حول موقف [موظفي ثقافة] السلطة العرب

من وفد الثقافة العراقية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

              2004\  01 \ 06

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

لـِمَ العجب من موقف اتحاد [اتحاد السيد عرسان] معروف بسوابقه وبتبعيته السافرة المفضوحة لتشكيلة النُظـُم العربية الرسمية في بعضه ولتشكيلة دافعي الأجور أو أثمان بضاعة التطبيل الإعلانية في بعضه الآخر ولتشكيلة المترددين والخانعين أحياناَ َ وأصحاب لا دخل لنا بالسياسة في قسم منهم وأنَّ الثقافة كائن هلامي خرافي منفصل عن كلّ الخطابات الإنسانية الأخرى وإلا فلن يكون خطابها [مستقلا] و [إبداعيا] بالمعنى الصحيح [على وفق رؤى الهؤلاء]... وأقسام مختلفة أخرى بالتأكيد منها قوى مخلصة تعمل على تصويب المسار ولكنَّ قوتها ليست داخل الاتحاد المُصَادَر عبر زخم العناصر المتسلـِّلة عبر نوافذ السلطات الرسمية وأبواقها بل  قوتها في كتلة المثقفين الذين تمَّ إقصاؤهم خارج التشكيلات الرسمية ...

بمعنى أنَّ اتحاد السيد عقلة ليس المنفذ الأخير للثقافة والمثقفين وبدلا من عمله من أجل ضمّ أوسع مكونات الثقافة فإنَّه اتجه ليكون  منعزلا منفصلا عن أرضيته ومكوناته ممثلا للسلطة الرسمية التي طالما اصطفت مع النظام العراقي المهزوم وممثليه... ومن ثمَّ لا عجب في المواقف المأجورة المعادية لمصالح شعبنا العراقي ولصفوته الثقافية الوطنية المخلصة...

إنَّ مثقفي العراق ومبدعيه من كتّابه ومفكريه إذ يلتزمون بدأبهم المثابر من أجل وحدة الكلمة وتعزيز التماسك لا ينسون أنَّ هذه الوحدة لا تقوم بين المتناقضات ولا تستقيم معها أو بها .. إنَّها وحدة في التنوع والاختلاف؛ ولكنها ليست وحدة تشظيات هشيم الثقافة وطوارئها أو فضلات مجتمعنا الذي يحتوي على الغث مثلما يحتوي على السمين. وعليه فنحن لا نخسر بموقف مثل هذه العناصر شيئا لكنّ هويتنا تتضح أكثر في الاصطفاف مع أبناء الشعوب العربية وحركة الثقافة الممثلة للصحة الحضارية فيها..

نعم كان لهؤلاء  يوما صيت وقد يكون لهم مُنتـَج ولكنَّهم لم يطوروه بمساره الطبيعي عندما أخضعوه بلوي عنق الإبداع لحاجات السلطة الدعائية الإعلانية, فسطـَّحوا القيم العميقة وعملوا على محو العمق الإنساني وخلفية الحضارة والمدنية المعاصرتين وجذورهما التاريخية مختزلين كلَّ شئ باسم الرمز الطاغية الدكتاتور البطل وكلّ ما عداه لا شئ!! وهكذا ذاب صيتهم الإبداعي ببريق الجاه والسلطان وغلبة القوة وقهرها وبقي صيت إبهار جلسات المؤتمرات ومهرجانياتها.

 أما الثقافة الحقيقية فنحن نعرفها ونحميها ونصونها إنَّها الثقافة المعبرة عن الحياة الإنسانية وجمالياتها حيث تضع ذلك جوهرا لقيمها الإبداعية من دون التباس مع خطاب آخر أو خلط به بقصدية مسبقة ملتوية, فمثقفونا لا يراؤون الشعب وينافقونه بل ينسجم منتجهم الإبداعي ويتحد بنسغ الحياة ويتدفق في شرايينها ليس بعيدا عنها إنَّما في القلب منها..

لست أقول هذا من باب الرومانسيات. لست أقولها من باب رسم الصور وتخيلها فنيا. إنَّما أسجِّل هنا تأكيدا على شعور وطيد بذلك الوجود الراسخ لمثقفينا بين الحواري وفي صفوف الناس الذين تعنيهم قضية الثقافة بوصفها قيمة سامية عليا, وكلّ منا يعرف من كبار شعراء العربية الذي يسكن الحي الشعبي في تلك المدينة القصية ومن كبار الرواية في الضاحية المقابلة ومن كبار المسرحيين أو التشكيليين أو كتـّابنا أصحاب الرأي الراجح والعقل الراشد يعملون حيث نبض حركة شعوبنا من غير بهرجة أضواء الإعلان وزيفه وحويات الصالونات والقصور...

لقد وضع (نجيب محفوظ) أبناء الحواري في قلب روايته, وصاغ (الراشد الزبير) لبغداد قصيدته أغنية أدمعت القلوب أحاسيس جيّاشة فعضَّدت الشكيمة وصلّبتها, وليس غريبا على الحياة ذاك المغادر جسدا الباقي روحا (علي الفزاني) على عراقنا وثقافته الأصيلة إنَّه لم يصطف مع طغاة العصر.. ولم يزوّق مسرحيو الصورة الصادقة من مسرحيي تونس الخضراء لسلطة مزيّفة ولم يتعاط َ أديب اليمن مخدرات الحكم ولا كاتب فرقة أنوال الخليجية بوق فضائية مشيخة أو إمارة...

نحن نعرفهم بالأسماء والإبداع وبالأماكن والزوايا.. ونعرف أنَّهم معنا وأنَّ مَنْ يحترم الإبداع الإنساني لا يمكن إلا أنْ يحترم زميله المبدع  سواء التقى معه فكرا وبرنامجا أم اختلف .. ولذا فنحن لسنا مع كلمة مقاطعة المثقف العربي ولسنا مع الإطلاق في الأحكام.. المثقف العربي يدري ويعرف وله موقفه قد تغطيه ضوضاء تهريج طبالي السلطة أو تشوش عليه لكنّه يظل حاضرا مع موقف شعوب بأكملها مخنوقة مستلبة ولكنها موجودة وفعلها سيعلو ويكون الأوضح ليس بعيدا..

نحن لسنا ضد المثقف العربي من المحيط إلى الخليج نحن ضد طبالي السلاطين نحن زملاء أصدقاء أشقاء؛ زملاء إبداع وأصدقاء فكر وأشقاء حياة.. نختلف فنزداد رسوخا في وحدتنا ونتوحّد فنزداد تنوعا في توحّدنا.. إنَّها قوانين الإبداع الإنساني ثقافة وحضارة ومدنية.. ليس لنا مع أشقائنا إلا الخير ولكنَّنا نذكِّر ونكشف ونفضح ..

نحن العراقيين نبدأ مشروع اللقاء والوفاء والسلام ونحن نثق في الآخر وموقفه منا ومن قضيتنا العادلة .. أيّها العراقيون رسِّخوا وشائج العلاقة مع كبار الأدب والكتابة والفكر في محيطنا ولا تـَسِمُوا  قرع الطبول بالثقافة والإبداع إنَّهم ليسوا مثقفي العربية وشعوبها..

إنَّ مثقفي العربية قد لا يكون صوتهم قد ارتفع اليوم في فضائيات رسمية أو صحف رسمية أو إذاعات رسمية وهذا أمر طبيعي لأنَّهم مغيَّبون في بلدانهم ومبعدون عن الأضواء وعن التعبير عن رؤاهم الفكرية السياسية والفسحة الضيقة التي يمتلكونها هي فسحة لا تتسع لأكثر من ممارسة إبداعهم في أضيق نطاق وممنوع الظهور الصريح في موقف سياسي..

فلا نلومنَّ المكتوم بالإكراه الموقوف خلف قضبان السجن الكبير إنَّه سيتحسّر لأنَّنا لم نرَه ببصيرتنا بل ببصرنا وهو أمر يعيبنا وليس منّا ولا فينا.. نحن ندرك أخوّة الشِّدّة وعلينا أنْ نجد منافذ التداني أكثر منها منافذ  التنائي وهو أمر يستند إلى قاعدة وأساس متينين ..

ولذا فنحن لم نُطرَد من اتحاد الكتّاب العرب بل أخطأنا العنوان حيث توجهنا إلى اتحاد طبالي السلاطين وقد يكون من الصحيح منع سرقة هياكلنا النقابية والمهنية والرابطية ولكنّنا لا نتحسّر على كوننا خارج هيكل مستلب مسلوب.. وحتى نسطيع مع جمع الشرفاء وأصحاب الضمائر الحية التي تحترم ثقافة حقيقية إعادة الهيكل المسلوب نحن مع هذا الجمع في وحدة راسخة ونلتقيهم وننسق معهم ونحترمهم لنفرز الغث من السمين ولكي نقول للصادق الذي بكانا وبكى بلادنا ومجدنا وحضارتنا وشدَّ من أزرنا إنَّك في القلب ..

أما علي واتحاده فما هكذا تورد الإبل ياعرسان وإنَّ غدا لبصيرة العاقل الرشيد لقريب. وسنرى إنْ كان قرع طبولكم وزعيق البحة والفحيح هو الذي سيبقى أم ستعزف أحبال حناجر الإبداع أنشودة الإنسان والتآخي لتترسّخ قيمها ويلتقي المثقفون العرب تحت خيمة الانعتاق ومن أجل فضاء الحرية  والسلام والضمير الصافي الصادق الحر لا المأجور الرخيص..

نثق بمبدعينا وكلمتهم وأنَّها ستدوي رافضة سلطة الاستلاب والاستغلال والعداء والتشتيت .. إنَّهم عرب الحق والثقافة لا أعراب الظلم والجهل .. وإذا كان علي عقلة عرسان وفرقته من الأعراب الأشد كفرا ونفاقا فإنَّ لنا أخوة  حلفاء من مئات بل ألوف المبدعين المثقفين العرب الأعمق فكرا والأنقى إبداعا والأصفى ضميرا وهؤلاء هم الذين نلتقيهم ونحترمهم ونعول عليهم إنّهم أبناء المجد والمدنية والحضارة ...

لنعمل كدأبنا دائما على كلّ المسارات التي تخدم ثقافة صحية صحيحة ولنسدِّد خطانا نحو تعزيز أعمق تلاحم مع أوفياء الموقف أنقياء الضمير وهم كثر على امتداد الشاحة العربية .. ويقع علينا عبء الوصول إليهم لكشف زيف الأمس وأمراضه ومن بقاياه العابثة بالحقيقة المحاولة استمرارا في التزييف وفي التعاطي المغلوط مع الواقع.. لنذهب إلى الآخر ونخاطب بصيرته وليكن لنا صبر يُضرب به المثل بعد أيوب فأنفاس الثقافة أطول من أنفاس السياسة وألعابها وأحابيلها ولنحترم ولنثق بعد ذلك بالآخر لكي يوثق بنا ونُحترَم ولن ننتظر ذلك من طبال بل نحن نتطلع إلى أعلام الثقافة ليعلنوا اليوم وليس غدا مواقفهم ونحن نفتح لهم كلّ القنوات للتعبير عن المصداقية الحقة.. وهذه دعوة للمثقف العربي ليقف مع أهله وفي ميدانه نظيفا صادقا نزيها ونحن نثق في ذلك..

 

 

1