استقطاب العقول الكوردية المبدعة؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

تنتشر عقول كبيرة منتجة للثقافة وللأعمال الإبداعية بتنوعات ميادينها في بلدان عربية وغيرها، والحديث هنا تحديدا عن تلكم العقول التي تنتمي إلى عمقها القومي الكوردي بكينونتها وجذورها وبهويتها وطابع عطائها، وإنْ مارست أنشطتها وجهودها الفكرية والثقافية بتنوعاتها بلغات أخرى كالعربية مثلا.. وليس منا من يغفل الأصول الكوردية لشاعرين كبيرين في العربية الحديثة بعصر نهضتها الأول كأحمد شوقي وجميل صدقي الزهاوي؛ وشعراء وأدباء ومفكرون كثر آخرون ساهموا بأداة اللغة العربية  في تلك العطاءات المتميزة.. واليوم نجد بيننا عدد كبير ربما بالمئات والآلاف من تلك العقول النابهة اللامعة تصب أمواه إبداعها في نهر العربية والإنسانية ثقافة غنية معطاء...

الصوت الآخر، ليس بالضرورة النقيض المعارض ولكنه جدلا موضوعيا يمكن أن يكون الآخر بهويته وبغناه وثرائه عبر التنوع المتأتي من جذوره وخلفية هويته.. ومن هنا وجدنا الأصوات العربية تكتب في [مجلة الصوت الآخر] تعبيرا عن رؤية الآخر بتبادل الأدوار والأماكن ومنطلقات المعالجات التي تصب في تفاعل إنساني صادق يقوم على توكيد مبدأ المساواة بين (الأنا و الآخر) ومن ثمّ توكيد حق التعبير وحريته كيلا لا يقف الصوت عند صداه ولا يسمع إلا نفسه وكي يعبر الأنا إلى ضفاف الآخر مستمعا مصغيا إليه متفاعلا متحدا معه...

ومن هنا فإنني أتطلع إلى رؤية استقطاب جديد، يتجه للبحث عن أصوات كوردية تكتب بالعربية وربما الفارسية والتركية وغيرها كي يسلط الضوء عليها من جهة ويضعها في جامع منبعها القومي وهويته، استنطاقا للدور المعرفي الفكري الثرّ وتفعيلا لحالات اللقاء والتفاعل الإيجابي بين الشعوب والقوميات والأمم.

كما يبقى الكورد اليوم بحاجة لمثل هذا الجهد والاستقطاب المؤمل توكيدا لحقيقة وجود كوردي فاعل بمستويات معرفية له وعقول ناضجة منتجة ومؤثرة في محيطها.. وباستقطاب تلك العقول يتم توكيد الخلفية القومية وهويتها الإنسانية وصدقية تفاعلها الإيجابي وتوكيد ملامح ومهام كثيرة أخرى..

إنني أؤكد دعوتي لتلك الأقلام المبدعة كي تصب بعض جهودها هنا في ميدان "الصوت الآخر" والدوريات والملتقيات الكوردية المعروفة الأخرى.. ولكنني في الوقت ذاته أنظر إلى جهد منتظر من تلك الدوريات والمجامع العلمية كي تبادر بجهدها بالخصوص؛ سواء تعريف أم تقديم معالجات تلك العقول الفاعلة المنيرة عبر منابرها.. والأمر لا يخلو قطعا من أرضية تخدم مسيرة أمّة ظلت مُصادَرة مستلبة معتدى على هويتها بله وجودها؛ وإنها لمفردة حيوية مهمة أن يجري التئام هذه الأصوات في موانئ (الصوت الآخر)...  

من ناحية أخرى لِمَ لا تكون احتفاليات للدوريات المهمة كما (الصوت الآخر) تعقدها في صالات الثقافة في عواصم المنطقة وأوروبا بتغطيات جدية تحفل بمتنوع الأنشطة التقليدية الكوردية من عروض مسرحية وسينمائية وأشرطة تسجيلية ومعارض التشكيل والقراءات الأدبية والنقدية والندوات الفكرية في شؤون الصحافة ويمر من تلك المنابر تسليط أضواء فعلية على أدوار الكورد الفاعلين بهذه العاصمة وتلك الدولة بلغاتها وبأضواء كاشفة للأصول الكوردية.. ربما يعنّ لي هنا مداخلات سابقة لي بالخصوص في مؤتمرات وأنشطة وبحوث ولعل جهود كوردية أصيلة ربما سبقني عدد منها كما في جهد مميز كبير للأستاذ فلك الدين كاكائي بهذا الشأن وأجدد الإشارة منتظرا تفعيلا للتوصيات التي مرت في ثنايا تلك القراءات المهمة.

وأيا كانت أجواء التأسيس والمنطلق أوليا، فلابد من المبادرة اليوم قبل الغد؛ ولابد من إحصاءات واستطلاعات تبحث عن تلك الأقلام النابضة بالحياة وبالفعل الكبير بمحيطها.

ولربما جاءت زوايا في دوريات تعنى بالصوت الآخر وتبحث عنه على أساس التنوع وحتى مدى الاختلاف لتشكل  تغطية  مبدئية لتلك الأنشطة الجارية للكورد في مختلف المحافل والدول بمهاجرها القصية والتفاعل معها بحوارات مخصوصة تستنطق الآخر مستقرئة رؤاه ومعالجاته سواء هنا الكوردي الناطق باللغات الأخرى أم الكوردي المنتج بلغته..

وقد يكون الأمر مركبا من مجموعة من صور وتعليق على كل واحدة في عاصمة أو مدينة وفي المحصلة تصنع هذه الوثائق سجلا حافلا كبيرا في وقت لاحق لمسيرة افبداع والعطاء والتفاعلات في محيط إنساني بات اليوم يحفل بمتنتجي ثقافته أكثر من احتفاله بغيرهم بوضوح.. ونظرة في كرنفالات ومهرجانات الثقافة توحي إلينا بحجم الاستثمارات التي تستنطق تلك الأعمال الساطعة والنجوم التي صنعتها..

فهل ينتظر العقل الكوردي من يرصد له نتاجاته الكبيرة المهمة؟ وهل ستمتد طويلا حالة الانتظار أم  تمضي كوكبة أخرى من المبدعين منتجي الثقافة من الأصول الكوردية بلا علاقة متينة بمنابعهم؟ وهل ستنعقد لهم منتديات وروابط تساهم في هذه المهمة؟ وهل ستمد الجسور في احتفاليات تقيمها الدوريات الثقافية الفكرية الكبيرة؟ وهل سنجد في وزارة الثقافة على أقل تقدير رصيدا لهم؟ دع عنك أن يكون رصيدهم بين أبناء أمتهم وجذورهم القومية ومنابع كينونتهم باحتفال تقديري يرقى لمكانتهم في البيئة التي يعملون بها في حاضرهم...

هل ستكون أوسمة باسماء أولئك الأعلام الكبار وجوائز ومسابقات وتوجهات مراكز البحث والدراسات العليا في جامعات كوردستان نحوهم؟ إشارات أبعثها برسائل قصيرة إلى كل الجهات وألطراف المعنية لتنهض بمهامها بفعل يتناسب وأهمية الصوت الآخر في وسطه ومنبعه وهويته الأصل.. هنا الصوت الكوردي الأصل في ميادين الإنسانية ولغاتها وتنوعات ثقافاتها..

ولعل دعوتي تلقى صداها اليوم منطلقة من بادرة قد تكون صغيرة أو محدودة بدائرة مجلة ثقافية كالصوت الآخر ولكنها ستكون غدا بدائرة مساحتها بحجم الكورد أمة كبيرة بكل مؤسساتها وهرم وجودها وانتشارها.