في ضوء تخيير الشعب بين مومياءات الأتوقراطية وفزاعات الثيوقراطية؟

بديلنا هو الخيار الوطني الديموقراطي

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

tayseer54@hotmail.com

 

 

 

لنتفق مبدئيا وبشكل أساس ثابت على أننا ((نرفض تفعيل مومياءات الأوتوقراطية لتكون بديلا عن فزاعات الثيوقراطية)).. ولنتفق على رفض المجيء برموز النظام البعثفاشي القديم بديلا لقوى الطائفية والفساد الجديدة. على أننا كذلك نتفق مبدئيا وبشكل أساس ثابت مع الصوت الشعبي الهادر ينظم نفسه بلا خشية من حالات الاندساس ومحاولات سرقة فعالياتهم النضالية وبلا خوف من التشويه والتضليل ومحاولات طمس حقيقة مطالبهم وجوهرها السليم..

إنّ الحركة الوطنية الديموقراطية مسؤولة اليوم أكثر مما مضى عن تنظيم النضالات الشعبية وتوجيهها بما يلبي التقدم بنا إلى أمام ويحمي الحريات وحقوق الناس؛ وبما يفضح لعبة القوى الطائفية المتحكمة بدست الحكم اليوم والمتجهة نحو حرف مسيرة العملية السياسية ولنتفق على أنَّ تلك القوى الطائفية هي ذاتها القوى التي تلعب مع مومياءات الزمن المنصرم لترويع الشعب من مصير جهوده في تنزيه المسيرة وتطهيرها من مثلث (الطائفية الفساد الإرهاب).

إنّ صيغة تريد أرنبا خذ أرنبا وتريد غزالا خذ أرنبا أيضا، هي صيغة سمجة مكرورة في احتجاز الشعب بضيم سلطة الطائفية والفساد وإكراهه على قبول الظلم والرضوخ والخنوع، بذريعة الحذر من الآتي والخشية من البعبع الذي يبرزونه له كلما أراد التعبير عن تطلعاته. وإنّ كل فطن وكل مواطن يعاني الأمرَّيْن، لعلى ثقة من أنّ هذه الورقة التي يلعبون بها لا تنتمي للشعب ولقواه الحية ولا إلى القيادات التي يريدها الشعب لإدارة البلاد...

 ولطالما أكد الشعبُ إرادته وخياره في الديموقراطية وبناء الدولة المدنية لكنَّ مَن يقع في فخ التضليل والرعب من هذا البعبع وينشغل به ويضعه في أولوية تفكيره على حساب حركة الشعب ومطالبه سيساهم [من حيث يدري أو لا يدري] في خدمة تأثير استعمال هراوة البعبع الذي تجسده عبارة: أما حكم الطائفية وفسادها وإرهابها أو البعثفاشية ودمويتها. ومن جهة أبعد يطالب بعض المتنورين الشعب أن يتبرأ من الطاغية المهزوم ومن رموزه التي ترتفع بين الفينة والأخرى بل يجد نفسه هذا البعض في موضع واجب تقديم فروض البراءة تلك وفروض توكيد التمسك بجهة تقدم نفسها على أنها والعملية السياسية واحد!!

وفي الحقيقة فليس الشعب وحركاته السياسية والاجتماعية هو مَن يُلزم بتقديم البراءة من هذه اللعبة الوسخة ورموزها.. ولأولئك الذين يطالبون التظاهرات الاحتجاجية بصكوك البراءة والاستقلالية والتنزه من أشكال الاندساس والاختراق والأضاليل التي تتُهم المظاهرات بها، إلى أولئك الذين يطالبون التظاهرات الشعبية بقطع الصلة بأي شكل للدعم الأممي الشعبي التضامني؛ إليهم نقول إنَّ من يجب أن يقدم تلك الصكوك ويخضع للمحاسبة أولا هم سلطة مثلث (الطائفية الفساد الإرهاب)  التي سرقت العملية السياسية وشوهتها وأتت بأشنع ظلم وضيم للشعب والوطن وحرفت العملية باتجاه يعادي التوجه الذي أراده الشعب في عراق ديموقراطي فديرالي يتجسد بدولة مدنية تحترم المواطنة والتعددية والتنوع وحقوق الشعب وحرياته.

إنّ السمو الدستوري يتجسد في السيادة الأعلى والأشمل وهي سيادة الشعب صاحب الحق في وضع من يمثله في سدة الحكم وفي تغييره متى أراد ومتى شاء والشعب هو من يحاسب وليس العكس.. غير أنّ الجريمة الكبرى باتت اليوم تتجسد ليس في سرقة سلطة البلاد ونظامها وتجيير المؤسسات للناهبين الفاسدين من الطائفيين والإرهابيين بل باتت تظهر أيضا في إمكانات مهولة لسرقة الحركات الاحتجاجية الشعبية العفوية وتوجيهها بطريقة مشوهة مضللة تضعها هي الأخرى في خانة سلطة الطائفية الفاسدة. إن هذه السلطة سطت على الذهنية البسيطة بطريقة استغلال الخرافة وآليات التفكير الأسطوري ومنطق الطقسيات وممارساته لتفريغ الاحتدام الناجم عن مطالب الناس وما يعتمل في الصدور من غضب وثورة ضد الظلم والاستلاب والمصادرة للحقوق والحريات وهي ذاتها الإمكانات المهولة التي تستغلها لتحريف التظاهرات والسطو عليها لتُشهر بعبع التحذير من قبيل: إن لم تقبل بضيمنا فسنأتيك بضيم أفضع!!

والكارثة الأكثر إدخالا لتعقيدات المشهد تكمن في وجود قوى ظلامية على درجة عالية من التنظيم والقدرات المادية الملموسة المالية والإعلامية والتعبوية فضلا عن الدعم المحلي والإقليمي لتلك القوى تتصدى لتصدر الاحتجاجات العفوية وقطع الصلات بينها وبين مطالبها الحقيقية من جهة وبينها وبين قيادتها الحقيقية ممثلة بالتيار المدني بعمق فلسفته الديموقراطية ويقف مع هذه القوة فروع وأجنحة من تيار الطائفية السياسية وينسق معها بما يصل بهما إلى القدر الذي تتيحه درجة الاتفاق بين مآربهما المرحلية...

 ولكن بالمقابل يبقى على النخبة الوطنية الديموقراطية والشخصيات التي تنتمي إليها، أن تكون دقيقة في خطابها وأن تحدد الأولويات وآليات العمل وألا تبقى على هامش الفعل وألا تبقى بضفة رد الفعل وبـِ سمات اللاهث وراء الحدث.. ولن يكون صحيحا الاكتفاء بالتحذير في كل ما مر من حالات الاندساس في التظاهرات والاختراق بطريقة أو صيغة تكرر خطاب القوى المعادية للشعب، لأنّ المسؤولية التي تقع على عاتق العقل الوطني الديموقراطي العراقي  لا تقف عند حدود التحذير من أمر بل تقع على عاتقه واجبات في معمان قيادة النضالات الشعبية وتوجيهها بلا خشية ولا خوف بولوج نهر الاحتجاج ومشاركة الناس ميدانيا فعالياتها وليس إرسال الرسال من خارج فعالياتهم وأنشطتهم.

لابد للبديل الوطني الديموقراطي أن يتجه بقواه المنظَّمة إلى قيادات تلك الحركات الاحتجاجية من لجان تنسيق ليشترك بها ميدانيا. ومعا وسويا يمكن تحقيق النجاح وتلبية المطالب حيث طبيعة السعة الجماهيرية للحركة الاحتجاجية العفوية تتحد مع قوة التنظيم وصلابته ودقة خطابه في تلاحمها مع التنظيم الديموقراطي.

 

وبالخلاصة فإن الأولوية ليست في التمنن على الناس والنظر إليهم من فوق وكأنهم أتباع من قطيع بهيم لا يفهم وعليه أن يلتزم بشروط هذه القوة أو تلك كيما تنصره أو تتعطف عليه بنعمة التأييد الذي لن يكون في النهاية بأكثر من بيان من الحشو اللفظي الذي لا يغني من جوع. لا يُقبل من منظري الحركة الديموقراطية وقوفهم على تلال إطلاق التعاليم والوصايا وإكراه الشعب وحركاته بأمر أو آخر. فهناك في الميدان ليس للشعب أن يلتفت لقراءة رسائل الوصايا والتعاليم الجاهزة لأنه هناك نزل مندفعا ليعبر عن غضبه ليعبر عن انفجاره وعن نفاد صبره ونفاد كل محاولاته في تقديم مطالبه بالطرق القانونية المشروعة وحيثما وجد انغلاقا تاما للأبواب بوجهه ما كان له سوى النزول للتعبير عن تفجره وجام غضبه وثورته ولحظتها لا مجال للوصايا .. هناك مجال واحد مقبول أن تأتي إليه وتتحدث معه مباشرة وتقدم أنت فروض الطاعة للشعب وتقدم البرنامج الكفيل بإقناعه بأن يعود من حيث أتى متطلعا لتنفيذ مطالبه عبر البرنامج الذي تعرضه..

أما أن تبعث برسائل بلغتك أنت وليست بلغته فهي رسائل غير مقروءة وستبقى لا بسلة مهملات بل بميادين تدوسها أقدام المتظاهرين وتذروها الريح الصرصر العاتية فيما يمكن بظل هذه الحال أن يسرق تلك الاحتجاجات من يصل إليها بوجوده وخطابه... ولربما كان من يصل إليهم معاد لتطلعاتهم ولكنه يطلق وعوده ويأخذ عليهم العهود ويستغلهم في صراعه الضيق وينتصر لحزبيته المرضية المآرب ثم تتكرر جريمة الاستبداد والاستغلال بوجه جديد.. وهنا، إن لم يساهم المتنورون الديموقراطيون في دعم غير مباشر وغير مقصود لقوى الشر والظلام فإنهم يقفون على قارعة الطريق بسلبية لا تقدم ولا تؤخر...

أتفهم شخصيا أن يؤكد امرؤ براءته من النظام القديم ومن كل أعداء الشعب اغلعراقي وأن يضع شروطه ومحدداته كي يتضامن مع طرف أو آخر ولكن ربما ساء آخرون كثرة تكرار هذا الخطاب وولد عندهم ردة خطيرة لأنهم لا يجدون في هذا الخطاب ما يحميهم ولا ما يعالج مطالبهم ولا ما يستجيب لحقوقهم وحرياتهم ولأنه في نظرهم وما يلمسونه من الخطاب إياه توكيد على أولوية عند شخص لا يعيش حيواتهم وآلامهم وجراحاتهم ولا يحيا تفاصيل يومهم العادي، إنه يعيش إشكاليته الخاصة إشكالية الطهر الملائكي المحلق في فضاءات ليست قريبة من ميادين ثورة غضبهم ونفاد صبرهم ولا من عمق مطالبهم وحجم حقوقهم المستلبة المصادرة.. وهناك يظهر شرخ خطير بينهم من جهة أي الشعب وحركات الاحتجاج وبين القوى المدنية الديموقراطية الأقرب إلى مطالبهم وتطلعاتهم ولكنها الأبعد في الممارسة بسبب أهخطاء الأداء السياسي وأخطاء أولويات البرامج وأخطاء استفحال التطير وعمق المحاذير المفرطة من احتمالات موجودة في حسابات الدفتر ولكنها غير المطابقة نهائيا لحسابات البيدر...

أيها السادة

صحيح المواقف ينبغي أن يكون في الممارسة الميدانية والنزول إلى أرضها وليس البقاء في البرج العاجي كما ترهن بعض الشخصيات طيبة النية نفسها بين أسوار تلك الأبراج..

 

أيتها السيدات .. أيها السادة

لنقرأ معا وسويا بيان التيار الديموقراطي وحزب اليسار والديموقراطية في البلاد فلقد وضعا الأصبع على الجرح ولننزل بهما بعيدا في سوح الوطن المنتفضة.. ولنحولهما إلى شعارات ولنكتب الصياغة المناسبة لمفرداتهما بعبارات دقيقة تحفظها الجماهير وتتخذ منها سلاحا مكينا في معركتها السياسية السلمية.

 

وتحية إلى أهلنا في الوطن .. تحية إلى أهلنا في الأنبار موئل شعلة انتفاضة الربيع العراقي الجديد، ربيع تصحيح نهج العملية السياسية وإعادتها إلى مسارها الوطني الديموقراطي .. مسار بناء الدولة المدنية ومؤسساتها السليمة.

تحية لكل أبناء المحافظات الوسطى والجنوبية يتلاحمون مع أخواتهم في الأنبار ونينوى فيؤكدون صواب اللحمة الوطنية صواب الاتجاه الوطني وعمق رفض الطائفية وفلسفتها وسياستها ورفض كل أششكال التقسيم والشتظي المناطقي وغيره.. حيثما أعلوا نشيدا وطنيا يتطلع لتلبية المطالب والحقوق بأسس الديموقراطية وآلياتها.

 

أيتها السيدات .. ايها السادة

أيتها العراقيات.. ايها العراقيون

 

لقد مللنا خطاب الطائفية السياسية وتوجهها نحو سلطة الثيوقراطية، ولسنا من الغباء والتخلف بالقبول بعودة مومياءات الأتوقراطية وطغيانها.. وليس بديلنا سوى دولة مدنية بحكم ديموقراطي الأسس والآليات بأنضج  برامج التحديث في مسيرة البناء والتنمية والتقدم إلى أمام وليس العودة إلى وراء باي حال من الأحوال.

 

فإلى أهلنا في الأنبار حيث مازالوا يتقدمون الصفوف في انتفاضة الشعب العراقي، لا تقبلوا بأقل من توفير أسباب بناء عراق ديموقراطي فديرالي، عراق يحترم التعددية والتنوع قوة لوحدته ورفضا لكل أشكال الطائفية وأجنحتها وقواها ولكل من يريد لنا العودة إلى وراء...

 

إننا أبناء زمننا ولحظتنا ووجودنا الإنساني القائم ولسنا عبيدا لرغبات استنهاض مومياءات ماتت ولا عبيدا لرغبات أسرنا عند قوى طائفية مستغلة نهبت ثرواتنا وتريد أن تتاجر بنا اليوم.

لا تقبلوا برفع رموز الماضي، ولا تضعوا ذلك أولوية في صراعكم .. فصراعكم مع من خرب البلاد وفرض قسرا الأتاوة على الشعب وهو يحاول جعله قطيعا خانعا من العبيد..!

لستم القطيع بل بني آدم الذين كرمكم الله لتعمروا الأرض جنانا لكم.. ولستم العبيد وقد ولدتكم أمهاتكم أحرارا

ولستم الخانعين يوما ليذلكم اليوم أحد ايا كان من يقف وراءه سندا

 

أنتم الأحرار.. وأنتم المنتصرون لقضيتكم بتنظيم أنفسكم وبالتلاحم مع قيادة تيار التنوير، تيار أصحاب الأيادي البيضاء .. تيار الوطنية المتأصلة فيكم وجوديا والديموقراطية التي تعبر عن خياركم النهائي الحاسم.

لستم قليلي الوعي جهلة بل اصحاب حنكة وخبرة تمرستم بمدرسة الحياة وليس في إيمانكم ولا بدينكم اعوجاج لكي يعلمكم دينكم حزب متأسلم زعما وادعاء أو ليكون حزب ديني طائفي وسيط بينكم وبين ما تؤمنون ومن تؤمنون به .. وأنتم اصحاب الغيرة والثورة والتضحية من أجل الكرامة والعزة؛ فلا تجعلوا إلا من الحكيم صاحب العقل العلمي وصاحب الخبرة والكلمة الحرة والديموقراطي ببرامجه وفلسفته وأدائه سيدا بينكم ..

خياركم اليوم بيانات التيار الديموقراطي ومعالجاته وبرامجه تجسد تطلعاتكم في الانتصار بمطالبكم، لأنكم أنتم بأنفسسكم وبوجودكم أنتم التيار الديموقراطي  ومكونه ووجودكم وجود له ووجوده يقوم على مطالبكم ويتجسد بحقوقكم وحرياتكم وبتلبية انعتاقكم من عسف نير الطغيان الجديد..

 

أنتم اخترتم الديموقراطية طريقا حاسما وبناء الدولة المدنية الحرة وجودا وها أنتم ترفضون أسْرَكم بخياري الاستغلال والاستعباد الأسر الذي يضعكم بين فكي مومياءات الأوتوقراطية وفزاعات الثيوقراطية.. فارفضوا مخلفات الحكم الفردي الاستبدادي المطلق وبقاياه ولا تقبلوا بضيم وظلم من حكم الطائفية والفساد وتوجههما نحو الدولة الدينية المزعومة...

وتبقى التحية القلبية الموجهة إليكم سمفونية البطولة والتحدي والانتصار الآتي قريبا

وسنلتقي لنحتفل بالانتصار لكم للديموقراطية والتقدم ببلادنا وبالخير العميم والسلام لأهلنا في الوطن بكل أرجائه.