لمن ستذهب أصوات الهولنديين من أصول أجنبية؟

لمن سنصوِّت بعد الغد؟

أ.د. تيسير الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

ناشط في مجال حقوق الإنسان

 

يبدو لي أن الجاليات الأجنبية وتحديدا منها ذات الهوية المتقاربة كالجاليات الشرق أوسطية تبقى بحاجة لجهات بحثية ومراكز متابعة واستبيانات بما يساعدها بحق على فهم أشمل وأعمق لآليات الحياة السياسية الاجتماعية والاقتصادية في هولندا.

إننا نحيا في بلد متعدد الهويات إذ يحتضن هويات أثنية قومية ودينية متنوعة. ومن مهماتنا أن نتعرف بدقة وموضوعية إلى اتجاهات مجموع الشعب الهولندي وتطلعاته وما ينتشر في أوساطه من أفكار وآراء وسياسات، سواء منها الصائبة أم غير ذلك وسواء منها ما ارتبط مباشرة بنا أم ما كان لا يتصل بنا مباشرة..

إنّ العيش بطريقة سلبية على هامش الحياة في بلد قررنا الاستيطان فيه يعني مساهمتنا فعليا في إيقاد جذوة الكراهية تجاهنا والنفور والمواقف العنصرية التي تجد من يتبناها حتى على مستوى أحزاب باتت تتسع قواعدها معتاشة على إثارة مشاعر الكراهية بين الهولنديين وأطيافهم..

ومن أجل أن نكون فاعلين في الدفاع عن الاستقرار الاجتماعي والتقدم السياسي الإيجابي لكفالة إدارة الاقتصاد إيجابيا وتوزيع الثروات بطريقة منصفة سواء في شمول ذوي الدخول المحدودة بتطورات إيجابية أم في تطوير أداء التأمين الصحي وشؤون التعليم والخدمات العامة إلى جانب تعزيز حلول مناسبة للبطالة التي باتت تستفحل شاملة قطاعات أخرى جديدة.. نضع سؤالا رئيسا يتمثل في: البحث عن مهمتنا اليوم بخاصة في خيار الانتخابات؟

لقد أثبتت أحزاب اليمين والوسط والتحالفات التي جرت بقيادتها أنها لم تجلب لهولندا سوى تدهورا متصلا منحدرا بجميع الأطياف نحو هاوية الأزمات الاقتصادية الاجتماعية السياسية الخانقة.. ولولا برامج إصلاحية بفضل تأثيرات قوى كحزب العمل لكانت الأمور باتجاهات وسياقات أسوأ.

وطبعا في أجواء كهذه يتعرض الهولنديون من أصول أجنبية ومنهم أولا الشرق أوسطيون لمزيد من الضغوط والتشويه وتدفع أحزاب اليمين  باتجاه تفسيرات عنصرية الجوهر مثيرة التقسيم بله والصراع بين الهولنديين وتشجيع نعرات العنصرية تجاه أبناء الجاليات محملة إياهم مسؤولية التدهور في كل شيء.

إن هذه المجموعات بطبعها مجموعات مسالمة تحاول البحث في أفضل آليات التعايش والاندماج وخلق أحسن وسائل التوطين والتفاعل بطرق إيجابية لتطوير المجتمع وتنمية ظروفه العامة.. كما أن فيها كوادر علمية جاهزة ما زالت معطلة لأسباب منها عنصرية التعامل في التشغيل ويحقق أبناء الجاليات أفضل النتائج الدراسية العلمية ويصلون إلى أسمى الدرجات الوظيفية بفضل حيويتهم وتطلعاتهم الإيجابية..

من هنا فإن ما يتبقى اليوم لهذه الجاليات وبناتها وأبنائها يكمن في مزيد من مسؤولية المشاركة الأكثف في الانتخابات القابلة بحيث نصل إلى أعلى نسبة إدلاء بأصواتنا كيما نصل إلى التأثير الجدي الإيجابي لصالح خياراتنا وكيما نستثمر التوازن مع النسب الانتخابية المقابلة بخاصة تلك المتنامية بقوة للتحشيد ضد الهولنديين من اصول أجنبية أي أن يكون تصويتنا ضد العنصرية الموجهة لوجودنا ولثقافة التنوع في المجتمع الهولندي..

مطلوب منا أن نختار التجديد في الحياة السياسية العامة، ولا نتجه إلى القراءات التي تفبرك بالاستقصاءات والاستبيانات التي توحي لنا بأننا أقرب إلى أحزاب ليبرالية يمينية أو ديموقراطية يمينية فهذه استقصاءات مبنية بأسس توجه للمحافظة على وجود القوى الكبرى ثابتة ومنع أية تطلعات أو تغييرات جدية عميقة تتناسب وواقع التطورات والمتغيرات في الحياة العامة هولنديا.. وأشير هنا فقط إلى أن نسبة من هم من أصول شرق أوسطية نمت في هولندا من الصفر% إلى ما هو أكبر من الـ12%  فهل نمتلك حجما عاملا على المستوى البرلماني الحكومي بحجم هذا النمو؟

طبعا الإجابة كلا ولكن المنتظر في انتخابات التاسع من حزيران يونيو أن ندخل بقوة لنشارك في تقرير التوجهات العامة بعيدا عن العنصرية عميقا حيث التفاعل والعمل من أجل بناء هولندا جديدة أفضل لوجودنا الجمعي المشترك..

وطبعا لدينا تنوعا في الإيمان الديني والمذهبي ولدينا تنوعا وربما اختلافا في الاعتقادات الفكرية الأيديولوجية لكن الموقف السياسي المنتظر وخلفياته الاقتصادية المؤملة يكمن في توحيد تصويتنا نحو أحزاب تتبنى مواقف إيجابية منا وهذه هي الخطوة الأولى لقوتنا التصويتية حيث لا مرشحين مباشرين من وسطنا  باسمنا..

وبروز قدراتنا التصويتية سمنحنا فرصة التفاوض والتأثير في برامج القوى والأحزاب المعنية وكذلك في رسم سياستها إيجابيا، إذ أهدافنا تتأسس على التفاعل والاندماج الإيجابي.

إذن، أي الأحزاب حاليا نحن أقرب إليها وهي أقرب إلينا؟ إن أحزاب اليسار والوسط هي المعنية بحمل تطلعاتنا  بطريقة موضوعية تستجيب للمطالب والحاجات وخطط البناء والتقدم.

وهذه الأحزاب ممثلة في حزب العمل P.v.d.A وهو الرقم 2 في قائمة الانتخاب والحزب الاشتراكيSP وهو الرقم 3 في القائمة    واليسار الأخضر Groenlinks وهو بالقرم 6 في القائمة الانتخابية ثم يأتي بالرقم 8 حزب D66 .. إن تصويتنا في قائمة هذه الأحزاب سيصب باتجاه تخفيف التوتر الاجتماعي السياسي ونزعة العنصرية المتنامية كما سيصب في معاتلجات اقتصادية بخاصة في شؤون الخدمات ومعالجة البطالة وتشغيل الطاقات بعدالة وفاعلية..

وينبغي القول إنه من الخطر التماهل في التصويت والاعتقاد أن ذلك أمر لا يعنينا أو لا يهمنا وأنه مثلما في بلداننا لا يقدم ولا يؤخر أو أنه سيخرج غيرنا ويقول كلمته.. إن إزالة هذه السلبية ليست مجرد قرار دعانا إليه باحث أو جهة ما بل الأمر يتعلق بعيشنا ومستقبلنا الشخصي والعائلي والاجتماعي العام..

لا يجوز لنا التلكؤ عن التوجه إلى التصويت بفاعلية وكثافة عالية لأننا بعد ذلك سنجد من يتباكى بشأن نسبة تصويت العنصريين ومن يقفون ببرامج لا لاتخدم لا المجتمع الهونلدي بعموم مكوناته ولا وجودنا في هذا المجتمع؟ وليس من حق شخص سلبي لم يتجه ليدلي بصوته أن يتحدث عن النسب القوى لصعود نجم العنصرية واليمين في حينها..

وبدل من أن تلعن الظلام (هنا العنصرية ونمو نسبتها) اشعل شمعة (هنا اتجه للتصويت أنت وجميع أفراد العائلة) والأصدقاء والمعارف.. إن التصويت لليسار بكل أحزابه لن يكون ضد تفكير نلتزمه أو اعتقاد ديني أو أيديلوجي بل هو في صميم ما يخدمنا ويخدم السلام والديموقراطية ومن ثم التقدم بخدمات وحقوق نتطلع إليها..

ومن لم يتأثر اليوم بالتدهور سيجابه في الغد ظروفا أعقد وأصعب الأمر الذي لن يكون مفاجئا.. لأن الحقيقة قد تم توضيحها.. وطبعا هنا أحمل الجمعيات والمنظمات العاملة مدنيا هنا وجميع الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي أن تتوسع بجهدها هذين اليومين بهذا الخصوص.

لنتجه سويا وبكثافة للتصويت لأحزاب اليسار وشخصيا لا أخوض بتحديد مسبق لحزب من دون آخر أو لشخصية مرشح من دون آخر ولكنني أدعو لأن نكون فاعلين إيجابيين وبأي خيار لننتقل في مرحلة أخرى لمرشحينا من بين بناتنا وأبنائنا ممن يعرفون عن كثب تفاصيل الحاجات وآليات التفاعل الأفضل والأعمق قربا..

صوتوا للعمل والاشتراكي واليسار الأخضر، فهم الأقرب لمطالبنا الحياتية هنا وبرامجهم تضمنت أشكال التضامن الأشجع مع قضايا شعوبنا وتطلعاتها لعدالة التوزان الدولي.. فهل بعد ذلك من تساؤل؟ وهل بعد ذلكم من تردد أو تقاعس؟ ومن بيننا سيقبل التردد والتقاعس ويحلله لنفسه ليوقعنا في مآزق صعود النزعات العنصرية؟ وهل بيننا من يترك الأمور للمصادفات ويترك من يناصرنا في هذا المجتمع الذي بات مجتمعنا الجديد، منتظرا أن تأتيه النتائج وهو نائم في بيته؟

لن تكلفكم مسألة التأشير على خياركم كثيرا ويمكنكم تكليف من يصوت لكم وتخويله المهم أن تساهموا بفاعلية لا تسنوا صوتكم منتظر بعد الغد الأربعاء التاسع من حزيران يونيو وسنحتفل مع كل المجتمع الهولندي بنجاحنا سويا في اختيار الأفضل والأجدر لهولندا تحترم التنوع وتتقدم لصالح مجموع مواطنيها بلا تمييز.. وذلكم لن يأتي إلا بتصويتنا وشماركتنا الفاعلة الإيجابية.