تأثير استقرار الأوضاع في العراق على الاستقرار والتوازن الإقليميين
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12 \  26

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

Published on ELAPH/ASDAA  website on 29.12.2003

 

لقد قاد وجود الطاغية على رأس السلطة في العراق إلى حالة من افتقاد أمان الناس وانعدام الطمأنينة في حياتهم. واندفع الدكتاتور في استباحته لأمن الناس إلى البلدان المجاورة فأفقد الوضع الإقليمي استقراره الأمني .. وعلى الرغم من الادعاء بكون القوة العسكرية العراقية هي عامل توازن إقليمي فإنَّ جوهر الحقيقة يكمن في توازن الرعب بين قوى  متصارعة لا تمتلك إلا لغة الاقتتال والتدمير وإدخال شعوبها في مطحنة الحروب بحجج وذرائع مضللة...

ولكن ما خلف تلك الصورة يظل ممتلكا لحقائق تاريخية من نمط طبيعة العلاقات الإقليمية بين الحضارات المتجاورة.. وهي طبيعة إنسانية في جوهرها تفاعلت نتاجات الإبداع الحضاري الإنساني لما فيه مصلحة الشعوب وامتدّ تداخل  العلاقات المشتركة إلى خلق أرضية روابط تاريخية متجذرة في حياة أبناء المنطقة.. وليس من الصحيح قراءة ذلك التاريخ إلا من منطق نسيج الروابط الحضارية والتوازنات الصحية عبر مختلف المراحل مع نظرة جدية ناقدة للحظات التي شابت تلك الروابط والتوازنات ثغرات مفتعلة من قوى معينة..

وعبر القراءتين المتعارضتين للتوازن الإقليمي التي تأخذ بعين التقدير مصالح الشعوب والتي تهمل تلك المصالح وتتجه للتعبير عن مصالح قوى مستبدة لا يهمها إلا الاستجابة لنزوات الطغاة وأهوائهم المَرَضيّة, عبرهما يمكن أنْ نتلمس معنى استقرار العراق المعاصر الجديد وانعكاسات ذلك على الوضع في المنطقة..

فاستقرار العراق أمنيا وحسم مشكلات الفوضى وأنشطة قوى التطرف والعصابات المافيوية وجماعات الإرهاب الديني والاجتماعي من مختلف المسميات والادّعاءات المضللة سيعود على الدول المجاورة بالاطمئنان والاستقرار وإلا فإنَّ أيّ تدهور في الوضع العراقي لن يكون محمود النتائج على المنطقة والعالم.. فالعراق دولة تمتلك أرضية بشرية وثقلا يمكنه أنْ يتحول إلى قوة تهديد غير سهلة العواقب إذا ما تركت ساحة للعبث وميدانا لقوى التطرف والإرهاب...

وعليه فليس صحيحا ترك العراق نهبا لحالة من هذا النمط عبر التساهل في حراسة الحدود المشتركة وفتحها لتلك القوى الإجرامية من مختلف أنواعها سواء قوى جريمة الاغتيالات أم سرقة الثروات أم السطو على الشارع السياسي بالقهر ومنطق القوة والعنف الدموي.. فجميعها ستلتقي وستؤجر قوة أخرى متحالفة معها لأنها تلتقي في طريق واحد هو طريق إرهاب المجتمع والسيطرة عليه لتحقيق مصالحهم الإجرامية.. ومن الطبيعي أنْ تحتاج تلك القوى الإجرامية إلى منافذ عبر الدول المجاورة وهو ما يدفعها لفتح ميادين جديدة وفروع جديدة لأنشطتها الخطيرة ومن ثمَّ تهديد الأمن الإقليمي في تلك الدول..

واقتصاديا سيتأخر العراق عن متابعة خطى التطور وإذا ما راوح وتلكأ فإنَّه سيعاني من مشكلات تعود بنتائجها على الدول المجاورة فلقد كان نشاط الاقتصاد العراقي وحيويته مصدر تحريك ودفع للاقتصادات المجاورة وتنشيط لفعاليتها وصحتها.. ثم إنَّ اقتصادا هزيلا في بلد معروف بحجم تأثيراته الإقليمية سيعني استدارة خطيرة إلى الوراء وهو أمر ينعكس بآثار اجتماعية وسياسية غير طبيعية بعد آثاره الاقتصادية الصرفة..

إنَّ حجم السوق العراقية الاستهلاكي يفي بتدوير عجلة الانتاج للدول المجاورة في المدى المنظور ولكنّه سيكون أجدى للاقتصاد الإقليمي الدخول في خطط بناء القدرات الانتاجية نظرا لما لذلك من مساحات وأرضية مناسبة على الصعيد العراقي وما سيكون له على المدى الأبعد من انعكاسات حيوية فاعلة..

 لذا كان على الدول المجاورة السعي المشترك الحثيث مع السلطة العراقية الجديدة لضبط الأمن والاستقرار في العراق عبر سلسلة من الإجراءات الفاعلة كضبط الحدود والمساهمة في التعاون الأمني المناسب والدخول في اتفاقات تعزز السلطة الوطنية ووقف العلاقات قصيرة النظر مع أفراد وجمعات ذوي مصالح ضيقة في المجتمع العراقي كما في حالة تشجيع الشقاق والطائفية والاحتراب الديني والمذهبي والانقسامات القومية والأثنية وغيرها..

ومثلها دعم قوى سياسية هي وليدة ظروف الطوارئ واللحظة الحرجة وهي قوى انتهاز الفرص لمصالح مرَضيّة لا تستجيب لا لمصالح العراقيين ولا لمصالح شعوب الدول المجاورة.. ومن ثمَّ سيكون من الخطل التعرض للوضع السياسي العراقي على أساس مثل هذه التدخلات ضيقة الأفق..

إنَّ سياسة إقليمية ناجحة هي تلك التي تحترم القواعد والبروتوكولات الدولية والإقليمية وتضع نصب عينيها دعم وحدة التراب الوطني والنسيج الاجتماعي السياسي للبلاد وتنطلق في تعاملها وعلاقاتها من مصداقية وبُعْدِ ِ عن التضليل والمخادعة واللعب من وراء الستار.. ومن الطبيعي أنْ ينعكس استقرار مؤسسات الدولة العراقية بتقوية المؤسسات السيادية واستقلاليتها ومنعة المؤسسات التشريعية والتنفيذية وثقل كفتها في الحياة الديموقراطية الجديدة, من الطبيعي أنْ ينعكس إيجابيا على الإقليم في تأثيره .. وهنا بالذات سيكون العراق عامل توازن واستقرار إقليميين...

بينما تعرف دول المنطقة ومنها دول مجلس التعاون الخليجي أنَّ وضع العراق الضعيف سيفسح المجال لقوى إقليمية بالضغط السلبي باتجاه سطوتها وفرض سياساتها التي قد لا تلتقي مع تطلعات دول المنطقة ومن المؤكد هنا أنَّ قوة العامل الديموقراطي للحياة السياسية العراقية سيشكل قوة تفرض حلولها لمشكلات استعصت طويلا كما هو حال إسرائيل ودعايتها الزائفة المضللة دوليا (عن ديموقراطيتها المسكينة وعدوانية شعوب المنطقة وتخلف دولها) ولكنَّ الوضع الجديد سيؤدي إلى متغيرات عميقة تحافظ على الحقوق المشروعة وعلى التوازنات الصحية الصحيحة مع قوة العراق باستقراره الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ...

إنَّ الوضع العراقي يتعرض اليوم لتهديدات جدية من أطراف مختلفة منها بعض القوى الإقليمية المجاورة وعليه وجب التنبيه على مجريات التدخلات السلبية قصيرة النظر في معالجة المصالح الخاصة .. بينما سيكون من الضروري الدخول في علاقات رحبة موضوعية جديدة مع الجانب العراقي تعزيزا لاستقراره وإفادة من نتائج ذاك الاستقرار المنشود.

 وإلا فإنَّ فقدان الفرصة التاريخية القائمة لوضع العراق في موضعه الطبيعي في التوازنات الإقليمية عبر الإضرار به وباستقراره سيكون له عواقبه ليس في إخراج العراق من المعادلات المعقدة إقليميا ودوليا بل في إخراج دول المنطقة على ما لها من ثروات وقدرات تأثير سيؤدي إلى إخراجها من دائرة التأثير على وضع سياستها المستقلة التي تخدم مصالحها..

ومن المعروف ما تتعرض له خيارات دول المنطقة وشعوبها من ضغوط متنوعة مختلفة بعضها سلبي خطير ولكن لا يمكن التصدي له عبر حالة الضعف التي تعتري دول الإقليم وانشغالها بتصورات ومسارات غير مجدية.. وهي قادرة على الإفادة من كثيره الإيجابي ومنحه خصوصية القيم الحضارية والفكرية والسياسية ومعطيات الواقع وقراءته قراءة صادقة صحيحة ومنطلق الفرصة التاريخية الجديدة هو الواقع العراقي الجديد واستقرار الوضع فيه وتطوراته المستقبلية المنظورة والبعيدة...

ويمكننا بالصدد أنْ نسجّل عددا من التغيرات الصائبة في التعاطي بموضوعية مع هذا الواقع كما هو حال دبلوماسية العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت وعدد من قرارات الدول المجاورة التي توجهت للتعاطي مع واقع المتغيرات بموضوعية.. ويبقى على الدبلوماسية العراقية نفسها أنْ تنقل رسالتها الصحيحة وتأثيراتها الإيجابية للوصول إلى المستهدفات التي توفر أرضية العلاقات المنشودة لما للعراق من قدرات وكفاءات حيوية هي أرضية غيرمفتعلة لما ندعو إليه من مستهدفات إنسانية للمنطقة ...

 

1