الأنا والآخر وقواسم العمل المشترك.. من دروس الفلسفة وتطبيقاتها

أ.د. تيسير الآلوسي



بدءا أود التوكيد على أننا قد نختلف في المنطلقات الفكرية ما قد يؤدي لتنوع وربما اختلاف في الأساليب ولكنني ما زلت أؤمن بقوة بأن من يؤمن بمصداقيته هو يجب أن يدافع عن الرأي الآخر وعن حقيقة وجود الضفة الأخرى بل عن واجب الإيمان أن وجود طرف بعينه لا يمثل الأنا مقابل نفي الأطراف الأخرى نحو منفى الآخر وأكثر من ذلك نحو تهميش هذا الآخر أو وضعه بالمرتبة التالية


وربما ستتعزز مصداقيتنا حيثما قبلنا بأن نضع أنفسنا موضع الضفة الأخرى وأن نضع (الآخر) موضع الأنا وبهذا نؤمن بل نمارس تبادل الأدوار و وقف حالات الإقصاء والإلغاء والتهميش والاستلاب والمصادرة وربما السطو على منجز (الآخر) واحتكاره لجهد طرف من دون الأطراف الأخرى المساهمة في المنجز [قد يكون المنجز هنا هو مكان أو مكانة]، بمعنى السطو على الأولوية مترافقا مع إلغاء الآخر وليس وضعه في المكانة التالية فقط!



أيها السادة، لا يمكن أن أتفق (ومعي كل المؤمنين بهذه الرؤية الفلسفية(لا مع حال المصادرة والإقصاء (و ربما السطو)؛ و لا مع الانسحاب الذي يبديه طرف أو آخر من مسيرتنا الإنسانية بتفاصيل أداءاتها المتنوعة المختلفة.. فقضية الاختلاف المرجعي (فكريا سياسيا) أمر ومثلها قضية الاختلاف في (التناول والمعالجات والأساليب)؛ وقضية حاجتنا الثابتة لتعميق ((فلسفة التعايش المشترك)) بيننا نحن المتعددين بتعدد بصمات وجودنا الشخصي أفرادا وجماعات، فئات ومؤسسات أمر مطلوب باستمرار...



أيها السادة؛ إنَّ توجهنا إلى بناء مؤسسات مجتمعنا المدني بما يليق من جهة بالمثقفين والأكاديميين المتخصصين هو ما يمثل حقا وفعلا مستوياتهم المتقدمة بآليات وجودها وممارستها حياتيا و هو ما يقنع عموم الشعب بهذه النخب التي يُفترض أن تقود المركب في هذه المرحلة من تاريخنا.. أما إذا حدث في أثناء أداء مهامنا وقيادة أمورنا بطرائق مزاجية وبروح مرضي لا يمت للعمل المؤسساتي ولا لقيم النخبة التي تنتمي وجوبا للعصر وقيمه الإيجابية العليا، فإننا نتجه لخيبات ولانكسارات خطيرة في مسيرتنا



أرجوكم أيها السادة، جميعا عند العمل الجمعوي المؤسساتي، التفكير بطريقة أشمل وأوسع وأرقى.. وأنتم قادرون على ذلك. وإنِّي لأتمنى عليكم إدارة الأمور من منظور فلسفي قيمي ومن منظور آليات العمل المؤسساتي المتمدن ومن أهمية اعتماد قيم أخلاقية سامية نبيلة تعبر عن ذياك المعدن الأصيل في جهودكم جميعا بلا استثناء في أية مؤسسة أو جمعية أو إطار عمل مشترك.


وهنا اسمحوا لي إجرائيا بعد هذا التداخل الذي آمل أن أكون مصيبا به أن أدعوكم مجددا ودائما للقاء إنساني (مهني عملي) مشترك حيثما كنتم في ضوء مبدأ مساواة الأنا والآخر وتبادلهما الأدوار والمواقع والأماكن من أجل تبادل الرؤى والتفاعل بين جميع الأطراف بطريقة تتسق والمقامات الرفيعة وبما يعود على العمل المهني الفئوي التخصصي والمجتمعي العام بإيجابيات قيم المشاركة واحترام الروح الجمعي المؤسساتي والمساواة بين الأطراف (الأنا والآخر) بوجود جميع الأطراف بحقوق كاملة تامة في إطار الوجود الجمعي المشترك، أينما كان... وبالتأكيد في ضوء مثل هذه القيم تبقى هذه دعوة إلى جانب نظيراتها، لنترك موضوع الخلافات والاختلافات إلى موضعها المناسب؛ ونركز على المهم حيث تعميد العمل المهني بآلياته ومفردات إنجازيته لما يعود على هذا قطاع العمل التخصصي بالخير وبما يعمّد جهود الجميع بالخير لصالح كل قطاع ومنتسبيه ولصالح المجتمع المحلي والإنساني عموما...


إن قيم العمل الجمعي مهمة لتوكيد فلسفة جدية ناجحة لصالح وجودنا المشترك وأؤكد أن ذلكم لن يتعارض مع خطاب كل منا الفكري السياسي أو الأخلاقي الفلسفي وموضع تبني السجال والنضال في مثل هذا الخطاب لإقناع المجتمع بما نريد وما نؤمن به بآليات حضارية مدنية سليمة...
فقط ما نحتاجه وندعو إليه يكمن في تعزيز تفاعلنا الإنساني والإيمان بحقوق الجميع في المساواة والإنصاف والعدل.



شكرا لقراءتكم رسالتي هذه وتفاعلكم معها عمليا فعليا في تفاصيل يومنا العادي.. مثلما في تبني فلسفتها القائمة على المساواة بين الأنا والآخر وتبادلهما المشترك الجمعي وقواسم التفاعل الإيجابي البناء وإقامة العلاقات الإنسانية والمهنية التخصصية انطلاقا من روح مدني سامِ ِ.
أنتظر رؤاكم فيما هو نظري وفييما هو عملي تطبيقي.. فبها يكتمل اللقاء وتنضج جميع الرؤى والأفكار والأسماء.