الخطاب التبريري ومسؤولية الكشف عن الحقائق

تيسير عبدالجبار الآلوسي

tayseer54@hotmail.com

 

ومضة: تتنامى خطابات تبادل الاتهامات في أن هذا صوت لتلك الجهة الطائفية وذاك للجهة المقابلة أو المضادة.. وفي خضم هذه المناوشات الكلامية ينمو خطاب تبريري لصناع سلطة الطائفية السياسية في عراقنا الجديد...

 

وقبيل الدخول في تحليل موجز للخطاب التبريري إياه أقول: بغاية أن يُقرأ هذا التحليل (الموجز) بدقة وموضوعية يلزم توكيد اتفاقنا المبدئي على أن خيار العملية السياسية وليس الفعاليات العنفية الدموية هو الطريق الأسلم لمسيرة عراق جديد يتطلع للسلم والاستقرار والتقدم. وهذا الخيار هو المعبر عن إرادة العراقيين وقرارهم الجوهري بالاستمرار في طريق تنقية المسيرة وتطويرها سلميا ديموقراطيا. ويلزم توكيد أن عملنا الرئيس شعبيا ورسميا يقف على النقيض من مثلث الطائفية الفساد الإرهاب وهو [أي عملنا] لا يكتفي بإدانة هذا المثلث بل يعمل من أجل (معالجته: إزالته ونتائجه) جذريا ونهائيا... أسوق هذا لأؤكد أنه ليس كل من انتقد مسؤولا حكوميا وفلسفته الطائفية السياسية يقع في خانة معاداة العملية السياسية كما يتم توزيع الخانات على وفق تقسيمات تشرعن للطائفية السياسية وتريد لها الديمومة والاستمرار...

وفي ضوء هذه الكلمات العجلى نشير إلى أن من تحكَّم بالمشهد العراقي ومسيرة العملية السياسية [بشكل أساس وغالب] هو الخطاب الطائفي وسلطته الأمر الذي واصل إيقاع أفدح الخسائر بشعبنا وبلادنا...  ومن هنا فإننا لا نصادف من ممثلي أحزاب الطائفية السياسية وفلسفتهم سوى الخطاب الدعائي الاستهلاكي للتنفيس ولتمرير إجراءاتهم التي يمثل (كثير) منها (جرائم) بحق الوطن والشعب..

ويشبه هذا الخطاب في آليته ما كان يبثه صباح مساء إعلام الطاغية من انشغاله في الدفاع عن الأمن القومي وصراعه مع العدو الخارجي الصهيوني والغربي وما شابه من عبارات ملّ سماجتها المواطن العادي.. حيث تبرر سلطة الطائفية اليوم انشغالها بمكافحة الإرهاب عن تقديم الخدمات وإعادة إعمار البلاد!!

يعرف الشعب العراقي من ذاكرة حية أنه كان لذاك الخطاب الاستهلاكي الإعلامي الأجوف مؤازروه من طبالي الطاغية من أمثال أبو العلوج ونظرائه اليوم حيث يتكرر المشهد فيؤازر الخطاب الدعائي الفج (لسلطة الطائفية) شلة (جديدة قديمة) ممن امتهنوا التطبيل للسلاطين وانتقلوا اليوم [ببساطة] من التطبيل لطاغية للتطبيل وإلى ممالأة حكام  ومسؤولين جدد!

ومهمة هذه الجوقة من الطبالين تنصب في تعميد خطاب الطائفية الدعائي الذي بات يغذي أجهزة إعلامه بمصطلحات المظلومية الطائفية  [المفبركة مما لا يدخل في مظالم العراقيين بالتأكيد] حيث نتيجة هذه السياسة وهذا الخطاب ليس سوى تقسيم المجتمع بين طائفتين مظلومة وظالمة؛ مضطهدة صاحبة ثأر [هنا لا يتحدث الخطاب الطائفي عن حق بل ثأر بقصد مبيت] وظالمة صاحبة جرم ينتظر الانتقام لا القصاص [كما ترسمه البشرية ونظمها المدنية بقوانينها]! وحبك الأمور بهكذا طريقة هو الذي يمهد [بتعمد وقصد] كما تبتغي سلطة الطائفية لأعلى درجات الاحتقان والاحتراب ومن ثم تفجر الانقسام باقتتال دموي يشغل المواطن عن جرائم ساسة الطائفية الملتصقين بالكراسي كما طفا وافتضح طوال الأشهر الأخيرة...

 ويستمر فعل تغذية الوعي العام بهذا الخطاب المرضي بما يهيئ لإشعال نيران (الثأر والانتقام) في ظلال الاحتراب والعنف وشديد التوتر الذي لا يسمح للإنسان بإعمال عقله بل يخلق أجواء تعطيله والاندفاع في ردود أفعال عنفية وحشية! حيث رد الفعل ناجم عن تفاعل سلبي لا إيجاب فيه ولا قدرة على التفكر وإعمال العقل لاتخاذ القرار الأسلم والأكثر صوابا وحكمة!

وهكذا فمن أجل إدامة سلطة الطائفية واستمرار مسلسل النهب في ثروات الناس وخيراتهم يطفو في الأجواء ((خطاب تبريري)) لما يجري من مآس وكوارث.. فمسؤولية (كل) ما يجري وهنا يتم اختزال كل الوقائع والأحداث لتُلحق بأفعال بقايا البعثفاشية والقاعدة؟ وعادة ما يضاف إلى القائمة مسلسل الشتائم والتهجم على من يسميهم ذاك الخطاب المرضي (العربان) الذين يوصمون بكونهم داعمي تلك الوحوش الانتحارية الإرهابية في محاولة للإيغال أكثر في تقسيم المجتمع بين (سلطة) تدعي تمثيلها الغالبية الشيعية و (معارضة) تزعم حصرهم بأقلية سنّية!!

فيما الحقيقة لا يحصد الشيعي من سماعه هذه الجعجعة خيرا بل ويلا وثبورا ومزيدا من النكبات مثله في ذلك مثل أخيه العراقي السني أو المسيحي أو المندائي أو الأيزيدي ولا فرق بين عراقي وآخر في حصادهما آلام الطائفية السياسية وجرائمها في مشاركة الإرهاب فعلته..

وإذا كان صحيحا وصائبا أن نتعرف إلى أعداء الشعب العراقي من الإرهابيين القتلة فإن من الصحيح والصائب أن نتساءل عن دور (السلطة) في مطاردة هؤلاء الإرهابيين ومنعهم من إيقاع أبشع الأذى ببنات وأبناء شعبنا وفي تشخيصهم بالملموس لا بالتوصيفات الهلامية وكأنهم أشباح تتجول بلا من يمسك ظلا لها!؟؟؟

فربما كان مقبولا من بعض كتّاب الصحافة ومحللي الفضائيات أن يتحدثوا مرارا وتكرارا عن جرائم الإرهابيين من بقايا البعثفاشية والقاعدة بمقدار تكرر جرائم الإرهاب وشركائه؛ ولكن هل من الصحيح لمسؤول رسمي عن الأمن وحيوات الناس وتلبية مطالبهم أن يظهر كل مرة وبعد كل جريمة تقتيل في المواطنين الأبرياء ((ليكرر)) ذات اللازمة الإعلامية في صياغة بيانات وليخسأ الخاسئون ودحر العلوج بلون جديد وربما عبارة تبدو جديدة لكنه لا يختلف فيها سوى بعض التفاصيل والألفاظ؟؟

 

المواطن يعرف أن الجريمة إرهابية وان من يقوم بها هم الإرهابيون الدمويون القتلة وهو ليس بحاجة لعبارة تصف له المشهد فوتوغرافيا فهو يعيش اللحظة ذاتها.. ولكنه لا ينتظر من المسؤول بيانات إدانة سياسية بل ينتظر منه أن يقوم بمهامه الحرفية المهنية ويطارد هذا الإرهابي ويمسكه بجرمه المشهود بل حتى قبل أن يرتكب الجريمة منعا للإرهاب من أن يحقق أهدافه، وإلا فإن على هذا المسؤول الأمني أما أن يستقيل من هذه المسؤولية أو يحاسب عن تقصيره وعجزه وربما مشاركته في تمرير الجريمة بلا عقاب أو بلا وضع نهاية لها على أقل تقدير إن لم نقل أن مهمته الرئيسة تكمن في تحقيق الأمن واستباق المجرمين ومنع وقوع الجريمة..

أما اكتفاء المسؤولين بتكرار بياناتهم اليومية في إدانة البعثفاشية والقاعدة فلا يعبر عن فشلهم حسب بل يعبر عن مشاركتهم في الجريمة عبر توفير فرص إفلات قوى الإرهاب وتطمينهم بأنهم لن يجدوا أية صعوبة في ارتكاب جرائمهم أمام انعدام وجود أية جهود أمنية تتناسب والمنتظر أو ترتقي ومستوى المسؤولية!! والأنكى يكمن في محاولة خطابهم الإعلامي غش المواطن بالتبجح بأنهم أمسكوا مجرما في جريمته وسرعان ما يتحدثون عن الإمساك بآخر عن ذات الجريمة وبلا حياء يكررون الأمر مرات ومرات..

 عليه ينبغي الالتفات إلى أن سمفونية تعليق خسائر الشعب في الأرواح والممتلكات على شماعة الإرهاب لا  يمكن القبول بها من لسان مسؤول عن التحقيق في الجريمة ومسؤول عن الكشف عن منفذيها وأدواتهم ووسائلهم.. وتكرار الاكتفاء ببيانات الإدانة لا يعفي هؤلاء من مسؤولياتهم الوظيفية ومن المساءلة بشأن تحقيق الأمن والأمان..

وبالمقابل ينبغي على الضمائر الحية للكتاب والمحللين المتخصصين في الشؤون الأمنية والسياسية أن يتناولوا الحقائق لا بالاكتفاء بترديد سمفونية الإعلام بخاصة (الرسمي المرجعية) وأن يبحثوا عن وسائل الحث على مطاردة الجناة ولطالما أدت الصحافة وأجهزة الإعلام أدوارا مهمة في الكشف عن مكامن الفساد والجريمة في بلدان العالم المختلفة..

ولابد هنا من مغادرة خطاب التبرير والاكتفاء بالحديث الوصفي لمجريات الوقائع كمعلق على مباراة رياضية وبلا مشاعر.. وعلى أصحاب الخطاب التبريري أن يقلعوا عن مداهنة المسؤولين وممالأتهم وأن يباشروا مسؤولياتهم في التحقيق بمستويات أداء الحكومة بأعلى مسؤوليها وأن يباشروا بدراسة أشكال التقصير والثغرات فذلكم ما سيدعم العناصر الوطنية في داخل الحكومة ويزيل العناصر المرضية الطائفية كما يزيل العناصر غير الكفوءة وغير الجدية وتلك التي لا تحمل مشاعر المسؤولية وضمير أداء الواجب..

 

إن الاعتقاد أن نقد المسؤول هو معاداة للعملية السياسية هو ما أوقع المسيرة في مطبات سطوة العناصر الهزيلة غير القادرة على أداء المهام المناطة بالمنصب الذي تحتله.. وهو الذي أوقع المسيرة بمزيد من التراكمات الماساوية.. نحن في زمن ينبغي أن تكون الأولوية (والثابت الحاسم والنهائي)  لمطالب المواطن وحقوقه ولحاجات إعادة الإعمار وبناء البلاد...

وكل ما عدا ذلك ليس سوى مشاركة في جريمة تخريب البلاد وسبي العباد.. لابد من أن يغادر الصوت منا طريقة التحليق مع السرب والعزف مع منشدي الطائفية السياسية داعمة الإرهاب وسندهما الفساد. بل ينبغي تعميد خطاب إيجابي يؤكد أن لكل صوت وطني حق النقد داخل الحركات السياسية وألا تترك الأمور بيد فرد أو أفراد ليسوسوا التنظيم منفردين وأن يكون له الرأي الواضح في تصحيح المسار وفي تقديم المعالجات الأنضج والأصوب ومثله في نقد المؤسسات والمسؤولين فيها بما يدخل في معاضدة  فلسفة التطوير والتصحيح والتطهير والمعالجة وليس السكوت عن الخطأ مجاملة لمن نودّ علاقة معه إلا إيقاعا بالمسيرة وحتى بالشخص المعني الذي يتم التودد إليه..

أيها الإعلاميون.. أيها الساسة انتفضوا على خطاب التبرير والمداهنة والمجاملات السلبية النتائج وانتقلوا إلى خطاب النقد البناء.. فخطاب التبرير هو تكريس لا لسلطة الطائفية السياسية ممن يمتلك هذا الصوت أو ذاك مصلحة خاصة مع هكذا سلطة بل (خطاب التبرير) مشاركة في تكريس جرائم الإرهاب ومافيات الفساد وبهذا تتجه الحركة نحو الهاوية ونحو قاع الكارثة.. فهل من صحوة لرفض هذا الخطاب التبريري والانتهاء منه؟؟؟؟؟؟