العراق والإصلاح والانتخابات وواقع الحال؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

          باحث أكاديمي في العلوم السياسية

tayseer54@hotmail.com

 

 

معروفة تراكمات الأزمة العراقية، بدءا من توقف تام لعجلة الاقتصاد وتوجيهه توجيها عبثيا طفيليا وإشاعة البطالة والتجويع والإفقار ومرورا بالتفجرات الأمنية وأعمال البلطجة والإرهاب الدموي والفكري فضلا عن أشكال من إرهاب الدولة والاستبداد السياسي لمصلحة بعض أطراف الحكومة الاتحادية! ما يرافق هذا هو أنّ الشعب يسمع جعجعة ولا يرى طحنا!؟

وبعد أن تنامت الأصوات الشعبية حتى تفجرت في انتفاضتها الشعبية، وبعد أن رفضت قوى وطنية ديموقراطية ومنها القيادة الكوردستانية أن تكون جزءا من تداعيات الأزمة المتجهة انحدارا، خرجت علينا القوى التي فشلت في تدوير عجلة الاقتصاد بل فشلت في توفير خدمة الكهرباء في بلد الطاقة ووقودها، لتبدأ دعوات مكرورة لطاولة حوار مستديرة  في شكلها ولكنها بممر واحد في الأداء، لا يقدم جديدا سوى إعادة إنتاج ما وصلنا إليه من صيغ الانفراد بالعراقيين سبايا بعد أن بات العراق غنيمة أخذوها و"لن ينطوها"، على حد تعبير "دولة" رئيس "الوزراء"...

فعن أيّ حوار وطاولة مستديرة يتحدثون؟

كيف يمكن للطاولة أن تكون مستديرة في جوهرها والحوار مشروط بقعر الهاوية التي تدرجوا في الوصول إليها.. أي أن يتم البدء بالحوار من آخر توزيع لحصص اقتسام السلطة ملكا أبديا!! بمعنى استقرار سلطة القرار التنفيذي التشريعي بأيدي طرف بل شخصية بعينها! وكيف تكون مستديرة وعقدة المركز والاستبداد تشمل لا المحافظات حسب بل ومعها تجري محاولات الاستعداء على الإقليم الفديرالي وكل يوم بذريعة وبافتعال مشكلة وقضية!؟ وأي حوار وطني يمكن أن يتم والقوى المتحكمة تفرض قسرا إقصاء واستبعادا ومصادرة تامة للآخر بألا يشارك بهذا الحوار أي طرف إلا على مرامها وشروطها فضلا عن أن الأمر وصل إلى مصادرة حق التعبير حتى من خلف أسوار حوارهم المشروط وخارج مائدتهم اللامستديرة، حيث مصادرة حق التعبير الشعبي في الميادين!

وعن أيّ إصلاح يمكن الحديث؟

أما الإصلاح، فقد طُلِب له مائة يوم وتكررت المدد المطلوبة تسويفا ومماطلة. وكثرما ظهرت وعود ولم يتم الالتزام بها. فإذا كانت الجماهير الشعبية لم توثق وعد المائة يوم باتفاقية مكتوبة فإن القوى المعبرة عنها قد سجلت الاتفاقيات تلو الأخرى المكتوبة منها والشفوية والموجود عليها الشهود وتلك المرعية بالضامن وغيرهما.. إلا أن أيا من تلك الاتفاقات لم يجر الالتزام بها.. فاتفاقية أربيل على سبيل المثال لا الحصر لم يتم تنفيذ أي بند منها سوى بند الالتفاف على نتائج الانتخابات وأخذ رئاسة الحكومة وكرسي السلطة ليتم الإعلان جهارا نهارا، أنهم أخذوها ولن ينطوها! وأما الاتفاقية بجوهرها ومحاورها فليس من شيء!

الإصلاح الذي تصلنا جعجعته اليوم، ما زال في مطبخ الطرف الذي تململت بعض قواه لأنها تدرك مخاطر الانزلاق وراء لعبة الاستبداد وحصر السلطة بيد الفرد وحاشية له؛ ولكنها مترددة من الخروج من معطفه ولا تمتلك إرادة القرار في الانفصام عنه لجملة ظروف خاصة بها. وحتى من وقف صراحة وقال لشخص "دولته" استقل، يؤجل خروجه عليه لأنه يخشى البديل ويخشى من احتمال تداول السلطة ديموقراطيا فهو بين أن يبقى من الحاشية كما تقرر له استبداديا أو أن يخرج من المولد بلا حمص...

الإصلاح الذي مازال مجرد "محاور عامة" لا تتحدث عن تفاصيل الأزمة.. وهو سيمتد إلى ما شاء التسويف المتعمد والمماطلة المقصودة. ولم يحظَ الشعب وقواه من جعجعة الإصلاح سوى على ريح تقصف بهم أرضا رملية بقبولهم باللعبة المشروطة المفروضة عليهم...

والإصلاح الذي لا تشارك في رسمه القوى الوطنية والعقل العراقي العلمي المتخصص لن يكون سوى وهما وبالتأكيد هو التضليل بعينه لساعة تنخسف الأوضاع مطلقا بالطيبين وتنفتح أفواه المقابر الجماعية الجديدة بهم.. فالإصلاح المعلن عنه، إن هو إلا لعبة لفظية وأقوال صحفية للاستهلاك المحلي فهي أقوال تأتي من خلف جدران القطيعة والاستبداد ولا التزام فيه سوى طمطمة الأمور وتمييع المواقف الحازمة التي تكاد تظهر اليوم...

 

أما إلى أيّة انتخابات يمكن التوجه إليها الآن؟

فتلكم هي الورقة التي تريد تشتيت القوى الوطنية التي أطلقت مطلب الانتخابات مشروطة بآلياتها الصحية الصحيحة أي بالقوانين والضمانات الدستورية المكتملة وليس أية انتخابات.. وليس إجراؤها عبثا في لعبة مرسومة يتم الأداء فيها بالرموت كونترول.. إن انتخابات "دولتِهِ" يراد منها أن تجري على مقاسه وهذه المرة بإمكانات أوسع وأكبر في توجيهها وإدارتها باتجاه فرض أغلبية "دولتِهِ" بحيث لا يحتاج لاتفاقات؛ لا في أربيل ولا في النجف ولا في غيرهما...

وشيئا فشيئا ستطفو من جديد الفوز بنسبة الثلثين ثم الأرباع الثلاثة فالتسعين بالمائة وسيرتدي الجميع شادور نساء "دولتهم" وعمامة بلون "دولتهم" وليخرج حينها من يخرج على أوامره وسيرى أي الردود لدى دولته وحلفائه من "دولتهم" الجارة.. فهو لم يخالف نياته حين قال "أخذناها وما ننطيها بعد".

وهنا يبرز التهديد بالهجوم المسلح على الإقليم وعلى غيره. وهذا ليس وهما فالاستعدادات تجري مفضوحة. من تشكيل قوى عسكرية خارج الجيش الوطني تأتمر مباشرة بأوامر "دولتِهِ" وإلى الحركات العسكرية التي لا تكتفي بالتربيع الجغرافي لإحداثيات المدفعية بل بأصابع استخبارية سواء على شكل شركات ومؤسسات وربما  عناصر بأحزاب على الطريقة الإسلاموية؛ فضلا عن المخابرات الإقليمية التي ترتبط بها قوى الاستبداد الجديد...

والهجوم قد بدأ بالفعل بحجة تمكين جيش "دولته" من الفعل وأداء المهام بينما يعرف القاصي والداني أن جملة من عبث الإرهاب الدموي لا يعود للمافيات البشعة حسب بل إلى عناصر فعل أخرى ستفضحها الأيام.. وإرهاب الدولة بات وجودا فعليا وسياسة وليس مجرد اختراق بأي حجم كنا نتحدث عنه يوما.

فإذا كان الإصلاح مماطلة وإذا كانت الانتخابات خطوة وقائية لحماية الاستبداد في وقت تدرك قواه [قوى الاستبداد] أن البرلمان تم تعطيل فعله وأنه لن يستطيع استكمال سن القوانين في السقف الزمني بمشاغلة الآخر بقوة فعل القوى المستبدة. نقول: إذا كان هذا هو واقع الحال، فإن الرد المنطقي الصائب لن يكون سوى باستخدام سلطة الفيتو الفديرالية. لأن الفديرالية ستبقى مهددة بانعدام الديموقراطية في البلاد، ولقد قلناها إنه لا فديرالية بلا ديموقراطية...

والمطلوب اليوم ليس إطلاق حوار في غير أوانه ولا التشبث بتبريرات لصلات بقوى أسفرت عن نهجها الاستراتيجي ووصلت تكتيكيا إلى منطقة الالتحام وشن الهجوم الأخير، بل المطلوب الانتقال للفعل والمبادأة بدل ترك القرار وسلطة الفعل بيد قوة [في أقل تقدير] أثبتت فشلها إن لم تثبت لبعض القوى الوطنية استبدادها ودكتاتورية سياستها. ولا يمكن للقوى الوطنية السليمة أن تضع نفسها في خانة رد الفعل. فلقد أزف الوقت الحقيقي والشعب لا ينتظر جرائم إبادة جديدة وقشمريات زعامة وبطولات دونكيشوتية أخرى لقوى الاستبداد ولا ينتظر فذلكات خطاب سياسي وتبريرات ولابد من حسم الأمور..

 

وربما يخطئ طرف أو آخر وربما يجد أحدنا في هذا الطرف أو ذاك من الثغرات والمثالب ولكن ما يقع في التفاصيل غير ما يتحكم بالمصير؛ ما يؤكد دعوتنا القوى الوطنية كافة لتعلن قطيعة تامة ولأن تصدر قرارها في توجه وطني معروف المحاور والحلول..

لا مجال لحوار جديد ولا لعبة إصلاحية تنطلق من طرف "دولتِهِ" فلقد أخذ من الوقت ما كان ضحاياه ملايين العراقيين تحت خط الفقر وملايين بلا خدمات وبلا أمن ولا أمان وبلا شروط كرامة العيش.. فلمن ولصالح عيون من تُربط مصائر الناس بفرد...

أما البديل النوعي فما عاد خافيا وللمعالجة بقية تؤكد ذياك البديل إجرائيا.