مفهوم الحزب السياسي بين السلطة والمعارضة

تشوّهات في العمل الحزبي وأخطاء في إدارة العملية السياسية في العراق

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

tayseer54@hotmail.com

 

 

الأحزاب السياسية عمدة النظم الديموقراطية والأساس الذي ينبني في ضوئه النظام السياسي وتشكيل الرأي العام وتوجيه آليات عمل كل من الحكومة والمعارضة على حد سواء. ولقد باتت ظاهرة أحزاب المعارضة بمقابل أحزاب الحكومة، أمرا طبيعيا في الحياة العامة وفي الطروحات النظرية لآليات العمل السياسي من جهة وللمفاهيم العامة للديموقراطية ولممارستها في البلدان  ذات النظم الديموقراطية العريقة، وتفسّر وجود الأحزاب نظرية علمية تنضوي اليوم في إطار القانون الدستوري لأي بلد.

ولمزيد من وضوح الرؤية وما يخدم وعيا ضروريا تنتظره ممارسة آليات الديموقراطية في البلاد، ينبغي التوكيد على تعريف الحزب السياسي ومن ثمّ الانقسسام بين أحزاب سلطة وأحزاب معارضة وطبيعتهما وآليات عملهما. علما أنّ تعريف الحزب السياسي ينطلق من تحديد أهم عناصره؛ متمثلة بالتنظيم والأيديولوجية وطبيعة هدف سعيه نحو السلطة و\أو التأثير فيها.

والتنظيم لحزبي هو تأسيس يشتمل على العلاقات بين الأعضاء والهيآت الحزبية عموديا وأفقيا متركبا من القيادة الحزبية وتشكيلات الأعضاء وجمهور الحزب وطبيعته وارتباطه القائم على الولاء لا العلاقة التنظيمية المحددة بلائحة وتوجيهات. ومن العلاقة بين هذه المستويات الحزبية الثلاثة يتحدد جهد كل حزب وهويته وفاعليته وموقعه السياسي العام. ويتعين علينا هنا أن نتساءل عن مدى تطبيق علاقة صحية (ديموقراطية) بين هذه المستويات في الأحزاب العراقية العاملة اليوم؟ وعما إذا كانت الأحزاب مازالت تمتاح من زمن العمل السري حيث الأوامر تنزل من فوق فيما الصدى الراجع ليس سوى خضوعا تاما مع إشاعة آلية قدسية الزعامة ومرجعيتها المطلقة في مختلف مناحي الحياة، ليتكرر هنا  بسبب هذه التراتبية العمودية الفوقية، هتاف مؤازري تلك الأحزاب "بالروح بالدم نفديك يا زعيم"!!

وعادة لا يقوم تنظيم حزبي من دون أسس فكرية سياسية تجمع أعضائه. وهذه الأيديولوجية ربما تتحدد بقيم سياسية أخلاقية وعقيدية أو تكتفي بمجرد أسس عامة لتوجيه العمل.. وفي الأحزاب العقائدية تكون تلك القيم الفكرية صارمة ومتشددة فيما في الحال الأخرى ستكون قيم توجيهية بعينها تحدد سياسات عمل تحكمها الوقائع الفعلية لمرحلة بعينها..

ومن هنا فإننا نشاهد تعريج بعض أحزاب نحو الخطاب [الديني] المزعوم ولادعاء تمثيلها صحيح الدين ومن ثم تفضيل مذهب على آخر وتجسيد هذا التفضيل بالتمييز الذي يتظاهر بتبني حقوق [طائفة[ على حساب أخرى باسم التخويل الإلهي للزعيم وحزبه للحكم نيابة عنه! وكل هذا ليس سوى تضليلا سياسيا محضا يراد من ورائه إنفاذ مآرب نفعية يلمسها ابن المذهب الديني مثلما أغلب أبناء الشعب في المعاناة اليومية المتصلة المستمرة بلا معالجة ولا من يلبيها؟

ولاستكمال أدوات تعريف الحزب السياسي يُلتفت إلى موضوع هدف الوصول للسلطة بوصفه عاملا رئيسا ثالثا في تعريف الحزب حيث هناك طرق دستورية انتخابية للوصول إليها والاحتفاظ بها أو تداولها مع الآخر وهناك طرق انقلابية أو أعمال فساد يُركن إليها للتشبث بالسلطة واحتكارها ووضعها حصرا تحت تحكم حزب بعينه..

ومن هذه العناصر الثلاثية لمحددات الحزب [التنظيم والفكر السياسي والأهداف] يمكن استكمال تعريف الحزب للانتقال إلى مهمة أخرى ممثلة في التعرف إلى كيفية نشوء الأحزاب وولادتها؟ وهو ما يتم على أساس التكوين في الإطار البرلماني لتقارب فلسفة المنتخَبين حيث يتكون كل وجود حزبي من منطلقات تجمع حول هدف أو مصلحة بعينهما، وربما تتشكل الأحزاب خارج البرلمان نتيجة جهود فئات مثل نقابات العمال ومثيلاتها بخاصة إذا ما كانت من القوى التي تعمل سريا أو لدوافع راديكالية ربما انقلابية في حدودها المتطرفة النهائية أو تولد وتعمل خارج البرلمان لأنها تخضع لحظر أو مصادرة أو إقصاء بصيغة ما.

ولأنّ دور الأحزاب السياسية في الدولة المدنية الحديثة يكمن في التعبير السلمي المنظم عن التعددية في تركيبة المجتمع وإيجاد صيغة سيطرة موضوعية على أشكال التنافس بطريقة تُطوّعها للقانون وتخفف الاحتدام السلبي المحتمل للاختلافات بات على النموذج الحزبي العراقي الارتقاء إلى هذا التعبير فعليا. لكن الواقع العملي يقول إن عددا من تلك الأحزاب ربما كانت أداة لاحتدام التناقضات وتصعيدها في مجتمعنا والتسبب في افتعال صراعات مرضية قاسية هذا فضلا عن ممارسة  سلبية أخرى تجسدت في تقييد أعضائها بخاصة البرلمانين وإخضاعهم لفلسفة أو سياسة حدية مطواعة للزعامات ومآربها، والإبقاء على أوسع مساحة للجهل في وسط العضوية والمؤازرين بدل اعتماد التنوير وإشاعة ثقافة سياسية للديموقراطية المرتجاة..

لكن هذا الواقع المرضي لا يتعارض وحقيقة الأحزاب ومهامها عندما تتعامل بنضج ووعي مع مفاهيم الديموقراطية الحقيقية بشأن الحزب السياسي ومهامه؛ فوجود الحزب السياسي يعبر عن مهام مدنية تنشّط الوعي وتشكل الرأي العام وتهيّئ الكوادر لإدارة الدولة وتفعِّل الحياة الفكرية السياسية العامة بجذب الجماهير لدائرة برامجها ومناقشتها وتقريبها من القضايا العامة.. ولربما كانت قوى حزبية وطنية ديموقراطية تعمل اليوم جهدها في تلبية هاتيك المهام على الرغم من المحاصرة وضيق الإمكانات المادية مستهدفة خلق الرأي العام بتوحيد الطبائع والكلمة المشتتة وتحويلها من الفردي إلى الجمعي المؤسساتي، ما يخلق وعيا سياسيا مشتركا موحدا في اتجاه بنائي ملموس.. فتحقيق الاستقرار السياسي المنشود يأتي من طريق أحزاب سياسية [ديموقراطية] تعبر عن تقسيمات مجتمع الحداثة وتخضع لقوانينه المعاصرة وليس عبر تلك الماضوية الهوية المرضية التكوين التي لا تخضع لقانون أو التي تفصِّل القوانين على مقاسها الخاص...

ولابد لتعميق فهم الأحزاب وطبيعتها وتطوير الأداء الحزبي عراقيا من التفكير بأنواع النظم الحزبية حيث توجد أنظمة تنافسية انتخابية تداولية وأخرى غير تنافسية أو تحيا في إطار حالات الاحتكار القائم على أسس عقيدية وعصبية متشددة.  وفي الحال الأولى يوجد نظام الحزبين الحكومي والمعارض كما كان في بريطانيا أو كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية؛ ونظام الحزبين لا يحظر وجود أحزاب أخرى بقدر ما يكون ثقل الحزبين رئيس وأساس في تداول السلطة بين حكومي ومعارض وربما أتاح الأمر ثقلا مضافا لاستقرار الأوضاع عبر ثقل الحزبين الرئيسين وتوحيدهما الكلمة بطرقة موضوعية تتلاءم والأداء الديموقراطي.. وهناك نظام التعددية الحزبية الذي لا يستطيع فيه حزب لوحده تشكيل الحكومة أو المعارضة الأمر الذي يولّد تحالفات بين أكثر من حزب لتفعيل تحالف حكومي يقابله تحالف معارض ولربما  اكتنف هذا النظام كثير من أسباب قلقلة الاستقرار...

وعلينا أن نتذكر وجود حالات لتسيّد الحزب الواحد الوضع العام مع منع للأحزاب بما يخلق التشكيلات السرية أو المعارضة خارج العملية السياسية حيث يستغل الحزب النافذ الحكومة لمصلحة تمكينه الدائم من تشكيلها على أساس كونها ملكية تخضع لمفهوم الحزب القائد أو الأوحد. وليس بالضرورة نظام الحزب الواحد متأتِ ِ من الانقلاب بل ربما يأتي بانتخابات مشوّهة أو بهزة سياسية خطيرة كمجابهة حرب خارجية ينفرد بعدها الحزب بإحتكام أجهزة الدولة لقيادته وإخضاع المجتمع لعقيدته السياسية.. ولربما يشاهد المتمعن في الوضع العراقي أمرا مثيلا بميل أحزاب افسلام السياسي لإخضاع المجتمع لهذا الطابع ومشاغلته بطروحاتها الطقوسية بعيدا عن تفعيل مهمة البناء الفعلي المنتظر حيث الخدمات المحروم منها أغلب المواطنين وحيث البنى التحتية المستهلكة تئن من زمن حروب الطاغية وآثار الانشغال بعيدا عن هموم الناس طوال سنوات حكم هذه الأحزاب..

وفي بلدان "العالم الثالث" ومثلها في العراق حيث الخلل في استثمار الثروة الوطنية، نشهد انخفاض الدخل الفردي وسيادة الفقر بل ما دون خطه وشيوع الخرافة وآليات التفكير الأسطوري ومنطق ثقافة التخلف والاعتقادات الطقسية الملصقة بالأديان زورا، ربما يأخذ الوضع الحزبي في ظل هذا المشهد طابعا استغلاليا وتشويهيا أكثر وحشية في نقل التعصب القبلي الغابوي القديم والطائفي إلى التعصب لصالح الأحزاب وكينونتها وقياداتها بطريقة عمياء..

فيدخل المجتمع في صراعات تكتنفها متاهات لا حلول لها؛ حيثما بقي الأمر حكرا على إدارة زعامات بعينها على وفق مصالحها الخاصة فيما الضحايا هم أعضاء الأحزاب وجماهيرها.. وفي الحوارات الوطنية الشاملة يتم إقصاء أطراف مهمة من منطلق الاستئثار بالسلطة وفرض الصوت المنفرد على حساب التعددية وعلى حساب تمثيل أطياف المجتمع ومكوناته.. نشير إلى نموذج المؤتمر الوطني المزمع عقده بين القوى السياسية بالاقتصار على أطراف برلمانية  لا تجلس على طاولة مستديرة بل حتى هذا الحوار المجتزأ يخضع لاختلال توازن بين القوى حيث يتحدث الحزب الحاكم بوصفه قابضا على السلطة الاتحادية وبوصفه رئيسا فيما يريد للآخرين أن يكونوا كومبارسا يضفون الشرعية على تحكمه المطلق بالعملية السياسية!؟

إذن فتشوّه الاقتصاد وسيادة التقاليد البالية والقيم الشعائرية الطقسية وفلسفة الطائفية السياسية واختلاق التناحرات التي يغذيها حال من شيوع التبعية للقيادات والانقياد الأوامري الأعمى، كل ذلك يرتب أحزابا تحمل فلسفة إلغاء الآخر وإقصائه وتهميشه فتجيّر قوى الحكومة أجهزتها لقمع هذا الآخر حتى بوصفه معارضا  لا شريكا بمقابل تعميق سياسة انقلابية تناقضية لدى القوى المعارضة بالضد من هذا التحكم غير المشروع من قوة بعينها.. ويتحول الصراع إلى صراع كينونة ووجود يحمل كل طرف خطاب نفي الآخر ومحاولة إزاحته بطرق مشوهة لا تنتمي للأداء الانتخابي  ولا لأية آلية ديموقراطية..كما تخلق سياسة إلغاء الآخر ونفيه وجودا قمعيا نفعيا الأمر الذي يوفر أجواء التلاقي مع تبعية لا وطنية حيث العلاقة مع قوى إقليمية ودولية ذات مصالح في البلاد تفتح لها  الميادين لافتعال أزمات مضافة فوق تلك المتراكمة. هذا كله لا تكتفي به تلك الأحزاب بل هي تتسبب في اختلاق المشكلات بوجه التعايش السلمي بين أطراف التعددية القومية والدينية، في ضوء تذبذبها الفكري بين فلسفات ومصالح آنية انتهازية متقلبة. إنّ هذه (الأحزاب) ترث أحزاب الانقلابات وطبيعتها من جهة احتكار السلطة بإحالة "الفوز الانتخابي" إلى بيعة أبدية على طريقة "الخلافة" وإشاعة فلسفة كون السلطة السياسية تمثيلا للإرادة الإلهية على الأرض!

وذلك يمثل أول الطريق للهيمنة المطلقة على السلطتين التشريعية والتنفيذية وضمنا القضائية الأضعف بين تلك السلطات في الواقع العالم ثالثي وفي تداعيات نموذجنا العراقي. وهنا تبرز حال مصادرة الدور الرقابي على الحكومة وأحزابها وإطلاق العنان للزعامة الفردية التي تقف فوق البرلمان نفسه وهذا السطو يُعزَّز بإلغاء دور المعارضة أو القبول به بصفة هامشية رمزية لتزكية البقاء الدائم في السلطة. وهنا لا يوجد أي توازن موضوعي بين حكومة ومعارضة حتى بكونها أغلبية مقابل أقلية بل بكونها حاكمة بأمر إلهي مطلق، ما يلغي الشروط الموضوعية للأداء البرلماني ولآليات العمل الديموقراطي.. إن هيمنة رئيس "مجلس" وزراء على  السلطة وإضعاف البرلمان ودوره يلغي الأحزاب ويلغي البرلمان ويجعلهما تابعين خانعين وإنّ ما عدا ذلك ليس سوى فتات المكرمات المزاجية سيئة الصيت...

ويمكننا القول في ضوء هذه القراءة أن نشير إلى أن مجريات الأمور ببغداد والحكومة الاتحادية لم تقم على أخطاء فردية لأعضاء حزب الحكومة بل قامت على فلسفة "احنا أخذناها وبعد ما ننطيها" على حد تصريح لرئيس "مجلس" الوزراء وقائد الحزب الذي يمارس دوره كحزب سلطة قائد وعلى فلسفة "أنّ وجودنا في السلطة سيبقى كونه تمثيلا للإرادة الإلهية" على حد تعبير الرجل الثاني بحزب رئيس الوزراء.. إنّ جملة التداعيات تشير إلى تكرار ممارسة ذات سلوك الحزب الانقلابي الذي حكم البلاد عقودا بإخضاع أجهزة الدولة لإرادة حزبية قائدة وتجيير الحكومة لمصلحة الحزب!

من جهة ثانية فإن المعارضة سواء منها داخل البرلمان أم خارجه تخطئ الطريق إذا ما ركبت موجة سلبية وإذا ما رفضت الخضوع للقانون ولآليات العمل السلمي البنّاء حيث ينبغي أن يتركز دور المعارضة على النقد البرامجي وعلى كسب رأي عام لصالح معالجة بعينها فيما عمليا نلاحظ (بعض) قوى المعارضة و\أو أطراف فيها تمارس الاحتجاجات بطريق أسوأ من العصيان المدني ويدخل أحيانا في التخريب والتسقيط السياسي بمبادلة الدور ومشاركته مع قوى حزبية حكومية تمارسه أيضا لتعزيز سطوتها الكلية الشاملة على السلطة...

إن قوة حزبية بعينها في السلطة ترى في الحكومة الاتحادية اليوم غنيمة جاءت إليها لا لتتداول الحكم انتخابيا ولا لتنفيذ برنامج لمرحلة يحكم عليها الشعب مجددا ودوريا بل لانتزاع السلطة انتقاما من غريم ترى فيه خصما وجوديا؛ فأما هو وأما هي في الوجود، ومن هنا مكمن مخاطر عميقة الغور في مسيرة العملية السياسية..

إن استمرار العمل بمنطق البيعة الأبدية وإقصاء الآخر وبمنطق تمثيل الإرادة الإلهية بديلا عن تمثيل الشعب بالتفويض الانتخابي لمدة انتخابية محدودة ومحددة مشروطة فضلا عن فرض مقاسات فلسفة سياسية بعينها وإخضاع المجتمع لمنطق أيديولوجي عقائدي أحادي؛ إنّ هذا ليس سوى الحكم بالإعدام على الديموقراطية وآلياتها وطبعا على خيار الشعب العراقي وأطيافه في عراق ديموقراطي فديرالي..

والبديل يكمن في أنضج تفاعل بين أطراف العملية السياسية، حيث لا إلغاء ولا إقصاء.. وحيث احترام الآخر.. وحيث العلاقة البنائية بين القوى الحزبية باستخدام النقد البناء أي  بأن تتقدم كل قوة حزبية ببرامج وحلول ومعالجات وتبدأ بحوار موضوعي هادئ يصل إلى نتائج جدية مؤثرة وفاعلة في الميدان وعلى أرض الواقع خدمة لمسيرة بناء الوطن والإنسان..

مع عمل الحكومة على أساس برنامج الشراكة والاتفاق القائم من جهة وعلى أساس احترام وجود قوى معارضة ديموقراطية تعمل اليوم سلميا قانونيا خارج قبة البرلمان وعلى أساس جذب عناصر جديدة للعملية السياسية ليس من بوابة السماح لميليشيات الجريمة بالدخول من أوسع الأبواب بل لسيادة العمل المؤسساتي وسلطة القانون وآليات العمل السلمي الديموقراطي الأنضج والأكثر صوابا وملاءمة لأوضاعنا العراقية..

ولعل الحوار هو المدخل وهو السبيل الأمثل للوصول إلى كشف الأخطاء ومحاسبة المتقصد وتقويم المخطئ سهوا وتصحيح أساليب عمله لما فيه التمسك بالمسار الصائب القويم.. بينما خطاب التحديات الراديكالي لا يمثل سوى صراعا للتهييج والإثارة وانتهازا لمثلبة أو ثغرة بغاية اجتذاب أكبر حشد للاستعراض به عبر تضليله وليس للدفاع عن مصالحه..

إنّ ما جرى فعليا حتى اليوم في الغالب تم بوساطة سياسة الإيقاع والتصيد في المياه العكرة والتسقيط السياسي. وفي إطار العمل الحكومي مضى حزب رئيس "مجلس" الوزراء وقيادته تحديدا في التصرف الأحادي وعلى أساس كونه حزب الحكومة بالمطلق فيما دفع بالآخرين من وضع الشريك الحكومي على وفق اتفاقات معروفة [اتفاق أربيل تحديدا] إلى وضع المعارض [الراديكالي] وبات يلوم الشركاء على عدم تمشية الإجراءات التي يصدرها منفردا وخارج الاتفاقات وخارج الدستور...

والجدية المنتظرة من أطراف الشراكة الحكومية في أن تعود إلى اتفاقاتها وألا تناور بأوراق عمل جديدة بديلا عن المتفق عليها، لأن العقدة ليست في تكرار إصدار أوراق عمل واتفاقات جديدة بقدر ما هي التمسك بإرادة العمل المشترك على وفق خطى تم إقرارها وانتهى الأمر إلى واجب التنفيذ. وبهذا فقط تتحمل القوى جميعا مسؤولياتها في تعزيز آليات الديموقراطية لا استغلالها سلبيا بطريقة تعود إلى زمن الثوروية والانقلابية والتسقيط الذي لا يستند اليوم إلى أرضية منطقية..

و الخطوة التالية المؤملة فعليا عمليا تكمن في عقد مؤتمر وطني شامل لا يستبعد طرفا والإعداد عبر حكومة مخلصة ملتزمة بالدستور لإصدار قوانين دستورية تحضّر للانتخابات الجديدة مكتملة ناضجة على أساس من تشكيلات حزبية تخضع للقوانين المدنية للدولة المعاصرة، وتنبني على أسس تنظيمية وفكرية حددها الدستور وينبغي أن يجسدها قانون جديد للأحزاب..

إن توجها لسن قانون أحزاب جديد هو منطلق العمل السياسي الصحي الصحيح  للأحزاب العراقية حكومية ومعارضة لكي تستطيع ممارسة العمل الحزبي بآليات ديموقراطية سليمة تمكنها من الانتقال إلى مرحلة تتعلق بدفع المؤسسات لمزيد من النمذجة والمثالية في العمل.. وعلى وفق خطط وبرامج التحديث والتجديد المطروحة وفي ضوء برامج عمل مدروسة من التكنوقراط والخبراء والمعنيين بقراءة الأوضاع بدقة علمية..