العلاقات الكوردية العربية، استراتيجية العمق والأداء

زيارة رئيس الإقليم والتعبير الواقعي الصريح لعلاقات كوردستانية عربية مباشرة

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

tayseer54@hotmail.com

 

في سقف الزيارات الأخيرة لفخامة رئيس إقليم كوردستان العراق السيد مسعود البارزاني إلى عدد من الدول العربية الخليجية وغير الخليجية، انعقدت علاقات على المستوى الرسمي كان من بين دلالاتها ومفردات الأداء أنها أشارت إلى جسور جديدة تتفتح في العلاقة بين كوردستان والبلدان العربية في المستوى الدبلوماسي الرسمي..

ولم يكن هذا مفاجئا أو جديدا بقدر ما جاء بتوقيت مناسب للتعبير عن العلاقة التاريخية بين العرب والكورد تحالفا وطيدا ثابتا. وكانت تلك الزيارات قد أفضت إلى نتائج إيجابية الأثر لدائرة أبعد من حال العلاقة بين طرفي الحوار الرسميين.

اليوم جاءت الزيارة إلى مصر وصيغة الدعوة وشكلها البروتوكولي (المميز) فضلا عن الدلالات التي تضمنتها لتؤكد العمق الاستراتيجي لهذه العلاقات ليس في مستواها الشعبي حسب وإنما في مستوى رسمي يمكن أن يشير من بين أداءاته إلى ردّ غير مباشر على بعض معطيات الواقع ومجرياته من تفاعلات سياسية حادة من أطراف إقليمية أخرى..

فإقليم كوردستان العراق يتعرض إلى  استهداف عسكري مباشر لأمنه من دولتين إقليمتين باستمرار قصفهما الذي طاول قرى كوردستان ومدنها، والوضع العراقي بعامة يدخل اليوم في مطالب واستحقاقات تنتظر جهدا كوردستانيا معروف الحجم والأثر، وعمليات البناء في كوردستان تمضي بخطط تتطلع إلى تحول كيفي كبير يخدم أبنائه من جهة ويدخل في خدمة استقرار الأوضاع العامة عراقيا وتطورها ولربما احتاجت سوق العمل والبناء لمتغيرات منتظرة عند الضرورة في انعكاس لمتغيرات الآخر وتفاعلاته؛...

 ومن هنا تأتي الزيارة إلى مصر لتوكيد العلائق الثابتة (المباشرة) بين كوردستان والدول العربية المهمة في إدارة ملفات المنطقة، ولتشكل ردّا سلميا عميقا يقول: إنّ تحالفنا بمستويات نوعية لا تقف عند حدود المساهمة في عمليات بناء شكلية أو هامشية بل أبعد من ذلك فإن هذا (التحالف) يصل حدّ التحول للدفاع المشترك والردّ على ما يهدد الاستقرار والأمن والمصالح العليا إلى جانب تأمينه دعم جهود تشكيل الحكومة الوطنية ببرامج وحلول عراقية بحتة.

كما أن الحوار الذي يدخل فيما هو أبعد من علائق تقليدية بروتوكولية، هو ما ذهب لإعلان متجدد من جهة الاعتراف بحجم نوعي مختلف لكوردستان وقيادتها في العراق الجديد وفي إدارة دفة المسيرة سلميا على أساس الخيار الفديرالي الديموقراطي الحر.. وطبعا الأمر يتجه لما هو أبعد من التطمينات للدلالة الأوضح على أن ما يمس كوردستان يمتلك تفاعلاته لا عراقيا حسب بل بمستويات عربية وشرقأوسطية بعيدة الغور والأثر...

ويمكن أن تسجل طبيعة الزيارة لمصر عددا من الأمور التي تلخصها مسائل تتعلق بالتوقيت وبمجريات الأوضاع كوردستانيا وعراقيا وبجملة ما تمّ بحثه ومستويات البحث الرسمية العليا والاتفاقات التي صيغت وما يتوقع التحول إليه عمليا في المرحلة التالية بالتعاطي مع تطمين الأوضاع بكوردستان وحماية أمنها والمساهمة الفعلية المميزة في دخول عمليات البناء هناك.

ومسائل من نمط افتتاح الجهد القنصلي ولربما انعقاد مؤتمرات رسمية إقليمية في أربيل كما القمة العربية وولوج الحوار المباشر مع الجامعة العربية والتحول للأمور الإجرائية الفعلية العملية، هي في الخلاصة ليست بحاجة لإيضاح دلالاتها..

من جهة أخرى لا يمكن إغفال الحجم الحقيقي لتعاطي الإعلامين الرسمي والشعبي سواء الفضائيات والإذاعات أم في الصحافة المصرية والعربية والعراقية.. في إشارة واضحة للاهتمام المخصوص بهذه الزيارة لأكثر من الدلالة البروتوكولوية الدبلوماسية مع حجمها النوعي الكبير. وهذا ما يكسر حالات التضليل والتشويش مزيحا ظلالا ثقيلة حاولت قوى بعينها أن تسبغ العلاقات مع الكورد بها..

ومن بعد فإن الزيارة لم تتحدث عن كوردستان العراق والظرف العراقي والعلاقات الكوردستانية العربية حسب بل حملت وتحدثت عن همّ القضية الكوردية نظرا لتاريخ العلاقة مع مصر وطبيعة تلك العلاقة في التعبير والدلالة..

وبعامة لا يمكن إلا أن تتوج تلك الزيارة حركة دبلوماسية مثابرة دائبة للقيادة الكوردستانية دوليا وإقليميا لتؤكد المكانة الحقة لجهدها في خدمة شعب كوردستان والقضية الكوردية ولتفصح عن المكانة الفعلية لكوردستان ودورها محليا وفي محيطها الإقليمي.. بمعنى ودلالة عميقين يعلنان الانعتاق النهائي من النظرة الاستعلائية التي عوملت بها كوردستان وشعبها وقضيته طوال عقود منصرمة..

ومباركة هذه الجهود التي تتقدم نحو ترسيخ مفاهيم جديدة في الحياة الدبلومساية والسياسية التي تعبر عن تطلعات شعوب المنطقة في العدل والتحرر والعيش الكريم وفي اتخاذ نهج علاقات التعايش السلمي بروح المساواة والإخاء طريقا لعالم الغد الأفضل.

تبقى كلمة مهمة، حيث تاج العلاقة الكوردية العربية يمتلك جناحين للتحليق في فضاء التحالف الراسخ ومثلما هي مثابرة وجدية وروح مسؤول من جانب الكورد شعبا وقيادة تحررية تتجه الأصوات الشعبية والرسمية العربية للإعلان عن جوهر المسار التعاضدي العميق والاحترام المتبادل والعلاقات التي تقوم على المساواة والإخاء وعلى العمق التاريخي النزيه الذي نتجه به سويا ومعا نحو آفاق مستقبلية مشرقة.. ونزيح سويا ومعا أية غمامة محتملة للتشويش.. من هنا مواقف جمهورة كبيرة ومهمة ورئيسة على مستوى الشخصيات الثقافية والاجتماعية والسياسية العربية ومعهم أعلام الصحافة والفكر في التعاطي الإيجابي البناء مع القضية الكوردية ومع العلاقة الثابتة الوطيدة مع الحركة التحررية الكوردية وقياداتها التاريخية.. وسيقرأ المتابع هذه الحقيقة  قريبا حيث تبادل لا العلاقات الدبلوماسية القنصلية وغيرها بل جسور الخطاب الإعلامي الشعبي والرسمي المفتوح من كلا جناحي العلاقة الأممية السليمة.. وهو ما عكسته وتعكسه أجهزة الإعلام والصحافة العربية ولكل العيون المتفتحة أن تقرأ الحقيقة المشرقة هذه لجديد العلاقات الكوردستانية العربية.. كما سينعكس الأمر ليس بعيدا في مؤتمرات تضامنية عربية ثقافية وسياسية في خيمة هولير وجبالها الشماء وذلكم أول الغيث في نتائج زيارة التتويج للعلائق التاريخية..