المرصد السومري لحقوق الإنسان

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

ناشط في مجال حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

في عالمنا المعاصر لا يحيا إنسان بلا غطاء مؤسساتي ومن دون رعاية أو حماية جمعية منظمة تنظيما مؤسسيا يتناسب والدولة المعاصرة وتطور الحياة الإنسانية وعولمتها.. وتجتاح حالات استغلال الإنسان حمى التعديات والتجاوزات المغطاة بسلطة المافيات الدولية والقوى التي تعلو سلطتها فوق الحدود الوطنية ومحليا تبرز حالات الاستغلال هي الأخرى بتمويهات وأشكال من الأغطية والحيل التي تعبث بحيوات الناس ومصالحهم وحقوقهم الإنسانية..

وبمقابل كل أشكال الاستلاب والمصادرة والتجاوز والاعتداء على حقوق الإنسان الفرد والجماعة يتطلب الأمر مراصد حقوقية مستقلة تتابع تلك الحالات العدوانية الاستغلالية وتحصيها واضعة نصب العين أمر تحديد المسؤولية ومتابعة الجهود القانونية السلمية لإزالة أي حال من أحوال الاعتداء والعدوان..

ومن الطبيعي أن توجد جهود فعلية لناشطي حقوق الإنسان الفاعلين لكن تلك الجهود ستبقى محدودة الأثر وقد تضيع إذا ما بقيت بحدود الجهد الفردي.. ما يتطلب تعزيز مثل هذا النشاط بتحويله لجهد مؤسساتي جمعي تشترك فيه الأعمال التطوعية التعاضدية كيما تنتظم بعمل موحد مشترك يمكن أن تتسع دائرته وتصل إلى ابعد مواضع الخلل والثغرات والاعتداءات حتى تصل إلى حيث تتخفى كاشفة إياها مبيّنة  أول الطريق للوصول إلى الحلول الناجعة ومن ثمّ تطمين الحقوق العادلة المشروعة...

ولسنوات عمل كاتب هذه الأسطر على التعاطي مع شؤون حقوق الإنسان متفاعلا مع حقوق الأفراد ومشاركا في حملات الدفاع عن الجماعات القومية والدينية التي باتت تحت رحمة الاستضعاف والمصادرة والتصفية بكل مستوياتها المادية والمعنوية... ولكن تطوير هذا الجهد وتوسيع آثاره الإيجابية تبقى بحاجة لمأسسته وطلب الرفد الجماعي لكل شاردة وواردة كيما يتم متابعتها بدقة وبما تستحق من موقف مناسب وتلبية المطالب..

إنَّ عددا من الحالات كانت وما زالت تتطلع للمؤازرة والتدخل والمتابعة.. إذ ترد مئات الرسائل للبريد الشخصي، وعلى مدار العام في مناشدة حقوقية لا يمكن للجهد الفردي أن يغطي التفاعل معها مع أنها جميعا تمتلك كامل المشروعية والحقوق الإنسانية كيما تتم الاستجابة لها فعليا...

ومازالت مثلما  كانت أياما معقدة صعبة وعميقة الجراح أيام الصراعات الطائفية والحرب المستعرة في العراق، بالإشارة هنا إلى الاعتداءات التي طاولت بنات وأبناء المجموعات القومية والدينية من أيزيدية وصابئة مندائيين ومن مسيحيين ومن أرمن وكلدان آشوريين سريان ومن تركمان وكورد ومن الكورد الفيلية ومن مختلف الجماعات المتعايشة التي يراد لها الاحتراب بغية تصفيتها.. كما أن العراق بأكمله شعبا وأرضا صار مسرحا لانتهاكات وبلا من يتحدث باسمه وحقوقه ما تطلب حملات وطنية ودولية لفضح الانتهاكات العدوانية وتدخلات من عناصر من دول الجوار أو عبرها ومن قطع المياه وتجفيف مجاريها ومنابعها ومن تهديد الحياة بكل تفاصيلها بالتلويث البيئي بأشكاله وسرقة ثرواته المادية والثقافية سواء باحتلال آبار النفط أم السمسرة بمواطنيه أم سرقة أم حرق معالمه التراثية ووثائقه ومنجزاته.. وكل تلك وغيرها حقوق ثابتة تبقى بحاجة لرصد الانتهاكات بشأنها والدفاع عن مستحقيها...

وكانت أيام الاعتداءات على غزة وشعبها تتطلع بعيون الإخاء الآدمي وقوانين الشرعة الإنسانية كيما توقف نزيف الدم المباح بأسلحة محرمة.. وتتجه مطالب الحقوق شمالا حيث لبنان وأجوائه وجنوبا حيث حرب اليمن التي يشعلونها بحجج وذرائع مستمدة من المطامع الإقليمية ومن مشكل الديموقراطية السياسية والاجتماعية لتعبر إلى حيث دارفور وجنوب الشودان وشعبهما المستباح بكل المقاييس بمستويات هي الأسوأ همجية ودموية بخاصة في ظل عصابات الجتجويد ومن يقف وراءها...

وتعاني فئات مهنية واجتماعية واسعة من ضغوط الاضطرابات والظروف السياسية وصراعاتها في بلدان عديدة شرق أوسطيا وعالميا.. وحتى أوروبيا تقع أخطاء وممارسات بعضها يتسم بالعنصرية وبالاعتداء على حقوق الشغيلة المهاجرين وعلى أبناء الجاليات القديمة من الجيل الثالث والحديثة النشأة من أبناء الجيل الأول للهجرة الجديدة..

وما يرد من طلبات المساعدة يظل بحاجة لتفعيل الجهد بالاشتراك مع المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية.. وبعض هذه المظمات بخاصة منها محلية الطابع تتشكل لدواقع  دعائية حزبية ضيقة ما يجعلها شريكا مباشرا في التغطية على انتهاك حقوق الإنسان كما في بعض ما يتسمى بمنظمات حقوق الإنسان (العراقية) وهي الأذرع الطولى في التضليل وفي فلسفة النفاق وممالأة الأحزاب التي تقف وراء التشكيل والتوجيه الفوقي..

إن تعقيدات من هذا النمط وغيره تراكم العراقيل بوجه العمل الحقوقي في بلدان الشرق وكذلك في البلدان الأوروبية التي تحتاج فيها الجاليات الجديدة إلى التعاطي مع منظمات مجتمع مدني حقيقية فاعلة تنصفهم وتتكفل في الدفاع عن حقوقهم بطريقة قانونية مشروعة وبصواب الأساليب وصحيحها بما يكفل حل المشكلات وإزالة المعاناة وفي ذات الوقت يحترم القوانين الديموقراطية في دول الاتحاد الأوروبي...

إنّ مجهودا جديا مؤثرا في المجال الحقوقي يتطلب:

1.     تنظيم العمل وتخطيطه مؤسساتيا بما يكفل التفاعل مع المطالب وحجم الانتهاكات  المتسعة مخاطره..

2.    عقد أشكال الصلات والعلاقات بين ناشطي حقوق الإنسان ومنظماته محليا عراقيا بما يحقق وحدة جهودها ويقوِّي من تأثيرها.. لحين توحيد تلك الجهود بطريقة مناسبة تنظيميا..

3.     عقد الصلات والعلاقات مع المنظمات الإقليمية والدولية وتبادل المعلومات المناسبة والمتاحة بما يكفل تعزيز الفعل الحقوقي وأثره..

4.     خلق الأدوات والآليات الفاعلة للتعريف بقوانين حقوق الإنسان وبوضعها على المستويين المحلي والدولي ومن ذلك إدخال مادة حقوق الإنسان مدرسيا وجامعيا وفي القنوات الإعلامية والصحافية وفي محافل العمل المنظماتي الجمعي...

5.     رصد الميزانيات المناسبة للعمل الحقوقي وجوائز الجهود المميزة تعزيزا للتفاعل الأنسب أفرادا وجماعات مع العمل الحقوقي...

6.     توسيع الصلات جماهيريا وفتح قنوات الاتصال المضمون المؤمَّن عدم إذاعة مصادر المعلومات أو تعريضها لمخاطر الكشف للقوى الاستغلالية المعادية لحركة حقوق الإنسان...

7.     نقل الجهد الشخصي المتواضع في مناصرة حقوق الإنسان والشعوب من محدوديته الفردية إلى الانتظام في عمل مؤسسي تسانده الأيادي البيضاء والقلوب العامرة بالإيمان بحقوق الإنسان الثابتة بلا منقصة أو مثلبة... وسيجري اعتماد هذا التوجه في ضوء التفاعلات الواردة بعد هذا النداء..

 

إن جملة هذه الملاحظات والمعالجات وتوصيات تطوير العمل،  وطبعا في ضوء العامل الأساس ممثلا في ضغط الاتصالات الفردية والجمعية بشأن القضايا الحقوقية، دعتنا للتوجه إلى مستوى جديد من العمل يتضمن إعلانا ثابتا بفتح آفاق الاتصال بالأفراد والجماعات لتزويدنا بالمعلومات وبالمطالب الحقوقية ليسجل رصدا يرتقي لمستوى الحدث ويوسع دائرته مستجيبا لأكبر حجم مطلبي متاح...

وبمناسبة بدء العام الجديد وفي وقت نتمنى تحقيق الآمال والتطلعات والمطالب، نأمل أن نجد التفاعل المؤمل من الكل في التجمع سويا لضبط إيقاع الجهد الحقوقي بما يمكننا من المساعدة المتاحة في محاولة حل المعضلات وبما يصل بنا لشاطئ الأمان..

هذه دعوة لتوجيه الرسائل التي تعنى برصد الانتهاكات الحقوقية الفردية والجمعية للبريد المثبت مع هذه القراءة بأمل أن يكون لدينا تقرير مناسب بحجم المطالب الإنسانية المتسعة المتشعبة فصلسل وفي نهاية العام إلى جانب نقل ومبادلة ما يردنا مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بغية تفعيل حالات الوصول إلى نتائج إيجابية والاستجابة للمطالب الإنسانية العادلة... ومباركة جهود جميع الفاعلين الناشطين حقوقيا...

*   فكرة "المرصد السومري لحقوق الإنسان" تؤمن بوجود الجهات الحقوقية الفاعلة وتؤمن أيضا بأهمية الإضافة عليها وتفعيلها وتوسيعها بفتح ملف آخر ليكون منفذا جديدا داعما، وليستقبل من كل شخصية سواء الفرد (كل إنسان إناثا أم ذكورا) أم المؤسسة (كل المنظمات والجمعيات والفئات والجماعات وممثليها) ما يرسلونه تطوعيا تعاضديا بشكل مؤقت أو دائم من وقائع حقوقية وكل ما يتصل بحقوق الفرد والجماعات القومية والدينية مما يحدث في أرض الواقع نتيجة خطأ مقصود أو غير مقصود أو نتيجة أعمال استغلال أو ابتزاز أو تهديد أو خروقات أو تجاوزات أو اعتداءات مما يتعارض ومفردات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية... وستتركز مهمة المرصد على كشف تلك الحقائق ووضعها بين أيدي المعنيين دوليا إقليميا محليا وبما يكفل الوصول لحلول ومعالجات منتظرة.. وطبعا يكفل المرصد، فور بدء العمل الرسمي، الالتزام بالقوانين واللوائح المرعية الكفيلة بتدقيق المعلومة من جهة وبإيصالها الأسرع للجهات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وبمنع تعريض مصادره لأي شكل من أشكال الضغوط لنقلهم المعلومة إليه...