بعض ممرات العلاقات العربية العراقية

فديرالية كوردستان ممرا إيجابيا

تيسير عبدالجبار الآلوسي

tayseer54@hotmail.com

 

بعيدا عن طبيعة التفاعلات الإقليمية مع العراق في مستوياتها الرسمية وغير الرسمية، تلك التمظهرات التي تمتلك مبرراتها بسبب من ارتباك الوضع الداخلي  العراقي سواء بفشل الفلسفة الطائفية في تسيير دفة الحكم أم باستشراء الفساد من جهة وتصاعد الأعمال الإرهابية وضعف النظام العام في إدارة الملفات الجوهرية... نقول بعيدا عن زاوية النظر هذه تبقى في الميدان فرص واسعة للتفاعل بمستوياته الشعبية والرسمية بين العراق الفديرالي الجديد ومحيطه الإقليمي العربي..

إنّ فكرة استعادة العلاقات العربية العراقية، بعد ارتباكها ولربما انحسارها في السنوات السبع المنصرمة لدواعي عديدة، أمر يبقى من الأهمية بمكان. مثلها مثل مراجعة علاقاتنا الدولية بعامة مع خصوصية تنتظر التحديد الملموس في ضوء المراجعة والحوار.. ولكن السؤال الذي نركز عليه هنا: هو ما ممرات العلاقات العربية العراقية اليوم وغدا؟

إنّ متغير العراق الجديد يكمن في طبيعة خيارات نظامه السياسي وانعكاس تركيبته السكانية في دستوره وفي بنيته وطبيعة الأداء في إطارها.. حيث ما عاد ممكنا القبول بمركزية أحادية شوفينية تلغي التنوع والتعددية؛ وقد بات واضحا وجليا الدور المميز الذي تلعبه فديرالية كوردستان في مسيرة العملية السياسية الجارية ومسيرة العراق الفديرالي..

من هنا فإنّ الممر في العلاقات العربية العراقية، يكمن في بعد يرفض الفكر القومي (الشوفيني) الذي طالما أوقع السياسات الرسمية في أزمات واختناقات جاءت من جهة بالضد من دمقراطة الحياة الداخلية واحترام مكونات تلك البلدان من جهة ومن جهة أخرى بالضد من فعاليات (الاتحاد) والتنسيق بينها تحقيقا لمصالحها الإقليمية والدولية..

وفي ضوء سلسلة التجاريب السابقة، سيكون الممر المؤمل كامنا في التعاطي مع العراق الجديد من بوابة وجوده (الفديرالي) الذي يشير إلى البنية التي تعلي من احترام المكونات الوطنية والأدوار المتساوية للجميع في تسيير حركة الحياة الجديدة.. ولعل أبرز مشهد يمنح الوجود الفديرالي تمظهره الحقيقي وجوهر دلالته هو الدور الذي بات يمارسه الكورد بدخولهم الرسمي في قيادة مؤسسات الدولة، بعد أن اقتصرت أدوارهم سابقا على الأدوار النضالية الشعبية في إطار الحركة الوطنية الديموقراطية العراقية..

لقد أصبحنا نشهد علاقات متبادلة بين التمثيل الرسمي للدول العربية وبين القيادات الكوردستانية وصرنا نشهد  التنامي في تلك العلاقات بمستوياتها بما يؤكد أن صفحة جديدة للدول العربية ((رسميا)) قد بدأت في ضوء إدراك المتغير الداخلي في العراق وفي ضوء صواب الاعتراف بتصحيح  بنية مؤسسات الدولة بما يستجيب حقا وفعلا لتركيبة البلاد...

كما يأتي هذا التطور في العلاقات العربية الكوردية عبر متغير الابتعاد عن الرؤى الاستعلائية في التفاعل مع الآخر بالذات مع الشعوب التي تعايشت سويا على هذه الأرض طوال  تاريخ المنطقة البعيد والمعاصر.. وعبر تعزز القناعة بأنّ أي تفكير جدي يدعم العراق الجديد واستقراره وتقدمه يمر من بوابة دعم الخيارات الفديرالية لمكوناته...

وأبعد من ذلك فإن ممر العلاقات العربية العراقية يمكنها أن تتعزز وتتعمق بمقدار تعزيز العلاقات العربية الكوردية على أساس من التحالف بين شعبين وأمتين تجاورتا وتفاعلتا في مسيرتهما بنائيا إيجابيا.. وسجل التجاريب يشير إلى أنه حيثما أججت النظم السياسية الاحتراب والاقتتال كان التراجع والضعف والوهن يصيب الجميع..

وهكذا يمثل التحالف الاستراتيجي العربي الكوردي شعبيا ورسميا ركنا مهما ورئيسا في استقرار لا العراق لوحده بل منطقة الشرق الأوسط ودولها ويجعل من جهودهما تعاضدا متينا سيكون نتيجته إيجابا على  إنهاء أعمال القمع وأشكال الاحتراب الموجودة في بلدان الجوار التي كثرما انتهكت السيادة العراقية وآذت أبناءه من مختلف مكوناته وأطيافه، بذرائع استمرار الاحترابات كالتي تجري في كوردستان بإيران و\أو تركيا وما يعقبها من ترحيل الأزمات وتكرر التجاوزات والاعتداءات على كوردستان العراق وعلى السيادة العراقية..

وبمقدار ما ستمضي سفينة العلاقات العربية الكوردية نحو شواطئها الآمنة وبمقدار ما تتعمق سيجري تعميد السلام والاستقرار وسيجري تفعيل التقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي وتلبية مطالب شعوب المنطقة ومنها الشعب العراقي بتنوع تركيبته وتعدديتها وحاجة البلاد لفعاليات داعمة لخيار الاتحاد الفديرالي...

وبالمناسبة فإن نجاح هذا الخيار يعزز الدفع باتجاه  توجه تجاريب أخرى في المنطقة لاتخاذه مثالا وبدل خطاب التشطير والتشظي واتخاذ سبل الانفصال يتم تبني سبل الاتحاد وصيغ الفديرالية المناسبة بما يرعى مصالح الشعوب كافة..

غير أن ما يلزم للارتقاء بهذا الممر في العلاقات العربية العراقية يبقى بحاجة لرعاية مشتركة متبادلة وبحاجة لما يعمّد البدايات الصحية الصائبة ومن بين مفردات تلك الرعاية إشاعة ثقافة التعايش وتبادل الاحترام.. وأن يمتلك كل طرف أدوات خطابه ووصوله ومخاطبة الآخر.. وعلى سبيل المثال أن توجد صحفا ودوريات ومراكز دراسات مشتركة وفضائيات كوردية ناطقة بالعربية تعبر عن رؤى ومعالجات الحركات التحررية الكوردية وعن خيارها في الاتحاد عراقيا والتنسيق إقليميا والارتقاء بالأمر لمستوى التحالف الاستراتيجي  وهو ما سيواجه محاولات الابتلاع والمحو المستمرة في وجهيها بالتفريس والتتريك  بكل من إيران وتركيا..

وبالتأكيد سيكون لعلاقات التحالف القائمة على الإخاء والمساواة فرصة مهمة لاستبدال خطاب الاستعلاء والمحق والعدوانية الجاري في المحيط القريب المباشر.. كما أن علاقات تقوم على تبادل الاحترام ستعمق مشروعات السلام وخطابات التسامح ومحو آثار الماضي البغيض.. فضلا عن إعلانها الصريح في أنها لن تكون موجهة ضد طرف ثالث بقدر ما هي جذبا لأطراف أخرى لتبني هذه الفلسفة الإيجابية في العلاقات بين الشعوب والأمم بجوهر إنساني صادق..