سهام الاتهامات الطائشة الموجهة إلى كوردستان؟!

في ضوء تصريحات مسؤولين بشأن تهريب النفط

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 

بالأمس أعلنت الجماهير أنَّ السيلَ بلغ الزبى وأنَّ الأزمة فاقت الاحتمال، فخرجت في مظاهرات عارمة  فيما سميّ بانتفاضة الكهرباء! ومن الطبيعي أن تشير هذه الانتفاضة لا إلى مشكلة الكهرباء وحدها وهي من الحجم ما يتطلب مثل هذا الاحتجاج بل إلى جملة من التراكمات في فشل حكومي خطير بتلبية الحاجات الإنسانية الضرورية بحدها الأدنى؟!

وفي كل مرة، لا تحظى الناس بإجابة سوى بترحيل الأزمة ووضعها بالكامل على أكتاف الماضي ومخلفاته! وحينما أصبح من العسير ترحيل أسباب الأزمة بجملتها ووضعها على أكتاف (بقايا الماضي) وحيثما صار صعبا التغطية بهذه الإجابات التبريرية على حجم (الفساد) الإداري والمالي، توجه المسؤولُ بخطابه الجاهز نحو وجهة جديدة قديمة.

إذ أنه ليس لديه سوى طريقة ترحيل أسباب الأزمة بالاتهام والمخادعة لتغطية الفشل الذريع العائد لفساد يتصدر القوائم عالميا ووسيلته لا تتمثل بالدفاع عن المسؤول مباشرة بل بالهجوم!؟ وطبعا الهجوم في ميدان آخر غير ميدان المسؤولية المباشرة لمزيد من التضليل (والتخفي) وإبعاد المساءلة الرسمية والشعبية..

فحيثما سألتَ ما السرّ في الخلل فيما يقع تحت مسؤوليتك؟ تأتيك إجابة المسؤول سريعا، انظر إلى الخلل فيما يقع تحت مسؤولية الآخر.. وهذا الآخر عادة ما يكون معرضا للتشويه والاتهام الجاهز في خطاب مسؤولي الفساد والتحريف والتضليل.

لقد أثارت تصريحات المسؤول الأول عن الطاقة في العراق بشقيها (النفط والكهرباء) بشأن مشكلة تهريب النفط وتصوير وجوده حصرا في كوردستان وتحديدا بحكومة الإقليم، ما هو أبعد من الاستغراب والاستهجان. إذ المساءلة الشعبية جاءت بوضوح على خلفية الفشل الذريع في تلبية [و لو] الجزء أو النزر اليسير من الحد الأدنى للطاقة المطلوبة؛ فيما التفاعل جاء بالحديث في ميدان آخر مغاير لا يجيب ولا يعنى بأمر من مطالب الناس وحاجاتهم المباشرة! ولا بالحقائق في ميدانها..

 

لا نقول إنّ فردا بعينه مسؤول عن جملة الخلل والفشل، ولكن من المفروض والصائب أن يتجه (المسؤول) إلى معالجة أسباب المشكلة بكامل الشفافية  وبما يفضي لتلبية المطلب الرئيس.. وفي معالجتنا هنا نؤكد على أحد أمرين أما الشفافية والاستجابة للمطلب في سقف زمني مناسب للحاجات الإنسانية لمواطنينا أو استقالة المسؤول والتنحي والخضوع لمحاسبة قانونية عادلة من جهة فضلا عن إيجاد بديل موضوعي للمعالجة.. وما خلا ذلكم لا مجال لخطاب تبادل الاتهامات ورد الاتهام بنظيره..

ومن هنا تأتي معالجتنا هذه لا لتشخيص الوجع وموضعه تفصيلا ولكن للإشارة المختزلة إليه من أجل التركيز على مفردة تُعنى بفضح ما بات – اليوم - طاقية الإخفاء والتضليل بشأن الخلل الفاضح في مجال الطاقة النفطية والكهربائية؛ فضلا عن ممارسات (أولئك) المسؤولين في محاولاتهم تخريب ميادين أخرى أخطر وأبعد من قضية الطاقة!؟

ذلك أنّ إشاعة خطاب الاتهامات المستمرة للكورد شعبا ولكوردستان أرضا، إضافة لمجافاته الصواب وخطله، يصب أيضا في مزيد من تشطير الوطني [العراقي] بين قومي وطائفي؛ وهو تشطير مشوَّه ومضلِّل.. كما أنه تشويه للقضية الكوردية بتشويه كوردستان وجودا والفديرالية مبدأ وفلسفة اختارها الشعب العراقي - بأطيافه كافة - لمسيرته الجديدة.

لقد اختارت تلك التصريحات ترحيل ظواهر الفساد المستشرية في أعلى أجهزة وزارتي النفط والكهرباء بتشويه الآخر ووضعه تحت طائلة الاتهام..  والسر يكمن في تمسك غير مبرر بالمنصب  (إلا إذا كان ذاك المبرر مزيدا من التغطية على جرائم الفساد المستشري)..

ويبدو للمتمعن أن التصريحات تحظى باستقبال لدى فئات مضللة بالتهم الجاهزة من جهة أو لها مصالح وارتباطات حزبية ضيقة وفي جميع الأحوال تعتمد التهم على الخلط المقصودة أحيانا والناجمة عن جهل في أحيان أخرى بتعميم حالات فردية محدودة وتحميل حكومة الإقليم مسؤوليات يعرف أصحاب التصريح إياه من المسؤول الحقيقي عنها. فضلا عن أن أمورا لمعالجة جريمة تهريب، موقعها دوائر المسؤولية وآليات عملها وليس التشهير العلني في الفضائيات والصحف!

عليه لابد من التوكيد على أنه مضى زمن العبث المجاني والتصريحات التي تطاول مكونات شعبنا العراقي بهذه الفجاجة التي تمحو حقوق شعب بتصريحات غير مسؤولة أو تتجاوز على مؤسسات أثبتت الكفاءة في التعاطي مع أوضاعها إمعانا في عرقلة تقدم تلك المؤسسات الفديرالية كما هو حال المؤسسة الكوردستانية..

إن الناظر إلى واقع كوردستان ومسيرتها يجد بوضوح حجم الاستقرار والتقدم ونسبة النجاح في أداء الخدمات والسير ببنية الركائز على ما ينتظر من تصاعد وتائر البناء وتصحيح بعض الأخطاء وسد ثغرات هنا أو هناك.. ومن الصائب أن نعزز هذا الأمر ومن الواجب في الحكومة الاتحادية ومسؤوليها أن يدعموا هذا الاتجاه.. أما الواقع فلا يسجل لهؤلاء ومنهم السيد وزير النفط (والكهرباء اليوم) إلا ممارسة العرقلة بتصريحات واتهامات دأب على تكرارها  وإن جدد ببعض مفرداتها وصيغها..

وسيبقى على الحكومة العراقية أن تصحح ما يمكن وإن كانت هي حكومة تصريف أعمال، إذ ليس موضوعيا أن تطلق الأمور على عواهنها بلا حسيب ولا رقيب.. وإذا كان البرلمان لم يباشر عمله فلا يعني أن الشعب يمكن استغفاله وأن ممثليه سيسكتون عن التجاوزات بحق أي مكون في العراق الفديرالي الجديد.. ولعل هذه الكلمة هي تسجيل لمفردة من مما\رسات الحكومة المنقضية ولايتها..

وخاتمة كلمتنا هذه تؤكد أن الشعب الكوردي يمتلك وجوده بكامل حقوق الحياة الإنسانية الكريمة ويمتلك قضيته العادلة في العيش بأرضه (كوردستان) الحرة من كل أشكال الاعتداء والتجاوز ومن أشكال التشويه وخطابات التضليل العدائية التي تنطلق بين الفينة والأخرى إمعانا في محاولات تعميد الانقسام والتشظي بالضد من القرار الحر للأطياف العراقية كافة في التعايش السلمي في ظلال الفديرالية والديموقراطية.

ولابد للعمل الوطني من مراجعات ومحاسبات في ضوء احترام  آليات التوجه لدولة تعتد بقوانينها وبدستورها وبمواثيقها كيما نوقف مثل هذه الأخطاء الفادحة ونمنع تكرارها مجددا...

 

* باحث أكاديمي في الشؤون السياسية  tayseer54@hotmail.com