كيف يمكننا معالجة أخطاء الآخر وتقويمها من دون تجريح

قراءة موجزة سريعة

 

تيسير الآلوسي

 

تهتم المجتمعات بأبنائها وبمؤسساتها وتعمل على تدريبهم بكل المستويات كيما يكونوا أكثر نضجا واستعدادا على تجاوز الأخطاء والثغرات.. ولعلني هنا بهذه العجالة أبحث عن وسائل إيجاد  معالجات ناجعة للثغرات والأخطاء.

فنحن نتعامل جميعا بعضنا مع بعض وقد يبدر خطأ منا أو من الآخر وفي جميع الأحوال لا مجال للاعتقاد بالمعصوم الذي لا يخطئ في عالمنا اليوم الأمر الذي يتطلب منا التفكر والتدبر.

وباختزال يمكننا الحديث عن وسائل معالجة الأخطاء وإزالتها في حيواتنا وفي علاقاتنا وتوفير أسباب تجاوزها بين أطراف تلك العلاقات عبر وسائل واساليب شتى منها على سبيل المثال لا الحصر ما أسوقه هنا باعتماد ذاكرة قراءاتي ومعرفتي المتواضعة.

 

ولعل أول وسائلنا يكمن في أسلوب اعتماد ولوج العقول عبر الأفئدة حيث العاطفة لها قدرات إعداد الأجواء على التفاعل وتوفير الميل للفعل المستهدف وهنا طبعا الفعل ممثلا في تصحيح الأخطاء. ولربما كان من بين الاهتمام بالجوانب العاطفية الانفعالية جهدنا في أن نتجنب استخدام الكلمات القاسية الجلفة وأن نستخدم بالمقابل الكلمات الطيبة الأليفة لما لها من نتائج كبيرة في التأثير والنفوذ في الأنفس ومن ثمّ في مهمة التصحيح والتصويب.

و ينبغي لنا من أجل ذلك، أن نمدح ونكافئ قليل الصواب لدى الآخر الذي أخطأ؛ ما سيعيننا في تعزيز توجه المخطئ وتعميق ميله لتعديل الخطأ والتحول نحو الصواب بيسر وبلا ركوب رأس أو عناد... وتوظيف الطيبة يعني اللطف في التعامل ومثلها توظيف صيغة الاقتراح لا الأمر ولا الزجر؛ فكل إنسان يشعر بعزته التي تأخذه أي مأخذ..  ولكي نجذبه لفرصة تعميد تلك العزة نقدم رأينا بصيغة الاقتراح لا الأمر والتلطف لا النهر ولا الزجر، كيما يكون له فرصة ليقول كلمته بعزة واحترام وهو لن ينكر علينا أننا مهدنا له ليتجنب الخطأ ويتبنى الصواب. ولربما كان هذا مما يتطلب منا ألا نتجهم مع الآخر وأن نتلطف ونرفق به وهذا أمر جد مهم فلابد لنا من الترفق في الآخر إذ الرفق يؤدي لفتح بوابات النفس ويكسب الآخر ويجعله يأنس لما نقترح ونصف له من معالجة في أمر...

 

ولربما كان في هذا الإطار أيضا، تجنبنا آلية اللوم والتقريع بوصفها  تجنبا للعقبات التي قد تثور إذا ما استخدمناها سياسة في محاولة المعالجة ما قد يوقعنا  بمجابهة مع رد فعل سريع متعجل وما هو أبعد من احتدام وتجهم.

فاللوم [ولا أقصد هنا العتاب بلطف وودية] يحبط الأنفس ويشلها عن العمل والإنجاز..  ويطيح بالآمال ويهدم جسور الصلات ويباعد بين الأطراف ويجعل المُلام يتشدد في التمسك بخطئه والتمترس خلفه حتى مع اكتشافه أنه أخطأ.. لأنه أي اللوم يُشعر بالمنقصة!

إذن، لا نبدأنَّ باللوم والتقريع بل ينبغي أن نبتعد عن هذا الأمر نهائيا

 

ولتسهيل معالجة الخطأ وكسب الآخر لما نستهدفه ينبغي إفهام المخطئ بما ارتكب  وأن نوفر له الوضوح فيما جرى من ممارسة لا تمت للصواب بعلاقة. فإن المخطئ قد لا يرى في الغالب أنه مارس خطأ ولكنه في واقع الحال يظن أنه عمل حسنا وصوابا.

 

ولكن علينا في ممارستنا التوضيح أن نترك السجال وأن نميل لاعتماد الحوار الهادئ.. لأن السجال غير محمود حتى عندما يكون فيه المجادِل على حق وصواب ما يدفعه ليُفحم امرئا في أمر، ولكنه بهذا، قد يسبب للآخر حرجا وضيقا فيربط بعض هذا الآخر بين تخندقه خلف ما ارتكب وبين كرامته ما يجعله يعاند ويصر على الخطأ ولا يأتي الجدل إياه بنتيجة إيجابية.. بخلاف ما إذا أفسحنا فرصة له كيما يغير موقفه من دون جرح نتسبب فيه بتصلبنا في الجدل وإفحامنا الآخر في استعراض لعضلات سفسطائية من دون التفكر في انفعالات الآخر وتفاعلاته..

 

ومن الضروري أن ننظر إلى أسلوب معالجة الخطأ بالبحث في الأمر من زوايا تفكير المخطئ نفسه. بأن نتخيل أنفسنا بموضعه وماذا نفعل عندها لو كنا بمكانه؟ وكيف ؟ وكيف نعالج الأمور؟ وبهذا نتعرف إلى مداخل المعالجة الأنسب على وفق طريقة الآخر في التفكير.

ولربما كان تشجيع الآخر على اكتشاف الخطأ فرصة مضافة لبث الثقة عنده بصواب معالجة الخطأ بخاصة وهو يقوم بالأمر عبر التوصل للعلاج بنفسه وبرعاية ودعم من طرفنا من دون تدخل أمري مباشر مرحج أو مبحط أو ينتقص منه...

 

كما ينبغي لنا أن نذكر حسنات من أخطأ وبماذا أصاب ونقدمها على ذكر ما أخطأ فيه وننتهي بها طريقا لثقتنا بأنه سيعالج الخطأ وأن نُشْعر الشخص بأنه قادر على تصحيح ما أخطأ فيه وأنه يمتلك الصواب أيضا وبهذا نجعله بوضع لا يأخذه فيه الإثم ولا يستكره التفاعل ولا يوجد بينه وبين العودة للصواب من حاجز ..

ومما يساعدنا على تقويم الخطأ ألا نبحث في عورات الآخر وثغراته وألا نعيِّره بما خفي من مثالبه بل أن نمارس التصحيح فيما ظهر من خطأ عنده فيقترب الآخر منا حتى نصل لتقويم ما يريد هو معالجته وإن بشكل غير مباشر... ولا تستقيم أمور من يفتش في مثالب الناس الخفية فتلك سلبية علاجها يبدأ منا لا من المخطئ!

ولابد لنا لنتوجه بمقترحنا بتعديل الخطأ أن نحدد الخطأ أولا وأن نتثبت من وقوعه بالصيغة التي علمنا بها قبل أن نطلق جهودنا في التعديل

كما ينبغي ألا نضخّم حجم الخطأ بل نهوّنه ونبني الثقة لدى الآخر بأنه يمكنه تجاوز الخطأ مهما عظم وأن يتحداه الأمر الذي يبني فعليا فرص التجاوز للخطأ وآثاره السلبية بخاصة أننا نحيا جميعا وينطبق علينا عبارة"من كان منكم بلا خطيئة فيرجمني بحجر" بمعنى أن نتذكر أننا كلنا خطاؤون وبحاجة لبعضنا بعضا في تصويب الأخطاء..

 

إن مجمل الأمر هنا يمكن أن ينطبق على العلاقات الفردية الشخصية مثلما على تلك العلاقات في إطار المنظمات والمؤسسات والجمعيات العامة. ما يعني أننا ينبغي أن نتدرب على مثل هذه التصورات بقدر قناعتنا بمفردة منها وأولويتها

 

ولعل تداولنا هذا الخطاب المقترح وتعديله والإضافة عليه وتغيير ما نرى من أمر سيساهم في نقلنا لخطاب أفضل بيننا كيما نعدّل أمورنا بدل حالات التشنج والاحتدام والاحتراب واختلاق التناقضات غير المبررة وغير السوية في علاقاتنا

ولا ننسى عندما نتعامل مع من أخطأ أن نتذكر أننا أنفسنا قد نكون وقعنا في أخطاء ولم ندرك ما وقعنا به بسبب من أن الآخر تجاوز الأمر ولم يلمنا فيه.. ما يجعلنا أنفسنا نحن بحاجة لمراجعة ممارساتنا مع الآخر بما يسهل فتح بوابات تعديل الخطأ

 

إننا نحيا في حركة مستمرة متصلة وهي ليست بجميع خطواتها ومفرداتها صحيحة سليمة ما يتطلب منا مثل هذا التفاعل

 

ولعلنا نتذكر هنا أهمية أن نتسامح كي نلقى ذات التسامح من الآخر عندما نخطئ

 

وشكرا لكم وقراءتكم وتفاعلاتكم الكريمة مع هذا التصور الذي أخطه ليس من تجربتي الشخصية حسب بل من قراءات ممتدة هنا وهناك أشعر بالامتنان لمن سبقني في الكتابة بهذا المجال أو الحوار فيه وكان متخصصا ومقنعا ومكتملا في مادته والفضل بالأصل لصديقي الآخر الذي قرأت له وهو الصديق الممثل بكل من هم حولي نساء ورجالا شيبا وشبيبة علماء وتلامذة فجميعهم أصحاب دلالة أمتنُّ لهم ولما أغدقوا من تجاريب وعذرا لما قد أكون سهوت عنه أو قصرت فيه ولكم خالص الود والسلام