوقهم كرها نتيجة الاضطرار للدخول في سوق العمل وابتزازهم هناك بشكل مضاعف..

7.  إن نسبة عالية من الطلبة يتركون الدراسة مبكرا تصل إلى أكثر من ثلث الطلبة والأمر يزداد بين الإناث بسبب التمييز الجنسي والخوف المضاعف من العوائل مع تقدم عمر الفتاة.. إلى جانب تدني مستويات التعليم وانهيار النظام بشكل عام.. حتى بات المتخرج أشبه بالأمي في تخصص الشهادة التي يحملها في نهاية مطاف عملية تسمى شكليا تعليمية...

8.  تتعرض الشبيبة للبطالة ما يدفعها إلى ولوج عوالم مرضية  واستغلالية  بشعة.

9.  يتعرض المتخصصون للتصفية أو الخضوع للهجرة القسرية ويأتي في مقدمة هؤلاء أساتذة الجامعات والصحفيين حتى صار العراق الأخطر عالميا في مجال عمل الإعلاميين والصحفيين.. ولم تكشف الحكومة عن أية حالة جنائية - ومن وقف وراءها - من تلك العمليات التي جرت طوال العام المنصرم أو سنوات عملها وولايتها الرسمية..

10.             يتعرض السجناء للعنف الجسدي والنفسي والجنسي بخاصة منهم النساء والأطفال، وتستند أغلب قرارات النطق بالحكم إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب في ظروف الاستغلال الطائفي للمسؤولية الحكومية أو سوء استخدام السلطة...

11.             إنّ من أخطر ما تتاسس عليه انتهاكات حقوق الإنسان العراقي هو وقوع السلطة  بأيدي طائفية متشنجة مريضة تتعارض أفكارها وبرامجها وجوهر الدولة الحديث القائم على علمنة الحياة والمجتمع المدني.. وبهذا فهي تفسح بهذا الطابع المتعارض مع الدستور أوسع المجالات لاستباحة حقوق الناس..

12.             والأمر الخطير الآخر هو وقوع المسؤوليات الرئيسة والقيادات العليا بأيدي جهات غير ذات اختصاص وهزيلة الخبرات  أو معدومة المعارف والمعلومات المهنية ما أودى إلى فوضى وتفشي الفساد والمحسوبية  وانفلات الأوضاع من السيطرة الأمر الذي جاءت نتائجه على حساب مصالح المواطن وحقوقه أولا وآخرا...

13.             تمارس السلطات ذات الخلفية الدينية الطائفية تشجيعا ممنهجا لإذكاء التقاليد البالية وتعزيز سطوة التخلف الاجتماعي بذريعة الحفاظ على أخلاق المرأة والمجتمع وهي بهذا الفعل تدفع لمزيد من القيود التي تسلب المرأة حقوقها والمجتمع حرياته الإنسانية السليمة..

14.             تتقاطع فلسفة القوى الحاكمة وأداتها الحكومية مع حريات المجموعات القومية والدينية المتعددة فتسلبهم حقوقهم في ممارسة طقوسهم وشؤون الهوية ومفرداتها وتفرض تهميشا ومطاردة تجبرهم على النزوح الداخلي والتهجير القسري الخارجي إلى دول اللجوء.. وهكذا تتعرض هذه المجموعات لجريمة إبادة جماعية فعليا وعلى أرض الواقع..

15.             المهجرون في بلدان اللجوء ما زالوا يعانون ومع ذلك تعقد الحكومة العراقية اتفاقات إعادة قسرية على الرغم من المآسي الجارية ومن تعرض  هؤلاء لتهديد التصفية والموت... وتحصي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ما يفوق الأربعة ملايين مهجَّر ونازح بواقع 2.77 مليون في الداخل ومثلهم في كل من الأردن وسوريا.. وهؤلاء ممن يكابدون في مختلف المجالات الحياتية..

16.             ما زالت مدن عراقية تتعرض لنكبات خطيرة بلا استجابة فعلية للمعالجة كما في البصرة التي أصدرت نداءات استغاثة لم تتفاعل معها الحكومة العراقية إلا سلبيا حيث منعت أي شكل من أشكال التعبير والاحتجاج التي بادر بها أبناء المدينة..

17.             كما تغفل الحكومة المخاطر البعيدة لنضوب المياه ولقطع دول جوار لمصادر المياه وتحويل الأنهر عن مجاريها الطبيعية كما حصل من إيران وتركيا وسوريا..

18.             وتهمل الحكومة التعاطي مع مواقف التهديد  التي تقوم بها دولة الجوار الشرقي بشأن بناء محطات نووية وأخرى من معامل كيمياوية وتلقي نفاياتها في  اتجاه الأهوار والأراضي العراقية ما يهدد سكان المنطقة..

19.             في مجال التعليم والتدريب والتأهيل تهمل الحكومة كل القطاعات من الطفولة ومرورا بالشبيبة وبالنساء وحتى بقية الشرائح التي يتطلب الأمر إعادة تأهيلها وإدماجها في الحياة المدنية كما في حال عناصر الميليشيات التي ينبغي تدريبها على الأعمال المدنية إبعادا لها عن الانخراط في سلك يتهدد وجودها فيه الأمن الوطني وحيوات الناس ويعرضهم لنتائج ممارسات وصراعات غير محمودة العواقب..

20.             ما زالت الحياة الثقافية وقوى الإبداع الأدبي والفني الجمالي والفكري بعيدة عن الحصول على اي شكل من أشكال الدعم ويتعرض المبدعون لهجمة شرسة فضلا عن بقاء المكتبات ومراكز الفنون في حال من الإهمال حتى أن وزارة الثقافة تئن من تدني رصيدها في ميزانية الحكومة وكأن الدولة بلا ثروات طائلة...

21.             ما زال الشعب لا يملك ثروته بسبب من سوء التوزيع وتفشي الفساد المالي وسرقات الثروة وإحالتها لمصادر لسوق الابتزاز المافيوي الدولي..

22.             تتعرض الأحزاب العلمانية والديموقراطية والليبرالية لمضايقات واضحة كما يجري محاصرة أية جمعيات أو روابط أو نقابات ديموقراطية الاتجاه.. وفي ظل عدم إقرار قوانين منظمات المجتمع المدني يجري التضييق على كل ما يولد على أسس عصرانية حداثوية صحيحة..

23.             تعمدت الحكومة سن قوانين تتسم بلا دستوريتها كما أحجمت عن سن قوانين بالعشرات كيما تبقى بعيدة عن تشكيل مؤسسات الدولة التي يمكن أن تحاسبها وتتابع أنشطتها... ومن أبرز ذلك عدم سن قانون الأحزاب وعدم سنّ قانون مجلس الاتحاد والتدخلات والضغوط على القضاء ومؤسساته بما يتاوز على الحقوق العامة والخاصة..

ويمكن إذا ما اتجهنا أكثر وأعمق أن نسجل عديدا من التفاصيل الخطيرة من تلك التي تصادر حقوق العراقيين وتهمشهم وتجعلهم مجرد أرقاما رخيصة في حسابات حكومة لم تعبأ يوما لمسلسل الآلام والتضحيات التي يدفعها المواطن وهي تتاجر بتلك الآلام وتلعب بها في إطار الصراعات بين أحزابها على كراسي تحقيق مصالح الفساد الذي صار السمة الدولية للعراق الجديد..

ولمزيد من التفصيل في الأرقام والأوضاع نضع بين يدي القارئ الكريم تقريرنا في العام المنصرم الذي ما زال يحتفظ بتكرار المشهد إحصاءَ َ ومشهدا إنسانيا يستغيث طلبا للعدل والإنصاف وإقرار حقوق العراقيين في عهد يُراد له أن يوقف زمن المصادرة والاستلاب والاستغلال ويبدأ مرحلة معالجة آثار الماضي ونكباته ويزيل غمة الراهن وينتقل بالعراقيين لعالم الاستقرار والسلم الأهلي والأمن والأمان..

إن أولى وأهم أمور التوجه إلى انتخابات السنة الجديدة هي التخلص من تلك الحكومة التي لم تحفظ للعراقي حرمة ولم تحترم له سمعة أو كرامة ولم تلبي له مطلبا أو تفي بحق من حقوقه الإنسانية والمجيء ببديل مدني يحترم حقوق الإنسان العراقي ويعلي مكانته ويحفظ سلامته ويلبي حاجاته ويبني بلاده وبيته بثرواته الغنية بدل سرقتها وتضييعها... وكيما يتجاوز العراقي ألاعيب من سنّ قانون الانتخاب بطريقة تضمن عودته على العراقي اليوم أن يتفكر جيدا فيمن سيضع اسمه في ورقة الانتخاب وتحديدا الاسم نظيف اليد طاهر النفس نزيه الفكر صادق الرؤية سليم البرنامج وكفوء الدربة والخبرة قادرا على إحداث التغيير المنتظر منه وتلبيية حقوق العراقيين..

فهلا توجه العراقي لقطع الصلة مع أضاليل التمثيل الطائفي التي أثخنته جراحا وسلبته حقوقه كافة؟ ذلكم ما ستقوله نتائج توظيف وعيه الإيجابي في رحلة حسم الموقف بصوته لصالح كرامته وحقوقه وحقوق أبنائه وبناته...

 

رابط تقرير الدكتور الآلوسي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2008:

http://www.somerian-slates.com/p575hr.htm