المجلس الوطني الاستشاري الدستوري

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

              2004\  01 \ 02

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

تتزايد اليوم عملية التوافق على ضرورة تشكيل مجلس موسّع تستند فيه السلطة الانتقالية إلى مشروعية أكثر قربا من الاجماع الوطني الذي يشمل قوى سياسية وفئات اجتماعية جديدة من خارج مجلس الحكم الموجود حاليا. وتكاد الآراء تتفق على هذا التصور بوصفه الطريق لإنقاذ الموقف الذي نحن بصدده حيث لا إمكانية جدية صحيحة لإجراء الانتخابات ولا يمكن في الوقت ذاته الركون إلى الواقع الحالي بشكل نهائي في معالجة المهام الوطنية التي نقترب من التوجه إليها..

فنحن أمام مهمة وضع الدستور وصياغته.. ونحن أمام مهمة من هي القوى التي تتسلم تشكيل الحكومة الوطنية المؤقتة الأولى بعد تسلّم السلطة المستقلة من قوات الاحتلال.. وكلّ ذلك يخضع لحوار وطني مسؤول من جميع الأطراف الوطنية وهي نعمل على تجنيب البلاد مآزق ما تُرِكت فيه بعد سقوط النظام القمعب ودخول قوات التحالف (الاحتلال) البلاد..

إنَّ عملية الانتخابات التقليدية هي أولا ليست التعبير الوحيد والطريق الوحيد للديموقراطية التي تتحدث بها بعض القوى السياسية العراقية بحرص ومصداقية.. وهذا يظل اختزال غير موضوعي للمفهوم الواسع والمغني المتنوع للديموقراطية. وهي ثانيا (أي الانتخابات) غير ممكنة في الظرف الدقيق القائم وتخليق أسباب ترقيعية لإجرائها من مثل اعتماد البطاقة التموينية أمر غير مقبول بالمرة إذ أنَّ إحصاء شعبنا بشكل دقيق مقبول لا يعتمد تلك البطاقة التي طالما استغلها النظام المقبور أداة ملائمة لتخرصاته وضغوطه على ابناء شعبنا ولا نريد أنْ تكون مرة أخرى أداة لتضييع حقوق مئات الألوف منهم في الداخل وملايين في الخارج لا توجد لديهم أي وسيلة لإثبات إحصائهم الحقيقي عراقيا...

فإذا احتكمنا إلى إمكان أنْ يكون الصوت الواحد فوق النسبة المتعادلة لأحد طرفي الانتخاب هو ما يعطي فرص الفوز والخسارة فما بالنا نستعجل إهمال كل تلك الملايين ولماذا نعوّل لمرحلة التأسيس على التصويت الذي يهمل ملايين كهذه ما الذي نريد تجنبه وما الذي نريد تحقيقه؟

هل نريد تجنب رؤية الموجودين في الخارج وهم قسم من شعبنا تعرض لضيم التهجير وقسوة النفي وإجحاف الحياة بحقوقهم المسلوبة؟ أم نريد القول بديموقراطية الانتخاب مجرد القول وإجراءء تمرينها بجزء من شعبنا؟ أم لأي سبب آخر ومهما كانت أهميته؟ فستظل الأمور عرجاء في موضوعة اختزال الديموقراطية بالانتخاب وفرض الانتخاب بأي شكل كان ومن دون قواعده وأوصوله الصحيحة والصحية..

وهذه العرجاء تقرر الدستور الثابت لكل الشعب بجزء منه وتقرر نظام الحكم لكل الشعب بجزء منه وهي تقرر المستقبل وتضع اليد مسبقا لجهة وتسلبه من جهات أخرى.. وذلك على وفق منطق صوت الشعب بتصويت أغلبيته غير المهيّأة .. ولن يكون بعد الاستعجال المقصود من جهات بعينها إلا مضار على الديموقراطية نفسها وعلى مستقبلها..

لاتسلَّم السلطة أولا ولأبعد خصمي ثانيا ,اخضعه لحكمي باسم الله تارة وباسم الديموقراطية تارة وباسم إنصاف المغلوبين على أمرهم دهورا تارة وباسم أية ذريعة قد تكون جملة حق ولكنَّ ما يراد من ورائها ليس إلا الباطل.. والمصالح الملتوية وهي بداية لا تبشر بخير وثقة وليس من أصول الحوار أنْ نقنع طرفا بموضوعية مسألة هي بديهة واضحة ولكننا نحاوره في أنْ يوقف مراءاته ونفاقه من أجل مستقبل ديموقراطي للعراق يحيا هو فيه مثلما يحيا الآخرون وليتخذ لنفسه ما يريد على أنْ تقف حدوده عندما تبدأ حدود الآخرين في الوطن والحياة ...

البديل لهذه القراءة واضح أوسع تمثيل وطني تستند إلى تركيب المحافظات العراقية وليس إلى الطوائف لأنَّ فرضية كون الحزب الطائفي يمثل الطائفة المعنية هي فرضية معادية لقيم الديموقراطية وتتعارض مع منطق حرية الفرد المواطن في التعبير عن رؤيته خارج الفرض والقسر السياسي وخارج هذه المرة الفرض والقسر الاجتماعي والديني والطائفي وما شابه ..

إنَّ القول بتمثيل الطائفة من الحزب الطائفي بحاجة لمراجعات فكرية وسياسية وما إذا كان القانون نفسه سيسمح بوجود الأحزاب التي تقوم على أسس عنصرية أو طائفية أو اسس تمزق شعبنا ووحدته الوطنية وتتعارض مع سجله الحضاري طوال تاريخه المجيد.. ومن السابق لأوانه أنْ ترى تلك الأحزاب نفسها قانونية وتفرض فلسفاتها السلفية على مستقبل قراءاتنا وتوجهات عراقنا الجديد..

إنَّ صيغة المجلس الدستوري التأسيسي ينبغي أنْ تخضع للدرس ولعدم التغافل عن تسلل حالات غير موضوعية تسرّب فمرا مريضا وترسم مستقبلنا على وفق أهوائها وتصوراتها اللاوطنية واللاقانونية والمنتمية لخدمة قوى خارج وطنية خارج عراقنا إقليمية منها أو دولية..

وهكذا فسيكون من الصحيح توسيع مرجعية التكنوقراط والأساتذة والأكاديميين المتخصصين من الوجوه العلمية المعروفة بنزاهتها وتحظى باختيار أبناء شعبنا وبتمثيل مناسب لحجم المحافظات بهذه الطريقة مع عدم استبعاد القوى كافة ولكن من دون أن تكون تلك القوى بخاصة الحزبية الموجودة في الساحة العراقية هي الوصية  على تكوين المجلس الوطني الاستشاري هذا مع ضرورة تجنب حسم القضايا الكبرى على وفق قرارات السلطة المؤقتة الانتقالية بل ترك حسم القضايا الوطنية المعقدة لظروف ملائمة لاحقة ..

إنَّنا مع تشكيل المجلس الموسّع بالاختيار الشعبي وبمراجعة قضاة شعبنا وساسته ومفكريه على أنْ نتذكر أنّ للمهجّرين والمنفيين وهم ملايين خمسة وأكثر ينبغي أنْ يكون لهم ممثلوهم في المجلس الوطني المنتظر بنسبة تعدداهم الافتراضي وبالتعاطي مع الإحصاءات المتاحة هناك..

أما مسألة آليات العمل للمجلس فينبغي هي الأخرى أنْ تظل في الحدود التي لا تتقاطع مع حدود الصلاحيات الضرورية فقط والتي تفرضها الأوضاع الطارئة التي نمرّ بها جميعا وسويا .. 

www.sotaliraq.com

www.geocities.com/modern_somerian_slates

 

 

 

1