في اليوم العالمي للاجئين 20 يونيو حزيران

صرخة تعلو باسم اللاجئ العراقي

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في الشؤون السياسية

ناشط في مجال حقوق الإنسان \ المرصد السومري لحقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

 

منذ عشر سنوات تم اختيار اليوم العالمي للاجئين وذلك في الذكرى الخمسين للاتفاقية الخاصة بأوضاع اللاجئين.. إنّ عناية دولية باللاجئ جاءت بالتأسيس على أهداف الأمم المتحدة وتمسك المجتمع الدولي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالاتفاقات الدولية السابقة كافة تلك التي تعلي من مكانة الإنسان وحقوقه في امتلاك الجنسية وفي الحماية وطنيا أو في بلد يمكن أن يمنحه الحماية التي افتقدها بسبب تهديد موصوف في اللوائح والقوانين المشار إليها..

وعادة ما تنهض الدول ومؤسساتها الوطنية بمراجعة لأوضاع مواطنيها الذين تعرضوا لأزمات النفي والتهجير لدواعي قسرية خارجة عن الإرادة.. وهناك مبدئيا إحصاءات لمناطق الرحيل والنزوح والتهجير ودراسة للأسباب الرئيسة.. كما هناك متابعة لمواطن الاستقرار وإحصاءات وجودهم وطبيعة الحماية المتوافرة لهم..

وتجري المؤسسات المعنية لا دراسات إحصائية حسب بل اتصالات عينية مباشرة للاطلاع على الاحتياجات والمتاح توفيره لمعالجة أوضاع اللاجئ في منفاه.. إن مهمة استقبال اللاجئين وتوفير فرص العيش الكريم الآمن لا يمكن أن تتحملها جهة أو دولة أو مجموعة دول بل ينبغي أن تتشارك في تلبيتها جميع الأطراف ذات العلاقة المباشرة وتلك البعيدة غير المباشرة.. فالمهة ضخمة ومعقدة بخاصة اليوم مع نزوح ملايين البشر واضطرارهم للهرب من مطاحن الاقتتال والتهديد الذي يتعرضون له...

ويبدو لي من باب أولى في تلك البلدان التي يجري فيها تغيير النظم الاستبدادية القمعية، أن تنهض النظم الجديدة بمهامها الإنسانية لتلبية مطالب تلك الملايين من اللاجئين بالمشاركة مع الدول التي استضافتهم ومع المجتمع الدولي وبالعمل على توفير أسس العودة الطوعية بتأمين سبل العيش الكريم وبلا تهديد من أي نوع..

وعراقيا تم تهجير مئات الآلاف من المواطنين منذ نهاية سبعينات القرن المنصرم بحملات إحداها طاولت القوى السياسية اليسارية بالاعتقالات والإعدامات والتصفيات الدموية البشعة بأشكالها والأخرى طاولت طيفا عراقيا مهما كالكورد الفيلية ومع هذين الطرفين كل عراقي لم يخضع لأوامر الطغيان.. ونحن جميعا نستوعب الجريمة وأسبابها ومعاناة من طاولتهم طوال العقود المنصرمة...

لكن ما لا يصدق أن العراق في ظرف سنوات قلائل معدودة تم تهجير ملايين من أبنائه تحت سيف الإرهاب وانعدام الاستقرار وخراب البنى الأساس للعيش الإنساني.. وباتت جموع الملايين الجديدة بين نزوح محلي داخل البلاد حيث عمليات تطهير محافظات الجنوب والوسط، وما يشبه ذلك في المحافظات الأخرى، من كل طيف لا يخضع لمرجعية الطائفية السياسية المتحكمة بالوضع العام  بكل محافظة. إذ عملت قوى التطرف الطائفي على مطاردة المسيحيين من الكلدان الآشوريين ومن الأرمن وغيرهم ومطاردة الصابئة المندائيين وكذلك أتباع المذاهب المختلفة. والمطاردة تضمنت كل أشكال التهديد من اختطاف واغتصاب واغتيالات ومن جرائم ضد الإنسانية بالقتل الجماعي ومما وصل من رسائل التهديد والابتزاز جهارا نهارا وعلنا بشكل سافر..

ربما آخر واقعتين بشعتين كانتا تلك التي تعلقت بتهديد المندائيين بالرحيل أو الموت [في ديالى بعد (تطهير) العمارة والناصرية منهم] وجريمة وحشية قذرة أخرى هي المعروفة بجريمة العرس التي عبرت تفاصيلها عن وحشية الفعل ولا إنسانيته ودناءة مرتكبيه.. ومثلهما عديد من الأعمال الشنيعة... كل ذلك لا يمكن أن يقبل الصمت والتلكؤ في معالجته وحسم الأمر بشأنه... إذ يبقى سببا خطيرا لدفع ملايين النازحين والمهجرين إلى منافي اللجوء..

والسؤال بعد تجاوز مداخلات الظروف والأوضاع السائدة: أين الإحصاءات اللازمة لدراسة الظواهر العامة الكبيرة والخطيرة التي تدفع للنزوح واللجوء  والتي تمس حيوات الجماعات البشرية على الهوية الدينية أو المذهبية أو القومية...؟ وإذا كان للحكومة أن تتحدث عن عدم اكتمال جاهزية قواتها فهل متابعة ظروف مواطنيها (اللاجئين) مستحيلة عليها إلى درجة إهمال متابعتهم في مواطن لجوئهم؟ والسؤال الأكثر تعقيدا وإثارة للدهشة: هو لماذا تعقد هذه الحكومة اتفاقات إعادة قسرية وهي تدري استمرار تفجر الأوضاع وعدم جاهزية البلاد لعودة تلك الملايين التي ما تركت الديار لولا بشاعات وهول ما عاشته؟؟

يعني بالمختصر.. الحكومة تقف عاجزة مشلولة عن التصدي لمسؤولياتها في حفظ الأمن وسلامة المواطنين.. وهي عاجزة عن توفير أبسط الدراسات لظاهرة النزوح والهجرة القسرية.. وعاجزة عن توفير إماكن بديلة داخل الوطن.. وهي عاجزة عن متابعة مواطنيها وظروفهم في المنافي القصية .. وفوق كل هذا وذاك تشارك في جريمة مركبة بإعادتهم القسرية إلى محارق الهلاك والإبادة مجددا؟؟!

إن هذا ليس من نسج الخيال وتصريحات المسؤولين الأوربيين بخصوص اتفاقات الإعادة القسرية ليست دجلا وكذبا كما يجري من تلفيقات وتصريحات من بعض مسؤولي حكومتنا ((الوطنية - المنتخبة)) العتيدة.. إن دول اللجوء تتحدث عن وثائق معلنة وقعها مسؤولو  الحكومة للإعادة القسرية؟ فما جرم هذا الإنسان كي تطارده الحكومة بكل هذه الجرأة بل الوقاحة لتعيده إلى قيود وطن الحروب والاقتتال والقمع والذبح على الطريقة ((الحلال))؟!

لقد استقر ملايين من الفارين من مدن أشباح ميليشيات الاغتصاب الجماعي والقتل الجماعي والموت المجاني بعد حفلات التعذيب والتلذذ بتقطيع أوصال بني آدم كما في جريمة عرس الدجيل، استقروا في بلدان عديدة وحينما تحدثنا عن حجم اللجوء يوما غير المهيأة له دول الاستقبال وضرورة العمل على توفير فرص التعليم والرعاية الصحية لم نجد سوى ردود الصمم.. وما أفادت كل الضغوط والحملات الإنسانية؟؟

اليوم هناك تعقيدات أخرى تجابه عراقيينا نتيجة الأوضاع غير المستقرة في عدد من بلدان المنطقة وكما عاش الأهالي والعوائل العراقية لم يجر إخلاء أي منهم يوم ماجت الأرض بليبيا لولا تدخلات دول أخرى! واليوم يجري ما يجري بسوريا والمشهد أعقد من الوصف.. فمن يتكلم باسم كل هذه الآلاف المؤلفة بل من الملايين وآلامها وهول ما تعانيه من مشاعر إنسانية وخيبة أمل وإحباط؟؟

في اليوم العالمي للاجئين نتضامن مع كل لاجئي العالم ومع آمالهم في صحوة الضمير البشري وموقفه الحازم من أجل حلول جدية جذرية.. وإننا لنعمل على توفير الحلول الأضمن لسلامتهم واستقرارهم وعيشهم الكريم كمنظمات حقوقية وناشطين من أجل حقوق الإنسان.. وفي هذا اليوم نسلط الضوء على واجبات الحكومات كافة وهنا بالخصوص نركز الإشارة على أوضاع اللاجئ العراقي ومسؤوليات حكومته في:

1.  العمل على إجراء الإحصاءات الميدانية داخل العراق بشكل يغطي حركة النزوح والهجرة القسرية وأسبابها..

2.  العمل على إجراء الإحصاءات اللازمة في مواطن انتشار اللاجئ العراقي في المنافي والمهاجر القصية كافة بالتعاون مع الدول المضيفة..

3.  متابعة دراسات أوضاع اللاجئ في منفاه وموطن استقراره الجديد والبحث في احتياجاته وما يقع بمسؤولية الحكومة العراقية بوصفها المسؤول الأول والأسبق عنه..

4. رفض ضغوط الجهات الدولية التي تتجه للإعادة القسرية التي لا تتلاءم ورغبة اللاجئ.. ووقف الاتفاقات التي شرّعت لتلك الجهات بعمليات الإعادة القسرية التي لا تحترم إنسانية العراقي ومطالبه وحاجاته..

5.  العمل على رصد ميزانيات طارئة للدعم ولمعالجة الاحتياجات العاجلة في مختلف الميادين..

6. توفير صناديق الرعاية للمهاجرين بالطريقة المناسبة بالتعاون مع منظمات الجاليات المهجرية..

7. البحث في أشكال الرعاية الصحية وتسهيلات الخدمات القنصلية..

8. افتتاح مدارس التعليم الأساس بخاصة للغات المحلية العراقية من عربية وكوردية وتركمانية وسريانية.. و\أو العمل على دعم مشروعات التعليم الأساس بالخصوص منه اللغات الحية بين مجتمع اللاجئين والمقيمين في المنافي ومهاجر الاضطرار..

9. توفير فرص دعم تعلم لغة البلد المضيف في ظروف استقرار العراقي بذاك البلد وحاجته للمساعدة في تعلم لغة البلاد..

10.   توفير مراكز ثقافية فاعلة ووسائل الربط بخطاب إعلامي وثقافي وبجسور مفتوحة مع الوطن..

11.   العمل بجدية على تسجيل منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الثقافة وروابطها وأبعد من ذلك تسجيل المؤسسات الأكاديمية من جامعات التعليم التي تغطي مطالب آلاف من طلبتنا ومئات من أكاديميينا..

 

إنّ جدلا وطنيا منصفا ينبغي أن نرتقي به لمستوى المسؤولية أمام جموع أبناء الوطن وبناته فهناك كدسا خطيرا من المشكلات والتعقيدات التي تمثل تفاصيل اليوم العادي للعراقي في مهجره ومنفاه.. ومن بين تلك الأمور تفعيل القنصليات وأدوارها الخدمية وإنجاز معاملات العراقي المبعد عن بيته ووطنه قسرا والذي لا يمكنه العودة في ظروف عدم الاستقرار وفي ظروف بعد المسافات وعوامل وعقبات مانعة ليس صعبا التعرف إليها لأصحاب النوايا السليمة المخلصة..

وفي هذا اليوم إذ نحيي العراقية والعراقي في ملجأه بعيدا عن البيت - الوطن ونأمل له استقرارا آمنا وحسما لقضاياه العالقة.. فإننا نطمح لإيجاد الآليات الكفيلة بحل المعضلات التي تجابهه وبالعمل على مساعدته بعيدا عن روتين القتل اليومي للضمير وقيمه ولمصالح الإنسان وحقوقه.. وندعو إلى تلاحم جهود منظمات حقوق الإنسان بعيدا عن آليات الانقسام العقائدي السياسي الحزبي وعميقا حيث المهمة النبيلة السامية لمعنى منظمة حقوقية..

إن الاهتمام باللاجئ ليس مهمة الحكومة فقط مع محاسبتنا للمسؤولين بشدة تتناسب ومعنى مهانة الإنسان وجرحه ومطلبه وإنما هي مسؤوليتنا جميعا وأحمّل مسؤولي منظمات حقوق الإنسان القصور الشديد في جهودهم وأنشطتهم بانشغالات وتباطؤ وخضوع لواقع حال التشرذم والانقسام والتحول في أحيان عديدة إلى جمعية قد يصدر عنها بيان أو آخر وقد لا يصدر.. فيما محيط الجاليات مليء بحالات حقوقية بحاجة لمتابعة وانشغال إنساني يعيد الثقة بين أبناء الهوية الواحدة..

وبهذه المناسبة أدعو لوجود منسقية في كل بلد يوجد فيه جالية عراقية بين مختلف المنظمات الحقوقية وعلى مستوى أوروبا وعدد من دول اللجوء.. وأن تتحمل جهات عراقية حقوقية مسؤولة هذه المهمة التنسيقية وأن تنفتح للتفاعل مع منظمات رعاية اللاجئين للتنسيق بين الطرفيني لمصلحة اللاجئ بوصفه إنسانا يستحق تلبية مطالبه وحقوقه كافة..

في اليوم العالمي للاجئ أعتذر شخصيا لكل عراقي اضطرته ظروف الوطن أن يلجأ بعيدا عن بيته واقتلعته ظروف التهديد من وطن آبائه وهويته.. أنحني أمام عذابات دروب الفرار من جحيم البشاعات وأشد على أيادي تلك القلوب العامرة بالروح الإنساني وبالطيبة وبحب السلام والحرية ولكنها المجردة من قوة الفعل من أجل بناء متر واحد يأوي عائلة منتهكة في وجودها.. وقفة إجلال لكم أيها المقهورون وقبلنا وأمامنا تلك المقهوروات المستلبات المصادرات في كل شيء إلا من  ريح صرصر تلفها في ميادين المنافي..

أيتها اللاجئة الأم.. أيها اللاجئ الأب.. أيها اللاجئون من أطفالنا أكبادنا ستكبرون في بلاد غربة ولكنها ربما أرحم من غربتكم عن وحشية الزمان والمكان حيث العدو يعيث في بيتنا وطننا فسادا وحربا وفتكا ووحشية.. وحتى ينتصر السلام وتنتصر الديموقراطية سنبقى معا وسويا تعزف قلوبنا أناشيد المحبة والود والتضامن وسترتفع قبضاتنا دائما عاليا حيث التحدي من أجل غدنا الآتي.....

وانحناءة لإنسانية الإنسان ولحقوقه وللحركة الحقوقية الأممية ولحركتنا تتهادى علها تصحو سريعا وتحمل الراية والمسؤولية... ويدا بيد من أجل تضامننا لا تنسوا أخواتكم وأخوتكم فالغربة والمنفى له قسوته أيضا... ولتبقى عائلتنا العراقيةي في وحدتها وسمو تعاضدها>>

هل يطلب مني أحد الاعتذار له لأنني أشدد اللهجة عندما يتعلق الأمر بكرامة إنسان وحقوقه ومطالبه؟ إنني أقدم اعتذاري مقابل أمر واحد لا غير ضمان؛ إنه سلامة الناس وتلبية مطالبهم وحرياتهم وحقوقهم... فهل هذا كبير على مسؤول مهمته تلبية هذا؟