مداهمة فاشستية لمقر جريدة طريق الشعب!!!

الدلالة ونُذُر الكارثة ومهمات التضامن الوطني والأممي المنتظر

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

بعد تداول مع الزميلات والزملاء في كل من المرصد السومري والبرلمان الثقافي العراقي وجدنا ضرورة وضع قراءة تتناسب ومجريات الحدث التراجيدي الجاري في بلادنا بشأن الحريات والحقوق سواء منها تلك المتعلقة بحريات التعبير في تظاهرات أم المتعلقة  بالخطاب الصحافي والإعلامي الذي بات يتعرض لممارسات لا تكتفي بالتضييق بل تتجه للقمع والمصادرة فيما تتعمق ممارسات التصفية الدموية على مستويات أخرى فضلا عن هجمة خطيرة على مسيرة العملية السياسية ومضامينها سواء تجاه الديموقراطية وآلياتها أم تجاه الفديرالية وتطمين وجودها وحمايته.

ففي متابعة لمسلسل وقائع كارثية نُجابَه بمضايقات مكرورة للأنشطة الاجتماعية الثقافية والسياسية الديموقراطية من مثل مهاجمة مقرات اتحاد الأدباء وجمعيات ثقافية أخرى والبلطجة والاعتداء على القائمين بفعاليات فنية وثقافية وترفيهية في الحياة العامة والتهديدات بل التصفيات لظواهر اجتماعية ومنع حتى لشكل الملبس ولوجود المرأة في ميادين الحياة العامة؛ ومرورا بمحاولات تحجيم التظاهرات السلمية كمنعها في أحياء وضواحي من المدن وقطع الطرقات على أخرى ووضع أسقف عددية للمشاركين في الرئيسة منها فضلا عن الاعتداءات المفتعلة بدفع بلطجية [العكل والتواثي] بالهراوات والخناجر للتجاوز على المتظاهرات والمتظاهرين وطبعا استمرارا لهذه البشاعات بالتصعيد في الاعتقالات وأشكال التعذيب والترهيب وتوقيع العديد من هؤلاء على براءات وتعهدات بالإكراه ولم يكن اغتيال قادة المظاهرات ومنظميها بنهاية للحملة الرسمية الممنهجة.. حيث وصلنا إلى مهاجمة جرت بالأمس لجريدة  طريق الشعب التي عرِفت بتعبيرها عن مطالب الكادحين وفقراء الوطن وفضحها الجريمة المنظمة والاعتداءات على حقوق الناس...

إنّ جملة هذه الأمور ليست سوى غيض من فيض! فالقوى المتحكمة بالسلطة اليوم باتت تتفرد بالحكم وتستعدي بالضد من أي شراكة وطنية وهي التي أعلنت الحصار على جزء مهم من العراق الفديرالي ممثلا بحصار معلن مكشوف ضد إقليم كوردستان وباشرت فعاليات مخابراتية خطيرة في محاولة لاستعادة تفعيل ظاهرة الجحوش وأوهام زعزعة الأوضاع في الإقليم في محاولة لاغتيال السلم الأهلي والاستقرار وسمات التقدم والبناء، فضلا عن إطلاق أبواق طبالي السلاطين بمختلف العصور لتخوين الآخر الديموقراطي في محاولة لإعداد هجمات كارثية تذكّر شعبنا بما جرى في العام 1978 من شروع بتصفية الشيوعيين لتنتقل إلى تصفية كل القوى الوطنية الديموقراطية واسترقاق الشعب وزجه في حروب عبثية صنعت كبرى تراجيديا نهاية القرن الماضي!

إنّنا اليوم لمدعوون لا إلى الاكتفاء بإدانة هذا النهج من الطغيان والدكتاتورية وأعمال القمع والتصفية الدموية وتمزيق النسيج المجتمعي العراقي في اختلاق ممنهج لجرائم الصراع الطائفي عبر الاحتفاظ بميليشيات الحرب الأهلية التي باتت ذراعا خطيرا  لتصفية الخصوم السياسيين وأي صوت من أصوات الدفاع عن الحقوق والحريات العامة والخاصة... فنحن مدعوون لفعاليات كبرى تجمع أوسع حشود القوى الوطنية الديموقراطية..

حيث المطلب الشعبي يحمّل القيادات الديموقراطية مسؤولية  منع الوقوع في فخ حرب أهلية أو تصفية دموية شاملة يجري التحضير لها في ظلال تمكين صقور الأفعال الفاشستية لاحتلال مناصب التفرد بالسلطة وإعلان تخوين الآخر حيث كل من ينتقد [القائد البطل الضرورة] خائن للوطن. فعلى وفق منطق الدكتاتورية هذا، يحل الطاغية محل الوطن والناس ويصير هو المقياس في وطنية الآخر! بخلاف كل منطق للوطنية وللتمسك بمصالح الشعب..

إنّ ثابت القوى الديموقراطية ومقياسه هو مقدار تلبية الحقوق والحريات والاستجابة لمطالب الشعب وكل ماعدا ذلك هو زيف وتضليل وتكرار لجريمة الطغاة. حيث السلطة يأتيها المواطنون على وفق خيارات الشعب تداوليا.. فالسلطة لا يمكن أن تكون حكرا على طرف أو فئة بل السلطة أداة النظام الديموقراطي في مسيرة البناء والاحتكام إلى الدستور والقوانين الدستورية الحقوقية.

من هنا فإننا نرى في جريمة الاعتداء على جريدة طريق الشعب وما رافقه من إجراءات علامة تمثل واقعة يمكن أن تكون القشة التي تقصم ظهر البعير. ولا نرى تفويتها وتمريرها سوى المقدمة للانتقال الأخير لمآرب صقور الدكتاتورية بتضليلية خطابها الزاعم تمسكه الكاذب بالقيم الدينية والمدعي وحدانية تمثيله للدين والله على الأرض!!

إنّ الإدانة العاجلة مطلوبة على أن تغتني بالكشف عن مسيرة التدرج والوقائع المتصلة لفضح الجريمة الحقيقة ومبتغياتها.. على أنّ جملة إجراءات تنتظرنا في وقت لا ترعوي قوى الطغيان ولا تستمع للكلمات والبيانات ومذكرات الاحتجاج الدبلوماسية. ومن هنا وجب علينا مسؤوليات كالآتي:

1.   إعلان وطني يصاغ باسم القوى الديموقراطية وجميع قوى الشعب الحية الممثلة لحركة التحرر الكوردي وللمجموعات القومية والدينية التي تتعرض لعمليات الإبادة من مسيحيين ومندائيين وأزيديين وغيرهم. وربما يأتي هذا بضوء لقاء وطني نوعي متخصص...

2.   تحشيد فعاليات جماهيرية سواء بمؤتمرات شعبية أم بمظاهرات جماهيرية كبرى ضد فعاليات رئاسة تحاول التدرج في مسيرة فرض سلطانها الذي يتفرد بالقرار ولا يكتفي بالإقصاء وبإلغاء الآخر بل يجري في ظلال فعالياته عمليات تصفية دموية بشعة، تتطلب هذا الرد الكبير الشامل...

3.  طلب أعمال التضامن وتوضيح مجريات الأوضاع في العراق الجديد للمستويات الرسمية والشعبية من القوى الإقليمية والدولية المعنية..

4.  إطلاق حملة وطنية للتثقيف بآليات الديموقراطية وآلياتها في حل المشكلات والعمل من أجل وضع إجراءات الفعل الديموقراطي المنتظر موضع التطبيق عبر التحشيد لهذا الهدف ممثلا بالآتي:

أ‌.      بعد فشل الحكومة الحالية وإدارتها والتحكم الفردي التي برزت سافرة اليوم؛ أصبح لابد من الإعداد لانتخابات مبكرة بالعمل من أجل تشريع قانون جديد الانتخابات وسنّ قانون للأحزاب وإصدار قانون مجلس الاتحاد لاستكمال الهيأة التشريعية بدورتها الجديدة بتشكيلها كما ينص الدستور من مجلس النواب ومجلس الاتحاد.. وتهيئة الأجواء، تحديدا منها تشكيل جديد لمفوضية الانتخابات حيث ينبغي أن تستبدل بأخرى تتسم بالنزاهة والثقة...

ب‌.على أن هذا الاتجاه يتطلب بوجه عاجل إنهاء الإدارة المركزية الأمنية الموجودة اليوم. وحصراحتكار السلاح بيد حكومة انتقالية ديموقراطية الطابع والمنهج، تعمل بآليات العقل العلمي [التكنوقراط] على تطهير الجيش والأمن من عناصر الميليشيات التي يجب إنهاؤها وإنهاء حال الاختراقات. مع ضمان وطيد لحقوق حرية التعبير ووقف القمع الأمني والاعتقالات العشوائية وإنهاء عسكرة المجتمع..

ت‌.تحقيق استقلالية [بمصداقية تامة] للقضاء فمن الخطورة بمكان أن نترك المحمكة الاتحادية والقضاء والهيآت المستقلة هي الأخرى خاضعة لمكتب رئيس (مجلس) الوزراء! إلى جانب حصره مسؤوليات أمنية وسيادية أخرى بين يديه!!

ث‌.تفعيل هيأة النزاهة قضائيا إجرائيا بأن تستطيع إصدار قرارات قضائية حاسمة، مع استعانة بجهود دولية مهمة في مكافحة الفساد بأشكاله..

ج‌.  إشراك المنظمات والقوى الدولية المعنية بتحقيق الديموقراطية ومتابعة شؤون حقوق الإنسان والشعوب وإطلاق الدورة الاقتصادية والفعاليات التنموية ومكافحة الفقر المهمة الحقيقة للدولة وليس مهمتها كامنة فيما تفتعله من أعمال قمعية تعيد دورة الطغيان وفعاليات الدكتاتورية...

 

إنّ الأمر الأكيد في ممارسات شعبية وطنية ديموقراطية لا تعني استعداء بين أطراف العملية السياسية بل تعني دعوة أكيدة لمزيد من التفاعل والوحدة والشراكة في إعادة إعمار البلاد الواقعة في مخلفات خراب ودمار شاملين.. وتلكم مهمة وطنية لا يمكن لطرف الانفراد بها. ويعني أيضا أنه ليس من استهداف لجمهور أحزاب التيار الحاكم اليوم بل دعوة لهم كي يكونوا على بيّنة مما يجري من محاولات تصفية الآخر قمعيا دمويا وهو ما لاتقبله مبادئهم الإنسانية وترفضه خبراتهم يوم كانوا ضحايا نظم الطغيان ويعرفون درس الطاغية الذي بدأ بتصفية الشيوعيين في سبعينات القرن المنصرم ولكنه لم يتوقف عندهم بل ذهب لعمليات تصفية دموية لجموع فئات الشعب العراقي وأطيافه..

فهل ننتظر أن يتكرر الفخ؟ هل ننتظر أن يتحول الفخ إلى كارثة  تصفوية دموية جديدة؟ إنّ تجيير مؤسسات الدولة لخدمة الغنيمة الحزبية التي تضع لقمة اليوم بفم بعضهم لن تدوم؛ وها هو الأمر يتكرر في لعبة التقارير الأمنية [تقارير البوليس السياسي] ومطاردة الشرفاء لمجرد أنشطتهم السلمية الديموقراطية التي لا تستهدف أكثر من التقدم ببرامج تطهير مسيرة العملية السياسية وتعزيز فرص تلبية مطالب الشعب الذي باتت فئات واسعة تنضاف لقوائم الفقر المدقع في أوساطه.

 

إننا مدعوون جميعا للبحث في آليات وقف التداعيات ورفض خطاب التهدئة المفروض على القوى الديموقراطية كرها وإلا جرى اتهامها  سياسيا بما يوقعها بمحاكمة ظالمة ليس فيها من صوت إلا لقوى التضليل والجهل ومعاداة حقوق الناس من صقور الجريمة التي تسللت إلى مؤسسات الدولة...

ومن هنا فقد دعونا في هذين الأسبوعين لتظاهرات تنطلق في وسط جالياتنا في المهجر في ظروف القمع في داخل الوطن تضامنا مع شعبنا وضد ما جرى مع جريدة طريق الشعب والشيوعيين وعديد من الوطنيين الديموقراطيين. ونتطلع لجمع كل القوى والأطياف لهذه المهمة فضلا عن مشاركة أصدقاء الشعب العراقي وقواه الديموقراطية من ممثلي جاليات شرق أوسطية ومن أبناء دول المهجر ومنظماته المعنية إلى جانب المنظمات الدولية الأخرى..

وستكون مذكراتنا بمختلف اللغات فرصة للتفاعل مع القوى الحية الباحثة عن تطمين عراق جديد هو عراق الديموقراطية والفديرالية عراق المساواة والعدل والتداولية ودولة المؤسسات التي تحترم الدستور والقوانين وتطويرها بما يؤكد كون الدولة ومؤسساتها في خدمة الشعب ولا ثابت فيها سوى الشعب العراقي ومصالحه وحقوقه ومطالبه.. ولا يعلو فيها اسم شخص أو طرف حيث الميزان بين الجميع يحتفظ بالحقوق تامة كاملة ناضجة بحكمة العقل الوطني العلمي العراقي...