لن يتنازل الشعب عن حقوقه وحرياته

ستواصل الشبيبة احتجاجها السلمي حتى تطهر المسيرة من أكبر جرائم  الفساد في عصرنا

لن يقبل المنتفضون أساليب الترقيع والخداع والتضليل

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في الشؤون السياسية

ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني

tayseer54@hotmail.com

 

 

مارست حكومة أحزاب الطائفية والفساد الأعلى في العالم، كل محاولات منع الشعب وشبيبته من الخروج في مظاهرات الغضب، فبدأت أعلى رموز تلك الأحزاب في إطلاق دعوات عدم التظاهر تحديدا في يوم 25 شباط يوم الغضب العراقي، وأرفقت دعواتها باتهامات باطلة وتوصيف الشعب بأحط وأسوأ ما يلصق بإنسان! فبعد خلط الدين بالسياسة وإلحاق الدولة بالحزب المتبرقع زيفا بالدين، جاءت الإجراءات الآتية تعبيرا عن سياسة الحكومة:

1.      طلب مدد أخرى انتظارا لأحزاب الطائفية وزعاماتها كيما تلبي بعضا مما تراه مقبولا لديها من مطالب العشب.

2.      ترحيل الأزمات وإلقاء التبعة وقفا وحصرا على الإرهابيين وتركة النظام السابق وعدم الاعتراف بأية مسؤولية واجبة على الحكومة..

3.      اتهام الآخر، وكل من يستخدم حقه في الاحتجاج السلمي بالخيانة..

4.      توصيف من يهاجم سياسة الفساد وبرامج أحزاب الطائفية التي أذاقت الناس الأمرَّين، بأنه ينفذ أجندة خارجية..

 

لقد وقعت زعامات الطائفية والفساد في تناقضات وتصريحات لا تدل إلا على خطل التفكير وجهل بآليات الدول المدنية المعاصرة ومفردات العمل الديموقراطي..، فمثلا تحدثت بعض أصواتهم عن أننا في دولة  لا دكتاتورية فيها؛ فلماذا المظاهرات؟ وكأن الدول الديموقراطية تمنع التظاهرات وتحظرها!!

وهكذا فإن تلك التصريحات حاولت استغفال الوعي الشعبي بحقه في التظاهر عبر الحديث عن حكومة منتخبة وحكومة شراكة زعمت أن الشعب كله ممثل [مختزل] فيها؛ ما يسمح لها بطلب عدم التظاهر!؟

وطبعا كالعادة فهي تختزل الشعب بنخبة تتحكم به من زعامات ووجاهات ومراجع [المصطنعة منها] التي تتخفى بتلحفها بأردية من لباس القرون الغابرة.. ورجال الدين الأقحاح براء من هذا الادعاء والدين الصحيح نفسه براء من هذه المزاعم..

إن أي عاقل يعرف أن من آليات الديموقراطية والدولة المدنية المعاصرة حريات التعبير عبر أشكال متنوعة منها  الحق الثابت في التظاهر وفي إسقاط أية حكومة يجدها الشعب لا تلتزم بما كلفها به من واجبات.. بينما سارعت أصوات ممثلي حكومة المحاصصة العتيدة إلى تحديد ما يجب أن يقوله المتظاهرون من الذين توقعت أنهم لن ينصتوا لدعواتهم في عدم الخروج؛ كما قيدت وحددت ما لا يجب أن تطالب به حناجر أبناء الشعب!

 

وبقشمريات لفظية كالتي جرت قبل ليلة في طلب عدم التظاهر عادت ذات الأصوات الحكومية لتتحدث عن التظاهرات المشكورة لالتزامها بالروح السلمي وبمحددات مطلبية ترقيعية.. وهذا الخطاب المنافق يكشف:

أولا زيف ادعاءات الاتهامات المسبقة التي أطلقت على المتظاهرين وبطلان مزاعم لا شرعيتها.. وثانيا  تؤكد مثل تلك التصريحات لدولة الرئيس ولمعتمديه الناطقين باسم أحزاب الطائفية أنهم يتغافلون عن مطالب التظاهرات في (إصلاح النظام) كونه السبب في مصائبهم، ما يعني أن هذه الحكومة وبرامجها ستبقى سببا في ويلات الشعب ومصائبه؛ لأنها تتعمد غض الطرف عن أصوات الاحتجاج التي خرجت على الرغم من محاولاتها منع التظاهر بوساطة:

1.     استخدام آلتها الإعلامية المهولة وكل طاقات وألاعيب مسؤوليها الداعية لعدم التظاهر ومن ذلك تحريم التظاهر دينيا كما تزعم بعض المرجعيات السياسية المتبرقعة بالدين زيفا وبهتانا..

2.     إدخال عناصر ميليشياوية وقوات مدربة للتصدي للاحتجاجات الشعبية الجماهيرية الواسعة..

3.     تقطيع أوصال المدن والضواحي والقرى ومنع التجول التام والجزئي في جميع أنحاء البلاد.. ومنع كثير من أبناء المدن من الوصول إلى مركز المظاهرات..

4.     استخدام سياسة التهديد والوعيد ودس أزلام وعناصر الأجهزة المختصة لتثبيط عزائم المتظاهرين ولتشتيتهم وتفريقهم بطرائق منها تمرير عبارات : وصلت مطالبكم و\أو قيادات التظاهر تطلب انفضاضكم و عودوا إلى بيوتكم فسيجري كيت وكذا بعد قليل، وما أشبه مما لمسه المتظاهرون بأنفسهم من ألاعيب..

5.     استخدام العنف في التفريق؛ من استخدام خراطيم المياه إلى استخدام الرصاص الحي والطائرات المروحية وغيرها؛ تلك التي هبطت لمستويات هددت حيوات المتظاهرين مثلما هددت أبرز رموز الشعب والوطن كما في نصب التحرير الذي عادة ما حاول الطغاة تهديمه وتخريبه..

وبدل أن يعلن مسؤولو حكومة أحزاب الطائفية الخضوع لإرادة الشعب على وفق ما تفرضه آليات النظم الديموقراطية، عبروا عن توجهاتهم التي يعدون لها في ليل أظلم بالإعداد للدكتاتورية (الدينية) الطائفية الجوهر؛ بدل ذلك أرسلوا قوات خاصة لقمع الاحتجاجات التي اتسمت بسلميتها بأفضل ما يكون الالتزام بروح سلمي معمد بالوعي ورباطة الجأش تجاه كل الاستفزازات والأعمال المعادية من تلك القوات..

 

وهكذا لم يتفاجأ المحتجون بما أعقب الاحتجاجات الأوسع في البلاد من إمعان في تجاهل المطالب الرئيسة ومن التمادي في استغفال الناس عبر الحديث عن مطالب هامشية وعبر الحديث عن مزيد من إرسال أبناء الشعب وبناته إلى مصاطب الانتظار والعطالة والتبطل ومن ثم إلى مزيد من الاستغلال وجرئام التصفية والإبادة وتمكين حكومة الطائفية من صنع شرنقتها التي تحتمي بها في مسمى الحكومة الدينية المقدسة التي يحرم المساس بها حتى  لو أزهقت أرواح الشعب.. وكأن إزهاق أرواح الناس هو مطلب ديني إلهي لا يمكن الوقوف بوجهه إلا وطاول من يتحداها التكفير والتصفية وهي آلية قصوى ومرحلة جديدة من طغيان فلسفة التخوين والتصفية التي مارستها دكتاتورية الطاغية المهزوم قبلها..

ومن هنا فقد أعقب التظاهرات عمليات ابتزاز من اعتقالات وأشكال تعذيب لا تحصل في أشرس وأسوأ النظم في محاولة لاستباق أية متابعة لمهام الانتفاضة الشعبية..

ومن هنا فإن الرد الموضوعي السليم يكمن في قرار الشعب بمواصلة تحديه للغش والخداع وللتهديد وأشكال الابتزاز والقمع.. وسيخرج في مظاهراته من أجل تحقيق أهدافه في منع سرقة مسيرة عملية سياسية عراقية مختلفة نوعيا عما يجري، ذلك أن ما يجري خلق نظاما للطغيان ولاستغلال الشعب فيما الخيار الشعبي يروم حكومة مدنية ديموقراطية بحق تعالج مشكلاته وتستجيب لمطالبه..

إن مهمة المظاهرات الجديدة المستمرة يوميا وتلك التي أولها في الرابع من آذار الربيع والخير والسلام في بلادنا، تكمن في الآتي:

1.     فضح الجرائم التي ارتكبتها الحكومة وبعض قوات خاصة بأحزاب الطائفية من قتل وترويع وتعذيب للمواطنين ومن اعتقالات وأشكال ابتزاز ..

2.     فضح جرائم التخريب التي ارتكبتها بعض حكومات محلية وعناصر معروفة في مجالسها من حرق وتدمير في المباني العامة وفي إتلاف الوثائق التي تدين تلك العناصر وفسادها.. والمطالبة بالتحقيق في ماهية ما يجري إتلافه من وثائق وفي خافية ما تدينه من جرائم..

3.     المطالبة بتعويض الضحايا ومحاسبة القتلة والمجرمين بكل ما يحدده القانون الإنساني والجنائي الوطني  بالخصوص..

4.     المطالبة باعتذار رسمي من أعلى مسؤولي الدولة عن الاتهامات التي أطلقت بحق المتظاهرين وعن الأفعال الإجرامية المنافية للقانون ومن ذلك أشكال التضليل التي أطلقتها بيانات وبلاغات المسؤولين حتى مستوى دولة الرئيس ومكتبه مما مورس بحق المحتجين..  

5.      المطالبة بوضع أسقف زمنية قصيرة لتنفيذ المطالب الآتية:

أ‌.         تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة بشأن جرائم الفساد لا تستثني من سلطتها أحدا..

ب‌.    تقديم برامج محددة بأسقف زمنية بشؤون الخدمات بكل مفرداتها لا تتجاوز زمنيا الصيف القابل..

ت‌.    تشكيل لجان برلمانية بمشاركة ممثلي المحتجين ووفود تفاوضهم لوضع التعديلات الدستورية التي كان ينبغي أن تتم في أول أشهر مسيرة العملية السياسية وجرى التعطيل عمدا من حكومة أحزاب الطائفية والمصالح الخاصة..

ث‌.    يلتزم البرلمان الحالي ببرنامج استثنائي عاجل بسن كل التشريعات والقوانين التي تم  ركنها على الرف لسنوات بعيدة وذلك تحضيرا لاستكمال المؤسسات الدستورية الوطنية كافة..

ج‌.     إعداد القوانين اللازمة لمجلس الاتحاد كونه يمثل نصف البرلمان العراقي مع تشريع قانون أحزاب يحظر الأحزاب على اسس عنصرية عرقية دينية طائفية ويعد لانتخابات وطنية بأسس الدولة المدنية الديموقراطية..

 وبخلاف حال تلبية هذه المطالب الجوهرية فإن الجماهير الشعبية ستواصل برامجها الاحتجاجية وستصعد من نمطها وسعتها ووسائلها السلمية بما يفرض وقف جرائم الفساد الكبرى في نهب الثروة الوطنية واستباحة حياة المواطنين من أبناء الشعب المبتلى بحكومة الطائفية ونيران فشلها في كبح الإرهاب بل مشاركتها في جرائمه..