الطفل العراقي في اليوم العالمي للطفل!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في الشؤون السياسية

ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني

tayseer54@hotmail.com

 

يحيا الطفل في ظروف النمو والتكوّن تحت وطأة تأثير بنيته غير المكتملة من جهة ومحيطه الذي يتبناه أما بالرعاية والتنمية البناءة أو بالتأثيرات السلبية المحبطة.. ومن هنا فإن المجتمع الدولي في عصرنا تبنى عددا من الاتفاقات الدولية التي بدأت مبكرا  بإعلان حقوق الطفل 1923 الذي  تجسد فيه إعلان جنيف لحقوق الطفل في العام 1924 واعتمدت منظمة الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الطفل في العام 1959 ليعقب ذلكم تبني عام الطفل 1979 ثم اتفاقية حقوق الطفل في العام 1989 التي باتت نافذة منذ العام التالي.. ومن المفيد التثقيف والعمل بها لأهميتها لا في العناية بالطفل بل بإشناء أسس مجتمع إنساني قائم على أفضل مسيرة.. وهذه الاتفاقية مشاعة وموجودة في المتناول، على سبيل المثال يمكن الاطلاع عليها هنا بهذا الرابط:

http://www.unicef.org/arabic/crc/files/crc_arabic.pdf

 

  وعراقيا عانى الطفل من ظروف بنية مجتمع التخلف والمستويات المتدنية لظروف العيش مع قيام الدولة العراقية  العام 1921؛ ومع تراكم ثروات الدولة العراقية لم يحظ بشيء أمام النهب المتصل للثروة الوطنية وأمام الخلل الخطير في التفكير بالمواطن بوصفه إنسانا له حاجاته ومطالبه وحقوقه.. أما اليوم ومنذ ثماني سنوات فإنّ الجديد لم يقف عند حدود نزيف الثروات وخلل البرامج العامة بل دخلنا في أنفاق آلام أخرى من استبداد العنف وسطوة الظلام وإشاعة الاستغلال وإرهاب المجتمع بأسره..

لست بصدد  قراءة الماضي زمنيا عموديا أو الأممي مكانيا أفقيا بعيدا عن العراق الجديد، ولكنني بصدد مجريات ما حصل ويحصل في عراق اليوم.. وطبعا علينا أن نتذكر الطفل العراقي في المهاجر والمنافي حيث ميادين ضياع  ومنافذ ضغوط أخرى، ربما بقراءة مخصوصة.. لكننا مرة أخرى سنلتفت هنا إلى الداخل الوطني حيث محافظات البلاد وملايين من ينتظر التفاتة حنان إنساني صادقة.. وأمام هول الوقاع نتساءل بدهشة عما حلّ؟ وهل كنا نياما فصحونا لنرى كل هذا الخراب فجأة؟

ستبعدنا إجابات هذه الأسئلة عن موضوعنا؛ ولكننا سنوجه الأسئلة إلى حيث الطفل اليوم.. بدءا من مرحلة تكونه جنينا.. متسائلين: هل تجد الأم الحامل رعاية مناسبة كافية؟ وما برامج متابعتها صحيا وماذا يتوافر لها لحظة الولادة؟ إن الإجابة تكمن في حجم النقص الخطير في أطباء التخصص والمتخصصين بالرعاية وبالتأكيد في حجم المستشفيات وطبيعة الخدمات فيها مما يثير العجب والاستنكار!!

وفي أي سؤال عن أوضاع الأطفال من حديثي الولادة، وماذا يقدم لهم مخصوصا؛ ستجابه بصدمة الأم قبل أية إجابة عن وليدها.. والطفل العراقي في أزمة حتى في التطعيمات وفي الغذاء المتدني بمحتواه.. ولكن الصدمة الأكبر تتمثل في حجم الولادات المشوهة خَلْقيا بسبب من ضعف الرعاية ومن أسباب متداخلة أخرى!

وهذا الطفل المحمَّل بكل مشكلات العراق الجديد قسرا كرها؛ لا يجد دُور الحضانة ولا الرياض التي ينبغي أن تكون. وكثيرا ما سيجابه فرصَ الوفيات ونسبها المرتفعة فضلا عن فرص الإصابات المرضية.. وحتى عندما يصل إلى مرحلة التمدرس، لن يجد المدرسة التي يحظى بها أقرانه في بلدان أخرى.. وإن وجدها فهي أما مدارس طينية أو من جريد النخيل [هناك أكثر من 4000 مدرسة طينية في العراق الجديد] وأما مدارس بأبنية متهالكة بلا مرافق وملحقات صحية آدمية..

وفي أجواء تراجع المناهج وهزال مستوى التعليم نفسه وطبيعة مجريات السلوك العام في تلك المدارس وتحت ضغوط الحاجة والفقر يتسرب سنويا مزيد من الأطفال وفي  مجموعة الفئة المدرسية بات أكثر من نصفهم في عداد الأميين ويصل الأمر إلى نسبة الـ 70% لدى الإناث من هذه الفئة العمرية..

وشاع اليوم بنسبة ملحوظة تعاطي المخدرات لدى الأطفال، وربما أشارت بعض الإحصاءات إلى عشرات آلاف المراجعات للعيادات الطبية بحثا عن حبوب الهلوسة وما شابهها.. فيما يتعرض الأطفال لأعمال الابتزاز ولجرائم الاتجار بهم جنسيا.. وما عاد الاكتفاء بالاختطاف طمعا في مقابل مالي حسب بل باتت جرائم الاغتصاب والمتاجرة المحلية والخارجية ببيع هؤلاء لمافيات الجنس وغيرها...!؟

إنّ عديدا من العوائل تُجبَر على عدم الإعلان عما يطاول الأبناء من جرائم التعاطي للمخدرات وجرائم الاختطاف والاغتصاب وربما الممارسات القسرية للجنس أو الاضطرار لبيعهم في سوق الرقيق الذي انبعث اليوم بعصرنا عبر مافيات تتحكم بالسوق المحلي وترتبط بالسوق الدولي للاتجار بالرقيق الأبيض! وفي ضوء ذلك من قوانين العيب ومن ظروف الإكراه ومن عوامل الإهمال والفشل في السياسات العامة للرعاية؛ لا توجد إحصاءات جدية تغطي دراسة الأوضاع المشار إليها...؟

وربما تحاول شخصيات وطنية وأخرى في مؤسسات معنية بشؤون الطفل بطريقة أو أخرى، أن تجد منفذا للمعالجة.. ولكن ولادة مؤسسة رعاية متخصصة بشؤون الطفل على المستوى الرسمي تبقى إشكالية ذات أولوية وأسبقية عليا.. إذ لا يمكن لتلك المبادرات [على أهميتها] المعنية بالدفاع عن حقوق الطفل وممارسة أنشطة مختلفة له، أن تنهض بمهمة معقدة وكبيرة كالتي يجابهها الطفل العراقي اليوم..

وتلك المؤسسة بحاجة لجهات تخطيط ودراسات وأن تمد شبكة اتصالات مع مراكز البحوث والجامعات والمعاهد العلمية، كما تحتاج إلى التنسيق مع مختلف الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية بشأن توفير الحماية من جهة وموضوع سلامة الأطفال وشعورهم بالأمان وبالانعتاق من أشكال الاستغلال المتصاعدة..

من يستطيع مساءلة الجهات التشريعية؟ وكيف؟ ومن يمكنه أن يكون مسؤولا في وزارات الدولة عن قضايا الطفل؟ ومن هو المسؤول عن أطفالنا بعامة؟؟؟

ربما سيخرج لنا أصحاب الألسنة التي تمتد أبعد من أطوالهم، ويتحدثون عن منجزات الأمن والأمان وعن حل مشكلات ومعضلات وعن تجاوز أزمات!! لكن المواطن العراقي ليس معنيا بطول لسان مسؤولي آخر زمان.. إنه معني بالأرقام والإحصاءات بل بالواقع المزري؛ إذ نرصد:

01.                أطفال مشوهون بالولادة..

02.                أطفال يُقذفون إلى الشوارع وأعدادهم في تزايد..

03.                أطفال على المزابل بحثا عن قوتهم وعوائلهم..

04.                أطفال خارج المدرسة وبعيدا عن التعليم..

05.                أطفال يمارسون أعمالا بأجور استغلالية بشعة وبخلاف ما تنص عليه القوانين بشأن عمالتهم وطبيعة تشغيلهم..

06.                أطفال متسولون..

07.                أطفال في قبصة مافيات المخدرات التابعة لعناصر تخترق أحزاب الحلال والحرام تضليلا..

08.                أطفال في قبضة تجارة الجنس..

09.               أطفال للبيع في سوق (سرية) ولكنها علنية عيني عينك..

10.               أطفال يخضعون  لإكراه العصابات والمافيات..

11.               أطفال بعضوية الميليشيات والعمل العنفي المسلح قسرا..

12.               أطفال يعانون في خضم أزمات تغلي في بيوتهم..

13.               أطفال يجري تشويههم في رياض الأطفال والمدارس..

14.               أطفال الحقد والكراهية والتربية الطائفية المقيتة..

15.               أطفال للتفخيخ والتفجير..

16.               أطفال من كل شكل وتحت الطلب إلا أن يكونوا أطفالا أسوياء

 

 

تابعوا معي  الحضانات ورياض الأطفال ودروس التربية الدينية التي تمضي بتجسيد المقتل (الحسيني الشريف)  والعزاءات وغسيل الأدمغة على طريقة استيلاد الحقد الطائفي.. إن هذا السلوك يعني لأي عاقل إعداد جيل من القتلة ومن جيش من المستعدين للاقتتال والتوحش ومغادرة أية ثقة بين طرفين من البشر.. وغير هذا وذاك معروف مفضوح..

 

لقد ناضل العراقيون لإزاحة نظام كان يُخضِع الأبناء لتربية بعثفاشية وبعض مسؤولين اليوم يستبدلونه ليأتي منهم مَن يربي بالحقد الطائفي وبشاعات الميليشيات..

فإلى كل قيادات الميليشيا أرسل سؤالي: من سمح لكم بإخضاع الطفل العراقي لتدريباتكم وأعمالكم المنافية للشرائع الدينية وللقوانين المحلية والدولية؟ طبعا لا نسأل ضمائر أحد هنا لأن الميليشيا بلا ضمير إنساني.. ولكن السؤال معروف إلى من ولماذا..........

وإلى وزارة التربية: من الذي سمح بفضاءات مناهج ودروس وأنشطة تربوية على أسس طائفية مريضة الأساليب والنتائج؟ من سمح بإدخال درس المقتل الحسيني لرياض الأطفال؟ ومن المسؤول عن التربية بالحقد والانقسام والعدائية؟؟ و أين ذهبت المليارات المخصصة لبناء المدارس؟ وأين هي لجان المناهج العلمية الصحيحة؟ وأين إعداد المدرسين؟ وما موضوع الفصل بين الجنسين ذكورا وإناثا وكيف يجري التمييز بينهما خلافا للقوانين والاتفاقات المخصوصة وخلافا لما يرد في الدستور العراقي؟ أين وأين وأين ولماذا؟ و أسئلة بدأت ولكنها بلا نهاية عن جرائم مرتكبة خلف جدران المدارس..

وإلى وزارة الثقافة: ما نوع ثقافة الطفل الجارية اليوم والسائدة في الشوارع أهي ثقافة الشارع وبشاعاته أم ثقافة بناء الإنسان وروحه التي باتت ضائعة تائهة بين دهاليز الظلام و التضليل..؟  يعني مثلا بالتنسيق مع وزارة التربية أين مدرسة الموسيقا والباليه؟ وهل تخلصت من ضغوط من هدم كل شيء فيها وأعاد بناؤه أناس من خارج البلاد؟ وأين دروس الفنون والرياضة؟ وأين مسرح الطفل والمسرح المدرسي؟ هل تعطلت عربة ثيسبيس عند تمثيل المقاتل والعزاءات واللطمية وقرع طبول الحقد الطائفي وفرض إدمانها على الأطفال؟ أين برامج التلفزة والسينما والرحلات المدرسية وربط الطفل بقيم ثقافة الإنسان وحرياته وحقوقه؟ وأين الأينات جميعا...

وإلى وزارة حقوق الإنسان وإلى وزارات حكومة المحاصصة: إليس من حصة ولو من فتات موائد حواشيكم لحقوق الطفل؟؟؟

وأخيرا وليس آخرا في عراقنا الجديد: إلى دولة رئيس الوزراء، كم من الإحصاءات والتقارير التي وردتك تتناول قضايا الطفل والطفولة في العراق؟ وما هي موازنة الطفل العراقي؟ وما موضع رصيده في خططك وموازناتك؟؟  دولة الرئيس: قطعت وعدا بمائة يوم  أن تحاسب وزراء حكومتك ولم تقل لنا أي خطة قدمتها أنت لكل وزير كي يدلي هو بالمفردة التي تخصه؟ وهنا بما يخص الطفل والطفولة.. على أساس أنك قد غطيت جميع الفئات وجميع القضايا بخططك ومعالجاتك؟

أقف عند ما عكفت على تأشيره هنا بوساطة السؤال أو بتوجيه الأنظار ولفتها إلى ما تمّ تأشيره.. ولكنني قبل أن أختم أؤكد أن الطفل والطفولة في العراق سيشكلون أخطر مصنع للخراب البشري ليس في العراق حسب بل في محيطه والعالم.. فهل نتدارك الأمور بتوجيه النظر إلى خطط متكاملة من أجل الإنقاذ؟؟ سنعاود اللقاء في الأول من حزيران يونيو العام القابل ونقرأ من استفاد ومن أفاد؟ وماذا حصل الطفل العراقي عليه.. وأضع رسالتي هذه بين يدي  بناتنا وأبنائنا من أعضاء برلمان الطفل العراقي عساهم يستطيعون حمل بعض الأهداف  بين شعاراتهم وأهدافهم ومهامهم فضلا عن همومهم.. وتحياتي لكل طفلة وطفلة في بلادي والعالم بيوم أرجو أن يتحول إلى عيد للطفولة يعم أرجاء المعمورة...