السياسة الخارجية للحكومة الاتحادية في بغداد؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

tayseer54@hotmail.com

 

 

كثيرا ما جابهتنا تصريحات متناقضة بين مسؤولَين أو أكثر في الحكومة الاتحادية بشأن الموقف من قضية أو أخرى في العلاقات الخارجية للبلاد. والمشكلة لا تكمن في تلك التصريحات حسب بل في المواقف المتخذة رسميا وفي المخاطبات التي تجري بين الخارجية العراقية ودول العالم وبين ممثل السياسة الخارجية في مكتب رئاسة الحكومة الاتحادية بل رئاسة الحكومة ذاتها ومواقفها المخصوصة.

إنّ إشكالية، كتعيين السفراء في بلد أو آخر لم يتم التعامل بها على وفق البروتوكولات المعمول بها في كثير من الأحيان. ولطالما تعرضت الخارجية لاحراجات أو مآزق دبلوماسية بسبب من ممارسات تقف فوق أدائها أي فوق أداء الخارجية العراقية وبعيدا عن آليات عملها ومسؤولياتها. وبغض النظر عن درجة اتفاقنا والخارجية العراقية فإن مثل هذه الممارسات تظل غير سليمة في أدبيات العمل الدبلوماسي.. ولكن ماذا نقول والحكاية تتعلق برئاسة الحكومة الاتحادية؟

ومن قراءتنا خطاب رئاسة الوزراء في السياسة الخارجية نرصد قبوله بألا يُرفع العلم العراقي عندما يلتقي أطرافا إيرانية وهو لا يرد على تجاوز التصريحات التي يطلقها أركان سفارة طهران ببغداد وأقطاب القيادة الإيرانية مثل تصريحات سليماني بقدرتهم على تغيير رئيس الحكومة وتعيين من يشاؤون ببغداد وغيرها من التصريحات اللامسؤولة. فيما بالمقابل يظهر صوت رئاسة الوزراء والناطقين باسمها  بتصريحات حادة تجافي الخطاب الدبلوماسي وتتعارض مع ضرورة سعي البلاد نحو تحسين علاقاتها إقليميا ودوليا كما حصل في اتهام السيد المالكي لمؤتمر الدول الإسلامية بمكة بانه مؤتمر و\أو "قمة الإرهاب على العراق والدول العربية المظلومة"...!

إنّ مثل هذا الانشطار في المواقف السياسية والدبلوماسية الخارجية يتأتى من عدم اعتراف رئاسة الحكومة بجميع الوزراء وتركيزها الأداء الوزاري في مكتب رئيس [مجلس] الوزراء!؟ ويتأتى أيضا من هزال الخبرات  في الأعراف الدبلوماسية وممارستها فعليا. وبالنتيجة يوضع العراق بمواضع  أسوأ من أن توصف بالمحرجة فهي بموقع الاختراق للسيادة والتعامل معه  في ضوء مستوى الأداء الدبلوماسي  وطبيعته.

فسفير إيران بل موظفين في تلك السفارة يمنحون أنفسهم حق التعبير والحديث باسم العراق وطبيعة علاقاته مع وسطه الإقليمي. وتسخر أحيانا تركيا من طبيعة الأداء الدبلوماسي وتمارس سلوكا لا يقبل في البروتوكولات الدبلوماسية وربما يرقى لمستوى العدوان في المصطلح القانوني الدولي. بينما تنظر الدول التي استقبلت سفراء عراقيين أخيرا بعين الاندهاش من الآليات التي اتبعت ومن المستوى البروتوكولي المتدني المستخدم ومن تفاصيل أخرى لسنا بصددها هنا.

إنّ كارثة انعكاس المواقف الحزبية في السياسة الخارجية ليست إشكالية عابرة وهي إذا كانت لا تطفو بسلبياتها اليوم فإنها بالفعل ستكون بمستوى كارثة في الغد القريب.   لأن كل ممارسة دبلوماسية تسجل بوصفها وثيقة وعهدا يفرض التزامات قانونية  تترتب على تلك الممارسة  ما يمكن أن يتفجر سلبيا في أية لحظة... ولا يدرك أصحاب التصريحات إياها حتى أعلاهم منصبا تلك المقتضيات القانونية الدبلوماسية وربما يدركون ولو في وقت لاحق ما فعلوه من تخريب في مسيرة رسم السياسة الخارجية وتحديد العلاقات العراقية مع الدول الأخرى..

وفي إطار النظام الفديرالي المسجل دستوريا في الدولة العراقية، يجري استغلاله لا في منح صلاحيات وحقوق ممارسة العمل القنصلي للجهات الفديرالية [إقليم كوردستان تحديدا] على وفق توصيف قانوني  ينبغي أن يصاغ بعناية تستند للقانون الدولي، وإنما يجري الاستغلال لتمرير إجراءات لبعض ممثلي المحافظات وممثلي وزارات بما يخالف العرف الدبلوماسي المعمول به. وهنا أؤكد على ممثلي تلك الجهات حصرا وليس على تمثيل المحافظة و\أو الوزارة بمنطق قانوني يخضع لتراتبية العمل الدبلوماسي وحصره بالخارجية على وفق القانون والمنطق.

ولربما كانت مثل تلك الفوضى لا تعود لخلل في فهم  الممارسة الدبلوماسية كأن يتجاوز وزير ما إعلام الخارجية والعودة إليها في الترتيبات البروتوكولية على سبيل المثال لا الحصر. أقول لربما كانت تلك الفوضى تعود لفعل ممنهج بقصد بعينه. فمن يتصدى له؟

إنّ وزارة الخارجية مسؤولة عن ممارسة لا النقد في إطار مجلس الوزراء ولكن واجب الحسم في ممارسة المهام ووحدة المواقف، وحصرها بخطاب الخارجية وأدائها. كما أن  اللجنة الاختصاص في مجلس النواب مسؤولة هي الأخرى عن استدعاء الأطراف المعنية  والمسؤولة من جهة ومحاسبة الأطراف التي  تتجاوز على أداء الخارجية بالطريقة الفوضوية العابثة حتى لو كانت ممثلة لرئاسة الحكومة...

وينبغي هنا البحث في معالجة حاسمة وعاجلة لمسلسل التناقضات في المواقف المتخذة من  تعددية مراكز الحكومة وإذا كان الأمر مبررا داخليا ويمكن أن ينتظر مفاوضات الكتل فإنه لا ينحصر بتفاوض تلك الكتل في الشأن الخارجي  لأن الطرف الجديد لا يعنيه خلفية الخروقات للخطاب البروتوكولي ولا أسبابه وإنما يعنيه تمثيل مصالح بلاده بشكل سليم، وهو ما يرتّب على الدبلوماسية العراقية نتائج يتكبدها العراق وشعبه وليس المسؤول الذي لا يجد من يحاسبه...

إنّ عقدة الفردنة التي لم تحسم أمرها في إدارة الحكومة على أساس سحبها الصلاحيات من الجميع ورفض الإقرار بتوزيع المسؤوليات على وفق منطق القانون وآليات العمل المتعارف عليها عالميا في كل الدول الحديثة، إن هي إلا عقدة مؤداها فشل لا إدارة الأوضاع الداخلية بل فشل الدولة العراقية بمجابهة مسؤولياتها  وإدارة علاقاتها مع بلدان العالم!

هنا بات واجبا التذكير بضرورة حسم المشكلة الأساس القائمة على سياسة الفردنة والبطرياركية في العمل وكأن (رئيس الوزراء) يدير أبناءه في بيت العائلة وهي في الحقيقة ممارسة تجسد عجز الشخصية الأولى عن إدارة الحكومة بطريقة سليمة لعجزها عن فهم العمل العام وعجزها عن فهم قوانين الإدارة لأدنى مؤسسة فما بالكم بوزارة وحكومة تدير بلدا كبيرا كالعراق!؟

إن المشكل يكمن في طغيان القرار الفردي ومحاولة فرضه على الجميع   بأداء مطلق ويكمن في جهل من جهة وعدم توافر محددات آلية العمل وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بطريقة سليمة.. وإلا لكانت الأمور على الأقل فيما خص السياسة الخارجية استقرت على أداء بعينه.. إن إيجاد استراتيجيات سواء في المعالجة المستقبلية أم  في الممارسة الراهنة تبقى مهمة وطنية محورية وذات أولوية .. وليس لنا هنا سوى التنبيه على هذه الإشكالية الخطيرة وواجب حسمها، قبل أن يكون الوقت قد أتى بعبارة لات ساعة مندم.