في ضوء خطاب رئيس إقليم كوردستان: مستقبل العراق الاتحادي ودور كل من حكومتي بغداد وأربيل

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

موضوع العلاقة الفديرالية بين حكومتي الإقليم وبغداد يتم تناوله بمستويات عديدة وباهتمام وبدوافع كثيرمنها إيجابية ولكن بعضها ليست كذلك أو على أقل تقدير تختلط بأشكال من التشويه  والتضليل. ففي المستوى الرسمي السياسي نجد قيادات قوى تدير العملية السياسية تستغل موضوع العلاقة ورقة تضاغط في صراعات (حزبية) تجسدها زعامات باتت تنذر بسياستها بالانفراد بالحكم في بغداد... وشعبيا يجري تسويق معلومات وبرامج مضلِّلة من أجل كسب رهانات الصراع...

وبودي هنا التركيز على كون العراقيين جميعا وسويا اختاروا للعراق الجديد البنية الفديرالية تحديدا ما خصَّ إقليم كوردستان نظرا للتجربة التاريخية ولجذور هذا الخيار وخلفيته، ومن ثمّ صواب الإجماع الوطني على قرار وجود إقليم كوردستان في علاقة فديرالية بتمام حرية الخيار لشعب كوردستان...

وإذا كان صائبا، في ظل التوجه نحو آليات الديموقراطية ونظامها، أن توجد تنوعات في الرؤى وربما اختلافات؛ فإنّ من الصائب أيضا  ألا نحاكم الخيارات الاستراتيجية بطريقة الخلط والتعمية ما يوقعنا في التضليل... كأن يجري  وضع الأمور بطريقة متناقضة بين مفردة برامجية في  تفاصيل مسيرة يوميات العمل بمقابل خيار الفديرالية..

وكثرما وجدنا ادعاءات [تجسدها تصريحات] زعامات في بغداد تتحدث عن الاحتقانات المفتعلة وبعض احتكاكات في محافظات الجوار الكوردستاني لتتهم بها القيادات الكوردستانية بأنها تستهدف ما تسميه ((التوسع)) الجغرافي.. وتلك القوى أما أنها متعمدة في هذا التصوير لتخلق تضليلا سياسيا يخدم أهدافا حزبية وتضاغطات مرضية لا علاقة لها بمنطق الفديرالية؛ فيما تقدم مسيرة العملية السياسية تحديدا يكمن في تطبيع الأوضاع في جميع محافظات البلاد، وأما تلك الشخصيات هي شخصيات هزيلة غير قادرة على التصدي لمهام المرحلة ومستوى المسؤوليات الكبيرة التي احتلتها بغير وجه حق..

ونحن بالمقابل نجد وعيا واضحا  وخيارا وطيدا استراتيجيا راسخا لشعب كوردستان في طريق الفديرالية.. ومعه القيادة الكوردية تجسد هذا الخيار بطريقة موضوعية مدروسة بقدر تعلق الأمر بما يثار من أنشطة إعلامية وخطاب سياسي مغرض عندما يجري الحديث عما يثيرون الاحتكاكات بشأنه، بخصوص تطبيع الأوضاع في المناطق المختلطة بسكانها من تلك التي تمّ اقتطاعها في العهد السابق وما جرى حينها من محاولات التعريب والتغييرات الديموغرافية التي مثلت جريمة بحق سكان تلك المناطق من جهة وما وضعته من قنبلة يراد بها تمزيق البلاد ومواصلة الاعتداء على حقوق أبناء تلك المناطق..

ولنلاحظ هنا ما تفضل به رئيس إقليم كوردستان بزيارته لسوران عندما قال: "وفي كل الأحوال لن ندعهم يحولوا الخلافات الثنائية الى خلافات أو عداء بين الكورد والعرب بل هو من سابع المستحيلات وأذكّر أن عمليات الأنفال الوحشية والقصف الكيمياوي للعديد من مناطق كوردستان قد عجزت عن جرنا الى ذلك" في إشارة صريحة لرفض فلسفة من يحاولون ترحيل فشلهم وخلافاتهم باتجاه كوردستان وباتجاه اختلاق عداء مفتعل مصطنع بين العرب والكورد.. حيث يقول: "ففي مقدمة تطلعاتنا أن تتطور مناطق وسط العراق وجنوبه وشرقه وغربه تطلعنا لتقدم الأقليم وتطوره ونتطلع بصدق ونصمم على أن نبقى شركاء في هذا الوطن وأن نتعاون فيما بيننا وقد ولى زمن تلك التصورات المختلفة في عراق اليوم. فنحن شركاء فيه لا تابعين ولا نقبل بألغاء أي طرف " أما بشأن آخر مما يؤكد هذا النهج فنقرأ في الخطاب قوله: "حل قضية المناطق المقتطعة هو الاخلاص للعراق ووحدته والقرار مآله لأبنائها" هنا نتأكد من موقف يتكرر دوما بالتأكيد على  خيار الكورد في عراق فديرالي بحرص ثابت على وحدته وعلى بنائه بكل أرجائه، وطبعا هنا التوكيد الآخر هو أن التطبيع يعود لأبناء المنطقة من دون فرض قسري من طرف.. ولا يقابل هذا الموقف من بعض قاصري النظر إلا بالتشكك المزعوم وبالاتهامات الرخيصة التي تميل إلى استلاب حقوق أبناء الإقليم المكفولة في الدستور من جهة وفي القوانين الإنسانية الدولية.. وهذا مما يدعو لإثارة الشقاق والريبة واهتزاز الثقة إن لم نقل انعدامها ما يدفع لاتجاهات غير محمودة في وعي الناس، بل في وضع الخطط السياسية للتعامل مع بنية عراق تتحكم بمركزه أصوات بلونين أما مريضة ما زالت تحيا أمراض الماضي الدكتاتوري البغيض أو تجهل ما تقوم به من خطاب قاصر..

بالتأكيد نحن هنا لا نبحث لا عن أنبياء ولا ملائكة أو معصومين عند اي طرف.. وكما ذكرت فإن الديموقراطية تفسح المجال للتعددية والتنوع ويجب أن تضمن هذا وتكفله وتستوعبه وتهضم تفاصيله.. ولكن ليس منطقيا أن نفصِّل جميع الأطراف على مقاس موحد محفوظ في بنك المعلومات المركزي ببغداد.. إن هذا التفكير انتهى زمنه وهو جريمة تتقاطع والديموقراطية وآلياتها وتتناقض مع الفديرالية ونظامها.. وعلينا هنا التبصير والتنوير بما يعزز مسيرتي الديموقراطية  في العراق والفديرالية في كوردستان..

من هنا يمكننا أن ندرك لماذا تمضي مسيرة التقدم والبناء بكوردستان بطريقة أكثر تسارعا  منها في بقية مناطق العراق.. بل هي متوقفة مشلولة إلى حد أن ساعات الكهرباء لا تتجاوز الساعات المحدودة وهي تامة في الإقليم.. وبالإشارة إلى خطاب فخامة رئيس إقليم كوردستان فها هو نموذج سوران التي توسعت بنيتها ربما سيقول لي أحدهم هذا من طبيعة الأمور ولكنني أحيله إلى البناء المُرافق في المنطقة وإلى القرار المتخذ من القيادة الكوردستانية وإداراتها بمنح المنطقة سلطات أبعد واستقلالية إدارية بما يضمن معالجة حاجاتها ويلبي مطالبها.. أين سنجد هذا التعامل في قرارات حكومة بغداد؟

 

وفي أمر آخر سنجد تفاعلا موضوعيا بين مؤسسات الإقليم وأبناء المنطقة فضلا عن تفاعلات تفتح صفحات جدية جديدة تتعلق بطي صفحة ماضي الاقتتال والعمل بأسس السلام والاستقرار السائد وبأسس التحالف والتعاضد في الجهود مع دعوة جمهور العامة إلى تعزيز الاتجاه وتفعيله؛ كما نقرأ في الخطاب ذياك التصدي لمن يحاول التراجع عن المنجز مما تم تثبيته بالدستور أم باختيار نظام الفديرالية. وتلكم من الثوابت الاستراتيجية التي توضع عندها الخطوط والأسقف المطلوبة.. ومن هنا جاءت الكلمة صريحة عندما قال السيد رئيس الإقليم: "وأقولها صراحة أنه ليس لأحد أياً كان ولا بمقدوره أن يفسر الدستور بمفرده وبما يلائمه، فنحن شركاء في هذا البلد ويجب أتباع الشراكة الحقيقية في العراق،..."

 

ولأجل عراق مستقر بعيدا عن فلسفة الانفراد بالسلطة مثلما ذكرنا يرد في الخطاب موقفا واضحا بالقول: "... وعندما نتحدث عن التفرد في السلطة إنما محض ذلك، رغم مايزعج بعض الناس، حقيقة وواقع معاش وفي ذات الوقت هناك حلول ومعالجات لها وهي العودة الى الدستور والى الاتفاقات التي عقدناها جميعاً وبأمكاننا اليوم أن نتحدث ونبحث كل شىء بصداقة ووضوح ونحن مستعدون للأعتراف بأي تقصير موجود من طرف الأقليم وبمعالجته أيضاً إن كان ذلك صحيحاً، غير أن الحقيقة هي أننا لم نتخذ خطوة واحدة خلافاً للدستور بل كل ما أقدمنا عليه كان وفق الدستور"

 

ومن الطبيعي أن يتضمن الخطاب تفاصيل مثارة بوصفها نقاطا خلافية فيما الحَكم بوضوح هو الدستور والاتفاقات المحكومة به.. وكذلك البرامج السياسية المنتظرة التي تشير بوضوح وصراحة إلى أن خانَق الأوضاع جاء عن سياسة المحاصصة بمرجعيتها الطائفية السياسية المتعارضة مع جوهر مفهوم الشراكة الوطنية ومع تكافل القوى والجهود من أجل البناء لأن فلسفة حصة القوة الطائفية يعني اقتسام غنيمة على حساب البناء المنتظر لمصلحة الشعب وأطيافه جميعا.. فهل تدرك زعامات الحكومة ببغداد الخطأ الفادح بل الخطيئة بحق الشعب وبحق وجود العراق فديراليا من مكونين رئيسين وجناحين متساويين أحدهما إقليم كوردستان وحقه في القرار والشراكة وطنيا؟؟؟

 

وقد قرأنا رسالة الإقليم ورئاسته في نص الخطاب: إذ "الأقليم هو شريك في هذا البلد فيما يدعو آخرون الى أن يكون ما لدى الأقليم للأقليم وما لدى الحكومة الاتحادية لها وحدها وزيادة على ذلك أقول أن العراق قد بني على أساس قوميتين رئيستين العرب والكورد ولا علاقة لنسبة التمثيل البرلماني للكورد بتجاوز هذه المعادلة الوطنية وأيا كان عدد الأعضاء الكورد فيه فنوابنا لايمثلون كتلة أو حزباً سياسياً معيناً بل هم ممثلو قومية رئيسة في العراق"

 

 إن فلسفة التكامل في مسيرة التقدم والإعمار بكل أرجاء البلاد  والتكامل بين مبدأي الديموقراطية للعراق والفديرالية لكوردستان هي الركن الجوهري والأساس لمستقبل عراق مستقر يعمه السلام وتتعزز وحدته مع كفالة صريحة وتامة كاملة لحقوق أبنائه وأطيافهم وخيارهم في الديموقراطية وفي الفديرالية..

ولعل ما ورد  من إشارات مفصلة وشاملة أخرى في خطاب الرئاسة الكوردستانية ما يؤكد التوجه الاستراتيجي المنتظر بخلاف ما يجري ترحيله في ليل من مشكلات واتهامات وافتعال خلافات واحتكاكات لا تخدم سوى أعداء العراق وسياسة مثلث الطائفية الفساد الإرهاب وما تبيتونه للعراق ولكوردستان من مآس .. لنا أن نتخذ من ثقة وطيدة وتفاعل مع خطاب الألفة والتآخي والتسامح والتعايش السلمي منطلقا للبناء الحقيقي لعراق ديموقراطي فديرالي جديد وهو ما يجري على أساس من ولادة تحالفات وطيدة بين حركة الديموقراطية في العراق ومسيرة السلام والبناء في كوردستان التقدم والتفتح والخيار الفديرالي الوطيد وغد العراق الجديد...