حقوق الإنسان وحقوق مكونات المجتمع في العراق2012

 

سنويا، وتحديدا في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نُجري مراجعة عامة لأوضاع العراق حقوقيا. ولطالما أفرز المشهد الحقوقي تكرارا مقيتا للخروقات والاعتداءات وتزايدا لجرائم استلاب الحقوق على الرغم من مرور حوالي العشر سنوات من انهيار النظام السابق وخيار الشعب لعملية سياسية أراد لها أن تكون بادرة بناء عراق ديموقراطي فديرالي تعددي جديد.

لقد نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على جملة الحقوق والحريات التي يجب توفيرها في أيّ بلد.. كما فرض واجبات على الجهات الحكومية الرسمية وعلى منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية كافة ينبغي النهوض بها من أجل تلبية تلك الحقوق والنهوض بالمهام العاجلة والبعيدة الأمد تلك التي يمكننا عبرها تطمين مطالب الإنسان وحاجاته وكذلك شروط العدل والمساواة بين الشعوب وحقها في تقرير المصير بكل ما يعنيه هذا المصطلح من أبعاد..

لكن، ما مدى أو نسبة تلبية تلك الحقوق عراقيا؟ وما حجم الوعي الحقوقي وسط سيادة الأميتين الأبجدية والحضارية في أوساط شعبية واسعة؟ ومن ثمَّ ما قراءتنا في هذا العام للمنجز الحقوقي وللوضع العام في البلاد؟

 

مع استمرار احتلال العراق موقعه في المربع الأول الأعلى في الفساد عالميا والسابع في الحكومة الأفشل عالميا ومع استمرار سياسة الطائفية السياسية القائمة على استيلاد الأزمات المتتابعة، فإنّ العراقيين ما زالوا يقبعون في ذيل قائمة من نال حقوقه أمميا. وبمراجعة سريعة نرى الآتي:

 

01.  في التعليم: مازلنا في قائمة الأسوا في جهة التراجع بنظام التعليم حيث يتكلس على قراءات ملائية وازدادت المدارس الدينية وزواياها وحوزاتها بمنهجها الذي أكل الدهر عليه وشرب.. كما إن إعداد الأساتذة والمناهج يجري بمستوى علمي منخفض أو متهاو سيئ والنتيجة مخرجات جد هزيلة فضلا عن حالات التسرب من المدارس والجامعات وعزلة التعليم عن التحديث والتنمية وانقطاع الاتصال بالمنجز المعاصر. إننا بهذا المجال مازلنا بحاجة لآلاف الوحدات من الأبنية المدرسية ولعدد آخر من الجامعات التي يمكنها استيعاب أكثر من ثلث الطلبة الذين لا يجدون لهم مقاعد دراسية بعد إنهاء المدرسة. وفي مجال التعليم الألكتروني فإننا مازلنا أمام تجاريب أهلية تحاصرها السياسة الرسمية بالإبعاد ومنع الشرعنة ما يعرقل تقدمنا ويعطل طاقاتنا ويهدر مخرجات تلك المشروعات التحديثية. طبعا لابد من الإشارة إلى ما يتهدد حركة الطلبة ومنظماتها المهنية من محاصرة وألاعيب مرضية خطيرة وكذلك الحركة النقابية للتدريسيين!

 

02.  في الصحة: تنتشر الأوبئة والأمراض المتوطنة والمزمنة بتصاعد أعداد المصابين فضلا عن وقوعهم في دائرة الإهمال الوقائي والعلاجي  وعدم توافر أشكال التأمين الصحي في ظروف النقص الكارثي في طبيعة الخدمات المجانية وعدم استيعابها حجم المحتاجين للمعالجة. وطفت على السطح فضائح مهولة بشأن الأدوية الفاسدة وعمليات سرقة الجيد منها ووضعه في سوق تجاري لا يرحم المواطن الفقير. وتفتقر آلاف القرى والقصبات للمستوصفات الصحية كما تفتقر مدن كثيرة للمستشفيات وإن وجدت فهي بلا أسرّة وافية أو بلا أجهزة طبية حديثة وبلا مختبرات وبلا مواد مساعدة وأيضا بلا أطباء! ما يذهب ضحيتها في كثير من الحالات أصحاب الحالات الحرجة وغير القادرين على التوجه لبعض المشافي الخاصة. وترصد الإحصاءات تزايد الأمراض السرطانية من دون عناية مخصوصة بهذه الظاهرة الخطيرة التي تفضحها الولادات المشوهة وحجم المصابين  ولا وجود لإمكانات مناسبة لدى المراكز الضئيلة التابعة لكليات الطب  كيما تفي بالدراسات المناسبة. وازدادت الإصابات بالإيدز وبالأمراض الشبيهة! ويعاني العاملون في المؤسسات الصحية الحكومية من إهمال فعلي ويتهدد بعضهم ومنهم الأطباء مخاطر الاعتداء لدواعي شتى منها سياسية ومنها اجتماعية وغيرهما غير مرصود رسميا ولكنه مسجل لدى النقابة والمتفاعلين الحقوقيين...

03.   أمنيا تراوح الجرائم الإرهابية في إحصاءاتها صعودا ونزولا بحسب أنشطة تلك القوى الدموية البشعة وضحيتها المواطن البسيط في الأحياء والضواحي وفي الأسواق والمؤسسات فيما تحتمي الحكومة خلف أسوار افتراضية للمنطقة (الخضراء). وتتعاضم نسبة حالات الاغتيال بالكواتم الأمر الذي تتجه فيه أصابع الاتهام لعناصر حكومية.. كما تتزايد حالات الاختطاف والاغتصاب وأشكال التهديد والابتزاز بمصادرها الحكومية وغير الحكومية. ولم يعد المواطن يأمن على حياته ولا على سلامته وأبنائه حتى وهم في البيت! ولا وجود لخطة استراتيجية ولا غيرها لحكومة باتت اليوم بعامها العاشر من دون قدرات عملية تتناسب والتهديد الكارثي أمنيا. وأغلب التحضيرات والاستعدادات التي أجرتها وعقود التسليح افتضح أمر فسادها وخوائها من أي إمكانات لمعالجة الجريمة المنظمة التي يعاني منها العراق اليوم. إن حق العيش الآمن وحق العيش في أجواء الاستقرار والسلام أمر لا يمكن القبول بمثل هذا التهاون فيه.

04.  وما يتعلق بصيانة كرامة الإنسان فإنّ مثال المرأة العراقية يبقى مثالا صارخا لما يتعرض له الإنسان من استباحة وامتهان كرامة.. فهي محقرة في بيتها وفي الشارع والميادين ويجري الاعتداء عليها باشكال الاعتداء البدني والتحقير المعنوي الأدبي فضلا عن عمليات الابتزاز والاختطاف والاغتصاب وعمليات القتل التي تسجل على ىأنها انتحار وكل تلك الجرائم التي تتعرض لها بنسب ظلت السلطات بمنأى عن كشف المستور فضلا عن ضيم المجتمع وتكتمه على تلك الجرائم البشعة..

05.  ويمكننا إيراد موضوع استغلال الطفولة وعمليات التشغيل والقهر وما يتعرض له الأطفال من بشاعات الاختطاف والاغتصاب وتجارة رائجة واسعة الانتشار ببيعهم في السوقين المحلي والدولي.. إلى جانب جرائم لم يشهدها مجتمعنا من قبل. إن عمليات البيع قد تجري تحت وطأة الفقر ولكنها ايضا وبشكل أوسع تجري قهريا بالاختطاف والاتجار السري. ومن الخطورة بمكان أن بعض الجهات الدولية اشارت إلى  مساهمة جهات رسمية يفترض بها أن تكون الحامية فيما تمارس تجارة البيع  لتمثل الوسيط  الآمن لتلك الجريمة!!

06.  وإذا كان العمل واجبا من جهة فهو حق ايضا من جهة أخرى ولكننا لا نشهد في هذا الباب سوى استمرار ظاهرة البطالة بل اتساعها نوعيا على الرغم من ظاهرة التشغيل الكاذب أو البطالة المقنعة ...

07.  وفي مجال البيئة وحقوق المواطن ببيئة نظيفة  صحية آمنة فإننا مازلنا في أعلى نسبة تلوث بكل أنواعه الإشعاعية النووية وتلوث الهواء والمياه فضلا عن انعدام النظافة وخدماتها البلدية المساعدة أو هزال خدمة الصرف الصحي وغيرها. وكذلك اتساع التصحر والاختلال البيئي بسبب الجفاف وأشكال اسستهلاك المياه وغير هذا من قضايا مطروحة ميدانيا.

08.  وتنعدم حقوق الإنسان في ظل عودة تفعيل المخبر السري والاعتقالات العشوائية والتحقيقات الجارية بعيدة عن تطبيق العدالة وأدواتها بل يفقد الإنسان حقوقه حالما يجري اتهامه ويزج في غياهب سجون الانتظار التي تتجاوز السنوات الخمس وأكثر مع التعرض لمختلف أشكال الابتزاز والتحقير والإذلال والاستعباد ومن ذلك الاستغلال الجنسي وباتت ظاهرة تعرض النساء لحالات الحمل في السجون ظاهرة مريبة فضلا عن سادية التعامل والممارسات التي يخضعن لها.. والأنكى فإن عمليات المطاردة السياسية باتت  بمحمول يستغل القضاء والقوانين ويلفق ما يريد لأي شخص يراد تصفيته وإبعاده عن طريق قوى الفساد والاستغلال..

09.  النخبة من العلماء ومنتجي الثقافة والفكر والمعارف والعلوم يتعرضون باستمرار لجرائم التصفية ومازالوا يخضعون لجرائم المحاصرة واستلاب الحريات والمقع والابتزاز ما يدفعهم قهرا للهجرة القسرية  دع عنكم حالات عدم الكفاية ومصادرة الحقوق الإنسانية الأولية الأساس.

10.  وفي إطار مكونات الشعب العراقي فإن المجموعات القومية والدينية مازالت تهاجمها نيران الحقد والتشويه وتحميلها مسؤولية الأزمات المستفحلة كذبا وتضليلا فضلا عن الجريمة الممنهجة المنظمة التي طاردت تلك المجموعات بعمليات تطهير قومي عرقي ديني ومذهبي حتى كادت المدن والقصبات الجنوبية والوسطى تخلو من المسيحيين والمندائيين ومن أطياف الشعب التي تعايشت تاريخيا بوئام وسلام. وتتعقب ايادي الجريمة الأيزديين والشبك والكاكائيين والبهائيين كما تتعالى أصوات العنصرية والشوفينية ضد حتى مقابر تلك المجموعات ومعابدهم وآثارهم التاريخية التي تمثل تراث البلاد وتاريخها المشرق وتساهم أصوات بعض عناصر القوى المتحكمة بالأمور بالتضليل الإعلامي والهخطاب السياسي الاستعدائي تجاه الكورد، والتركمان والكلدان الآشورين السريان وضد المسيحيين واليهود والمندائيين. بمقابل زيف التطبيل لقبول الآخر الذي يئن تحت وطأة الفضائع والأهوال الأمر المسجل في وثائق المجتمع الدولي ومتابعاته الحكومية وغير الحكومية. ولا يتبقى لهذه الكوكبة من أبناء المجموعات الدينية سوى التلاحم بعيدا عن مهزلة التنفيس بمؤتمرات تنسقها جهات تشارك الجريمة  بهذا الشكل أو ذاك...

 

إن المواطنة والمواطن العراقيين باتا اليوم أدعى للعنف الجسدي والنفسي والمجتمعي العام بسبب من التشوهات البنيوية في السياسة العامة وبسبب مثلث الطائفية الفساد الإرهاب الذي يحصد كل قيمة حقوقية تحت حوافر الهمجية وسنابك آلتها الجهنمية.

 

ونحن لا نجد سوى منظمات ضعيفة بسبب تشتت الجهود وانقسامها وتشظيها وبسبب ضعف الوعي الحقوقي العام وبسبب أساس يكمن في سياسة حكومية أهملت بشكل ممنهج  أصوات المواطنات والمواطنين ومطالبهم وحقوقهم وحرياتهم..

 

من هنا بات لزاما اليوم الدعوة من جهة لمؤتمر حقوقي عراقي وطني عام يجمع المنظمات الحقوقية المستقلة في اتحاد أو تنسيقية واسعة موحدة كما يضع البرامج للحركة الحقوقية العراقية بعيدا عن ادعاءات الجهات الرسمية التي تحمل يافطة حقوق الإنسان زورا وبهتانا أو تلك التي ترعاها حركات وأحزاب طائفية سياسية معروفة من تلك التي سطت على الوضع العام بطريقة سلبية تتقاطع ومصالح المواطنات والمواطنين ومجموع بنات الشعب وأبنائه.

إن الاستناد لتحالفات المجتمع المدني وبتعاضد مع القوى الوطنية الديموقراطية وبحركة تضامن أممي وإيصال الصوت إلى المجتمع الدولي سيكون مفردة في مسيرة الدفتاع عن حقوق المواطنات والمواطنين وعن حقوق المجموعات القومية والدينية في العراق.

 

 

 

 

 

 

نضع هنا بعضا من الكتابات السابقة بهذا المجال وما اقترحته من حلول بعد وضع الصورة الفعلية الحقة التي تنذر بتداعيات أخطر إن لم يجر الانتهاء الفوري العاجل منها.

 

رابط تقرير الدكتور الآلوسي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2010:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237796

 

رابط تقرير الدكتور الآلوسي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2009:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=194603


رابط تقرير الدكتور الآلوسي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2008:

http://www.somerian-slates.com/p575hr.htm