وفد التحالف الكوردستاني في بغداد؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

ما الذي يقلق الوضع العام في العراق اليوم؟ وما الذي يقلق بال قادة الحكومة الاتحادية في بغداد وأحزابها المتحاصصة؟ وبالمقابل ماذا يحمل الوفد الكوردستاني إلى بغداد؟

 بدءا وفيما يتعلق بما يقلق الوضع العام عراقيا لابد من القول: إنَّ المشكلات الأزموية في عراق مابعد 2003 باتت واضحة لا يمكن لعاقل أن ينكرها أو يحجب حقيقة وجودها واستفحالها.. وهي بمستويات عديدة منها الاقتصادية ومنها السياسية والاجتماعية وطبعا الأمنية الملتهبة بأنجم الإرهاب الدموي البشع وكل نتائج تلك الأزمات المستفحلة لا تقع إلا على كاهل المواطن فقط!

والمشكلة القائمة التي تتحدى الجميع ليست في وصف الوضع، وإنما في إيجاد (رأس الشليلة) والإجابة عن سؤال: ما الأسباب الحقيقية لهذا المشهد الأزموي؟  ومن ثمَّ ما الحل؟

الطبيعي أنّ من يجيب عن هذا وينهض بالمهمة افتراضا هو الحكومة المكلفة لسنوات أربع. ولكننا هنا سرعان ما نصطدم بكون الحكومة الاتحادية هي جزء من المشكلة! فهي لم تستطع أن تكمل بنيتها حتى يومنا هذا بعد أن قطعت أكثر من نصف شوط وجودها! وتحديدا في التلكؤ بأبرز الوزارات السيادية الأمنية!؟ وهي من جهة بنيوية، مازالت تعمل حتى اليوم بقوانين من زمن عراق المركزية المقيتة والانفراد بالسلطة وصيغ الدكتاتورية لسبعينات القرن المنصرم! وتتركز عمليا فعليا السلطات في يد شخصية واحدة يفترض أن تكون مُمَثلة بفحوى شخصية ((رئيس مجلس الوزراء)) وطبيعتها المرسومة قانونيا، لكنها فعليا وبالأداء العملي تمارس مهام ((رئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة)) مع امتلاك حصري لسلطة القرار الفعلي في جميع المجالات والمسؤوليات ولا وجود محسوس للعمل الجمعي أو المشاركة الوطنية في جهد حكومة يفترض أن تمثل أطياف الشعب العراقي ديموقراطيا.. وعلى أقل تقدير على مستوى الأحزاب والحركات الممثلة في البرلمان وفي بنيتها....

إذن، المشكلات الواقعية على الأرض تلك التي يعاني منها الشعب من بيئة مخربة ومن تعطل شامل للدورة الاقتصادية وقصور خطير في الخدمات ومن شلل عام ودمار واسع في البنى والركائز الأساس ومن انهيار أمني ليست بوارد عمل حكومة تنشغل بمشكلاتها البنيوية وهي كذلك تعجز عن الاستجابة لمتطلبات الواقع بسبب ضعف برامجها وربما انعدام تلك البرامج بخاصة على المستوى الستراتيجي وبالعمق المنتظر وطبعا ضعف الكفاءة وانعكاسه في القدرات الإنجازية...

ولكن إذا كان هذا هو ما يقلق الوضع في البلاد فماذا يقلق القوى السياسية المكونة للحكومة الاتحادية؟ لنلاحظ أولا أن الحكومة الاتحادية تتشكل من عناصر تصطرع فيما بينها بسبب المحاصصة فضلا عن أرضيتها الفكرية [الطائفية السياسية] وهي من هنا تحمل قلقا متصلا مستمرا تجاه الآخر ومطالبه ولا تفسر سلوكه إلا بطريقة عرجاء تعود لفكر الكهنوت السياسي المتحكِّم، طبعا مع عدم إغفال الإشارة إلى سمة رجل الحكومة الموظف العام بأعلى مستوياته حيث بات اليوم مجددا يمتاح من فلسفة الكرسي وعقلية مصادرة الآخر وحصر الصلاحيات والفردنة في آليات ممارسته..

وأمثلتنا على تلك الممارسات هو ما يطرح من تساؤلات في الإعلام تجاه الكورد والقضية الكوردية وتجاه طبيعة العلاقة الفديرالية مع إقليم كوردستان وحدودها وآليات التعامل في إطارها..

إنّ إثارة تلك الأمور إعلاميا تعكس جانبا مما يجري في الكواليس ومن التعبير عن إرادة تلك القوى.. ومن ثمّ فإنّ عرقلة أو تأخير تنفيذ الالتزامات الدستورية من جهة والالتزامات القانونية للاتفاقات السياسية [هنا تحديدا اتفاقية أربيل] ليس من بوابة العجز ونقص الكفاءة بقدر ما هو سياسة مبرمجة ومتعمدة وستكون تداعياتها أخطر مما يمكن اختزاله هنا، وعليه فإن قوى الطائفية السياسية ربما لا تمثل الحليف الاستراتيجي وليست القوى التي يمكنها تلبية مطلب الديموقراطية للعراق والفديرالية لكوردستان ولابد من ضغوط بعينها باتجاه دفعها لتلبية المطالب الوطنية العامة ومطالب كوردستان ضمنا وبشكل أكيد...

فقوى ما تسمي نفسها اليوم التحالف الوطني سواء الدعوة أم المجلس الإسلامي أم الصدريين مستمرة في توكيدها على إطلاق عنان تصوير الروح ((الانفصالي)) للكورد وكأن  كل المشكلات الجارية عراقيا متوقفة على هذه الإشكالية! وطبعا تلكم التصريحات وتسويقها الإعلامي يديم من جهة ركود الأوضاع ومراوحتها عند معاناة الناس المستمرة فيما المشاغلة تنسى أنها تلعب بورقة الشحن الاستعدائي والتقاطع مع تعزيز المسيرة الفديرالية للعراق الجديد ومن ثم بالاتجاه عراقيا بمسار معاكس لاتجاه دمقرطة الحياة فيه..

وخلاصة واستنتاجا، ماذا يمكن لوفد كوردستان أن يتحدث فيه ببغداد في ضوء استغلاق الأزمة؟

إن حصر المباحثات في متابعة القضايا الإجرائية لتبعات المادة 140 وقانون النفط  والبيشمركة وعدد من الأمور المرتبطة حصرا بالإقليم هي جزئية من سياسة قيادة حكومة بغداد في وضع الكورد في خانة بعيدة عن أن تكون خانة الحلول الوطنية عراقيا..

وهي محاولة للتنصل من اتفاقات أربيل كونها حلا وطنيا عاما للعراقيين ومن الدور الكوردي البناء في متابعة تنفيذ بنودها.. ومثل هذه السياسة هي متابعة لإصرار مرضي على نهج استمرار مركزة الأمور والتفرد بالقرارات في نهج واضح لدكتاتورية جديدة!

 وباعتقادي فإن ما ينتظر من الوفد الكوردستاني أن يعي الموقف بشمولية ووضوح وهو كذلك.. ويضع الجوانب الإجرائية الخاصة بالمشكلات العالقة موضعها حيث تفعيل اللجان الموجودة أصلا على وفق أسقف زمنية تترتب عليها إجراءات تنفيذية لا تقبل التلكؤ والمراجعات القائمة على المماطلة والتسويف وعلى كسب الزمن لصالح مواقف سياسية لطرف أو آخر..

مع العمل الجدي على متابعة اتفاقات أربيل بشكل حاسم ومحدد بجداول زمنية. وإذا لم تجد أطراف التحالف الوطني نفسها قادرة على الالتزام بها فإن الدعوة لانتخابات مبكرة سيكون حلا على أن يتم انتخاب المجلس الاتحادي مع مجلس النواب حلا لمشكلات عديدة منها مشكلة مجلس السياسات الاستراتيجية فضلا عن آليات ضاغطة أخرى..

إن الوفد الكوردستاني لا يصل بغداد حاملا القضايا المحدودة بكوردستان وهي حق طبيعي كون الوفد يمثل حكومة الإقليم المكلفة بالسهر على مصالح شعب كوردستان، بخاصة في ظل تنصل خطير لقادة في الحكومة الاتحادية عن مسؤولية دستورية تجاه كوردستان بحملات سياسية وإعلامية غير محسوبة العواقب.. والوفد الكوردستاني بحق يصل بغداد وهو يحمل معه إمكانات الضغط على الأطراف السياسية التي باتت برامجها وإجراءاتها تتسبب في مشكلات لمجمل الوضع العراقي العام.. وهي الأطراف التي تمثل السببين المرضيين للأزمة العراقية ببعديها الحكومي الإجرائي والسياسي  العائد لفكر الكهنوت السياسي الطائفي..

وبقدر ما سيقدم الوفد الكوردستاني جهده بالاتجاه الذي يطمّن المطالب العراقية الشاملة والوطنية الديموقراطية في أفقها بخاصة تجاه استكمال المهام المنوطة بالحكومة، سيكون أيضا قادرا على الدفع باتجاه تلبية المطالب الكوردستانية فدراليا بطريقة وافية جوهرية وضامنة لعدم التلكؤ مجددا في حل ما تم تأخيره لجملة ما ذكرناه هنا..