البيئة في كوردستان الجديدة

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

قبل عقود عانت البيئة في كوردستان ما عاناه شعبها. فلقد طاولت محارق الدكتاتورية وحروبها العبثية بخاصة منها حالات استخدام المواد الكيمياوية السامة التي أتت على الضرع والزرع. وكان لتلك الجرائم آثارها المدمرة من جهة لا إزالة آلاف الدونمات وأكثر من الغابات وإنما  إحالة تلك المناطق إلى بؤر مهجورة وغير ممكن العيش فيها فضلا عن جعلها غير قابلة لاستنبات زراعي جديد.. وأبعد من ذلك غيّرت تلك الفعاليات الكارثية من طبيعة البيئة  حتى كادت أصناف بعينها من الطيور ومن الحيوانات البرية أن تنقرض مثلما هجرها الإنسان للمخاطر التي حاقت به..

إنّ كثيرا من التفاصيل يمكن تسجيلها هنا وصفا لما أتت به فعاليات الأسلحة الحارقة السامة وميادين شاسعة باتت مزروعة بالألغام بدل شجيرات الزهور وسنديانات الخير.. فيما يزيد الطين بلة حالات الجفاف التي اصطنعتها فضلا عن متغيرات بيئية أعمال بعينها من دول جوار  تبني السدود من دون دراسات منصفة للحصص المائية ولأمور عديدة أخرى.. ومن جهة أخرى هناك حالات الصيد الجائر وقطع الأشجار بطريقة غير مدروسة أحيانا.. فضلا عن الإمكانات الضعيفة التي لا يمكنها أن تغطي الخراب الذي خلفته حروب الطاغية بلا تعويضات..

ومن جهة مساهمة الحكومة الاتحادية الواجبة لتعويض الضحايا من البشر ينبغي أن تحسم وتكون شاملة لقضايا منها إزالة مخلفات همجية ضارت البيئة بعنف وقسوة حتى أبادت كل شكل للحياة في بعض مناطقها. ولابد هنا من موقف جدي مسؤول على المستوى الوطني العراقي والاستجابة لمطالب معالجة تلك الآثار وإعادة إحياء الأرض المحروقة والعمل على استعادة التوازن البيئي الطبيعي...

على أننا في سبيل العلاج الشامل ينبغي القول إن البداية المنتظرة تأتي من تشريعات متكاملة يسنها برلمان كوردستان وتضع مفرداتها الإجرائية حكومة الإقليم مع إدخال أسقف مالية تساهم بها الحكومة الاتحادية ببغداد تعويضا لزمن الحروب التي فُرِضت على كوردستان وشعبها..

أما تفصيليا فينتظر تشكيل منظمات بيئية تعنى بمختلف أشكال الحياة وتنوعات الطبيعة الكوردستانية ضمانا لفضاءات أنظف وأبعد عن التلوث وتطمينا لحياة الأجيال الحاضرة والمستقبلية.. وسيتضمن الأمر مد شبكة المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الحكومية المختصة تلك لعلاقات واسعة مع المنظمات والمؤسسات النظيرة إقليميا ودوليا بغية الاستفادة من الخبرات والطاقات المؤمل مساهمتها في الجهود البنائية..

على أنّ ذلك قد يحتاج لمؤتمرات تنعقد لوضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى والأخرى التي تترسم بمفردات مباشرة للتنفيذ تساهم بها الجامعات ومراكز الدراسات التي تبقى هي الأخرى بحاجة لأمرين هما: توجيه الأنظار لدراسات تخصصية في مجال البيئة الكوردستانية وأرصدة مالية ومادية ملموسة محليا ومنافذ لتوظيف طاقات عالمية عريقة في المجال...

بينما ستكون مهام التشجير المحلية في المدن وبينها والقرى والنجوع قضية أبعد من تجميلية فهي المنطلق التأسيسي المنتظر لإحياء الغابات والمناطق البرية الطبيعية التي تبقى بحاجة لحملات متكررة ربما سنويا وربما بين مدة وأخرى على مدى خطط تستمر لعقود... على أن يجري بالمقابل رعاية الثروة الحيوانية وإيجاد فرص دراسات تختص ببرمجة مناسبة للأمر.. ولربما استطعنا بهذا أن نوقف احتمالات الانقراض لبعض الكائنات الأمر الذي أثار وجوده خللا في التوازن البيئي..

ولغرض تحقيق مزيد من التصور عن هذا الموضوع ربما لخصنا مستهدفات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بيئيا في الآتي:

01.  المهمة الرئيسة ستكمن في حماية البيئة وتحقيق التوازن الطبيعي، عبر جهود التشجير وإحياء الغابات، ومنع ما يقع من اتلاف عبثي لمصادر الغابات كحال قطع الأشجار غير المدروس..

02.   وضع الخطط الحيوية الاستراتيجية لحماية مصادر المياه  والعمل على تطوير أشكال العناية بهذا المجال مثل قضية استهلاكها وقضية إهدار أمواه كثيرة من دون العناية بها كما مثال مياه الأمطار. التي تتطلب بناء السدود والصهاريج والخزانات والاستثمار الرشيد المؤمل...

03.   الاتساع بالتثقيف ونشر الوعي البيئي بمبادرات رسمية وأدوار لأقسام التخصص في الجامعات ومراكز البحث إلى جانب الجمعيات البيئية المعنية.. ومن بين ما تشمله حملات التوعية أمورا من مثل الحفاظ على الطبيعة وعناصرها الجامدة والحية؛ ونظافة محيطنا وفضاءاتنا وإبعادها عن أية ملوثات ومخاطر.

04.   إيجاد سبل التعاون المحلي والإقليمي والدولي الحكومي وغير الحكومي بخطط تتناسب وجدية تحقيق رعاية البيئة وإعادة إحياء المخرب منها.

05.  إيجاد إبداعات في أشكال العمل من مثل استثمار آلاف العائدين من البلدان الأوروبية بغاية إعلاء مهام ومسؤولية المواطن وشعوره بواجبه تجاه بيئته؛ فضلا عن أية صيغ تشجيعية دورية مثل استحداث جوائز لأنظف الأحياء والأماكن وما شابه وتسليط الضوء على الأسوا والأفضل بيئيا بشكل دوري في الفضائيات وأجهزة الإعلام والرقابة المتخصصة.

06.  إنّ خلق حياة مستقرة وصحية لهذا الجيل وللأجيال القابلة لا يمكن بلا بيئة صحية الأمر الذي يتطلب ربط تطوير البيئة بالتنمية الاقتصادية الشاملة بأسس موضوعية ملائمة..

07.  توفير داتا معلوماتية بين أيدي المواطنين باستمرار بشكل شهري وفصلي وسنوي يساعدهم على تفعيل أدوارهم في العمل البيئي..

08.  تأسيس مؤتمر كوردستاني ينعقد دوريا ويتطابع الخطط وما تم تنفيذه منها في ضوء ما يرده من ملتقيات وأنشطة تخصصة أكاديمية علمية أو ثقافية أو جهود فعل وإدامة بيئية..

09.  مراجعة القوانين التي تمّ تشريعها بشأن البيئة وكذلك فتح بوابة حوار مع الحكومة الاتحادية ببغداد بغرض وضع بند للصرف على تعويضات إزالة آثار الحروب العبثية للنظام السابق.

10.  إطلاق التسهيلات لكل المشروعات التي تتضمن رعاية للبيئة مع تشديد الشروط على تلك التي تضر بالبيئة والعمل على وقفها أو إبعادها عن مناطق التأثير المباشر وغيجاد الحلول لمشكلات فضلات المعامل وغيرها بطريقة علمية مدروسة.

11.  البحث في جلب كل الوسائل التكنولوجية الممكن توظيفها في إطار رعاية جدية مسؤولة لطبيعة كوردستان وعناصرها الحية، وصرف المخصصات الكافية لعمليات التحديث مع التنبه على احتمالات أضرارها...

 

إنّ وجودنا الطبيعي واحد بكليته ومشمولاته وجميع عناصره الحية والجامدة تترابط مع بعضها البعض ولا يوجد حيويا بينها أية فواصل، ومن هنا كان علينا ألا نهمل عنصرا أو آخر وبخاصة هنا بيئتنا التي نحيا فيها اليوم واية حالات مرضية للبيئة تعني حالات مرض للإنسان وتهديد له في وجوده..

ومن هنا جاءت دعوتنا هذه لمعالجة هذه الإشكالية بجدية وباستباق لزمن لا يمكننا بعده أن نمضي إلى أمام.. هذا فضلا عن أننا نتحمل مسؤولية مع العالم المتحضر في حماية كوكبنا وبيئته بمنع إزالة رئة كوننا أي الغابات الكبرى  وضرورة الاتساع بها بنسبة الزيادة السكانية ذاتها..

على أن من مهامنا التي تقع في مجال البيئة وإشكالياتها  مهمة التلوث ومواصلة التخريب عبره وبوساطته.. فضلا عن المجاعة والفقر وما يرافقهما من توجه الإنسان لحياته الفردية المستحقة على حساب مقاصد بيئية معروفة.. على أن أمر معالجة الفقر والمجاعة هو ذاته قصد مباشر لإنقاذ الإنسان من براثن الموت والمرض وانعكاساتها وربما باتت ظاهرة الفقر كوردستانيا ضئيلة لكننا بحاجة للاهتمام بالأماكن الضعيفة بخاصة هنا القرى وظروفها لإنهاء أي شكل من البقايا التي تؤثر سلبا على الإنسان والطبيعة...

ولابد للنهوض الشامل والجذري في معالجاتنا من إطلاق استثمارات محلية وعالمية في مجال بيئتنا. واستقدام شركات كبرى مثلما نأتي بها لاستثمارات الثروات الطبيعية كالنفط نأتي بها لاستثمارات بيئية حيوية نحددها ومعالم الطريق إليها بتشريعات واسقف معلومة.

إنّ حماية الطبيعة من غابات وما فيها من الحيوانات والنباتات المهددة بالإنقراض،ربما يحتاج لعدها محميات طبيعية واجبة وملزمة في رعايتها. وسيكون لاستخدامات ما هو صديق البيئة أمر مهم منتظر..

ولعل الاهتمام بالبيئة لا يمكنه في الخلاصة أن يكون أولوية إلا في مجتمع مستقر يحترم مؤسساته وقوانينه وتسوده مفاهيم الديمقراطية والتنمية التعايش السلمي بين مكوناته، مع إعلاء لقيم التسامح والسلام والإخاء والمساواة وإحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.  وتلكم عناصر تترسخ يوما فآخر في المجتمع الكوردستاني بما يفتح آمال واسعة للتوجه إلى حيث الاهتمام بالبناء الشامل المتسق في كوردستان الجديدة. وبما يمكن شعب كوردستان من عناية كبيرة الأثر والنتيجة بالطبيعة في كوردستان الجبال الشماء والفضاءات النقية الصحية.