البوليس السياسي إرهاب دولة وكوارث تحل بالمجتمع

البوليس السياسي: إرهاب دولة ونذير شؤم وكوارث يمكن أن تحل بالعراق

أسئلة مشروعة ورسائل إلى القيادات الرسمية والشعبية و تنتظر تفاعلاتهم 

 

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية\ناشط في مجال حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

من يرصد آليات عمل الحكومة ببغداد، يلمس تداعيات مستمرة متصلة لتراجع عن العمق الشعبي للعملية السياسية ومزيدا من  اختزال القرار في الشأن العام وحصره بإرادة ربما تكاد تكون فردية اليوم أو تحاكي  أزمنة  الابتعاد عن الإرادة الشعبية من جهة والعزلة في البرج العاجي للحاكم. وهذا ليس تسويقا سياسيا لجهة ولا توجها يحشد ضد أخرى، بل هو، يقينا، خلاصة ما يستنتجه المرء من قراءة مجمل التداعيات الجارية..

وإذ يمكن للمتابع المتخصص رصد الوقائع، ولابن الشارع السياسي أن يحكي نتائج تلك السياسة التي جعلته ضحيتها؛ فإننا هنا نريد قراءة الأمر انطلاقا من الواقعة التي نأمل الا تكون القشة التي تقصم ظهر بعير العملية السياسية؛ وهي عملية تكتنفها العقبات الكأداء وتكاد تغص بكثرة ما فيها من خروق ومشكلات..

أما ما نأمل ألا يكون تلك القشة فهو كتاب المخابرات العامة الذي سبق للمرصد السومري لحقوق الإنسان وجهات حقوقية ومدنية وسياسية أخرى قد كشفته للعامة ودانت مضمونه وما يعكسه من آليات البوليس السياسي القمعي الذي طالما كان بعبع الحرب على الشعب ومطاردة  قواه الديموقراطية والتضييق عليها بل ممارسة التصفيات الجسدية وغيرها في مناضلاتها ومناضليها...

[يرجى مراجعة البيان عبر الرابط الآتي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=221&aid=296497]

أما نص كتاب جهاز المخابرات فنعيد وضعه هنا لكارثية الأداء فيه:" الكتاب الرسمي ونصه المتداول يحمل الرقم 3061 في 20\02\2012 (سري وشخصي) والمرسل إلى قيادة بغداد في 21\02\2012، وينص على تعميم توجيهاته على وفق الآتي: "ينوي بعض أعضاء الحزب الشيوعي تنظيم تظاهرة يوم 25 شباط في محافظة بغداد – ساحة التحرير إحياء للذكرى الثانية [الثانية كما في النص] لانطلاق التظاهرات يطالبون فيها توفير فرص عمل وإنهاء الخلافات السياسية لذا اقتضى الأمر متابعة تحركات أعضاء الحزب المذكور أعلاه كلا ضمن قاطع المسؤولية وإعلامنا بتحركات أعضائه وأسمائهم لغرض متابعتهم من قبل الجهات المعنية كما يرجى اتخاذ ما يلزم بصدد المعلومات آنفا من إجراءات أمنية مشددة وتوفير تدابير الحيطة والحذر وفق القانون." انتهى النص ولكن آثاره الكارثية ومخاطره الغائرة لم تنتهِ وربما لم تبدأ بعد!

المشكلة هنا ليست في الواقعة بصيغة أخرى ليست في الكتاب الرسمي المشار إليه ونتائجه المباشرة. ولكن المشكلة الكارثية الكبرى تكمن فيما أشارت إليه  الدروس السابقة الكرورة لنمط  عمل البوليس السياسي وطبيعة العقلية المتعارضة ومنطق الديموقراطية وآلياتها وطبعا في الآثار الناجمة عن هذا في خلق الجدران بين الحاكم والشعب واصطناع الأسوار التي تقول إن الأمور تبدأ بهكذا ممارسات لا تُلْجَم ثم تدفع التداعيات نحو مستنقع لا يمكن الخروج منه بل يجري مواصلة التبرير لجرائمه بتخوين الآخرين واليوم بتكفيرهم خلقا لأجواء قمعهم وإقامة الحدود (الشرعية) بقطع الرقاب من جذورها!!

إنَّ فلسفة إرهاب الدولة  تتم عبر حجج قانونية، فبالأمس كان (قضاء الطاغية) يحتكم إلى (قانون يخطه قادة بوليسه السياسي). بمعنى أنّ كل من يخرج على غرادة الحاكم هو خائن عميل يستحق التصفية التي عادة ما تجري بشكليات قانونية ولكن بالتأكيد بجوهر معاد لأبسط الحقوق الإنسانية وأولها وأشملها أي الحق في الحياة الحرة الكريمة.

القضية اليوم ليست محصورة بكون الكتاب الرسمي والنهج يتجه نحو الشيوعيين العراقيين من دون غيرهم. ولكنها تذكرنا بحقيقة أن الدكتاتوريات التي حكمت العراق كانت دائما تبدأ برأس المعارضة الوطنية أي بالشيوعيين. ولنتذكر أن كل القوى التي  صمتت عمّا طاول الشيوعيين يومها، جاءها الدور لاحقا ولكن سريعا وبلا تردد؛ فتمَّ دائما قمع الحريات والانفراد بالسلطة على حساب الحقوق والمطالب والحاجات الحياتية الأساس. وعلينا دائما مراجعة التاريخ المعاصر بالخصوص لنستذكر هذه الحقيقة ونستفيد من دروسها.  

إن العواصف عادة ما يسبقها علامات ونُذُر تبنئ بعواقبها. ومن هنا كان واجب التصدي لمضامين ما ورد  وما تضمن من تفعيل آليات كتّاب التقارير وزوار الفجر والمطاردات (البوليسية) وتعقّب الناشطات والناشطين، طبعا يرافقها استغلال أضخم آلة تشويه وتضليل من ماكنة إعلامية مهولة الأرصدة فضلا عن ألاعيب الظهور في احتفاليات الشيوعيين وغيرهم فيما تحت أستار الظلام تري أعمال الاعتقالات والاغتيالات تدريجا وبلا من يُعلي الصوت بوضوح تتطلبه تلك النُذُر الخطيرة لحملات من عواصف والإسفار عن وجه  إرهاب الدولة بخلفية من تأييد [القطيع] المتشكل من حشود المضللين أو البسطاء ممن لا يدرك من الحقائق والوقائع سوى ما يصل أذنيه زورا...

إنّ حفلات الدم بحق أحرار العراق بدأت لمن لا يريد الإقرار بالحقيقة، وما هي سوى خطوات وتسفر عن محارق مكرورة جديدة موجهة ضد جيل جديد من أصحاب الوعي والتنوّر وحقوق الإنسان والديموقراطية...

وما ينبغي أن نلمسه يتمثل ليس بالاكتفاء بتصريحات شخصيات سياسية وزعامات في حزب أو آخر ومنهم الشيوعيون بل ينبغي أن يرتقي الردّ لمستوى ما يُوحي به الفعل من مخاطر وتهديدات كارثية.. وشخصيا لم أقرأ ردا حازما مناسبا فيما ينبغي للقوى الديموقراطية، قوى المجتمع المدني العريضة،  أن تردّ به من بيانات وأنشطة.. فكل القوى والشخصيات المخلصة  الموجودة  سواء في المسؤوليات التشريعية أم التنفيذية لجهاز الدولة وحتى في إطار حركات الإسلام السياسي وأحزابه؛ ينبغي لكل تلك القوى أنْ تدرك أنَّ الطاغية بالأمس القريب وقبيل عقود ثلاثة لا أكثر كان بدأ بالشيوعيين تخوينا وتصفية ولكنه لم يوفر في جرائمه جهة وطنية حتى من داخل جهازه الحزبي والقمعي، وأي تغافل اليوم عن مهمة إدانة السياسات الخارجة عن آليات الديموقراطية [والكارثة الأنكى لتلك الواقعة في فلسفة إرهاب الدولة وآلياتها]، هو تساهل لن يقودنا إلا إلى طغيان جديد ومجازر أخرى مكرورة حيث المقصود ليس الشيوعيين وإنما مجمل قوى الشعب الحية ورأس كل وطني مدافع عن الحقوق والحريات...

 

وفي وقت تؤكد الأيام القليلة الماضية أن الجهات الحكومية المسؤولة لم تتفاعل مع ما كُتِب بالخصوص يتأكد لأبناء الشعب أن أصوات قادة المجتمع المدني مهملة تماما ومستبعدة من الأداء الفعلي لمسيرة العملية السياسية برمتها ما يعني مصداق ما أشرنا إليه بخصوص أشكال للانفراد بالحكم ولاختلاق دكتاتورية جديدة لن تستثني هذه المرة أحدا في مظالمها وربما وصل الأمر ببشاعة الهدف المختفي إلى حد محو وجود اسمه العراق وشعب العراق بشرذمة انقسامات يسهل على من سيظهر في حينه  تحقيق مآربه!

فهل ينبغي القبول بمثل هذا الأمر؟ وهل تكفي إدانة خجلى لمقدمات العودة لآليات الطغيان والدكتاتورية وقمعهما الهمجي للشعب؟ هل تكفي  تصريحات ورسائل على لسان شخصيات بطريقة فردية أم يلزم هنا موقف جمعي ثابت ليس من حزب لوحده بل من منظمات المجتمع المدني ومن تحشيد  الجماهير الشعبية الغفيرة ضد سياسة استغلال بلطجة البوليس السياسي وإرهابه؟

إنّ الاعتقاد بأن هذه الممارسات هي أعمال فردية ومجرد خروقات بسيطة هو أمر خطير تكمن فيه أول خطوات دعم الجريمة المنظمة لاختلاق طغيان واستبداد جديد. فمن قبل كانت السلطات البعثفاشية وغيرها تشارك في احتفالات الشيوعيين وتبادلهم التهاني وتواسيهم الأحزان!؟ ولكنها أضمرت غاياتها الفعلية حتى استكملت تحضيراتها لتنقلب لا على الشيوعيين حسب بل انقلبت كذلك على المجتمع والديموقراطية ووضعت الشعب برمته أسير حروبها ونزواتها كما في نهاية سبعينات القرن المنصرم وثمانيناته وتلكم هي الكارثة ونُذُر عواصفها الآتية!!!

ولربما انساق طرف لتبرير ما يسميه التهدئة وممارسة ضبط النفس في التفاعل ولربما قيل إنّ ما يجري ربما كان لعبة سياسية تجره لمعركة خاسرة مثلما تجر المجتمع لموقف يعقبه التنصل من وجود تلك الوقائع مثلا نفي وجود مثل هكذا كتاب رسمي  ووضع القوى وكأنها تتصرف باندفاع وتهور وبلا مسؤولية وبلا معرفة يقينية. فتقع في مصيدة تلك اللعبة السياسية للطعن بمصداقيتها أمام الشعب لحملة تالية لن يقف معها بها أحد..

لكن هذا هو الآخر مردود إذ الموقف الحازم والحاسم يطلب وضوحا من جهة وإجراءات فعلية بكل شفافية وإلا فإن إخفاء الأمور لا يعني سوى حقيقة سير القوى المتحكمة باتجاه وقيعة إجرامية ليست جديدة على الشعب وقواه الحية فما زالت دماء شباط 1963 وحملات مطاردة الشيوعيين والوطنيين جميعا في نهاية السبعينات وحمَّامات الدم في العقود التالية ماثلة وما زال الجرح فاغرا نازفا....

إنّ أخشى ما أخشاه أن تبقى حالات الإرهاب الفكري السياسي والدموي التصفوي مستمرة بذرائع تتوالد بلا نهاية، فيما الرد المؤمل واهيا ضعيفا يعيد فرص لدغة ثالثة ورابعة وخامسة وما لا نهاية من ذات الجحر جحر أفعى الطغيان..

وأخشى ما أخشاه أن تصير محافظات البلاد ميادين حفلات الدم الجديدة بل حتى مخاطر تتهدد الفديرالية في كوردستان وحملات إبادة أخرى بعد أن ينتهي مدبروا مطاردة الشيوعيين من تصفيتهم ومن ثمّ من تصفية الديموقراطية ومؤسساتها التي ما كادت تولد فعليا بعد؛ لينتقلوا لتصفية الفديرالية وربما وجدنا عناصر من جحوش الأمس تنهض مجددا لوأد الاستقرار والسلام ومسيرة الإصلاح ودمقرطة الحياة كوردستانيا!؟

من هنا فإنني أتوقع بيانات منظمات المجتمع المدني والأحزاب والشخصيات  الوطنية والليبرالية وقوى حركة التحرر الكوردية قبل يانات الشيوعي والتيار الديموقراطي اللذين يتعرضان لحملة تتخفى بسكون يسبق العاصفة..

وأدعو هنا فخامة ودولة الرؤساء  المؤتمنين رسميا بصفاتهم الرسمية وبصفة شخصياتهم الوطنية أن يعلنوها صريحة اليوم قبل الغد أنهم اطلعوا على ما دار من وقائع وأنهم اتخذوا كامل الإجراءات المنوطة بهم بالخصوص بكل شفافية ووضوح أمام الشعب بالضد ممن أصدر تلك التعليمات وبأنهم يدرسون الإجراءات لوقف الاعتقالات الكيفية والكشف عمن وقف وراء جرائم الاغتيال التي طاولت الوطنيين الشرفاء بسقف زمني محدد، وليس كما  وعود عرقوب المائة يوم والستة أشهر التي انقضت مرات بلا أدنى إجراء..

إنني أعول على الشخصيات الوطنية المخلصة في قيادات أحزاب الإسلام السياسي وبين جماهيرها لتعي أن الدكتاتورية والطغيان سيطالها هي الأخرى ويضعها في خيمة الجريمة وبالضد من تاريخهم النضالي. وهذا ما سيصفي آخر معاقل الحريات التي تتطلع القوى النزيهة في العملية السياسية لصنعها..

ومن هنا، وفي ضوء كل ما مرّ فإننا لا نرى القضية دفاعا عن الشيوعيين وما تهددهم  بتلك الإجراءات القمعية للآليات البوليس السياسي، بل هي دفاع عن مسيرة العملية السياسية وعن وحدة الشعب وحرية قواه الوطنية ومطالب الإنسان في حياة حرة كريمة في ظل المساواة والعدل وآليات الديموقراطية لا آليات إرهاب الدولة..

إن الدروس والعبر التاريخية  المعاصرة والحديثة تؤكد أن النصر للشعوب وللديموقراطية التي انتفضت شعوب المنطقة جميعا من أجلها وأن حمّامات الدم مهما تضخمت فلن تنتزع إرادة الحياة والعمل من أجل الكرامة والحرية وتلبية حقوق الناس جميعا..

فهل سنجد تفاعلا رسميا؟ أوجه كلمتي هذه إلى مقام الرئاسات الثلاث وإلى رئاسة المخابرات العراقية ووزارة الداخلية والأجهزة والمسؤوليات المعنيةى وإلى القوى الوطنية جميعا طالبا توضيحا وموقفا رسميا باسم الحزب الشيوعي العراقي ومكتبه السياسي وباسم قيادات الحركات الوطنية والديموقراطية  وبالتأكيد باسم القيادة الكوردسستانية لأهمية دورها الوطني فضلا عن دورها في منع مقدمات التعرض للفديرالية، ذلك أن عدم وجود التفاعل يعني مشاركة في جعل الردود سبهلل بما يترك رقاب الناس تحت نير استغلال جديد وسيّاف دموي آخر في بغداد.. بانتظار تفاعلاتكم الرسمية أثق بجميع القوى والشخصيات الوطنية وبأن العراقي البسيط يعي الدرس ويتساءل معي وينتظر إجابات رسمية وها أنا ذا أنقل تساؤلات الناس التي وردتني في رسائلهم وأيضا عبر قراءتي  لنبض الشارع العراقي وجميع أصدقاء العراق من ممثلي شعوب المنطقة والعالم..

سأتحدث عن تغافل أي طرف في بحر الأسبوعين التاليين حيث ربيع الطبيعة وربيع العراقيين وردودهم الفعلية.

آملا للخطاب الرسمي أن يدرك أن المطلب هنا لا يستعديه ولا يتعرض له بسلبية ولا يخوّنه بل يستهدف مشاركة وطنية شعبية أوسع وأشمل في تصحيح مسيرة العملية السياسية معا وسويا للانتهاء من سلبياتها وثغراتها ومن منع انحرافها لاتجاهات الخطر والكارثة..