الاستثمارات العربية تدخل العراق من البوابة الكوردستانية

تيسير عبدالجبار الآلوسي*

tayseer54@hotmail.com

 

يبدو العراق الجديد أرضا خصبة لمشروعات البناء بكل تنوعاتها واتجاهاتها. وباتت أسباب القلق والخشية من الأوضاع الأمنية تتساقط وتحديدا في تلك المناطق التي يسود فيها الاستقرار مثلما يتنامى فيها التطور بالانتهاء من أشكال السلبيات و\أو العقبات والثغرات التي لربما رافقت الانطلاقة المعقدة لمسيرة إعادة الإعمار في بداياتها. وما تجدر الإشارة المهمة إليه هنا هو حال الأمان وانتعاش أجواء السلم والحريات العامة التي تعمّ ربوع إقليم كوردستان العراق بالخصوص.

وكوردستان اليوم تتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة أوضاعها ومشروعات البناء كافة، بالاستناد إلى آليات العمل الفديرالية في العراق الجديد. إذ توجد حكومة محلية وبرلمان منتخب ومؤسسات صارت تمتلك خبرات ملموسة وخطط وتطلعات عمل جدية مهمة. ويضاف إلى هذه السمات البنيوية سمات تتعلق بطبيعة المشروعات المتاحة فيها وهي بين مستويين الاستراتيجي منها وتلك المرتبطة بالأحجام المتنوعة الأخرى.. فهنا يمكن الحديث عن بناء ركائز بنيوية اقتصادية كبرى كما يمكن الحديث عن مشروعات إسكان وصناعة وزراعة وسياحة بأحجام مختلفة ومضمونة المردود...

ففي مجالات السدود والكهرباء والمواصلات والاتصالات المنطقة بحاجة لاستثمارات بعيدة المدى.. وفي مجال الإسكان نجد حركة البناء تتطلب جهودا استثمارية ليست قليلة وهي في ظروف عمل مؤاتية بسبب من توافر المواد الأولية وسهولة النقل وانخفاض أسعار مواد البناء نسبيا.. وفي مجالات التصنيع يجري فتح الفرص واسعة للاستثمارات في قطاعات متنوعة وسوقها منتعش  ويتنامى بقوة.. وفي مجالات الزراعة تتعاظم إمكانات استثمارات كبيرة بخاصة مع طبيعة الأرض وتوافر المياه وتوجهات تشجيع القطاع ووضع أولوية مخصوصة له..

وليس لهامشية أو ثانوية المكانة جرى تأخير ذكر قطاع السياحة؛ ولكن للأهمية ولحجم نوعي للطاقات الاستثنائية المميزة نضعه بشكل مستقل في الإشارة. إذ معروفة الإمكانات الهائلة لجمال الطبيعة الخلابة والمناظر المتفردة في المنطقة والعالم.. إلى جانب الأجواء المعتدلة والأنسام العليلة صيفا ومساحات الاصطياف الشتوي وفرص ممارسة الرياضات المعروفة.. فأنت تجد الشلالات والوديان والأنهر والجبال وتنوعات تضاريسها وطبيعتها ما يفتح مجالا لمئات المشروعات السياحية.. وجمهور هذه المشروعات موجود محليا في الإقليم وفي محافظات العراق إلى جانب بلدان إقليمية معروفة بحاجتها إلى سوق الاستثمارات وإلى ميادين الاصطياف والسياحة الأقل كلفة والأفضل بوسائل الوصول والارتياد..

مثل هذه الصورة، تتسابق إليها دول وشركات عالمية وتحاول جهات إقليمية ولوجها وأخذ قصب السبق فيها.. إلا أن أفضل الاستثمارات وأنجحها ستكون تلك المتأتية من البلدان العربية ومن دول الخليج العربي تحديدا.. نظرا للخلفية المخصوصة للعلاقة بين العراق ومجموع الدول العربية ونظرا لأهمية الاستفادة من حال اللقاء الجغرافي ومن القرب الذي يتيح امتيازات مهمة للمستثمر الآتي من المنطقة..

سيضاف إلى جانب هذا طبيعة العلاقات التاريخية وتبادل الثقة والمصالح المشتركة وكون ميدان الاستثمار معروف تماما للمستثمر ويمتلك عميق العلاقات الإنسانية والاقتصادية معه. وطبعا لابد من الإشارة إلى ما ينفتح من آفاق مستقبلية كبيرة...

إنَّ أي تفكير في إعادة تطبيع العلاقات العربية العراقية يلزم أن يكون مدخله الحقيقي كامنا في تبادل المصالح على أساس من الاحترام وعلى أساس من تبادل المنفعة.. وفي اللحظة التاريخية القائمة فإن العراق مقبل على أكبر عملية بناء تجري في بلاد منذ عمليات البناء التي تلت الحرب العالمية الثانية بأوروبا.. وهي فرصة مؤاتية من جهة للاستثمار الاقتصادي الحر الآمن القادر على الأداء التشغيلي الصائب والأكبر ربحا.. ومن جهة أخرى على عقد أرضية متينة للصلات الطبيعية بين بلدان المنطقة..

ومن الطبيعي ألا تنتظر عملية التطبيع في العلاقات خطوات قد تمضي بطيئة إذا ما انتظرنا نهايات الأمور في العاصمة وبقية مناطق العراق الملتهبة نسبيا.. والصحيح يكمن في البدء بهذه العلاقات من المتاح حيث البوابة الكوردستانية المستعدة لأكبر الاستثمارات.. وحتى بهذا الشأن لا ينبغي انتظار الدعوات المنطلقة من داخل العراق وداخل إقليم كوردستان إذ الأفضل أن تبادر البلدان العربية والجهات الاستثمارية فيها لاقتراح ما يمكنها عمله في قطاعات وميادين بكر تنتظر المبادرات الشجاعة..

والشروع بالمبادرة أمر مطلوب من دول الجوار العربية والخليجية تحديدا لأنها وسيلة من وسائل دعم العراق الجديد ومسيرة عمليات البناء وإعادة الإعمار فيه.. وهذا الدعم يأتي من مدخل مهم يتطلع إليه المواطن العراقي مثلما تتطلع إليه الحكومة أقصد هنا ميادين وقطاعات العمل. وينتظر أن يكون الأداة لمزيد من الاستقرار ومردود ذلك على استقرار المنطقة بأسرها وإعادة الفاعلية لدولة مهمة (العراق) في حركة الاقتصاد والعلاقات إقليميا ودوليا..

إن كل ما عدا هذا التصور سيبقى متلكئا ضعيفا وهزيل المردود وسيفقدنا ممرات علاقات استراتيجية مؤملة بين البلدان العربية والعراق حاضرا ومستقبلا.. وسينحو باتجاهات ربما سلبية النتائج على جميع الأطراف..

من هنا وتأسيسا على ما مرّ ذكره، ينبغي أن تنهض العلاقات الاقتصادية وتفعيل الاستثمارات الكبيرة والصغيرة وفي مختلف القطاعات بمهمتها فورا بلا تأخير.. ولابد من أجل ذلك من فتح القنصليات العربية بخاصة بوجود الملحقين في شؤون التجارة والأنشطة الاقتصادية المحتملة، ولابد من منح الصلاحيات المناسبة والجهود الاستثمارية المنتظرة.. أما جهات الاستثمار فلربما كان مفضلا ومفيدا أن تتقدم بعروض وخطط وتصورات ميدانية بطلبات أولية لدراسات على الأرض يعقبها رسم الخطط التي تساعد مؤسسات الإقليم على التعاطي معها في ضوء ما يلائم خطط البناء بكل مفاصلها..

وللمستثمر أن يعرف طبيعة القوانين والمؤسسات التي سيتعامل معها وهو أمر مطلوب وما يقال هنا أن حكومة الإقليم أصدرت كثيرا من التسهيلات وغطائها القانوني فضلا عن توفير مستلزمات الحركة والعمل المؤاتية ويؤمل إيجاد ملتقى مخصوص سنويا مع مؤتمرات عمل قطاعية شاملة وتخصصية..

فهلا تفكر المستثمر العربي؟ وهلا تفكرت المؤسسة الرسمية العربية، الدول العربية، وحكوماتها بأهمية المبادرة العاجلة لتعميد العلاقات العربية العراقية بقواعدها المادية المتينة وبالاستفادة من هذه الفرصة المؤاتية لتشغبل الطاقات الاستثمارية ومعالجة كثير من التلكؤات التي تعترض سوق الاستثمار في ضوء الأزمة العالمية لكنها بالمقابل هنا في حال من الانتعاش والحركة والحيوية؟

الأمر متعدد الأوجه، ولكن الوجه الذي لا يقبل الجدل ولا التأخير هو خيار أن نبدأ مبادرتنا فعليا وميدانيا عبر بوابة مستقرة ومهمة وكبيرة هي تعميد العلاقات عبر البوابة الكوردستانية الأكثر أمانا وسلامة وثمارا إيجابية...

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا