في يوم الصحافة الكوردستانية الرابع عشر بعد المائة: شموس جديدة تشرق ومدارس غنية تساهم في بناء كوردستان الجديدة

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

في 22 نيسان 1898 كانت انطلاقة مدرسة صحافية كوردستانية وسطوع شمس جديدة لها. ومنذ تلك الولادة المهمة كان للصوت الكوردي عشرات من الإشراقات المهمة التي وضعت لبنات مسيرة غنية بإبداعات الفكر والسياسة وقضايا المجتمع وخطاباته المتنوعة. ولطالما كان لتلك المسيرة من علامات مميزة تفاعلت مع المحيط إيجابا مانحة عطاء تخصصيا لتغني وتغتني عبر جدية في العطاء وإدراك معرفي تخصصي لما أنتجته قريحة الصحافيين الكوردستانيين سواء كان ذلك في كوردستان أم حيثما أطلقوا جهودهم المستقلة بصحف وجرائد مخصوصة أو بجهودهم التي شاركت بالعمل في أطر صحافية أخرى..

ولعلنا اليوم نشاهد صفحة حيوية من العطاء الممتد الجذور في هذا المنجز الذي جاوز عمره القرن بعقد ونصف العقد من السنوات؛ الأمر الذي يمنحنا الثقة بأن ورثة هذه المسيرة يعرفون أهمية أن تكون لبنة اليوم بمستوى ما وصل إليه منجز الأسلاف الكورد.. أي أن تكون مواصلة المشوار من حيث انتهت إليه مراتب العمل الصحافي المكين كوردستانيا.. وفي ضوء ذلك نجد تلك الأصوات الطيبة التي تتحدث عن قراءة المشهد ليس حصرا بكوردستان بل بمساهمات الصحافي الكوردي في مختلف توزيعات جغرافيا انتشار الكورد وأدوارهم الفاعلة..

ففي بغداد بعد أن كانت للصحافة الكوردية وللعمل الإذاعي والتلفازي حجمه ولو بحدود معروفة الشروط والحدود، نجدها في بغداد ما بعد 2003 تكبو لظروف إهمال دائرة الثقافة الكوردية في وزارة الثقافة الاتحادية ليقع حيف قاس على صحافيي بغداد من الكورد وهم أكثر بكثير من عشرات منهم ممن تضمهم نقابة صحافيي كوردستان ببغداد.. وهذا يدعونا ليس للتساؤل والتوقف عنده ولكن للتوكيد على أن المهمة الرئيسة المنتظرة تكمن في واجب تنظيم فعاليات اليوم تتناسب والضغط المؤمل لإعلاء الصوت الكوردستاني واستعادة حجم وجود ناشطيه ومنتجيه من جهة وحجم وجود قرائه من ملايين البغداديين وملايين أخرى في ميادين العراق الفديرالي...

أما في إقليم كوردستان الفديرالي فإن دور الصحافة بات يتسامى ليشكل ظاهرة حضارية لمجتمع مدني جديد يعلو بمهام بنيوية في وجود مؤسساتي رصين.. فهناك التنوع الصحافي بدءا من سقف الدوريات العلمية للجامعات ولمراكز البحث العلمي ومرورا بتلك الدوريات التخصصية في قطاعات الإنتاج وبنية المجتمع وأنشطته الاقتصا اجتماعية وحتى الصحافة اليومية السياسية والعامة المنوعة والمجلات الفنية وغيرها فضلا عن الصحافة الحزبية الكوردستانية. وعمق المدى المخصوص لهذا التنوع يعني عمق الغنى الثقافي الفكري وثرائه بمستوى ما للصحافة في عصرنا ويومنا من تطور لا يكتفي بتوظيف تقني للتكنولوجيا والأنترنت ولكنه يدخل التكنولوجيا بنيويا في جديد شموس الصحافة الكوردستانية..

على أننا في وقت نذكر بعض هفوات وتجاوزات تحصل في مجابهة الأعمال اليومية للصحافي، نذكّر بأن ذلكم جزء من واقع مهنة المتاعب وأوصاب يومه ليس في كوردستان حسب بل في مختلف بقاع العالم.. بل وفي نظرة قريبة تجاه العراق الفديرالي فإن سلامة الصحافي في كوردستان مكفولة قانونا مثلما مكفول لجهوده الأمان والرعاية التي لا تقتصر على حدود علاقته بالمؤسسات الأخرى وحدود حرياته بل وتلك الرعاية التي فتحت آفاق الدرس التخصصي من دورات تطوير ومن مدارس تخصصية ومن أقسام علمية متخصصة في الجامعات.. وفي ذات الوقت تنهض النقابة الكوردستانية للصحافة بمهام الدفاع عن أعضائها وبالعمل الدائب على تلبية الحاجات والمطالب وهي قضية حيوية ومهمة في معاني عصرنة العمل وحجم الدور وطبيعة التفاعلات...

غير أن الصحافة المعاصرة ما عادت عالميا أمميا تنتظر مفاهيم الرعاية البطرياركية ولا تتحدث عن عطايا ولكنها باتت مؤسسة للفعل والإنتاج وهو ما تمتاح منه مفاهيمها الصحافة الكوردستانية لكي تشكل وجودا مستقلا فاعلا لسلطة تستكمل مسيرة دمقرطة الحياة وإنضاج كامل البنية المؤسساتية للمجتمع الكوردستاني وآفاق تقدمه نحو استكمال حقوقه في تقرير المصير ميدانيا بالملموس.. وذلكم هو الدرس المكين لمستوى النضج في مسار صحافة كوردستانية مميزة في عطائها وفي حداثة أنشطتها ارتقاء بلبنات البناء الجديدة..

من جهة أخرى يمكننا البحث بموضوعية بتلك الأدوار الفاعلة للصحافة القومية على مستوى كوردستان من جهة وعلى مستوى الأداء الفعلي وحجم الانتشار، بالإشارة هنا إلى الصحافة الحزبية التي تتصدر مشهدا صحافيا معطاء في كوردستان.. ويجري التفاعل مع هذه الصحافة من مسارات عديدة أولها أنها المدرسة الصحافية تقنيا مهنيا لحجم الإمكانات المتاحة بين يدي صحافيي هذه المدرسة (مدرسة الصحافة الحزبية) ولحجم الصلاحيات المتاحة في التعبير والإنتاج بمسيرة العمل اليومي.. وليس آخر تلك المسارات مقدار دعمها التجربة الصحافية في كوردستان سواء بالإقليم الفديرالي أم في أجزاء كوردستان الأخرى ومحيطها الإقليمي..

إن التفاعلات الجارية إيجابا بين قطاعات العمل الصحافي المستقل والحزبي والتعرف لمقدار المسؤولية التي تقع على الصحافي ودوره في بناء أسس الديموقراطية ومسيرتها وبناء مؤسسات دولة مدنية ومهام التنوير الفكري السياسي والتعبير عن الصوت الكوردستاني المجتمعي بطريقة بنائية موضوعية هو ما نهتم به نحن من أبناء القوميات الأخرى ونحن نرصد تلك التجربة الثرة الغنية.. ولأصدقاء الكورد أن يؤكدوا على ضرورة تجنب تلك الاحتدامات الراديكالية غير الموضوعية التي تضخِّم من الثغرات وربما تفتعل مشكلات تراكم فوق أخرى لدواعي التصيد في الماء العكر فتضع العمل الصحافي في موضع التعبير عن صراعات سلبية ضيقة وهو ما يلزم الوعي به لتجنبه ولإزاحة آثاره السلبية عن المشهد المشرق للتجربة الصحافية الكوردستانية.. ومن أجل مزيد من الدور البناء في إعلاء صوت التجربة الديموقراطية بكوردستان عبر التوكيد على التنوير والتوعية وعلى إعلاء المفاهيم البنائية للعمل المؤسساتي  بكوردستان وهو سبيل التقدم الفعلي...

إننا ندرك حجم ما يجابه الصحافي من مهام وننتظر أن يتحقق له المزيد وهو ما سيأتي بفضل وعيه وصلابة موقفه الإيجابي البناء وليس عبر الانخراط بسلبيات التضخيم من جهة وبتفاعلات سلبية بمقابل ما ينتظر من تقدم على صعيد الحريات والحقوق في ممارسة المهنة بأنضج ظروفها ومحدداتها.. وبهذه المناسبة نرسل تهنئة من القلب من أصدقاء الكورد لكل صحافية وصحافي كوردستاني بعيدهم الأغر وبشموس منجزاتهم بعشرات من الصحف والجرائد والمجلات وعشرات متنوع عطائها وموضوعاتها حيث ينعمون بظروف عمل باتت جزءا من عصر  صحافة أعلى وسائل التكنولوجيا وأعلى أدوار العمل الرديف للسلطات التي تنبني بها الأمم ودولها الحديثة.. وإلى احتفاليات وأعياد جديدة تتحول إلى أعياد جماهيرية يؤمها ملايين من المتابعين؛ نحلم معكم بأن يكون عيد الصحافة الكوردستانية عيدا قوميا وشعبيا بارزا وواسعا تطرزه كرنفالات فرح وتفاعلات أداء ممنهج بغني البرامج.. وكل عام وأنتم بخير.