الإيغال في الطقسيات

واختزال حيوات الناس ودينهم بالطقوس

دجل وتضليل واستغلال

إهداء إلى قادة أحزاب التأسلم السياسي الطائفيين ومرجعياتهم

 

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم


أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنَّ المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإنْ فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار.

الراوي :-أبو هريرةالمحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم  الصفحة أو الرقم:2581  خلاصة حكم المحدث:صحيح

 

توطئة: كتبتُ هذا المقال في ضوء قراءتي المتصلة لكثير من الآيات والأحاديث التي تحض على العمل وأفضليته وعلى منع الرهبنة والانقطاع عن الحياة البشرية ومطالبها وحقوقها منا وعلينا. بمقابل تلك الضاليل التي يفتعلها بعض قادة التأسلم السياسي ممن يصطنعون طقوسا لمشاغلة الناس  وتضليلهم لمواصلة استلابهم غرادتهم في القرار والاستمرار باستعبادهم.. ولربما تعثرت بعض صياغات في التعبير ولكن ما يعينني أني أثق بحصافة الناس وفطنتهم وبأحاسيسهم التي تجعلهم يعرفون أسباب آلامهم والمتسببين بها وما يعينني أيضا ثقتي بالنص الديني الصحيح الأصل المعبّر عن صحيح الوعظ والتوجيه وهنا بالتحديد ما يرفض الإغراق بالطقسيات على حساب العمل والعيش حياة إنسانية سليمة...

المداخلة:

لكل إنسان  حقوق ثابتة مثلما عليه من واجبات. وفي وقت يجري الدفاع عن تلبية الحقوق تامة كاملة وغير منقوصة فإنّ من واجب الإنسان أن يكون عاملا منتجا يعطي من جهوده ما يمكنه من أدائه من أعمال مثمرة. ومقابل هذه المشاركة في العطاء وفي بناء مفردات العيش الإنساني، يحظى بحقوقه من أجر ومأكل ومشرب وكساء وبعامة من حاجات مادية وبالتأكيد من حاجات روحية أيضا يلزم تلبيتها، من بينها حقه في ممارسة طقوسه الخاصة ومنها الطقوس الدينية التي يؤمن بها، وتشكّل جزءا من معتقده الديني...

ومن منطق الحياة الإنسانية أنْ يوازن بين حاجاته المادية والروحية، بما يفرض - من جهة مقابلة - موازنة واجبة بين حقوقه وواجباته.. إذ لا يمكن أنْ تنقطع البشرية جمعاء في تبتل ورهبنة  وطقوس عبادة من دون أيّ شكل للعمل الذي يعتاشون منه! إذ منطقيا لا إجابة في هذه الحال عمَّن سينتج للبشرية، التي تنقطع للطقوس التعبدية، لتوفير طعامها وشرابها وملبسها على أقل تقدير؟ ومن هنا جاء الحديث النبوي الشريف الذي قال: "عامل يعمل خير من ألف عابد" والآخر الذي قال: "لارهبنة في الإسلام". كما أنّ حياة الإنسان لم تُهمَل وأكد الحديث بأنْ: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا...." وقد نصح النبي أحد صحابته بأن "...صم وافطر وقم ونم، فإنَّ لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا..." وهو بهذا كان يمنع الصحابي من المغالاة بممارسة طقوس التعبد على حساب مطالب بدنه وعائلته وعيشه وسط صحبه وتفاصيل يومه العادي.. ولو أراد الدين ذلك  للبشر في زمن لأوحى بالأمر.. فيما شدَّد على ألا "حزن فوق ثلاث" القصد ألا يواصل الحزن مسلم أكثر من ثلاث ليال وأكد كراهة بل حرمة لطم الخدود وارتفاع الصوت (الصراخ) وما شابه توكيدا على أنه ليس من الدين طقوس المغالاة في أمر...

وطبعا للعاقل أن يقرأ في هذه الأحاديث رفضا قاطعا للإغراق والإيغال في الطقسيات [بخاصة منها إقامة شعائر الحزن] وهو ما يتأكد بالقول المقدس أنْ: "لا غلو في الدين...". فالغلو تشدّد له عواقبه؛ ففي وقت يحيل التشدد ُ المكروهَ إلى محرم، وفي وقت يسترسل بأداء طقوس التعبد وغيرها من الطقوس، يبتدع [بعضهم] فيها [أي في الطقوس] من عنديته توهما أنّ هذا تقرب لله ولدينه أو تحبب في إمام صالح أو شخصية آمن بها أو من جهة أخرى تضليل كما يفعل الظلاميون؛ نقول في وقت يجري هذا كله فإنّه لا يُغرِق ويغالي ويكفِّر حسب بل هو يدخل في مواضع دفع المجتمع بالاتجاه المعاكس سلبا ضمنا أو علنا...   

واليوم، تشيع ممارسات طقسية ينضاف إليها سنويا فنون من أشكال الطقوس والتعبد الجديدة التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ وما أقام منها السلف الصالح أمرا ولا قبِل بها منطق عقل ولا دين. وفي بعضها يجري إسقاط قدسية على الإنسان حتى تتقدم طقوس الاحتفاء بشخصية وليّ أو إمام أو سيد أو شيخ على شخصية الأصل الديني كما في الرسل والأنبياء ممن اتبعهم الأولياء والأئمة؛ وحتى تتقدم طقوس الاحتفاء بهؤلاء على طقوس التعبد لله الواحد.. ويُغالى بالطقوس المحدثة فتأخذ من الناس أياما وكثيرا من الأسابيع وتدور الأشهر لتعاود الكرَّة مع مناسبات يجري تصميم طقوس مضافة لها ويكون الناس في خدمة أعمال طقسية بحتة بعيدين عن مشاغلهم في البناء وفي إقامة حيواتهم والاستجابة لمطالب الأبناء والأهل وإعالة الأسر وإنتاج خيرات العيش!؟؟

وفي الحديث الشريف الذي نحفظه ليتعظ المؤمن ويعمل به ما يؤكد ما ذهبنا إليه فنقرأ: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنَّ المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإنْ فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار.

وقد اخترت أن أمرَّ بهذا الحديث تحديدا لأقول: إن المشاركة في طقوس ما عادت سنوية بل أصبحت بين شهر وآخر وربما أسبوع وآخر، ربما جاءت على حساب حيوات الناس من جهات تلعب بمقدراتهم وتخفي وراء مشاغلتهم بالطقسيات والإغراق والمغالاة بها أساليب استغلالهم. فهي طقوس غير مصرح بها دينا على وفق ما مرّ معنا مما اقتبسناه من أحاديث. وهي من جهة أخرى مشاغلة القصد فيها التضليل سواء في السياسة أم الدين..

ومكمن التضليل يلخصه توجيه ساسة التأسلم القابضين على مقدرات الناس بالقول: هذا ما تريدون من حقوق وحريات وطبعا يُكتفى هنا بدفع الناس لطقوس مصطنعة لم ترد بقرآن ولا في حديث نبوي ولا بأقوال صحيحة لأئمة. وفيما ينشغل الناس في بكائياتهم وأحزانهم وآلامهم (الصادقة) وفي اضطرارهم لممارسة تلك الطقوس، ينشغل من افتعل تلك الطقوس واصطنعها في سرقة قُوتِهم والعيش الرغيد ماديا على حساب حقوق الناس في العيش الكريم الآمن.. فليس من يلبي تأمين الصحة والسلامة للناس! وليس مَن يلبي تعليمهم لأنه ينورهم ويجعلهم خارج سطوة المستبدين! وليس من يلبي أمنهم وأمانهم لأن ذلك يجعلهم خارج قيود الطغاة! وليس من يوفر لهم طرقات سالكة ولا اتصالات  لأن ذلك ربما سهل اطلاعهم على حقيقة أو انتباههم على ما يكشف الجرائم! وليس من يوفر لهم ماء صالحا أو صرفا صحيا أو كهرباء أو خدمات بلدية أو مأكلا صحيا أو ملبسا نظيفا ملائما؛ فكل تلك الأمور ليس الحاكم معنيا بها!!!!؟

إنّ السكوت على الفقر المادي ربما يمرّ، ولكن كيف يقبل أب مسؤول عن عائلته أن يُسرق مال تلك العائلة؟ أو كيف يقبل شخص آخر أن يحيا بمال يتيم يتحول لتوصيف الرشوة بسكوته على أفعال المسؤول؟ والأدهى هل يصمت مجتمع على جرائم تحدث في كنفه كما جرائم الاغتصاب! جرائم الاختطاف وجرائم الاغتيال!! وجرائم بحق الأيتام وأخرى بحق الأرامل وغيرها بحق المستضعفين الفقراء!!!؟؟؟؟ هل تمرير تلك الأمور من الدين؟ ألم نقرأ : "كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته" من المسؤول عن الأمن والأمان؟ من المسؤول عن الخدمات؟ من المسؤول عن البلديات؟ من المسؤول عن التعليم؟ من المسؤول عن صحة باتت تحت تهديد الإشعاعات المسرطنة؟ وعن الأوبئة المفتعلة بقصد الإيذاء بل الإبادة؟ ومن المسؤول عن الصحة النفسية؟ ومن المسؤول عن الدفاع عن السيادة وعن حقوق الناس في الأنهار والبحار والبوادي؟ ومن مسؤول عن كرامة الإنسان التي تهان صباح مساء؟

أليست الحكومة هي المسؤولة عن هذه القضايا؟ أليست برامجها المنشغلة بإشاعة موَّال الطقوس على حساب حياة الناس ومطالبهم وحقوقهم وحرياتهم؟ هل مَن يسرق الناس ويهددهم ويغتصب ويقتل ويمثّل بهم كائن خيالي قادم من الفضاء؟ لماذا يجري تسجيل الجريمة دوما ضد مجهول؟ لماذا يضللون بجلب من يعترف بالجريمة ثم يعاودون مرات ومرات في تقديم معترفين جدد بذات الجريمة؟ أين الحقيقة؟ وأين الحل الحاسم؟ ولماذا تناطح  شركاء المحاصصة الحكومية يأتي على حساب الشعب؟ ولماذا يفتعلون الصراعات ويعودون عنها؟ ولماذا يصرون على ركوب مسار إدارة الحكومة بذات طريقة الطغاة؟ ألم تصبح الثروات غنيمة وأبناء الشعب عبيدا وبناته سبايا؟

هل الديموقراطية حكم الناس وتلبية مصالحهم وحقوقهم وحرياتهم أم الديموقراطية حكم رموز كاذبة تحكم باسم الناس زورا فيما هي تستغلهم لمآربها؟ فإذا كانت الديموقراطية حكم الناس، فلماذا لا تعود القيادات إلى الناس؟ وإذا كانت القيادات تلخص أهداف الناس فلماذا الناس مفترسين معذبين؟  هل تحل ديمومة الطقوس على مدار العام شؤون الناس ومطالبهم؟ هل تعيد شرف مغتصبة أم حق يتيم أم مطلبا مما يئن الناس من أجله؟

لو كانت تلك الطقوس لا تجري على حساب حق أو عمل أو مطلب أو قضية فإنها متزنة كما أراد لها أصل الدين.. ولكنها صارت اليوم كلّ شيء فمررت تغافل الحكومة عن مصالح الناس وحقوقهم ومطالب حيواتهم.. ولكن إلى متى؟ سيصحو الناس يوما وستكون صيحاتهم مع آذان فجر جديد يرفض كل طقوس الزيف والتضليل التي تدعي ممارسة دين وهي في حقيقتها أضاليل للتعمية والتخفي ولتمرير جرائم الاستغلال والاستبداد وفرض سلطة طغاة دكتاتورية دينية مزعومة الصلات بالدين مدعاة الدفاع عن طائفة ولكنها في جوهرها لا ترفع مظلمة ولا تداوي جرحا بل هي تنكأ تلك الجراح الفاغرة.. فهلا تأكدنا من أمرنا قبل أن نمارسه بما يخدم الظالم ويستغلنا فيستعبدنا جميعا؟؟؟

وبعدُ فإنَّ الإيغال في الطقسيات واختزال حيوات الناس ودينهم بالطقوس، ليس سوى دجل وتضليل واستغلال وتمكين للطغيان من رقاب عباد الله بجعلهم عباد سارقي المال العام، قتلة الآباء والأزواج، مستغليّ الأبناء والبنات والمعتدين على حرمات النساء، الممتهنين لشرف الإنسان وكرامته!! فهل بعد ذلك يجوز تمرير كل ذلك الهول لزعيم؛ المواطن المغلوب على أمره هو من وضعه في سدة الحكم والمسؤولية؟ وهل يتبعه المواطن في غيه وأخطائه إن لم يقل جرائمه؟ أم يجب أن يعود السياسي للمواطن ولأخوته في المحنة والمَظلمة، فيضع هؤلاء المظلومين من يناسب لتلبية مطالبهم وحاجاتهم وحرياتهم؟

إذ ليست ثروات الناس غنيمة للحاكم؟ وهم ليسوا عبيدا له؟ لأنه ليس سوى الموظف في الخدمة العامة والناس اختاروه في نظام التداولية الذي يغيّر المسؤول عندما لا يصل إلى حل ولا يطمِّن مطلبا ولا يلبي حاجة؟

ولنتذكر دائما أن الطقوس الدينية أمر نحترمه ونمارسه بمقدار ما فرضه النص الديني فعليا ولكن ذلك لا يجب أن يحجب مطالبتنا بحقوقنا في الحياة الحرة الكريمة وممارسة واجب العمل والإنتاج لخيرنا وعيشنا وكرامتنا لا لخدمة أفواه حيتان الطغيان!!!

ولنتذكر أننا لن يعلمنا ديننا وطقوسنا ساسة الادعاء والتزييف والتضليل؛ فللدين رجالاته التي نعرفها من التزامها وتمسكها الصحيح بنصوص الدين المقدسة الصحيحة.  وللعلاقة بين الإنسان وربه وما يؤمن به وسائل يدركها العاقل.. فمما كرّم الله به  خلقه العقل وإعماله وجعله من عبادته ممارسة العمل ومنعه الانقطاع للطقسيات... فهلا أصبنا في قرار نتخذه بممارسة طقس أو ترك آخر؟

أنتم أيها الناس اصحاب القرار في كل شيء.. أنتم من يسلم الرقاب للاستعباد أم يرفع السواعد للعمل أحرارا لا يقبلون الذلة ولا التلاعب بهم بمشاغلتهم بطقسيات ما أنزل الله بها من سلطان.

وأجدد التذكير بأنّ الغلو في الطقسيات والانقطاع لها والانشغال بها على حساب العمل وكسب مصالح العيش ليس سوى ضحك على الذقون إذ ليست هي من الدين في شيء وفي الوقت ذاته هي وسيلة الإمعان في استغلالهم واستلابهم.. فمن يبدأ التغيير؟  تقول الآية الكريمة:  "لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ونحن من يصنع الحياة ونحن من يستحق العيش بها بما أكرمنا الله من عقل نحكم به بعيدا عن تحكم ساسة التأسلم من كذابي العصر ومنافقيه وبلطجيته ومستغليه...