كركوك مدينة التنوع القومي
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12 \ 31

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

تكتسي مدينة كركوك وضعية خاصة سواء من جهة التركيب القومي أم من جهة المراحل التاريخية التي مرّت بها. فمن جهة التركيب القومي نجد المدينة تكاد تتفرد من بين المدن العراقية بهذا التناسب شبه المتعادل سكانيا من أكراد وتركمان ثم العرب.. وبقراءة التاريخ الحديث للمدينة سنجد تسجيل إحصاء خمسينات القرن الماضي الأغلبية الكردية الأكيدة.. وهو الإحصاء الذي تعوّل أغلب قرارات الدولة العراقية عليه في اتخاذ قرارات الملكية والمرجعيات واستبيان التوزيع الديموغرافي للسكان...

ولأنَّ المدينة تعرّضت لعدد من الحملات المقصودة بخاصة محاولات التعريب وتغيير التركيب السكاني, بالتحديد في العقود الثلاثة الأخيرة فإنَّ حقيقة التكوين وقراءته ينبغي ألا يتمَّ في ضوء عمليات التأثير السلبي المقصودة وهي عمليات استهدفت استبعاد الحقائق التاريخية منها بالتحديد إلغاء الأغلبية الكردية..

لكنَّ حلَّ إشكالية (وليست مشكلة) مدينة كركوك يلزم أنْ يأخذ بنظر الاعتبار السكان الذين عاشوا فيها منذ آخر أربعة عقود فبالحساب العمري للإنسان العراقي الذي نجد أنَّ معدل العمر فيه حاليا هو (35) سنة؛ بمعنى آخر أنَّ بعض السكان قد قضوا أكثر أعمارهم هنا في المدينة وليس من المنطقي في وطن واحد أنْ نبحث في ترحيلهم بالطريقة نفسها التي جيئ بهم إلى هنا وهي طريقة الإكراه وإلغاء استشارة الناس في ما يريدون..

كما أنَّ من الصحيح تخيير السكان بين البقاء والرحيل من جهة وتخييرهم من جهة أخرى البقاء في السكن نفسه أو القبول بتعويض مناسب للرحيل إلى سكن آخر سواء داخل المدينة أم خارجها.. لأنَّ إعادة المهجّرين إليها بالقسر وبالقوة سيكون له مردودات غير إيجابية بالمرّة..

إنَّ كون المدينة كردستانية أمر طبيعي مقبول منطقا وحسب القراءات التاريخية والإحصاءات المعروفة. ولكنَّ ضمّها اليوم إلى إقليم كردستان من دون العودة إلى تصويت أبناء المدينة أمر يشكل استعجالا في القرار قد لا تكون نتائجه  إيجابية محمودة .. إذ أنَّ الوجود القومي المتعدد ينبغي أنْ يُحتَرَم وأنْ يُحترم الخيار الذي ترتئيه مختلف مكوِّنات المدينة ..

وهذا لن يتعارض مع مبدئية قيام الفدرالية لإقليم كردستان بحدوده المعروفة مع مناقشة مسائل انضمام مدن جديدة أخرى بحسب الإحصاء السكاني مع الالتزام المبدئي باحترام الاختياؤ بين إلحاق المدينة المعنية بكردستان الفدرالية أو بقائها خارج إطار الحدود الإدارية لكردستان الفدرالية..

بمعنى إخضاع كلّ مسألة للمناقشة والحوار واحترام خيارات أبناء تلك المدن والعمل على إقناعهم بالخيارات المنشودة من كلّ فئة وتصوراتها بالطرق الموضوعية الصحيحة.. إنَّنا اليوم أمام معضلة تكون فيها حتى مسألة الفديرالية خاضعة للتجاذبات والمناقشة ونحتاج لعملية إقناع جدية وبروح مسؤول وبتحمّل لثقل المهمة وصبر وتأنِ ِ تجاه مختلف التصورات المقدَّمة..

وفي الوقت الذي تحاول فيه النخب المثقفة التعاطي مع أفضل الحلول وتعمل على جذب أوسع القطاعات التصويتية إلى خيار الفديرالية فإنَّه ليس من الصحيح التعاطي مع أبعد الحلول وأكثرها تطرفا بالقياس إلى رؤى الآخر وعلينا البحث عن حلول وسطية بين جميع الأطراف بما يجعلها حلولا موضوعية مقبولة من الجميع ويساهم في التعاطي معها على أقل تقدير أغلب القوى والأطراف إنْ لم نقل جميعها..

ولأنَّ المدينة تغلي اليوم في مناقشة الخيارات فإنَّ الصحيح هو الدعوة إلأى طمأنة جميع الأطراف إلى أنَّه لا حلّ بغير الأخذ برؤاهم جميعا ولا إكراه في وضع الخيارات بل لابد من التناسب مع مصالح الجميع أو الأغلبية..

ويمكن لجانب من الاستماع إلى رؤى وحلول مقدَّمة, النظر إلى مشروع منظمة المجتمع المدني بخصوص مدينة كركوك.. حيث يأخذ الحلّ بمنحها سمة الخصوصية وأضيف هنا بألا نتجه إلى إقامة فديرالية خارج إقليم كردستان العراق بمعنى تفتيت العراق إلى ما سُمِّي فديرالية المحافظات [وقد يكون هنا التذكير بالوجود البلدي بوصفه تمثيلا للأخذ برؤية السكان]  .. ولكن من جهة التقسيم الفديرالي للمحافظات وعلى أساس طائفي ؟؟ !  فليس من الصحيح أو الجائز أنْ تكون دوافعنا للفديرالية تجنب الاحتكاك بين أبناء الوطن الواحد .. حيث نفترض مسبقا حالة العداء والاحتراب بين مكوِّنات الشعب الواحد كما نقرّ بالفصل بينهم بحدود أبعد من إدارية (سياسية)؟!!!

فمنذ متى كان أبناء العراق في حالة من العداء والاحتراب لكي نفصل بينهم بحدود شبه دولتية؟!!! إنَّ إذكاء روح العداء والانفصام أمر لا يعود إلا لقوى معادية لمصالح شعبنا واستجابة لحلول قاصرة فكريا وسياسيا ولحلول لا تنبع من رغبات شعبنا وتطلعاته في الوحدة الوطنية وضد عمليات الفصل إنَّها حلول تخدم مصالح دول إقليمية وجهات دولية محددة أما العراق ووحدته الوطنية فهو ليس لعبة لقراءات سياسية مستعجلة أو حلول من نمط التعاطي مع افتراضات قوى معادية لهذه الوحدة الوطنية التي صمدت طوال عهود ومراحل تاريخية بعيدة في تاريخنا الوطني..

لسنا مع التقسيم الطائفي ولسنا مع الفديرالية الطائفية فالطائفة لا تجد نفسها خارج الدين الواحد وتظل مرجعيتها الأساس الدين وغير ذلك الطائفة هي مجموع الأفراد الذين ينتمون إلى الوطن بوصفهم مواطنين ليس غير وإعلاء شأن المواطنة هو الأساس في يومنا وإلا سنكون في مهب الريح لندرس مشاريعنا وتصوراتنا ولنراجع ما يعرض علينا بتؤدة وتأنِ ِ وعلينا اختيار ما يحفظ مستقبلنا بل ما يضمن أنْ يمضي حاضرنا آمنا بسلام ..

أيها العراقيون أيريد منكم أحد خيار يخدم العراق أم دولة جوار؟!!! أيها العراقيون أيريد منكم أحد خيار أنْ يخدم قوة العراق أم ضعفه وتدهوره؟!! أيها العراقيون أيريد منكم أحد خيار الفرض على الآخر وابتزازه أم خيار التوافق والتراضي مع الآخر؟!! أيها العراقيون أتبتغون حاضرا آمنا ومستقبلا سلميا مجيدا أم تريدون التبعية والانحدار والتخلف؟!!

بعامة نريد للعراق حكما ديموقراطيا يحترم جميع المواطنين ويساويهم ولا يفرض أو يقدم أحدا منهم على أحد.. نريده فديراليا بمعنى الاستجابة لمنطق فديرالية كردستان العراق التي أجمعت عليها غالبية الأصوات ولكننا ينبغي أنْ نمسك أنفسنا في المغالاة بمطالب طرف أو آخر بمستهدفات لا تنتمي لمنطق صحيح بل لـِـعليل المستهدفات ممّا سيأتي لنا بكثير مشاكل وعميق ضعف وتردي المقام والحال والمآل..

وبخاصة نريد لكركوك مدينة التنوع نمطا من الإدارة المحلية التي تستجيب لطبيعتها أو لحلول لا تلغي طبيعتها ولا إرادة خيار سكانها وتصويتهم بعد مرحلة انتقالية تعود فيها الأوضاع  إلى طبيعتها بإعادة المهجّرين وعدم التعاطي مع فكرة إكراه طرف على الرحيل من دون خاره الشخصي..

ولنبدأ بداية إيجابية تتعاطى مع الإشكاليات بموضوعية وبعدم التسرع في اتخاذ قرار أو في مصادرة حق طرف لطرف .. فمسيرتنا ما زالت تحبو في مشهدها الديموقراطي وليس لنا أنْ نحمّل الديموقراطية والخيارات الوطنية كثير من الأحمال غير المناسبة لا في التوقيت ولا في الاعتدال..

وأجد قوانا الوطنية الفاعلة مدركة لمخاطر الطريق التي نحن فيها .. وهي تتعامل بحذر وموضوعية وامتناع عن التطرف وأسباب الاحتكاك.. وهي قادرة على المحافظة على أفضليات الخيارات والتقدم بخطوات متوالية نحو ما يعود على الجميع بالخير ..

 

www.rezgar.com

www.geocities.com/modern_somerian_slates

 

1