مصر في طريق الأخونة والتفكيك!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

tayseer54@hotmail.com

 

 

كانت الإشكالية الأولى كامنة في نزول القوى المدنية الوطنية الديموقراطية بمصر بشكل متشظ ثم ميل بعضها باتجاه تحالف تكتيكي مغلوط مع الأخوان على أساس تجنب خيار ما تمَّ تسميته الفلول بضخ إعلامي وضغط تعبوي مهول ساهمت به قوى خارجية أيضا.. والنتيجة جاءت بعبور باتجاه موقع صنع القرار وتوجيهه بما يجير الأمور لمصلحة فئة سياسية والتحول لاحقا [وسريعا] لسطوة مطلقة على مؤسسات الدولة بما يسمى الأخونة؛ وهي خطوات وجدوا فيها الفرصة متاحة لأن يسرِّعوا من الإجراءات في أجواء مؤاتية لسرقة الدولة تحت عباءة الفوز في انتخابات!!

السؤال المباشر لأي مبتدئ بعلم السياسة: هل الانتخابات الديموقراطية تبيح استبداد الأغلبية أو الفائز؟ وهل الفوز بالانتخابات فرصة لأدلجة الدولة بمآرب الفائز؟ وهل الفائز حقا يمثل الأغلبية الفعلية لجمهور الشعب وخياراته؟ ببساطة لنحسب 50% لم يصوِّتوا ولم يشتركوا في الانتخابات ولنحسب المعادلة بانقسام من صوَّت بنسبة متساوية تقريبا رجحت كفة الفائز بعدد محدود من الأصوات جاء من الجناح المقابل أو المنافس لأسباب تكتيكية غير محسوبة.. وسنجد بهذه الحسابات أية أغلبية مزعومة و أي خيار شعبي يتم فبركة الحديث في ضوئه وتبرير قرارات مخالفة دستوريا ومناقضة لآليات الديموقراطية ذاتها...

إن من يدخل الانتخابات يجب أن يوافق على قوانينها كافة لا أن يأخذ ما يناسبه ويترك ما لا يناسبه. وعلى من يدخل الانتخابات أن يقبل  بالتداولية وأن يمارس السلطة من بوابة تطبيق برامجه الانتخابية التي ربما تنجح وربما تخفق، والتي ينبغي ألا تمسّ بنية الدولة المدنية بمعنى ألا تحيلها إلى غنيمة غزوة من غزوات القرون المنقرضة، وألا تمارس أدلجتها فتحيلها لأداة تحقق مصالح حزبية ضيقة وتنسى مصالح الشعب ومسيرة مؤسسات الدولة وإنجازيتها.

إن قراءة خطاب ((الرئيس والقوى الأخوانية)) وممارساتهم وإجراءاتهم لا يجد في شخصية منهم من يمثل رجل الدولة المدنية بقدر ما يجد فيهم نموذجا لداعية بخطابات مؤخونة وحاملا راية حزبية بظلال بروباغندا مفضوحة الحدود. إن النموذج الأخواني يريد لدولة مدنية بحجم مصر أن تكون طوع بنان الأخوان ولا غير. إنها سياسة الأحزاب الشمولية ومخاطر فلسفتها التكفيرية! ومعروفة سياسة هؤلاء في ممالأة أية جهة من أجل تحقيق المآرب. فبالأمس  تجنبوا ميدان التحرير ووضعوا ساقا مع المخلوع وأخرى مع الشارع وإن على استحياء حتى انحسم الأمر للثوار فغادر الأخوان ضفة مبارك.. وتقربوا إلى المجلس العسكري...

لكنهم في تحالفهم التكتيكي مع العسكري ما كانوا يبتغون منه سوى استكمال مشوار يتمكنوا فيه من سلطة القرار ليرسموا الخطوات التالية. وربما كانت بعض عناصر المجلس في لقاء مع الأخوان ولكن الجيش المصري وقيادته كانت وستبقى مع مصر وشعبها وإرادة الحياة والبقاء. وربما خذلت الجيش لعبة سياسية كبيرة كالتي جرت وتجري ولكنه يبقى جهة منظمة بانضباط وطني سرعان ما يعاود الدور بخاصة إذا ما وجد القوى الوطنية الديموقراطية في حركة ناضجة دفاعا عن أسس وجود الدولة المدنية في مصر..

إن الجيش المصري ليس شرطة حدودية كما ادعت أبواق بعينها وهو ليس شرطة ضبط هذا الميدان أو ذاك ينشغل بمهمة مطاردة ميليشيا إرهابية أو أخرى هي بالأساس موجودة في عباءة  تيار التأسلم السياسي بتلوناته الحربائية ونتاج فكر هذه القوى الظلامية المعادية لمسيرة التاريخ المعاصرة ومعاني الحداثة والتقدم.

ولكن الجيش المصري هو حامي السيادة الوطنية سواء ضد العدو الخارجي المباشر من خارج الحدود أو من داخلها يوم يحصل اختراق في وضع أو تتطلب ظروف طارئة، ممارسة الدور مثلما لعب دوره طوال مرحلة انتقالية بكل ما شهدته من خطوات تقدم وأخرى في مثالب معروفة المرجعية...

الجانب الأخطر في ممارسة أخونة الدولة يكمن في لعبة بعيدة النتائج تتمثل في أخونة الإعلام بأشكال مختلفة. فبين ابتزاز الإعلاميين وفرض بعض المحددات وبين إدخال عناصر أخوانية لقيادة تلك المؤسسات  لا يخرج اليوم سوى صوت خافت [وهذا الخفوت اليوم مقصود] وهو يلتحف ادعاء تمثيل إرادة الثورة ومتابعة نهجها، فيما الحقيقة إنه يتمسكن حتى يتمكن ومرة أخرى سنفاجأ بالفضائيات والصحف القومية يوما وهي ترتدي جلبابا على الطريقة الأفغانية...

الجيش والإعلام، جرى استهدافهما [ربما] في عبارات حق ولكنها بالتأكيد عبارات أريد بها الباطل.. وسيعلم المصريون أي مجريات تم سرقة الدولة منهم بها أي بتلك الإجراءات والقرارات التي تعجلت الأمور واستبقتها وهي التي مازالت تزعق دعائيا وباستقتال إنها تلبي إرادة الثورة والناخب في استباق ومحاولة لتحييد الشارع السياسي. ولكن أي ناخب يريد تهميش الجيش المصري وتحويله إلى أداة شرطوية تابعة لإرادة الأخوان لا الوطن ولا الشعب؟ وأي إعلام هذا الذي يريده المصريون الذين بدأت بهم ثورة النهضة في المنطقة برمتها قبل حوالي قرن ونصف وأكثر، فيما يريدون إلباسه السواد بأردية الأخونة؟

إن عبث خلط الأوراق واستبدال (الدين) بـ (مبادئ الأخوان) وسياستهم المتأسلمة هو مقدمة لتفكيك مصر، ربما ليس بتمزيق الوطن إلى أشلاء، وهو ما ربما يحصل في ظروف تحييد الجيش الوطني وأخونته؛ ولكن بمسخ الوحدة الوطنية عبر أخونة الدولة واستبدال الشعب بالأخوان وفكرهم السياسي القائم على تجيير الدولة لمآربهم كونهم قوة اقتصادية مالية ضخمة الماكنة وهي موجودة فعليا في السوق ومن ثم بتمزيق الشعب ووضعه بتقابلات تناقضية فئوية يعد لها الأخوان لاستثمارها في مآربهم...

ولعل تضخيم الحديث عن ظاهرة التأسلم السياسي وتصوير المجتمع وكأنه يلجأ إلى الدين السياسي منقذا، لعل ذلك يخفي وراءه وسائل السطو على الدولة ومؤسساتها من جهة وتوجيهها بما يخدم المآرب  الحزبية الضيقة وهي مآرب عناصر باتت ذات قدرات مادية مالية عبر السوق منظمة تنظيما محسوبا.

لابد هنا  للقوى المدنية في مصر من سرعة إعلان وطني بديل يقوم على إجراءات تتصدى لأخونة الدولة .. وربما كان التحالف مع الجيش من جهة ومع أوسع طيف شعبي هو مسؤولية التحرك التالي على وفق برنامج محدد كثيف ومباشر يتمثل في إعلاء مهمة الاتحاد على مبدأ الدفاع عن الدولة المدنية ومنع تفرعن الرئيس وانفراده بالسلطة تحف به جوقة طبالي السلطان الجدد وبروباغندا صارت عالية الزعيق بين التزلف للثورة ومتابعتها وبين عنف مأساوي يستبيح الناس بتقسيمهم وباستضعافهم ومن ثم استباحتهم ببلطجة إرهاب الدولة........

إن القضية ليست بمجال الحوارات ولا بمجال التأجيل والمماطلة والبحث في مواقع ومسؤوليات ولكنها قضية وطنية كبرى بل قضية تشمل المنطقة بأسرها بمستقبل مظلم غذا ما انحرفت الأمور وحسمت للأخونة.. والقضية ليست في مظاهرة تخرج للاحتجاج ولكنها في خطوة عملية وإجراء وطني يشارك فيه الجميع دفاعا عن مسيرة الثورة التي أرادت التقدم إلى أمام وإنقاذ الشعب من بلطجة نظام مافيوي فوقعت في عبث حليفه الذي يخرج بعباءة حرباوية ينبغي فضحها وكشف المخبأ من الخطوات قبل أن يستفحل المرض ويستوطن ويستعبد الناس من احتلال الفكر الظلامي وسخريته من قوى الشعب ومن مؤسسات مدنية عريقة يجري تحطيمها تدريجا!

فهل من وقفة وطنية تنتفض على هذه الانحرافات؟ وهل من قوة وطنية تقول لانحراف اتجاه الاستبداد كلا لا يمكنك حرف المسيرة...