السجينات والسجناء في العراق

 بين براءة المتهم وحالات الابتزاز وانعدام القيم الآدمية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس  البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

تتراكم حالات الثغرات في مسيرة عملية سياسية تتعثر بجملة من العقبات الناجمة عن عوامل موضوعية وذاتية يمكن القول بشأنها: إنّها حال متوقعة لأية مرحلة انتقالية يمر بها بلد خارج من أتون طغيان واستبداد مقيتين. ولكن الكارثة الحقيقية تتمثل في تدهور الوضع العام وانحداره باتجاه هاوية من الممارسات التي وضعت البلاد والعباد فيما دفع المنظمات الدولية  لأن تضع العراق في ترتيب قمة قائمة الفساد الأعلى عالميا والدولة الأكثر انعداما للأمن والأمان والأكثر فشلا بما يجعلها على حافة الانهيار وصاحبة الأرقام القياسية في  نسبة الفقر وفي تضخم فجوته، فضلا عن تعاسة مواطناته ومواطنيه بترتيب حلّ فيه في ذيل قائمة من 148 دولة جرى إدخالها في تلك القراءة!!!

في ظروف كهذه تتخبط الإدارات الأمنية والعسكرية  بلا استراتيجيات موضوعية.. ولا تدريب مهني مناسب فضلا عن افتقار لثقافة حقوقية منتظرة في الميادين العامة، فما بالك والأمر يتعلق بأناس ممن تمّ تشغيلهم في إدارة  الملف الأمني ومنه ملف السجون وهم بلا دراية مهنية ولا ثقافة حقوقية بل بحال من الأمية التي تشمل نسبة واسعة ومن ثقافة تغذية روح الانتقام  والأداء الثأري تجاه أي معتقلة أو معتقل!!!

لقد ضجت المنظمات الحقوقية بملفات الشكاوى الحقوقية والقضائية ووصل الأمر لمنظمات دولية متابعة عن كثب هذا الملف، الذي تضمن توصيفا لممارسات وحشية  تتنافى وأي معنى من معاني القيم الآدمية وحقوق الإنسان وتأمين المعتقل من التجاوزات الخطيرة التي تنتهك وجوده الإنساني وتمتهن كرامته!  

وكان آخر تلك الأمور تقرير المفوضية الدولية الذي  تمت قراءته باسم ممثل الأمين العام بالعراق ودان فيه مسلسل الاعتداءات على السجينات والسجناء وابتزازهم وممارسة  أشكال التعذيب التي تسببت في وفاة بعض المعتقلين من الذين تبين براءتهم وأن اعتقالهم جرى خطأ فيما المجرمين يسرحون ويمرحون ويواصلون جرائمهم خارج السجون! كما أدينت حالات الاغتصاب التي باتت اليوم منهجا في العمل لكثرة  تلك الحالات بخاصة منها التي تمّ تسجيلها ولا توجد ضمانات للسجينات كيما تستطيع التقدم بدعاوى وشكاوى بالخصوص!!!

إنّ حالات المداهمة غير القانونية وتلك التي لا تستند لأوامر قضائية أو التي تطبقها بطريقة تتجاوز على الضوابط المرعية وحالات الاعتقال العشوائي وممارسة أشكال امتهان الكرامة والتجاوز على القوانين والدستور ظاهرة تكررت مع قيادات سياسية وحمايتهم وقد تكررت إدانتها من مختلف القوى السياسية بلا معالجة ولا انتهاء للجريمة؛ فما بالنا عندما يتعلق الأمر مع  عامة المواطنات والمواطنين وما بالنا بما يجري معهم خلف القضبان؟!

إنّ أول الأمور هناك تتعلق بعدم توافر الإمكانات لاستقبال آلاف من المعتقلات والمعتقلين وبتأخر إجراء المحاكمات القضائية الرسمية وبحالات تحقيق تجري خارج الأطر الرسمية وآلياتها وبممارسة الابتزاز  والضغوط بكل أشكالها  الهمجية الخارجة على القانون والحقوق الآدمية. فضلا عن الإهمال  المتعمد وغيره تجاه الأوضاع الصحية البدنية والنفسية والقصور عن معالجة المشكلات التي تثيرها حالات الزخم والتحشيد غير الإنساني.. وطبعا هنا نشير إلى حالات التعذيب الهمجية الوحشية وحالات الاغتصاب من دون أي فرصة لتوافر الحماية الحقوقية...

إنّ هذه القضية حتى لو حدثت بحالة فردية بأي بلد فإن الاحتجاجات الشعبية تصل حد الغليان والثورة وإسقاط الوزارة بل الحكومة برمتها.. فلماذا تأخرت ردود الفعل الشعبية العراقية؟

إنّ عملية التغطية الحكومية من قبل المسؤولين الرسميين وحالات النفي والتعمية والتضليل وإدخال تلك الجرائم في باب السجالات السياسية وأنها مجرد اتهامات مغرضة ربما كانت واحدة من أسباب تمرير الجريمة واستمرارها واتساع  حجم وقوعها. ولقد وصل الأمر هنا بوزير العدل أن منع نوابا من ائتلافه من المشاركة بالتحقيقات ولا نقول تلبية زيارة استطلاعية!!! ولطالما سمعنا أعلى مسؤولي الحكومة ينفون وجود التعذيب فيما تنتشر أنباء وفاة  متهم تحت التعذيب ويثبت أنه اعتقل خطأ وأن المجرم خارج إطار المساءلة. كما جرت شكاوى بشأن الاغتصاب ولم يجر التحقيق فيها ولا سُمِح بمتابعتها من جهات حقوقية! فأين وزارة حقوق الإنسان من هذه القضايا الخطيرة الكبرى؟؟؟

إنّ هزال العمل الحكومي الرسمي وخضوعه لآليات الحزبنة والعمل الطائفي السياسي وهزال الإمكانات المهنية وعدم وجود ضوابط أو عدم الالتزام بالموجود للتشغيل والتوظيف مع عدم التثقيف الوافي بثقافة حقوقية مؤملة منتظرة والابتعاد عن تطبيق القوانين المخصوصة، جعل الأوضاع العامة تتسم بالآتي:

1.  ممارسة الاعتقالات العشوائية والمداهمات غير القانونية بخاصة في استغلال وحشي للمادة أربعة إرهاب.

2.   وسادت حال استغلال آليات الانتقام والثأر بسياسة حكمت عمل تلك المؤسسات التنفيذية الأمنية بخاصة.

3.  وسادت سياسة الابتزاز والتسلط على حقوق المواطنات والمواطنين في ممارسة باتت منهجية لفرض الأتاوات المالية والاستغلال الجنسي وغيره. ويمكن الإشارة لحالات بيع وتأجير مراكز شرطة لغرض تقاضي تلك الأتاوات أو استغلالها لممارساست مرضية يعرفها العراقيون.

4.  حالات تلبية مطالب متصارعين سياسيا أو اجتماعيا في بلطجة المواطنات والمواطنين ومحاولة إخضاعهم بخاصة بين تلك الأطراف ومن يدفع أكثر تحقيقا لمآربه.

5.  اكتظاظ السجون والمعتقلات بطريقة غير صحية، تتعارض والحقوق الآدمية.

6.  الإهمال في تلبية الشروط الدنيا المحددة   لتلك السجون ما يبتلي السجينات والسجناء بأمراض بدنية ونفسية وغيرها من دون رعاية. ولطالما تم تأشير أمراض الجرب وكثير من الأمراض الوبائية والمعدية هناك.

7.  ممارسة التعذيب البدني والنفسي الوحشيين. وعادت أشكال العصور المنقرضة من التعذيب فضلا عن ابتكار أششكال جديدة باستخدام الكهرباء وأجهزة كهربائية كما عُرِف منها ((الدريل)) أو المثقاب وغيره.

8.  عدم توافر الشفافية بل منع أي اتصال حقوقي بين السجينات والسجناء ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات المعنية المحلية والدولية  أطلق فرص الطمطمة والتعمية على ما يجري في داخل السجون والمعتقلات.

9.  عدم محاكمة المتهمين بما ارتُكِب من جرائم بخاصة جرائم الاغتصاب أطلق ايدي آخرين في ممارستها والاتساع بها.

10.             عدم توفير فرص الدفاع الوافية والسليمة بخاصة في ظل تجيير عناصر قضائية وأخرى بمسمى حقوقية تعمل رسميا لصالح الجهات التنفيذية وصل بالأمور لإمكانات اختلاق قضايا وتلفيق جرائم للمتهمين بلا مجال حماية ودفاع عن حقوقهم عن براءتهم.

11.             التعامل مع القضايا الحقوقية من منظور الصراعات السياسية الحزبية الجارية فضلا عن ظاهرة حيتان مافيوية باتت سلطة ميدانية فعلية في الواقع العراقي تستغل بلطجة الناس ومصادرتهم وإخضاعهم كرها وقسرا...

إنَّ مجمل هذه الأمور بات ضروريا مواجهتها شعبيا ورسميا قبل أن تتحول منظاهرة سلبية مرضية خطيرة إلى مأساة تستبد بواقعنا وتوجهه إلى هاوية الجريمة وانهيار المجتمع وقيمه وانتهاء وجود البلاد دولة والمواطنات والمواطنين شعبا موحدا سيكون مقيدا بنير عبودية نظام الجريمة وهمجية آليات اشتغاله.

إن حالات التظاهر الشعبي الأوسع تمتلك شرعيتها وقانونيتها وسدتوريتها اليوم بمطالب ثابتة تتمثل في:

 

1.  وقف تام للاعتقالات العشوائية والمداهمات التي تمتهن حقوق الإنسان. وألا يجري أي اعتقال من دون إذن قضائي بكل أسسه القانونية وإجراءات تنفيذه السليمة.

2.  الكشف عن كل الجرائم التي اُرتُكبت بحق السجينات والسجناء.

3.  محاكمة المجرمين الذين مارسوا أعمال التعذيب الوحشية وجرائم الاغتصاب  وإعلان النتائج على وجه استثنائي عاجل وإيفقاع العقوبات القصوى بحقهم.

4.  تعويض الضحايا من السجينات والسجناء وعوائلهم.

5.  إطلاق سرح السجينات والسجناء ومنهم اللواتي والذين ينتظرون المحاكمة  وإحضارهم عند توافر إمكانات المحاكمة القضائية العادلة. إذ لا يجوز الاستمرار بانتظار المحاكمة خارج المدد القانونية المنصوص عليها، ولاحجة ولا ذريعة في هذا.

6.  إعادة تأهيل العاملين في السجون وفي الجهات الشرطوية والتنفيذية بعامة وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان لديهم بما يفي بممارسة إنسانية لائقة.

7.  العمل بشفافية والسماح التام لجهات حقوقية محلية ودولية بمتابعة أوضاع المؤسسات المشار إليها متابعة مباشرة وتامة.

8.  توفير دفاع سليم للمتهمين من نزلاء الاحتجاز المؤقت ومن السجناء وتوفير كامل أشكال المتابعة والاستئناف القانونية في إطار مراحل المحاكمات القضائية العادلة.

9.  إجراء دورات تأهيل للمحكومين وإلغاء فلسفة الانتقام من الممارسات الجزائية.

10.             وقف كل اشكال التجاوز ومحاسبة المسؤوليين عنها. ومنع أشكال الخلط بين السياسي والقانوني وتغليب الثأر السياسي على الحقوقي في قضايا السجناء بقدر تعلق الأمر بتلبية حقوق المحتجز و\أو السجين.

وفي ضوء كل ما ورد نرى أنه على المنظمات الحقوقية العراقية كافة صياغة وثيقة رسمية معتمدة تقرأ الأوضاع وتضع الحلول والمعالجات وخطة التنفيذ العاجلة مستندة للقانونين المحلي والدولي ولمؤازرة رسمية من المنظمات الدولية المعتمدة. وألا نكتفي بالإدانات اللفظية الشكلية ولا بالحملات التي تبقى مهمة ولكنها غير كافية في حماية المواطنات والمواطنين من عسف الإجراءات التي انتهكت الكرامة العراقية وأجرمت بحق العراقية والعراقي بما لا يقاس بخروق قانونية حقوقية بل بجرائم لم ترتكبها سوى القوى الفاشية المعادية للبشرية فيما تم وصفها أمميا بجرائم ضد الإنسانية.

وبانتظار أن تنهض تلك المنظمات بواجباتها وأن تعود الحكومة لتطبيق القانون والالتزام بمحدداته وأن يقال المسؤولين عن الجريمة ويحاسبون علنا ويوقع الجزاء العادل وتلبى التعويضات  بأشكالها يبقى الشعب مسؤولا عن التعبير عن موقفه في حركة جماهيرية شاملة وواسعة تشارك فيها كل القوى المخلصة للقيم والمبادئ الإنسانية النبيلة السامية.. ولننزل إلى شوارع الثورة الشعبية من أجل الكرامة والحرية ومن أجل أنسنة حيواتنا وحماية أعراضنا ووجودنا بكامل الحقوق الإنسانية وعلى وفق القوانين واللوائح المسجلة  دستوريا قانونيا في بلادنا وفي العام.

وتحية لحركة حقوق الإنسان العراقية ولحركة الشعب الوطنية الديموقراطية البديل الفعلي والحاسم من أجل حماية حقوقنا.