العراقيون

سنّة شيعة مسيحيون صابئة أيزيديون
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12 \  23

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

ليس ما تريده هذه الوقفة القصيرة القول بتعددية تكون الشعب العراقي. فتلك حقيقة واضحة للعيان وهي إنْ لم يقرّها تعاقب النُظُم الدكتاتورية في بلادنا فقد أقرّها وحدة نسيجنا الاجتماعي السياسي العراقي وقبوله التعاطي مع هذا التنوع من منطلق الاحترام والتفاعل الإيجابي عبر تاريخ شعبنا العراقي الممتد بعمق عشرة آلاف عام من الحضارة.

ولكن الداعي هنا ذاك الهجوم على العراقيين بقصد إثارة النعرات الطائفية والانقسامات القائمة على أسس  دينية. ومن بين ما نسمع من الإعلام ما أوردته فضائيات عربية معروفة بتحريضها على الاختلاف والتقاطع عن سبق إصرار وتعمّد على الرغم من كلّ التحذيرات والعقوبات.. وهي من جهة التملّص والتخلّص من العقويات تُظهِر نفسها كسيرة الجناح مهيضته مظلومة من أعداء الديموقراطية الذين يقاطعونها.. فيما هي من جهة السياسة الإعلامية ليس لها شغل غير العراق والعراقيين ولا تُظهِر من واقعهم إلا المساوئ والأخطاء والنواقص وما يُشعل فتيل الاختلاف والاحتراب..

الجديد اليوم دفاعها عن العدالة المسلوبة في بلادنا وضرورة تحقيقها وتقصد تطبيق عدالة حقوق الإنسان على الطاغية وزملاء أو تابعي حكمه الدكتاتوري الساقط.. ولا ندري أين كانت عن دعوة تطبيق حقوق الإنسان أيام القتل بالجملة ودفن الأحياء بالجملة وإحراق البلاد والعباد بلا حساب ولا وازع ضمير؟ بل لا ندري أينها من إعادة حقوق هؤلاء اليوم من جزاريهم المقبوض عليهم.. كلّ الهمّ هو العدالة وإنصاف [المظلوم المسكين صدام؟!!!] الذي وقع بأيدي ضحاياه إذ يمهل ولا يهمل...

وإمعانا في سياستها التحريضية توقع بين العراقيين ولاحظوا معي صياغة خبرها عن اعتقال الطاغية تقول تلك المحطة الحيادية وذات المهنية حيث لا تضيف تحليلها كما تقول الحيادية والحِرَفية المهنية!! تقول في معرض خبر اعتقال صدام "اُعتُقِل الرئيس صدام فكان خسارة وإبعادا للسنّة عن الحكم في العراق وتقديما للشيعة ومنحا لهم الحكم ..." وبهذه الصيغة تضرب العصافير التي تريد مرة واحدة.

فهي تقول إنَّ صدام يمثل السنّة وهو ليس رمزهم فحسب بل خروجه هو خروجهم من الحكم أيّ أنّه السّنّة بقضهم وقضيضهم.. ومثل هذا القول محاولة لجذب تلك الطائفة ولفها حول الدعوة للدفاع عن صدام وإنصافه بمعنى آخر استبعاد تجريمه! والقول من جهة أخرى إشارة للشيعة بأنَّ السّنّة وراء صدام  وهم أعداؤهم مثلما صدام  الذي استباحهم هو عدوهم.. وهكذا فالتحريض ليس فيه لبس إنّه تحريض بيِّن مفضوح للإيقاع بين أكبر طائفتين في العراق..

إذ فوق ذلك التحريض فإنَّ مثل هكذا صياغة تؤصِّل لتنافس مرَضيّ على الحكم لأنَّه يخرِج طائفة ويُدخِل أخرى والحكم ميدان لصراعهما الأبدي في نظر تحليل تلك الفضائية. بينما ما نحن بصدده هو التأكيد على منع تقسيم العراقيين بين طوائفهم والتأكيد على الهوية الوطنية والانتماء العراقي الواحد وعلى دستور يحترم الإنسان الفرد في انتمائه العراقي أولا وآخرا ويضع له حقوقه ويفرض عليه واجباته انطلاقا من روح المواطنة العراقية وإعادة هيبتها..

وعليه فالحكم هو أداة العراقيين جميعا من دون تمييز يضع الإنسان المناسب في الموقع المناسب من دون النظر إلى انتمائه المخصوص دينيا أو قوميا أو طائفيا فالحكم هو ضمانة لكل هذه التوصيفات لتعيش سويا في وطن للجميع من دون تفرقة وتمييز ولا ينقص مواطن حقه في احتلال أية مسؤولية حكومية أو غيرها لأنّه من أغلبية أو أقلية دينية أو طائفية أو غيرها..

وفي الوقت الذي يتساوى العراقيون في الحقوق والواجبات يبقى لكلّ منهم حق مضاف في الإعلان عن انتمائه القومي أو الديني أو الطائفي أو السياسي من دون خوف أو تردد أو قلق بأنْ يكون ذلك صفة تمنع عنه أو تحجب منه حقا إنسانيا وتضعه في خانة مواطن آخر من الدرجة الثانية فلا درجات في المواطنة العراقية بعد اليوم...

العراقيون سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وأيزيديين عربا وكردا وكلدوآشوريين وتركمان وأرمن وغيرهم هم عراقيون أولا وهم عراقيون ثانيا وهم عراقيون ثالثا لأنهم أصحاب تاريخ حضاري واحد ولأنهم أصحاب نسيج اجتماعي منسجم واحد تزاوجوا وتبادلوا العلاقات من دون تقاطع أو اختلاف أو تمييز فليس قليلُُ الزواج بين السنة والشيعة وليس قليل الزواج بين المسلمين والمسيحيين وليس قليل الزواج بين كلّ قطاعات شعبنا ..

ومع ذلك ففي الظرف الحالي حيث تلتبس أمور وتتداخل أخرى وفي ظلمة الاضطرابات ومخلّفات زمن الطاغية المستبد يمكن لألعاب التأثيرات الإعلامية أنْ تستغل بعض البسطاء ويفوت بعضهم الآخر ما يختفي خلف استخدام عبارات حتى أحيانا تكون جمل حق ولكنّ ما يُراد من ورائها ليس غير الباطل. وباطلهم هنا هو الإيقاع بالعراقيين من الداخل.

وقبيل اختتام كلمتنا هذه ينبغي أنْ نذكِّر بأنَّ السّنَّة لا يحتاجون للقول ببراءتهم من صدام فهو مخلوع النسب من العراقيين جميعا ومن الإنسانية لأنّه جزار وحش لا ينتمي إلى بني البشر.. ولكنَّ السنّة مثلهم مثل غيرهم بغير حاجة لمثل هذه البراءة لأنّهم يؤمنون بكونهم بشرا أولا وهم عراقيون لا غير والفرد الذي يتبع اجتهاد ديني أو سياسي أو غيره لا ضير من أنْ يأخذ برأي من اجتهاد الآخر وولّى زمن الانفصال والعزل العنصري والجمود والاحتراب .. ولنا بعد ذلك عودة إلى العبارات التي يستخدمون وما يندرج تحت ظلمتها من أحابيل خبيثة.. وتلك مهمة كتـّابنا المتنورين الذين ينبغي أنْ يشهروا أقلامهم ضد طواغيت الإعلام الذين يتسللون إلى بيوت أبناء شعبنا في عتمة الليل ...

  

www.rezgar.com

www.geocities.com/modern_somerian_slates

 

 

1