البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

على مشارف الذكرى الأولى لتظاهرات الاحتجاج العراقية في ساحة التحرير

لتنطلق فعاليات  جماهيرية حاشدة توكيدا لمرجعية الشعب في تقرير مسار العملية السياسية

في الخامس والعشرين من هذا الشهر فبراير شباط، تمر الذكرى الأولى للتظاهرات الاحتجاجية تحت نصب الحرية وفي الشوارع والساحات التي تم عزلها كي لا تصل جموع المتظاهرين فيها إلى ساحة التحرير. لقد أكدت تلك التظاهرات الجماهيرية على حيوية شعبنا وقواه السياسية الوطنية الديموقراطية، وعلى الوعي التام بأهمية ممارسة اشكال العمل السياسي السلمي استكمالا لآليات البناء الديموقراطي في البلاد.. فلقد جاءت التظاهرات مؤكدة على طابعها الإصلاحي على الرغم من أنّ ذلك لم يمنعها من إعلان موقفها الحازم ضد مثلث الطائفية الفساد الإرهاب  بما لا يجعلها متعارضة مع مبدا تطوير العملية السياسية بتنقيتها وتطهيرها مما اعتراها من نواقص ومثالب...

واثبتت الجماهير المحتجة سمو وعيها لأشكال العمل السياسي بمقابل ضيق أفق كثير من العناصر التي عملت وتعمل في أجهزة الحكومة.. حيث مارست تلك العناصر ربما أحيانا بسياسة ممنهجة مختلف أشكال العنف والتضييق على المتظاهرين.. واستخدمت ألاعيب محظورة قانونا في تطبيق أعمال القمع من قبيل اختطاف العناصر القيادية في التظاهرات بسيارات مدنية أو سيارات أسعاف تمويها لأعمال تلك الأجهزة بالمخالفة القانونية الصريحة مثلما مارست أشكالا من التهديد والوعيد وأعمال التنكيل والتعذيب المدانة بالدستور العراقي والقوانين الحقوقية الأممية..

ووصل الأمر في مراحل من تلك التظاهرات إلى حد استخدام الذخيرة الحية ومواجهات عنفية أدت إلى سقوط عدد من الشهداء الذين لم ينحصر الأمر بهم بل تمّ التعرض للنساء المتظاهرات والاعتداء البدني وممارسة أشكال من التحرش الجنسي بهنّ في الميادين العامة فضلا عن عمليات اغتيال طاولت عددا من الشخصيات القيادية المنظمة لتلك التظاهرات كما في مثال الشهيد هادي المهدي..

وعلى الرغم من الدعاوى القانونية التي اتبعها الشهداء [قبل اغتيالهم] ورفاقهم وغيرهم من المتظاهرين ممن تعرض لعسف الأجهزة الأمنية  إلا أن القضاء لم يحرك ساكنا لا لاستعادة حقوقهم من الجهات الأمنية التي اعتقلتهم وعذبتهم ولا لحمايتهم من أعمال التصفية الجسدية التي لحقت ببعضهم في وقت لاحق..

ولقد استخدمت الحكومة  قوات من الجيش في مهام أمنية شرطوية وفي الوقت ذاته دخلت جموع البلطجية إلى ذات الميادين التي تظاهر فيها المحتجون ومارسوا الاعتداء السافر تحت بصر ومرأى من تلك القوات فيما مورست من جهة أخرى عمليات ترغيب ورشى المال السياسي ووعود بمناصب وغير ذلك لقيادات فاعلة ميدانيا، فضلا عن تصريحات بحظر التجوال والتكفير والتجريم السياسي والاتهام بطريقة التسقيط السياسي كما في اتهام المتظاهرين بالانتساب للبعثفاشية أو الإرهاب..

ولم تثنِ تلك المحاولات القوى المحتجة ولا حتى لوت أذرعهم السمر حاملة رايات الحق عاليا؛ ولا تلك الألاعيب بطلب مهل المائة يوم والأشهر وما شابه فيما اللعبة كانت مفضوحة لمنع الجماهير من الانتظام في حركة شعبية ديموقراطية ونضال سلمي يكفله لهم القانون والشرائع كافة.

إن درس الانتفاضة الشعبية ضد الفساد وضد الطائفية السياسية وضد مواصلة مسلسل العمليات الإرهابية مع عجز  حكومي  وانشغال عن الأمن والخدمات سهَّل  استمرار عمليات الفتك اليومي ببنات شعبنا وأبنائه، إنّ ذلك الدرس يدعو اليوم لوقفة جماهيرية حاشدة تشترك فيها كل القوى الوطنية الديموقراطية لتقول إن العمل السياسي البناء لا يقف عند السلطات الثلاث وضرورة تنقيتها وتطهيرها بل يعود إلى حيث الجموع الشعبية عندما تفشل القوى التي خولتها تلك الجموع إدارة العمل العام لمدة بعينها.

ونحن بهذه المناسبة ندعو لتشكيل لجان العمل الديموقراطي السلمي من أجل تلك التظاهرات المنتظرة في الخامس والعشرين من هذا الشهر سواء في داخل الوطن أم في المهاجر لتوكيد مطالب الشعب التي ظلت مهمشة محيّدة بعيدة عن التلبية بمناورات ومشاغلات لها وليس لها منتهى وآخر..

لنحمي مسيرة العملية السياسية بتعزيز وحدتنا الوطنية من جهة وبتفعيل دور قوانا الديموقراطية وبتنظيم الصفوف للتعبير المناسب عن مطالب المستضعفين المهمشين وفرض إرادة الشعب في مطالبه المشروعة العادلة.

 وسيكون وجود قوة جماهيرية فاعلة وحاشدة أداة قوية لتطوير الأداء السياسي ودعم العناصر الإيجابية النزيهة في إدارة السلطات الثلاث والدفع باتجاه برامج وطنية مخلصة وموضوعية نزيهة تقوم على أساس تلبية حاجات المواطن وتأمين حياته كريمة  آمنة مستقرة.

شدوا العزم واتخذوا القرار وليبدأ مشوار الفعل الأعمق والأكثر نضجا في كسر حواجز مزقتنا طويلا واختلاقات حجبت الرؤية الصائبة وشاغلت المواطن بطريقة جعلته  محبطا تجاه قضية التصدي لمن يستلبه حقوقه. إن وعيا وطنيا ديموقراطيا ينبغي أن يكون متاحا بين هذه الجموع لتتخلص من قوى الاستغلال والهمجية، قوى الإرهاب وأعداء الديموقراطية من الطائفيين والفاسدين وما ننتظره بروز مواقف إيجابية من داخل الحكومة ترى في التظاهرات السلمية دعما لجهود مؤسساتية لتطوير العملية السياسية وتفعيل مسيرتها بدلا من التمترسس خلف أعمال عدائية  ليست في مصلحة أي طرف وطني عراقي بل هي في مصلحة  مثلث الطائفية الفساد الإرهاب...

وبهذه المناسبة، تحية من البرلمان الثقافي العراقي في المهجر إلى شبيبتنا وطلبتنا وإلى نساء العراق وشيوخه حكمائه وللتكنوقراط والعقل العلمي العراقي وللنخب الثقافية وطبقات العمال والفلاحين وللطبقة الوسطى ولجموع الجمهور الحاشد من كل فئات شعبنا بأطيافهم من العرب والكورد والتركمان والكلدان الآشوريين السريان ومن الصابئة المندائيين والأيزديين ومن كل المجموعات القومية والدينية التي شادت حضارة البلاد وهي اليوم قادرة على استعادة أدوارها الموضوعية الصحيحة بإرادة صلبة...

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

لاهاي السابع من شباط فبراير 2012