لماذا يحتل العراق رأس قائمة الدول الأكثر فشلا في العالم؟

ما معنى ذلك؟ وما الإجابة المؤمَّلة للخروج منه؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في الشؤون السياسية

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

كشف تقرير لمجلة (Foreign Policy) الأمريكية، أنّ العراق يقع ضمن البلدان العشرة الأولى من بين الدول الأكثر فشلا ضمن 177 دولة في العالم؛ وتلك الدول هي: الصومال وتشاد والسودان وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا وباكستان. يُذكر أنَّ التقرير قد اعتمد على مجموعة من المعايير العالمية تشمل قراءة مستويات "الديمقراطية السائدة في البلد، والتماسك العرقي والثقافي، والمستوى الاقتصادي والتعليمي، والحريات الإعلامية، وحقوق الإنسان، ومستويات احتجاجات المواطنين وشكاواهم من أوضاعهم المعيشية، فضلا عن مؤشرات مهمة أخرى". وقد وضع مقاييس التصنيف تلك، خبراء اعتمدوا على حوالي 90 ألف مصدر من وسائل إعلام حكومية وغير حكومية و\أو منظمات إنسانية في الـ (177)  دولة التي شملها التصنيف.

والسؤال الذي نعالجه هنا يتمثل في:  الأسباب التي جعلت من العراق في رأس هذه القائمة العالمية؟ والنتائج الخطيرة المحتملة؟ وما الرد المؤمل؟

إن بلدا كالعراق يمتلك ثروات طبيعية مهولة تشكل وارداتها لوحدها رأسمالا وافيا لتوفير البنى التحتية لاقتصاد بلد ضخم؛ فضلا عن تشغيل مشروعات البناء المنتظرة، دع عنك أنّ التغيير الذي جرى في البلاد منذ تسع سنين، كان يمكن أن يكون فاتحة فرص استثمارية كبرى في مختلف قطاعات الاقتصاد الإنتاجية والخدمية. ولكن الشعب العراقي بدلا من أن يلج مسيرة إعادة الإعمار دخل مسارا آخر مثَّل نفقا مظلما لتداعيات الأوضاع، ومَن تحكَّم بها..

لقد برهنت إدارة الحكومة الاتحادية على فشل برامجها وعجزها عن مجابهة مسؤولياتها.  إذ عانت الأجهزة الحكومية من فشلها المطبق لسببين رئيسين شخصتهما المراصد المتخصصة: تمثلا في إرادة سياسية مشلولة لهزال قدراتها العلمية التخصصية وخواء إمكاناتها المعرفية ولطبيعة آليات عملها القائمة على المحاصصة وعلى التعامل مع مؤسسات الدولة كونها غنيمة لجهات حزبية ولعناصر باتت تنفرد بالحكومة الاتحادية.. والأمر الآخر لشيوع الفساد بكل أشكاله حتى أن تسلسل العراق في الفساد عالميا  احتفظ بموقعه في المربع الأعلى فسادا دوليا!

إنّ إصرار قيادة الحكومة الاتحادية على مواصلة المشوار ما زال يمضي بذرائع بائسة متشبثة بادعاء الأغلبية وتمثيلها برلمانيا، بينما الأغلبية مازالت تعاني من شظف العيش ووقوعها في مستويات خط الفقر.. وفيما تنتفخ جيوب النخبة التي تدير الأزمة العراقية المستفحلة، من جهلة لا يفقهون في إدارة أزماتهم البيتية؛ يزداد اتساع نسبة من يحيا تحت خط الفقر حتى وصل ببعض المحافظات الجنوبية إلى ما يقارب الـ 90% [كما في ريف السماوة]!

وفيما مئات مليارات الدولارات هي مقدار الموازنات العامة المرصودة لمشروعات وطنية، لا يظهر من تلك المشروعات لا زيادة في سويعات الطاقة الكهربائية ولا ألتار جديدة من المياه الصحية الصالحة للشرب  وفي الوقت ذاته تنحدر بطاقة المواد الغذائية خواء وتتضاعف المواد التالفة ومنتهية الصلاحية من السكر والشاي والرز والزيوت وغيرها مما لا يصلح للاستهلاك الآدمي!

ولا شوارع  معبدة ولا أرصفة مبلطة، ولا الصرف الصحي موجود ولا رعاية صحية في مستشفيات منكوبة بالإهمال بكل المقاييس في مبانيها وفي خدماتها وفي خلوها من آلاف الأطباء الذين تمت تصفيتهم أو تهجيرهم القسري أو تخريج دفعات في جامعات تراجعت فيها المستويات التعليمية بانحدار مريع، مع إشارة ليست هامشية نضعها هنا حيث يتسرب ثلث طلبة المدارس إلى قارعة  أرصفة  الاستغلال الأبشع للطفولة ويُدفع نصف خريجي الثانويات العامة بعيدا عن الجامعات إلى قوارع  تصنيع الأمية قاعدة الإرهاب والخراب..!!

كما يمكن للدراسة التي وضعت العراق في هذا التسلسل المرعب، أن تكون لاحظت أيضا ملايين الأرامل والأيتام.  وربما لاحظت كما يعرف العراقيون أعين العمائم  من طاقيات التخفي والتضليل تشاغل الناس بالطقسيات المبالغ بها وبالقيم الأخلاقية التي تدعي حمايتها وهي أول من يمارس الإسفاف والعهر الاجتماعي والسياسي بشأنها لاحظوا هنا على أقل تقدير بعض الفضائح الجنسية والمالية التي تطفو بين الفينة والأخرى لوكلاء مرجعيات [دينية] وكذلك بعض فضائح أخرى،  يساوي المليارات التي خُصصت للكهرباء والماء وغيرهما فيما نكتشف أنها اتجهت لجيوب شخوص يجري تهريبهم بعد افتضاح كل جريمة سطو من دون أن تُتابع إجراءات استرداد الحقوق على الرغم من ثبوت الفضيحة الجريمة!!؟

أين القضاء العراقي؟ وأين أجهزة التحقيق التابعة والتنفيذ المرافقة؟ وأين قوى الأمن والشرطة بقطاعاتها وقوات الجيش؟ أليست تلك القوى اليوم  تحتكرها يد رجل واحد كان يطلق تصريحاته أن القوات بأمرة عناصر يعرقلون جهوده!!؟ ماذا حدث اليوم والقوات جميعها بيده؟

تلكم هي الحقائق التي وضعت العراق جنب الصومال وتشاد وزيمبابوي وأفغانستان وأفريقيا الوسطى وغيرهما من دول فيها شكليات من مؤسسات دولة وآليات (ديموقراطية!) فيما هي ليست أكثر من ((قشمريات)) تواصل العبث بمصائر الناس  وتستذلهم استعبادا،  واستغلالا لا يني عن ممارسة أبشع أعمال تصفوية بحق كل تعبير يرتفع صوته مطالبا بالحاجات الإنسانية الأكثر ضرورة وتعففا ولكن، حتى هذه الحدود الدنيا لا يحظون بها...

إذن، فإنّ ما وضع العراق في قعر دول العالم حيث الفساد وحيث الدول الأكثر فشلا أمر يعود لتدني مستوى النخبة التي تحكم في بغداد ولخطل البرامج المعمول بها..

[[لنلاحظ على سبيل المثال لا الحصر أنّ حوالي 30 مليار مصروفة على الكهرباء ببغداد ولا كهرباء فيها؛ بينما بأرقام أقل من 05% من هذا المبلغ غطت كوردستان بالكهرباء وفاض الناتج!؟ فالقضية كما يرى المتمعن تكمن في أين تذهب الأموال أولا وفي أي الخطط والبرامج يجري اعتمادها ثم طبيعة من يتحكم بالمسار ثالثا ومصداقيته وغاياته ومآربه الحقيقية]]. ووضع العراق بهذه المرتبة المتدنية الرديئة تعود أيضا للشلل المطبق المطلق في الدورة الاقتصادية ولتوقف شريان الحياة بالكامل. وهذه ليست مجرد توصيفات بل هي كما يشير التقرير ودراسته إلى حقيقة أن الدولة موجودة في قائمة ((الخطر)) أي المهددة بـ ((الانهيار)) الكلي الشامل...

إنّ مدى زمنيا آخر لاستمرار الأزمة  في هذا النفق المظلم سيفضي إلى تمزق وإلى تداعيات عدمية حيث سيترك الشعب بمستوى فئات مهمشة فاقدة لوعي الوجود المؤسسي لا تمتلك الانتماء لوطن لا يحميها، وهي المحبطة من العمل الحكومي الذي طالما جعلها كبش الفداء مقابل لا شيء! وبديل هؤلاء لن يكون موضوعيا فلا قدرة لهم على تبني علاج جمعي مناسب ولا قدرة على تحدي سلطة المافيات وميليشيات الفساد، الوحيدة القادرة على تقاسم الوجود [العام] بعد رحيل آخر مؤسسة حكومية بانهيار الدولة..

إن الصورة يومها ستعبر عن سلطة استبداد مطلق في كانتونات لعبيد من الهامشيين المنهكين المستنزفين ممن يبحثون عن لقمة عيش أو هراوة تنفرد بهم بوجه الهراوات الأخرى فيرضخون مكرهين على دفع الأتاوة لها من حرياتهم ومن حقوقهم الإنسانية.. إن وضعا مشرذما كهذا وأسوأ، هو ما تعنيه كلمات التقرير الأممي المتخصص بإشارته إلى دول في مرحلة الخطر!

 

من جهة أخرى وبشأن الرد المقابل، فلقد أخفقت مؤقتا أو تأجلت فكرة سحب الثقة من (المالكي) الذي يدير الأزمة لمصلحة الاستبداد والفساد بقصد و\أو من دونه. ومثلها أو قبيلها أخفقت و\أو تأجلت حركة الاحتجاجات الشعبية بعد محاصرة الاعتراضين الرسمي والشعبي بقوى تتحكم اليوم ببغداد الاتحادية المأسورة في خانة نظام المحاصصة وبرامج استكمال نهب الغنيمة حتى آخر ما يمكن نهبه ليس من رأس المال المالي حسب بل من رأس المال البشري بخاصة من العقول العلمية..........

إنّ ما يطرح اليوم، في ضوء هذا التقرير الأممي المستند لمنطق الحقائق السائدة في يومياتنا العراقية والمستندة إلى أدق الدراسات العلمية، يؤكد حاجة جدية لتحالفات وطنية جديدة؛ ولإدارة الصراع السياسي بطريقة مختلفة نوعيا. علينا اليوم بالمستوى الرسمي الاستمرار في دفع القوى المنخرطة بالحكومة الاتحادية للخروج من دائرة صنع الاحتقان وتضخم الأزمة وتسريع قرارها بإنهاء القبول بحال التفرد  وفلسفة الاستبداد ومزيدا من برامج فاشلة تفرِّخ مزيدا من الأزمات والتراكمات السلبية الخطيرة.. فيما للقوى الشعبية أن تمارس جهودها باستقلالية أوضح عن قوى الطائفية التي تتصدر المشهد وأن تستثمر علاقات وطنية  فاعلة بمنهج إجرائي يمكنه من خلق مقدمات التغيير المنتظر...

وسيكون البديل المؤمل قائما على قوة الوجود الفديرالي بخاصة لإقليم كوردستان وفارق الأداء فيه، وبقوة التيار الديموقراطي المعبر عن الحركة الشعبية ومطالبها ببرامج باتت أكثر وضوحا وصلة بالفئات الشعبية الواسعة.. ومن وحدة القوى الوطنية الديموقراطية ومن أسس برامجية نوعية جديدة تأتي بالإجابة التيي تتطلع إليها الجموع الغفيرة من ضحايا كوارث السنوات التسع العجاف....