اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، نضالات مهنية وأخرى وطنية بهية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

منذ مؤتمر السباع الخالد في العام 1948 دأب اتحاد الطلبة العام على تعزيز تنظيم الطلبة بغية الدفاع عن مصالحهم والعمل على فرض مطالبهم بوصفها الحقوق المكفولة في القوانين الأممية والتي يجب كفالتها وطنيا في البلاد. وكان لنضالاته المهنية أثرها البالغ في تلبية تلك الحقوق وفرضها على تلك الإدارات التي انساقت وراء سياسات أنظمة مختلفة لكنها الأنظمة التي اتفقت على الشراكة في جوهرها بجورها وقمعها لكل تنوير فكري ولكل حق من حقوق بنات الشعب وأبنائه بخاصة هنا من الطلبة...

لقد جاءت ولادة اتحاد الطلبة العام في ذاك الوقت المبكر من تاريخ أجهزة التعليم من مدارس وجامعات في العراق دلالة على وعي هذا القطاع العريض في بنية المجتمع وعلى إدارك الطلبة لأدوارهم لا مهنيا بما يخص شؤونهم وقضاياهم وحقوقهم حسب بل وما يخص المستويات والقضايا الوطنية العامة. ومن هنا  كان التلاحم في ولادة الاتحاد مع الطبقات الشعبية والقوى الديموقراطية التي حرست مؤتمر السباع لحظات انعقاده وقدمت له كل الدعم ليرقى إلى مستوى الحدث وقوة الانطلاقة. ومن الطبيعي أن تنطلق التظاهرات الشعبية العارمة التي طالبت بالتغيير من أجل الحياة الديموقراطية من المدارس والجامعات بوعي ملموس لمهامهم في المشاركة الجدية الفاعلة مع فئات الشعب كافة...

وعليه فإن السجل التاريخي الفعلي يوثق بروز اتحاد الطلبة قوة قادت طلبة العراق طوال العقود الستة والنيف من السنوات الشداد بدلالة فوز اتحاد الطلبة العام المتكرر طوال تلك العقود بثقة طلبة البلاد.. حيث بقي الممثل الأول والأوسع والأشمل لطلبتنا منذ العهد الملكي ومرورا بالعهود الجمهورية المتعاقبة حتى يومنا.. وعلى الرغم من الضربات العنيفة والتضحيات الجسام وبروز شهداء الاتحاد من مثل "الآلوسي والحجاج" وكل قافلة الشهداء وقوائمهم التي طاولت مئات، فإن الاتحاد ظل الأعلى صوتا ومكانة بين صفوف الطلبة..

وفي أعتى طغيان ودكتاتورية في ظل البعثفاشية خضنا في إطار اتحاد الطلبة العام في سبعينات القرن المنصرم نضالا عنيدا وفزنا في انتخابات الطلبة التي أرادوا لها أن تكون لمصلحة منظمة طالبية جاءت بحراب الدم وبالقسر والتبعية للأجهزة الأمنية [القمعية].. وما فاز لاحقا من تنظيمات إلا بلعبة التزكية وبلعبة منع اتحاد الطلبة العام من المشاركة وربما اليوم يجري ما يشبه بعض ممارسات الأمس السلبية كما بمحاولات تمزيق وحدة الطلبة واستيلاد جمعيات واتحادات بطريقة  أثبتت التجربة النضالية ضررها الخطير على مصير الطلبة عامة..

وخلا ذاك، فإن المجريات اليوم تتأسس على ألاعيب تضليل ومحاولات ابتلاع الطلبة وابتزازهم في خياراتهم بالتعتيم على اسم اتحاد الطلبة العام وبالتهديد والوعيد لمن ينتسب إليه وبمحاولة محاصرته بشتى الأفاعيل والممارسات وعلى رأسها عمليات البلطجة... ولعل ما تثيره التحضيرات لكل مؤتمر يجريه اتحاد الطلبة العام يلاقي من تلك الجهات عسفا وتوهما بأن عمليات المطاردة والمحاصرة ستنهي اتحادا جذوره بجذور الحركة الطالبية وتاريخها العريق..

إن أي طرف يريد توثيق حركة الطلبة لا يمكنه إلا أن يسجلها عبر ممر وحيد هو ممر اتحاد الطلبة العام يوم لم يكن غيره قوة معبرة عن تطلعات طلبتنا.. وعندما عملت قوى سياسية معادية لتطلعات الشعب على أفاعيل التضليل عمدت لتأسيس تجمعات حاولت شق الحركة ووحدتها وحاولت شن حرب على تمثيل الطلبة العراقيين في اتحاد الطلاب العالمي ففشلت.. وها هو اليوم اتحاد الطلبة العام يواصل تمثيل طلبة العراق عالميا كما كان دائما...

إن الاحتفال بانطلاقة أول اتحاد لطلبة العراق وأسماهم التصاقا بمطالب الطلبة وأعلاهم مصداقية في التعبير عنهم والدفاع عن حقوقهم وفي إدراك وسائل العمل الأنضج، هو احتفال أبعد من حدود الطلبة؛ إنه احتفال وطني مشهود لابد أن يكون بمستوى الحدث  في التاريخ الوطني العراقي. ومن هنا فإن التحية للزميلات والزملاء أعضاء اتحاد الطلبة العام وسكرتارية الاتحاد هي تحية الشعب لاتحاد أثبت حرصه على الارتقاء بمستوى التعليم وبمنجزه العلمي وبربطه بمصالح البناء والتقدم في الوطن وبمشاركة القوى الشعبية مسيرتها الظافرة من أجل السلام والديموقراطية ..

ولطالما ربط اتحاد الطلبة العام ديموقراطية التعليم بالديموقراطية نظاما للوطن والناس ولمؤسسات البلاد كافة ولسلوك المجتمع ومساره المعاصر برمته.. ولطالما شارك في تقديم الدراسات والبحوث والبرامج لا المهنية الطالبية حسب بل الوطنية الديموقراطية التي تمس حيوات بنات الشعب وأبنائه كافة.. وإنه ليشرفنا أن نكون شخصيا قد ساهمنا  بجهدنا المتواضع في بحر المسيرة المعظم بحر المنجز وسفينة طلبتنا إلى مستقبلهم وغدهم الأفضل والأجمل.. وليهمنا أن نؤكد اليوم حرصنا على احترام جهود طلبتنا اليوم وعلى تقديم الامتنان لتضحياتهم وبطولاتهم في ظروف معقدة عتية تمر بها البلاد.. وإننا  سنبقى الأوفياء على تلبية مطالبهم ووضعهم في المكان الأنسب على مستوى العمل العام في المدارس والجامعات والاشتراك في رسم الخطط والبرامج لإدارة تلك المؤسسات التعليمية من جهة وهو ما نحرص على فعله وممارسته في نطاق جامعة ابن رشد التي نشارك برئاستها ليكون ذلك أنموذجا لكل الجامعات ومؤسسات التعليم..

أما وطنيا وأما أمميا وفي مسيرة اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية فسنبقى الحريصين على دعم أنشطته المهنية والوطنية وسنكون السند المكين ليواصل تلك الأنشطة ومنها توجهه اليوم لعقد مؤتمره الجديد..

نبارك لاتحاد الطلبة العام عيده الرابع والستين ونحن نثق بأن هذا العيد هو عيد طلبة العراق حميعا لأنه عيد التأسيس لأول منظمة لهم ولممثلهم الدائم في اتحاد الطلاب العالمي وجسرهم للعلاقات الأممية وهو عيد الاحتفال بالانتصارات على مر تاريخ حركة طلبة العراق وحركته الوطنية الديموقراطية.. إن الطلبة مدعوون اليوم لأوسع مشاركة في تلك الاحتفالات ولأعمق تلاحم من أجل وحدتهم في اتحادهم العتيد ذي الخبرة العريقة.. وسيكون البحث مع اتحاد الطلبة في وسائل تلبية تلك الوحدة الأمر السبق والأنضج لأي تجمع يضم مجموعة من طلبتنا لمنظمتهم الأم.. وإنني أدعو الجميع اليوم لعقد صلات ملموسة للمشاركة في مؤتمر اتحاد الطلبة العام من أجل الانضمام للمنظمة التي اختارها طلبتنا لتمثيلهم وطنيا وأمميا.. ولربما لعقد مؤتمر يسمى مؤتمر الوحدة وانتخاب سكرتارية في ضوء هذا التوجه.. طبعا مع الاحتفاظ باستقلالية اتحاد الطلبة العام وابتعاده عن اية تبعية مؤدلجة أو مسيسة حزبيا وبقائئه باستقلاليته مرتبطا بالعمق الوطني الديموقراطي لوجوده ووجود طلبتنا في مجتمع عراقي مدني ينتمي لعصر التنوير والعلوم ومفردات التقدم ونهجه.

وليبقى اتحاد الطلبة العام واحدا من بشائر الخير ومن نسمات الوطن والناس حيث فلذات الأكباد يمارسون اسمى المهام وأكثرها نضجا ووعيا في مدرسة وطنية مشهودة ليست غير اتحاد الطلبة العام... ومبارك العيد وإلى انتصارات وطيدة من عقد المؤتمر وحتى تحقيق وحدة حركة الطلبة في إطاره وتلبية مطالب مهنية وديموقراطية وطنية بفضل تضحياته الغالية العزيزة.. باقات من ورود الرازقي الحمراء بأنسام أهوارنا والبوادي والوادي والجبل لكم وكل عام وأنتم بخير.