ممارسات  تؤسس حكما أتوقراطيا فرديا مطلقا بخلفية ثيوقراطية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

tayseer54@hotmail.com

 

إسناد المناصب العسكرية العليا خارج السياقات الدستورية.. ثم إقالة مسؤولي الهيآت المستقلة وإناطة المناصب بالوكالة تجنبا للسلطة التشريعية وابتعادا عن أخذ رأي الشركاء. ومن قبل الانفراد في توجيه  حركات القطعات العسكرية بعيدا عن رئاسة الأركان المعني المباشر بالموضوع ومن بعد تشكيل قطعات خارج  بنية القوات المسلحة وإلحاقها مباشرة بأوامر فردية بل فرضها على ميادين محكومة بمواد دستورية وباتفاقات سياسية تجسد أساس العملية السياسية وآليات اشتغالها وطبعا المقصود هنا تهديد كوردستان ومحاولة ابتزاز قيادتها بعد حملة تشويه وتضليل مثلت غطاء لتمرير خطوات مرسومة بدقة للانفراد بالسلطة والسطو عليها..

الجديد ولكنه لا يبتعد عن تكرار سيناريوهات سابقة، هو هذه الممارسات التي تتم بطريقة استعراض العضلات المافيوية وبأداء ميليشياوي  يمتهن القانون وسيادته ويُقصي القضاء ويلغيه وطبعا يفرض عليه أن يكون تابعا وجهة تفسيرية تبريرية تقر ممارسات عناصر الداخلية وخروقاتها. وهنا نشير إلى الأخبار التي تواردت بمتناقضاتها بشأن اعتقال حماية أحد قادة العراقية.

إنَّ  مفردة من تلك الممارسات هي حال استخدام سيف المادة أربعة إرهاب الذي بات المبرر لانحراف جوهري نوعي بالعملية السياسية. بما يذكر المواطنات والمواطنين بتلك المواد المخصوصة في الدساتير السابقة التي منحت السلطات كافة  للطاغية ليكون ما كانه من دكتاتورية فردية تتجسد بسلطان الآمر الأعلى فوق التشريع والقضاء والقانون وتتجسد بادعاء أنَّ الطاغية هو الصائب المطلق وكل الشعب وقواه وكل منتسبي مؤسسات الدولة جهلة مخطئين أو قاصرين ينبغي أن يخضعوا لتقويمه وسلطة أوامره ونواهيه.

والراصد الموضوعي يرى أنّ جملة الممارسات التي جاءت في استراتيجية دولة رئيس [مجلس] الوزراء بصفته هذه وبوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة، وفي خطواته وقراراته،  كانت تتصف بالآتي:

1.  الاستناد إلى  تجميد العمل بجلّ المواد الدستورية وأخذ المواد التي تخدم قراراته الخاصة [كيفيا مزاجيا] وعلى وفق تأويله تلك المواد.. بما يعني الانقلاب رسميا على الدستور وجعل الأداء السياسي يخضع لطرف واحد هو الموجه المطلق والقانون البديل.

2.  التنكر لكل الاتفاقات السياسية المعقودة بين أطراف العملية السياسية.. وهو بهذا يلغي أسس حكومة وحدة وطنية [يمكنها مواجهة مطالب الواقع القائم] كما يلغي مبادئ الشراكة الوطنية ويعطل حتى الآلية الأخيرة للتفاعل بين القوى العاملة في خيمة العملية السياسية أي تعطيله المحاصصة  وتوزيع أدوار العمل والأداء!

3.  يعطل العمل المؤسسي ويخضعه للفردنة والأوامرية الأوتوقراطية في مجمل دوائر الدولة من أعلاها حتى أدناها بسحب الصلاحيات وحصرها وتركيزها بين يديه.

4.  يتجاوز على  الهيآت المستقلة بل يلغي استقلاليتها ويلحقها بأوامريته الفوقية المباشرة وأخطر الأمور ما جرى بشأن الهيأتين القضائية والمالية العليا ((البنك المركزي))..

5.  فيما استبيحت المؤسسة الإعلامية وباتت بين الحظر والتعطيل لتلك التي لا تخضع للأتاوة وللخطاب ((الرسمي المخصوص)) الذي اُستُخدِمت في كنفه أفعال من البلطجة بالاختطاف والاغتيال والترويع وإشاعة رعب التصفيات الدموية؛ مع أوامر الإيقاف عن العمل وإغلاق المكاتب ومصادرتها مثلما حصل مع عديد الفضائيات والصحف جزئيا أو كليا..

6.  واتسع الخطاب الأتوقراطي بآليته..  الثيوقراطي بخلفيته؛ ليصادر حريات التعبير والعمل السياسي بذات النهج والممارسات.

7.  وأُشيع خطاب الاتهامات المفتعلة الباطلة وخطاب تخوين الآخرين جميعا المرافق للتضليل وأشكال التلفيق المسنودة بالختم الرسمي، المُصادَر!؟ في ممارسة مكشوفة لتسقيط الآخرين وإلقاء تبعات ما يجري على كواهلهم جميعا إلا الجهة التي باتت تنفرد بالسلطة وتتحكم بكل مستوياتها!

 

إنّ جملة هذه الممارسات الميدانية، استندت لاستغلال بعض الأصوات في إطار المؤسستين القضائية والتشريعية من تلك التي خضعت للابتزاز ولغيره بعد أن جرى التجاوز على استقلالية المؤسستين وسلبهما صلاحيتهما وهو ما شخصته ايضا التقارير الدولية وأدانته في أحدث تقاريرها.  فبات تلفيق التهم يجري بمطبخ ((شبه رسمي)) وانعدمت بشكل طبيعي إثر ذلك الثقة بالمؤسستين بإفقادهما إمكانات العمل الدستوري. ومن جهة الأمور المالية لم يكفِ تبعية البنك المركزي للسلطة المباشرة ولهذا فإننا اليوم نشهد تحضيرا خطيرا لفرض السلطة المباشرة على وزارة المالية أيضا وهو ما نتوقعه من بعض أسباب استهداف وزيرها..

ولكننا طبعا لا نحصر الاعتقالات الأخيرة وخطاب الاتهامات بهذا السبب. لأنّ القضية أبعد من ذلك تأتي في إطار استراتيجية ليس مؤداها سوى الحكم الأتوقراطي الشمولي ببنيته الثيوقراطية المستندة لحكم طائفي سياسي سيحرق لا مكونات البلاد جميعا بل وجودها ووحدتها وسلامة حاضرها ومستقبلها.

وعليه فإنّ الممارسة الجديدة التي تتم بنَفَس طائفي قبيح لن تُعالَج ترقيعيا؛ لأنها أدت دورها في ممارسة سياسة العصا والترويع لحملة استباقية للانتخابات، بما لن يأتي بجديد ينتظره الشعب وقواه فيما لو تمت الانتخابات  بوجود التوجيه الأحادي والاستقطاب الطائفي  المرضي كالذي جرى ويجري...

ونحن لا ندعي أمرا في تشخيصنا بعد أن تعرضت كل الكتل السياسية، التي بدأت بقوى التيار الوطني الديموقراطي الذي قاد انتفاضة الخبز والحريات في شباط فبراير 2011 وتحدث عن البديل الوطني ووقف تداعيات التوجهات واستراتيجيتها الخطيرة. وواصل الأمر بمهاجمة كوردستان وقيادتها التي كانت وماتزال ركنا رئيسا مهما ومكينا للوحدة الوطنية  وضمنا كان يناور في ميدان كتلة العراقية فعمل على محاولة تفكيكها  والتعرض لقياداتها كأنها جهة الإرهاب وكأنه جهة الإنقاذ الملاك النزيه!؟

ونحن لا ندعي في تحليلنا المتواضع هذا أمرا على أحد عندما نراجع تناقضات التصريحات وتفسيراتها بين بعض عناصر في القضاء وأخرى في الداخلية وفي مكتب القائد العام وبشخصه أيضا. فأي قراءة لتلك التناقضات تعرفنا لما يجري في الكواليس من قرارات توجه تلك الممارسات المرفوضة.

ونحن بهذا قطعا لسنا مع أمور منفلتة سبهلل في مطاردة الإرهاب والفساد بل مع إعمال حقيقي للقانون بالخصوص. ولكن كيف يمكن الثقة بقضاء غير مستقل؟ وكيف يمكن الاعتماد على بعض قوى في البرلمان تخضع لذات الاتجاه الذي يخرق القانون؟ بل كيف يمكن الثقة بشريك لا يرفض الشراكة حسب بل يطعن في جميع الشركاء ويمارس عمليات تسقيط وتضليل مفضوحة... فكيف يمكن الاطمئنان للأمور بعد كل هذا وبعدما باتت قضايا الفساد المالي والإداري تصل إلى قمة الهرم، من دون تفاعل إيجابي ينفي التهمة؟

 

إذن، المشكلة في أسلوب العمل وفي الممارسات التي وضعت البلاد على شفا هاوية التفكك. أليست الحكومة هي التي وقعت في قمة قائمة الفساد عالميا؟ أليست هي الدولة الأكثر فشلا وفي قمة القائمة العالمية بالخصوص؟ أليست هي التي وضعت العراقيين بين آخر ثلاثة بقائمة من 148 دولة بوصفهم الأكثر تعاسة على وفق قياس تفاعلاتهم الشعورية تجاه تفاصيل يومهم العادي؟ أليس واقع العراق اليوم يؤكد أنه الأخطر على حياة بناته وأبنائه؟ والأخطر على مكونات الشعب وأطيافه؟ والبيئة الطاردة لعلمائه ومفكريه ومثقفيه؟ والبيئة السلبية الخطيرة لعيش المجموعات القومية والدينية بسلام؟ وهو بيئة الفصل العنصري الشوفيني الطائفي؟ وايضا بلا منازع بيئة تصاعد نسبة الفقر وفجوته لدرجة تصل إلى نسبة 89% في ريف السماوة مثلا!!؟ وبيئة بطالة حقيقية ومقنعة تتجاوز نصف طاقة العمل. وهي بيئة تضحي بمكونات برمتها وتعطيلها وتصادر وجودها كما مع أكثر من نسبة 60% من مجتمعنا أي المرأة!؟ هل وضع مأساوي كهذا يعود لأخطاء فردية لدى موظفين صغار أم لسياسة عامة ولخطل استراتيجيتها؟ أين تكمن مشكلة تراجيدية بهذا الحجم ومن يمكن أن تشير إليه أصابع التحليل والمعالجة؟

فيما كل ما يجري من ردود من قمة هرم السلطة، هو التبرير والهروب من الحقائق وترحيل المشكلات وإلقائها على أكتاف الآخر. طبعا مع مزيد من التمسك بكرسي السلطة وكأنه ملكية خاصة. فيما تكفي فضيحة فساد واحدة مما طفا على السطح لتطيح بأكبر قيادة وأهم حكومة في أي بلد يحترم القانون ويقدس سيادة شعبه على وجوده!!

القضية في معالجتنا هنا إذن، ليست في دفاع عن حمايات شخصية سياسية ولا في الوقوف مع أحد قادة كتلة مهمة بلا محاسبة ولا بتنزيه جهة بعينها بل هي رد على ممارسات خارج الدستور وخارج الاتفاقات وعلى حساب الآخر الوطني ومعالجتنا تريد فرض القانون وسلطته واستعادة وجود حكومة وحدة وطنية وشراكة إيجابية سليمة، تستعد للتغيير النوعي الذي طالب به الشعب. وهذه المعالجة هي تشخيص واقع حال لا يغيب عن ذهن المواطن الذي يحيا المشكلات الواقعة على كاهله أولا وأخيرا. وهي بالتأكيد، معالجة، تريد تشخيص ما يوقف كل تلك الممارسات اللاقانونية وتلك التي أدت وتؤدي إلى ولادة سلطة استبدادية جديدة.

ولابد هنا من وقف:

1.  الانفراد بالقرار وادعاء النزاهة والعصمة بوقت يتطلب إجابة عن أسئلة النزاهة الحقة.

2.  اتهام الآخرين وتخوينهم من طرف شريك في السلطة.

3.  استغلال المادة أربعة إرهاب سياسيا لمصلحة طرف على حساب آخر بدل إعمالها قضائيا قانونيا. الأمر الذي يفلت فيه المجرم الحقيقي فيما تنشغل الأجواء بما يلبدها ويضلل الرؤى.

4.  إشاعة نظام المحاصصة والتقسيم الطائفي واختلاق حالات الاحتراب والتخندق التناقضي بين الأخوة. بمقابل ينتظر وقف حال تعطيل البديل الوطني الديموقراطي.

 

إننا اليوم كما لاحظنا بالتجربة أمام مشهد استغلال الظروف لتمرير خطوات أخرى محسوبة من أفق حزبي ضيق انتخابيا وآخر يستعد لإعادة  لعبة السطو على كرسي سيادي بغياب  مؤقت لحامي الدستور والشخصية [شخص رئيس الدولة المعادل المؤسسي الموضوعي في مسيرة العمل وقنونته] الشخصية التي عملت على وقف نهج الانفراد والاستبداد بطريقة توافقية تبعد هذا الجنوح عن تحقيق مآربه بإيقاع البلاد في مآزق ومشكلات يمكن في ظلالها تمرير كثير من الأمور التي هددت وتهدد الشعب ومصالحه وخياراته في عراق ديموقراطي فديرالي حقا.

وهذه القراءة لا تفترض الصواب المطلق ولكنها تستهدف خلق حوار وطني ينهي الأزمات المختلقة ويوجه بطريقة موضوعية ولن يتحقق هذا من دون انطلاق صوت شعبي قوي هادر في جميع الميادين يحمي خياره السلمي وحرية إرادته ضد الزحف المتدرج لغول الأتوقراطية والثيوقراطية التي يمكن أن تجثم لعقود أخرى إذا ما فسح لها المجال لتتغول أكثر في بلادنا مستندة لمرجعياتها وداعميها  من قوى على حدود البلاد!!؟

ولدعوتنا هذه معالجة مستقلة مخصوصة تتبع.