حكومة كوردستانية جديدة ومهام استراتيجية نوعية كبرى

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

tayseer54@hotmail.com

 

 

باتت مسألة تشكيل حكومة جديدة في كوردستان قاب قوسين أو أدنى؛ وهي المهمة التي أصبحت الجهود اليوم تنصب على تبيّن ملامحها النهائية في ضوء الحوارات الحثيثة الجارية. فمن جهته ينشط المرشح لرئاسة الكابينة السيد نيجيرفان بارزاني بخبراته التي يمتلكها عبر قيادته الموفقة للحكومة لأكثر من مرة وعبر ما يمتلكه من معرفة بتفاصيل الأوضاع ومن علاقات إيجابية مفتوحة مع الأطراف السياسية الفاعلة فضلا عما يدعمه ويؤازره من تحالف كوردستاني متين...

وبالمقابل فإنّ لكل قوة سياسية عاملة برنامجها وفلسفتها في العمل، وهي تمثل قطاعا بعينه من جماهير كوردستان.. ومن ثمَّ فإن لكلّ منها أولويات حساباتها... وهذا هو ما تجري الحوارات في ضوئه؛ غير أنّ المهمة العاجلة اليوم تكمن في الانتهاء من تركيبة الكابينة الجديدة بقوى وبطريقة تؤهلها للعمل بجدية وفاعلية يتناسب برنامجها والمهام المنتظرة منها، فبرنامج هذه الكابينة وليس شمولية التركيبة للقوى جميعا هو ما يحتل الأولوية اليوم.

إنّ مهام الحكومة الجديدة تمثل تحديات نوعية كبيرة ومن هنا فالمنتظر من برنامجها أن ينصب على جملة من المسارات التي بدأت وتتطلب الاستمرار فيها وتلك المستجدة المؤمل انطلاقها مع انطلاقة عمل الكابينة الحكومية الجديدة.. وسيكون من الأولويات استيعاب البرنامج الحكومي للآتي من المهام:

1.            مواصلة تأمين الاستقرار والسلم الأهلي، وتعزيز الوحدة الداخلية في إطار حوار جدي مسؤول وشفافية راسخة في العلاقات الكوردية الكوردية وهو الأمر الكفيل بعزل شعبي ورسمي لأية قوى لا تنسجم ومصالح الشعب وتلبية تطلعاته ويضعها في حجمها الحقيقي، ملزما إياها بقوانين مسيرة البناء.

2.            تمتين أرضية عمل مؤسسات دولة ناظمة لمجمل الأوضاع بوصف ذلك وسيلة نهائية حاسمة يمكنها معالجة تحديات أية هزات أو احتدامات سياسية محتملة داخلية منها أم خارجية..

3.            الاستمرار في عمليات البناء الاستراتيجي لركائز البنى التحتية وتفعيل عجلة الدورة الاقتصادية بصورة متوازنة بين الاستثمارات في المجالات الإنتاجية والخدمية.

4.             العناية بأوليات المشروعات الصناعية والزراعية والسياحية بما يلبي أولا حاجات أبناء كوردستان، سواء من جهة التشغيل وعدم السماح بظهور البطالة بأشكالها أم من جهة عائد الإنتاج وطبيعة اتجاهاته...

5.            الاهتمام الجوهري الرئيس بموازنة التعليم ومنح التعليم العالي ميزانية تتناسب وتحديثه وربطه بحاجات السوق المحلي وبكوردستانية الأداء والهوية. مع إطلاق خطط التنمية البشرية المستدامة بأولوياتها المخصوصة بالإقليم. وتشكيل مجلس أعلى للتعليم ينهض بمهام تحديث اللوائح وإدخال نظم التعليم الأحدث كالتعليم الألكتروني...

6.            تلبية المطالب الخدمية الرئيسة بخطط نوعية شاملة. والعناية بشبكات الصرف الصحي والبيئة والاستجابة للمطالب الاستهلاكية الحيوية ليوميات المواطن. ومعالجة بقايا ظاهرة الفقر وتوفير الضمان الاجتماعي الشامل.

7.            الارتقاء بتوفير الطاقة  والتفكير ليس بالاكتفاء بالكهرباء ومشتقات البترول وغيره بل بتصديرهما، وجعلهما مصدرا للثروة المحلية باستثمار الطاقات الطبيعية المتاحة.

8.             الانتباه لأولوية شبكة المواصلات الحديثة ببناء المطارات الدولية المفتوحة، لملاحة لا تكتفي بربط كوردستان بمحيطها بل بجعلها موانئ ربط دولي بين الشرق والغرب. والاتساع المميز بشبكات الطرق التي ينبغي أن تصل إلى أبعد النقاط الجغرافية من القرى والقصبات النائية مع الالتفات لوسائل نقل أخرى في داخل المدن وبينها من سكك حديدية ومتروات وغيرها...

9.            الارتقاء العاجل بشبكة الاتصالات الأحدث تكنولوجيا بخاصة شبكتي الهواتف الأرضية والمحمولة وتكنولوجيا الإنترنت الأكثر تطورا واستثمار كل ذلك في إطار مفاصل عديدة أخرى...

10.    العناية بالثقافة ومؤسساتها وبالجانب الروحي في النشاط العام بما يزيح احتمالات التشوّه وظواهر الانحرافات والتطرف ربما لدواعي دينية المظاهر والأقنعة فيما جوهرها يعود للتبطل والفراغ الروحي الثقافي.. ومن هنا فإن أعمق حريات إعلامية صحافية وأوسع شبكة مكتبات عامة في المدارس والمؤسسات والمناطق السكنية وأفضل أشكال الدعم لحركة الطباعة وأنشطة دور النشر إلى جانب نشاط أدبي فني سينمائي - مسرحي وموسيقي، سيكون له المردود الجدي المنتظر وهذا ما ينبغي التأسيس له بولادة المجلس الوطني للثقافة في كوردستان رديفا مؤسسيا لوزارة الثقافة.

11.    مواصلة جهد كوردستاني مخصوص لمكافحة أشكال الفساد في المؤسسات العامة والخاصة بمعونة دولية مناسبة.

إنّ هذا البرنامج الطموح بين مفرداته  الاستراتيجية والمرحلية المباشرة  سيحتاج إلى تحالفات داخلية تقوم على وحدة الهدف والبرنامج حيث الدولة المدنية وعمل مؤسساتها في ظل قضاء مستقل عادل وقوانين تتلاءم وهذه الانطلاقة ولربما كان لدستور جديد للإقليم ولجملة قوانين دستورية وتنفيذية مرافقة،  ضرورة منتظرة تتحملها الكابينة الجديدة في تشكيل الهيآت العليا لاقتراحها على البرلمان الكوردستاني.

وسيصادف هذا ظروفا من تحديات إشكالية قد يكون من بينها طبيعة العلاقة مع بغداد في إطار العراق الفديرالي وهوما يتطلب التفكير الجدي في  حال من اثنين أما انطلاقة عامة مشتركة تستند إلى معالجة المشكلات مع بغداد بل معالجة مشكلات عقدية في بغداد أو التحول لصيغة العلاقة الكونفديرالية لتفسح المجال لانطلاقة البناء والتجديد بما يخدم شعب كوردستان...

وسيترتب على هذا إيجاد مفردات برامجية للكابينة الحكومية الجديدة فيما يخص العلاقة بين الإقليم ومحيطه:

1.             فعراقيا تبقى جملة من الأمور بحاجة لوضع خريطة طريق حاسمة لإنهاء المشكلات العالقة سواء بما يخص المادة 140 أم قانون النفط أم أية مفردات أخرى، والانتهاء من خطاب التهديد والمحاصرة الذي يرتفع بين الفينة والأخرى من بعض مسؤولي الحكومة الاتحادية..

2.            حسم إشكالية الصلاحيات والميزانية ومصادر التمويل للمشروعات الوطنية العراقية الكبرى، وتفعيل استثمار دور الحكومة الاتحادية في المهام التي يتطلب وجودها وعلى وفق المسارات الطبيعة للدولة العراقية بعيدا عن ازدواجية المعايير التي تمارسها حكومة بغداد من سياسة إقصاء واستبعاد أوعزل للإقليم في المنجز المادي ومن محاولات ممارسة المركزية الشمولية سياسيا...

3.            تنشيط علاقات ملموسة مع المحيط الإقليمي والدولي بتفعيل جسور ممكنة ومتاحة للعلاقات سواء بمستواها الأممي الدولي مع دول ذات الثقل والقرار أم مع مجتمع المنظمات الدولية المعنية..

إنّ ضبط التوازن  بين المتاح والطموح سيحتكم إلى قرار سياسي استند أولا إلى وثيقة الإصلاح التي أطلقتها رئاسة الإقليم وإلى مصالح شعب كوردستان التي لا ينبغي اعتقالها في خانة التأجيل لأسباب تتعلق بارتباطه بالدولة العراقية وظروف عمل الحكومة الاتحادية ببغداد الأمر الذي قد يقتضي قرارا جريئا بمستوياته القانونية الدستورية من جهة  حسم القضايا العالقة أو التحول لعلاقة كونفيديرالية تتناسب ومسيرة البناء المؤملة، مثلما لا ينبغي السماح بما ينخر مؤسسة الحكومة من فساد أو نواقص في الإعداد القانوني والبرامجي  ومن قدرات الأداء في ضوء المتوافر من قدرات بشرية بحاجة للتطوير والتفعيل..

إن هذا النهج هو المسار الحقيقي المنتظر من أية قوة سياسية مخلصة لتطلعات شعب كوردستان وحاجاته العاجلة والمستقبلية  وهو النهج الذي سيحاصر تلك القوى السلفية أو ذات الفكر الماضوي المحافظ  التي تمددت قليلا  لهذا السبب أو ذاك وسينهي وجودها السلبي فيما التحالف القادر على تحمل مسؤولية هذا الجهد النوعي هو تحالف مدني ديموقراطي الأساس والبرنامج  ورؤى المعالجة وهو الفيل بمؤازرة فاعلية شخصية رئاسة الحكومة المرشحة اليوم بقوة..

ولابد من التوكيد على أن ضمانة هذا الاتجاه ممكنة ولدى القوى السياسية الأوسع تأثيرا ثقة بالسيد نجيرفان بارزاني لأداء المهمة الأكثر صعوبة بالاستناد إلى أوسع جبهة كوردستانية تضم قوى مجتمع مدني وكفاءات تكنوقراطية مهمة فضلا عن أعمق أداء برامجي ديموقراطي بخاصة هنا بالارتباط مع وثيقة الإصلاح.