الأنا والآخر بين المساواة والتهميش

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

في ثقافة المجتمع المدني ودولة المؤسسات، وكذلك في ما تقره مجموع قوانين حقوق الإنسان والشرائع الدينية، تسمو قيم المساواة بين الإنسان وأخيه. وتتأكد في دساتير الدول الديموقراطية مبادئ المساواة وحظر ما يعترضها أو يعرقل تطبيقها... ولربما ادعى حكام وتظاهرت قوى بعينها بالمساواة ولكنها في حقيقة الأمر لا ترى إلا الأنا المتضخم على حساب الآخر المهمَّش.. أو أنها لا ترى من الآخر إلا مَن يدور تابعا في فلكها لتلقي هي عليه بحسناتها من فتات حقوق لا ترقى لمقترب المساواة؛ وهي بفعل الصدقات تلك تخرج بأشكال الاستعراض والتباهي...

ولطالما ساد في المجتمعات الشرقأوسطية ثقافة المركز والهامش حيث الشوفينية \ الاستعلائية للمجموعة القومية على حساب المجموعات القومية الأخرى؛ وحيث سمو المجموعة الدينية الكبرى على حساب المجموعات الدينية [و\أوالمذهبية] الصغرى..! فالعروبيون القومجيون (الشوفينيون) يرون في العرب أمة تعلو وتسمو بوجودها على المجموعات القومية الأخرى.. وصحيح أنهم لا يمثلون العرب ووجودهم الإنساني إلا أنهم فرضوا وأشاعوا ثقافة الاستعلاء الشوفينية..

وهذا استتبعه مجموعة قيم وسلوكيات سلبية خطيرة في الحياة العامة وفي تفاصيل العيش واليوم العادي لبنات المجموعات القومية المتعايشة في بلدان المنطقة.. وصارت السخرية والاستهزاء على سبيل المثال واردة بشكل (عادي) عند أولئك  القومجيين العرب تجاه المجموعات  القومية الأخرى.. ومثلها فلسفة احتلال المناصب الحكومية والمسؤوليات في المنظمات بخاصة في المراتب العليا للدولة والمجتمع..

ودينيا يجري ذات التضخم في  أنا المجموعة الدينية أو المذهبية الكبرى وهنا ربما يجري محق تصفوي عدائي قاتل عندما يتم استغلال فتاوى التحريم المطلق والعمل بوكالة عامة مطلقة نيابة عن الله وبسلطة ما أنزل الله بها من سلطان ولا في أيّ من الكتب الدينية المقدسة.. ألم تنص الآية الكريمة على: "وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"؟ ألم يفتح النص المجيد سلوك الحوار مع الآخر؟ إذن من اين يأتي كل هذا التضخم في الأنا؟ وكل هذا التجاوز والعدوانية على حساب الآخر؟

إنّ الأنا الجمعي عند أولئك، من القومجية الشوفينيين ومن مجموعات الإسلام السياسي الطائفيين، يتضخم إلى درجة لا يرون في المجموعات القومية والدينية الأخرى سوى ((أقليات)) مهمَّشة يجري التضحية بوجودها  وبحقوقها ويجري التعامل معها على أساس الأنا الفوقي والآخر الدوني الخاضع الخانع!

و ربما يتولد بالمقابل أنا بين بنات وأبناء المجموعات القومية والدينية المهمشة ممن ينكسر وينطوي ويبحث عن العزلة والاستكانة في أحضان التهميش تجنبا لعدوانية أنا الآخر المتضخم..   فمن العيش وتعوّد مجريات اليوم وتفاصيله  يتأتى شعور التهميش وعدم المساواة كما حصل طويلا مع أبناء المجموعات القومية والدينية التي عادة ما تُكره على الشعور قسرا بأنها لا تحتل أكثر من الدرجة الثانية في قطار الحياة والوطن..

وبين جبروت الأنا الشوفيني وتصاعد حدته ظلما مع تضخمه وانتفاخه على حساب الآخر حيث هو المركز المطلق وماعداه هوامش تدور في فلكه، وبين الأنا المنكسر المنزوي تولد عداوات وأشكال جفوة وانفصام وتخندقات لا يمكن محوها بسهولة ولا بزمن قليل ولا بثمن بسيط..

 

وغير هذا وذاك، فإننا نشاهد أحزابا تنتقل من المعارضة إلى السلطة بطريق الانتخابات.. ولكننا سرعان ما نشاهد ممارسة هذه القوى آليات لا تكتفي بكونها لا تنتمي للديموقراطية بل تمضي أبعد بكونها سلوكا دكتاتوريا لطغيان الأنا الفردي والجمعي على حساب الآخر ومصادرة حقوقه حتى في الحياة!!

ومن أجل تطبيقات في هذه الكلمات لنلاحظ خطاب الأحزاب الدينية، أحزاب الإسلام السياسي الطائفية بالضرورة، وما فيه من تقاطع وتعارض وتناقض مع كل قيم الديموقراطية. فهذه الأحزاب  تشارك الآخر في التنافس الانتخابي ديموقراطيا طالما كانت خارج السلطة؛ ولكنها ما أن تتسلم السلطة تتنكر لأول مبدأ في الديموقراطية وهو مبدأ التداولية وترفض تسليم السلطة وتداولها مع الشريك الآخر.. وهي تستغل أغلبيتها الآنية في مرحلة انتخابية لتشرعن [بإصدار قوانين] الأمر الذي يساعدها على الاحتفاظ بالسلطة مطلقا.. كما أنها تمارس كل اشكال القمع والاعتداء على الحريات بحجة أسلمة المجتمع وهي الذريعة التي تخفي وراءها سياسة الفساد من نهب واغتصاب وجرائم اعتداء أخرى..

 

بمقابل هذه الادعاءات المضللة يرفع الديموقراطيون راية فلسفة التسامح والمساواة.. وهم يتحدثون عما يريدونه وطنيا  بالقول: إننا نريد عراقا يكون فيه احترام الآخر سببا لاحترام الأنا وليس العكس.. نريد  عراقا ديموقراطيا يطبق المساواة والتداولية وتنتهي فيه جرائم مثلث الطائفية الفساد الإرهاب..

إنَّ البدء بالفرد والعائلة والأسرة الكبيرة وبالمجتمعات المحلية من مدرسة ومنتدى وجمعية وحزب، يعني أن نبدأ بتطبيق مبدأ مَن لا يحترم الآخر لا يحترم نفسه، بل يهينها ويعتدي عليها ويمسخها من أن تكون شخصية آدمية سوية.. ومَن يتجاوز على حق الآخر يمثل شخصية (ناقصة) ودونية تنتهك العرف والخلق والقيم السامية وأي انتهاك لحق إنسان هو انتقاص في وجود الذات أو الأنا أو شخصية من يقوم بالتجاوز والاعتداء والانتهاك.. وتتحول إلى شخصية عدوانية استعلائية لا تمتلك سلوكا وسمات تمنحها الاحترام ولا المكانة في وسطها الاجتماعي..

إن تعزيز مفهوم احترام النفس ينبع من احترامنا الآخرين، في مختلف ميادين وجودنا.. وهذا هو الأساس الذي يمكننا أن نمضي باتجاه الديموقراطية الحقيقية.. وسيكون تطبعنا على قيم الأثرة وتجنب الأنانية ورفض تقديم المصالح الخاصة وإبعاد سلوك كون مصالح الذات فوق أيّ اعتبار، سيكون هذا قمة التربية التي تجعل فلسفة الديموقراطية وسلوك قيمها ومفرداتها في عمق حيواتنا وتفاصيل يومها العادي..

كما أن الشخصية الإيجابية المنتظرة هي الشخصية التي تفكر بأن البناء مسؤوليتها وكيما تعيش رغدا وسعادة ورفاها ينبغي أن تتخلى عن فلسفة أعطني قوت يومي أعطك  صوتي.. وأن تتخلى عن أسلوب غيري ينهب الوطن فمن المشروع لي أن ((آخذ)) بضع دنانير لعيش عائلتي سواء سميت رشوة أم إكرامية.. وعلينا التخلي عن سلبية التعاطي مع المؤمل فينا ومنا في إدارة التغيير نحو زمن البناء...

وربما علينا من أجل ذلك أن نوجد التفاعلات الإيجابية مع تساؤلات من مثل: هل تقبل بالآخر أساسا في الإخاء؟ هل تقبل بالآخر سببا في سعادتك؟ هل تؤمن بأنّ "جنة بلا ناس ماتنداس" أي لا تراد كما يقول المثل العراقي المأثور؟ ما رأيك بموضوع المساواة بينك والآخر؟ وهل (الآخر) هو  من يحمل بفكرك مسمى (الأنا) أحيانا أو عند تطلب الأمر وعندما يكون هو المبادر في أمر أو آخر.. وأنك أنت هو من يحمل مسمى (الآخر) عند ذاك؟ أم أنك تشعر وتسلك دائما ومطلقا بشعور من يمثل المركز ومسماك دوما هو (الأنا) المركز وأنَّ كل آخر هو مفردة في محيطك المترامي المليئ بالمفردات ثانوية الوجود والمنزلة حيث لا مساواة بين أناك المركز وأناه التابع أو الآخر المهمش الدائر بفلك أناك المركزي  قسرا وكرها؟

إنّ هذه المداخلة تمهيدية تبقى بحاجة جدية، لمن يتفضل باستكمال التناول والمناقشة وكتابة أسس عيشنا بالطريقة المثلى؟ فما رأي كلّ منا بهذه المعالجة؟ ما تعليقك ورأيك؟ إن رأيك [قارئي الكريم] عندي هنا سيمثل الأساس في تقرير ماذا نريد...؟ أقصد من يريد العيش في مجتمع البناء والعمل والإيجابية هو من يمكنه أن يحيا في نظام الديموقراطية واحترام النفس ومنع مهانتها ومسخها في سوق الحكّام ومن يبيع ويشتري فينا.. هنا بهذه الكلمات أقدم احترامي لكم أنتم الأساس في الرأي الأكثر نضجا الذي سيسود قانونا وعملا في وطننا وبيننا.. وبأمل مطالعة تعليق كل منكم ورأيه وتناوله ومعالجته وحلوله، آمل أن نكون حسمنا أمر خيارنا أن نخرج إلى فضاء التحرر من السلبية وولوج عالم الضمير والأنا الديموقراطي الذي يحيا وسط مجتمع التكافل والتكامل والتعددية والتداولية وحق المساواة وإنصاف الجميع عدلا واحتراما  فعليا حقيقيا؟؟؟

دعونا نناقش ونهمس لأنفسنا؛ إن لم يكن بدء حوار مع الآخرين.. ولنخلق حوارا تثقيفيا تنويريا؛ فربما وصلنا غير بعيد لمفهوم التعددية والمساواة سلوكا يوميا معتادا في حيواتنا جميعا...

لا تنسوا أيها الأحبة لا أنا مطلق بين البشر ولا أنا غني إلا بوجود الآخر ولا سعادة ولا صواب في وجود لأنا إلا بالمساواة بينه وهذا الآخر.. وكل أنا مركزي شمولي مطلق هو تجاوز بل اعتداء سافر على الآخر ومن ثم هو قلق وامتناع راحة وأمان وسلام ومن ثم ضيم وظلم وخسارة جنتنا  في وجودنا.. وثقتي أن أول التخلي عن السلبية هو الاشتراك هنا بإيجابية بكلمة بتصويت بتعليق بتفاعل وإن اختلف الرأي أو اختلف السبيل فبحثنا الشمترك بالتساوي هو أساس خيرنا.. بانتظار التفاعلات تحية وسلام وتلك هي بقية الموضوع وما يتبع فيه