الصوت الآخر.. مجلة التنوع الثقافي ومنبر التعددية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

بدأت مجلة الصوت الآخر الصدور مذ سبع سنوات، ولكنها بفضل مثابرة هيأة التحرير وبفضل طول باع كتّابها اختزنت خبرات عقود سبع من الامتداد والعمق.. وهي إذ تدخل عامها الثامن من العطاء، تؤشر بوضوح أنها مجلة  تغتني بتنوعها الثقافي لتجسد بذلك منبر التعددية.. إذ ليس بالضرورة أن يكون الصوت الآخر طرفا نقيضا أو متقطعا بطريقة التعارض.. فسياسة المجلة جعلت من التعددية كرنفالا من التفاعل ومن حال عبَّرت عن جماليات الوحدة  في التنوع..

وإذ تصدر (الصوت الآخر) في أربيل عاصمة الجبل والشموخ والجمال، فإنها تدفع باتجاه تقديم صورة غنية المحتوى عن كوردستان وشعبها وعن ثقافة التآخي والتآلف مع شعوب المنطقة ومع تعدديتها قوميا دينيا ثقافيا لغويا.. وهي بهذا تحمل لواء التفاعل الإنساني الأصدق في تمثيل وحدة المسار والهدف في التعايش على أسس احترام الآخر  وإنصاف مطالب الجميع بالعدل والمساواة...

وطبعا جاء التطور التقني المستخدم في الطباعة وفي الإخراج الصحافي، أداة جمالية موضوعية مناسبة لإيصال الفكرة والمضمون بأفضل ما متاح في يومنا من أداء.. وهو أمر بات اليوم من مفردات النجاح في أية رسالة إعلامية صحافية.. وربما سيكون من بين المطلوب اليوم بهذا الخصوص وضع المجلة بصيغتها مطبوعة ورقية في الموقع الألكتروني  بعد نشرها وتوزيعها في الأسواق بمدة مناسبة..

ومما ينبغي ذكره هنا وما نتطلع إليه من خطة لعام جديد من العمل، أن يجري تطوير الملفات التي تصدرها المجلة في كراريس ملحقة، تحتوي على ما ينشر في إطار معالجة واحدة لإشكالية بعينها.. وأن تتضمن الحوارات الجديدة اهتماما أكبر بتحقيقات عن مشروعات بعينها في كوردستان بخاصة منها تلك التي تعنى بالسياحة وثقافتها وبتطور البنى التحتية لها...

فيما سيتجلى عمق أبعد للملفات عندما تدخل أروقة المنظمات الثقافية كاتحاد الأدباء والكتاب ونقابة الصحافيين لتسلط الضوء على ندوة وموضوعها من جهة؛ ولتقدم أطروحات المتداخلين بصيغة معالجات  مستقلة يكتبها المتداخلون في مادة الندوة المختارة.. فعلى سبيل المثال يغطي مراسل المجلة ندوة فكرية في إشكالية الثقافة وخطاب التعايش السلمي والفديرالية، ويتصل بالمتداخلين وبالحضور وبالمهتمين بالموضوع كيما يقدموا إجاباتهم في معالجات أوسع يتشكل منها ملف العدد.. وربما جاءت حوارات ملف آخر بمقابلة رؤى منظمات متماثلة في المهمة ولكنها  ربما تمتلك برامج مختلفة على وفق تعددية في التنظيمات الموجودة.. وعلى سبيل المثال تنظيمات نقابية مهنية في مجال ورؤاها ومعالجاتها في إشكالية مشتركة.. يمكن أن أقترح مثالا في إطار وطني عراقي  وآخر على مستوى بلدان المنطقة...

من جهة أخرى، فإنّ الانفتاح على الجاليات في المهجر سواء من جهة وصول المجلة وتوزيعها أم من جهة تغطية الحدث الثقافي الاجتماعي بتنوعاته يبقى من الأهمية ما يتطلب  إجراء اتصالات واستقراءات ومقارنات للإفادة من التجاريب الغنية المتناثرة هناك.. ولتكون الصوت الآخر جسرا آخر بين  أجنحة الأحبة والقراء...

وربما  باشرت الصوت الآخر ندوات ميدانية في أروقة الثقافة وفي ذات الوقت تنقلها عبر شبكة الإنترنت بما يكفل  أوسع مشاركة فاعلة بين الأصوات المعنية بمادة هذه الندوة أو تلك.. ومن بين أروقة الندوات المهمة هي أقسام الصحافة وكليات الإعلام بمختلف الجامعات، تعزيزا للاتصال بين الصحافيين العاملين وبين جهات الدرس التخصصي أكاديميا علميا.. ولعل ورش التطوير والعمل المهني مسؤولية منتظرة لتطبيع العلائق الإيجابية بين مؤسسة العمل والقسم العلمي بالجامعة..

إنني لا أحلم هنا في أجواء أرض يباب بل أضع تصورات هي من بين مفردات واقعنا ولكنها بحاجة لتعزيز وتطوير وتحديث.. وتلكم مسألة ممكنة ومتاحة في حال كالتي نجدها لدى مجلتنا الغراء..

إنني أجزم بأن تجربة الصوت الآخر كونها مجلة كوردستانية تنطق بالعربية وتخاطب جمهورها في أرجاء بلدان العربية، هي تجربة مهمة وجسر يجب إدامته بل يجب أن يشهد تعددية بصدور دوريات أخرى تستفيد من وجود هذا الصوت وتجربته؛ إذ من المفيد أن تتعدد الجسور ومنافذ الخطاب الصحافي لجمهور العربية تعريفا بالقضايا المشتركة وبمستقبل العلاقات والإخاء، وبتفاعلات الإيجاب في أجواء ربما اكتنفها في لحظة أو أخرى ما ينغصها وما يتطلب إزالة المنغص أو العقبة بمعالجات إنسانية الجوهر، ثقافية العمق والمعالجة...

هنا أذكِّر بتلك الأصوات العربية التي تشترك بتحرير المجلة في زاوية نظر تركز على آفاق العلاقات الكوردية العربية من جهة ومن جهة أخرى في مهمة حيوية تكمن في الدفاع عن التآخي وعن حالات التفتح والتفاعل بين طرفي العلاقة كوردا عربا.. ومن الطبيعي أن تؤسس هذه المجلة لبؤرة إشعاع ساطعة وكبيرة التأثير حيثما قدمت التفاعلات والمعالجات المشتركة بمنظورين متآلفين..

هنا أتطلع أن تتجه بمحاور دراساتها إلى حيث وُجِد الكورد في بلدان قصية، وإلى تسليط الضوء على أدوارهم وعلى  تداخل العلاقة مع بيئاتهم الجديدة.. وربما كتبوا وأبدعوا بالعربية ولكنه يبقى الصوت الكوردستاني في أصوله والدم الذي جرى في مكونات ثقافته ومنتجه وعناصرهما.. وبالمقابل البحث في رؤية ذياك المحيط العربي تحديدا وإجابته بشأن كل التداخلات والتفاعلات التي جرت في مرحلة من الأمس القريب وتجري في يومنا..

واسمحوا لي بعد هذه الانطباعات والتصورات في مسيرة عام آخر، أن أسجل هنا أصدق التحايا والأماني لمجلة ((الصوت الآخر)) وهيأة التحرير وجميع من يكتب فيها. وإنها لأمنيات غالية بدوام التقدم والنجاح وباتساع جمهورها.. وهذه أجمل التهاني أنقلها في الاحتفالية السابعة للصدور وعقبى الاحتفاليتين الماسية والذهبية. كما أتمنى أن يكون  احتفال المجلة تقليدا سنويا يجمع بين الكرنفال المشترك  كورديا عربيا وبين الندوات الموسعة بصيغة مؤتمر دراسات لمثل هكذا نموذج من الدوريات التي تعبر عن هوية قومية وثقافية روحية وتقدم رسالتها بوساطة لغة الآخر أداة للتتفاعل وجسرا للتواصل. عيدا مجيدا لكم أيها الصوت الكوردستاني النبيل وإلى أعوام جديدة من السؤدد..