نُذُر العنف الحكومي تقمع بشائر السلم الأهلي!؟

يبقى الشعب والوطن هما الأسمى دستوريا

ويبقى تحالف قوى التحرر الوطني والقومي ركيزة الشعب نحو الديموقراطية والسلام

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

بدأت في الأيام الأخيرة تتوارد أنباء عن اصطدامات مع المتظاهرين في مقتربات من ميادين الاعتصام والتظاهر وفيها وحواليها، هذا فضلا عن سياسة تقطيع أوصال المدن والضواحي والقرى ومحاصرتها بالقوات المدججة بأسلحة حرب بما لا يقتصر على تلك الأسلحة الخاصة بما يسمى بـ (مكافحة الشغب!) من قنابل مسيلة للدموع والرصاص المطاطي وغيرهما مما اُسْتُخدِم في بعض أحياء بغداد العاصمة، ضد المتظاهرين السلميين العزّل!؟

ولقد جاء في تلك الأنباء أنَّ "قوة من عمليات دجلة، حاصرت قرية السلامية التابعة لقضاء الحويجة، وبيَّن المصدر أن سبب الحصار هو مشاركة أهالي القرية في الاعتصامات. وأكَّد مصدر مطلع: أن قوة عسكرية أخرى داهمت، لحظة كتابة هذه المعالجة، قرية في قضاء الحويجة". من جهة أخرى أفادت مصادر أمنية في محافظة نينوى، بأن اشتباكات وقعت ما بين عناصر الشرطة الاتحادية وإحدى الحمايات أمام ساحة الأحرار وسط الموصل، فيما لفت إلى أن القوات الأمنية حاصرت ساحة الاحرار عقب الحادث وقطعت الكهرباء عنها وفرضت إجراءات أمنية مشددة في محيطها"، مشيرا إلى أن "ذلك استفز المعتصمين بشكل كبير".  

لكن الأدهى هو حال الصمت على ضحايا [الفلوجة] الذين قُتلوا في ميدان التظاهر لتمر الجريمة وكأن شيئا لم يكن! مثلها مثل الجرائم التي اُرتُكِبت بحق متظاهري شباط في العام 2011 بساحة التحرير يوم تم إنزال الجيش بقوات برية وجوية ليمارس صولاته ميدانيا ضد الشبيبة المتظاهرة سلميا وكأنه في ساحة حرب وليس ساحة التحرير البغدادية رمز حضارة السلام والحرية...

ولقراءة أشمل وأعمق نؤكد أنّ الخطوط العامة لسياسة الحكومة تجاه المتظاهرين تميزت طوال سنوات سلطة السيد المالكي بالآتي:

01.             تهديد المتظاهرين ومن يفكر بالمشاركة في الاحتجاجات وإخضاعه للضغط الشديد بأنواعه. وعلى سبيل المثال شلّ المراة العراقية عن المشاركة وتعطيل نصف المجتمع الذي بات يرزح تحت أشكال استغلال مركبة معقدة.. ومن مثل استغلال لقمة العيش والوظيفة لكي يتم ليّ أذرعة أرباب العوائل وابتزازهم.. وفصل الطلبة أو غيرها من ضغوط أخرى.

02.             إطلاق حملات إعلامية سياسية ضد التظاهر. بإطلاق الشائعات والاتهامات ضد المتظاهرين بغرض التسقيط السياسي والأخلاقي من قبيل الاتهام بكونهم بعثفاشيين أو أعداء العملية السياسية أو ما شابه من تخرصات كـ وصمهم بالطائفية.

03.             وإجرائيا غض الطرف عن القوى التي تمارس البلطجة و\أو ترتكب الجرائم بحق المتظاهرين. وكشف غطاء الحماية عن التظاهرات الحرة المستقلة.

04.             التعكز على عدم توافر الإمكانات لحماية التظاهرات أو ترك بعضها بلا غطاء يحميها ضد الخروقات بأشكالها. في ذات الوقت الذي تجري فيه مسيرات يخرجونها بالإكراه من دوائر الدولة والمدارس والجامعات مع توفير حمايات وتغطيات إعلامية لها أول وليس لها آخر فضلا عن إغداق الملايين على منظميها...!!!

05.             فيما تخرج مسيرات ((رسمية حكومية على طريقة النظام السابق)) ومثلها تخرج استعراضات (عسكرية) لميليشيات مدججة فارضة وجودها بلا تراخيص، ترفض الجهات (المعنية) منح التراخيص الرسمية لأغلب التظاهرات الشعبية السلمية، مقرونة عادة بالتهديد والوعيد بقمعها بقوة!!!

06.             فرض شروط غير موضوعية على المظاهرات المرخص لها سواء من جهة تحديد الأماكن الهامشية ومنع التظاهر في الأماكن ذات الثقل النوعي برمزيتها..  فضلا عن اختيار أماكن قصية تمارس سلطة محاصرتها ومنع المتظاهرين من الوصول إليها. وفي تنكيل شديد الوطأة فرضت السلطات على إحدى التظاهرات أن تتحدد بـ 500 مشارك وأن يجلس الجميع على كراس وألا يمارسوا أي حركة موضعية مع تحديد الشعارات وغيرها من شروط تعني التنكيل بمنظمي التظاهرة وإخضاعهم لبلطجة الرخصة الرسمية المجيّرة!!!

07.             إرسال قوات تابعة مباشرة للقائد العام للقوات المسلحة إلى ميادين التظاهر في المحافظات ومنحها صلاحيات فوق صلاحيات القوات المحلية المعنية بموضوع التظاهرات. ونشير هنا إلى الاعتداءات والتجاوزات وعدم الاكتراث بأي قرار محلي وفرض قرار رأس الوزارة فقط لا غير وبالقوة والعنف...

08.             سحب صلاحيات المحافظات بخصوص التراخيص ومنحها لمسؤول بعينه في وزراة الداخلية ومكتب القائد العام للقوات المسلحة.

09.             محاصرة الاحتجاجات على مستويين فجغرافيا جرت محاولة حصرها في المناطق الغربية وجوارها فقط للإيحاء بالحدود السنية لإخافة الشيعة وتضليلهم بأنها موجهة ضدهم وبأن السلطة تعبر عنهم وأن تغيير الحكومة هو الإتيان بسلطة تقمعهم! وسياسيا تصوير الأمور بأنها تظاهرات تعبر عن فئة بعث فاشية وليست قوى وطنية ولا حراكا شعبيا، مع محاولة الإيقاع بين أبناء الشعب العراقي تحديدا من أخوة الوطن والدين أتباع المذهبين الشيعي والسني..!!

10.             اختطاف واعتقال متظاهرين وإخضاعهم لأشكال الابتزاز والتعذيب وإجبارهم على كتابة الاعترافات والبراءة والتعهدات المخالفة لكل القوانين والجابَّة للحقوق.

11.             مساومة قادة التظاهرات ومحاولة إرشائهم أو ممارسة الضغوط عليهم برفع حمايات بعضهم أو محاولات الاغتيال ومحاولة العزل السياسي والوظيفي..

12.             محاولة منع تشكل قيادات ميدانية  وعدم الاعتراف بتلك القيادات مع اصطناع قيادات بغرض إظهار الحكومة وممثليها بأنهم يفاوضون وأنهم أنهوا تلبية المطالب وعلى المتظاهرين إنهاء احتجاجاتهم!

 

أما مواقف رأس الحكومة ببغداد تجاه شركاء العملية السياسية فاتسمت بالآتي:

01.       سحب الصلاحيات على مستوى الحكومة الاتحادية.

02.       منح إجازات إجبارية للوزراء ..

03.       تحديد صلاحيات ومنع ممارسة المهام الوظيفية في المستويات القيادية للسلطات الثلاث.

04.       عقد اتفاقات وإطلاق عهود في اللحظات الأزموية الحرجة ونقضها ونكث العهود حال عبور الأزمة.

05.       عدم احترام مبادرات الآخر والاستهانة بوجوده وتهميشه ومصادرة جهوده.

06.       الطعن السياسي والمجاهرة إعلاميا بحملات تضليلية تعبوية ضد قادة الحركات الوطنية وعلى رأسها الموقف من القيادة الكوردستانية التي ظلت دائما هدفا لتهجمات لم تقتصر على القيادات بمستواها الثاني بل شملت قادة الصف الأول في تصريحاتهم  وتهجماتهم التي اعتمدت الكر والفر واللعب حيثما اقتضت المناورات!

07.       ممارسة التسقيط السياسي وأخطر من ذلك فتح ملفات خطاب غير قضائي (سياسي) من الطراز الأول بتجيير القرارات القضائية في اللعبة وقد طاول الأمر قادة قوى مشاركة في العملية السياسية فيما يجري مقابل ذلك تهريب أيّ من قادة حزب الحكومة عند صدور قرار قضائي ضده مع طمطمة القضية ومحاولة نسيانها!

08.       التعدي على السلطتين القضائية والتشريعية وتجييرها لصالح سياسة رئيس الحكومة بالقدر الممكن أو تحييدها وتهميشها مع بروز سلطة الفرد عبر تركيز السلطة التنفيذية بين يديه، وممارسة السلطة المدنية بوساطة العسكرة وصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة!

09.       العمل على تعطيل مشروعات البناء والتقدم في المحافظات بحسب عائدية المشروعات لحزب الحكومة من عدمه وفرض حصار اقتصادي على إقليم كوردستان ومحاولة تعطيل مشروعات البناء بحجج واهية. وبروز نهج كرّس ظاهرة حزب السلطة والتحكم الأحادي بالحكومة...

10.       رسم الموازنات بما يخدم سياسة عبثية أشاعت الفساد الأمر الذي وضع البلاد في أعلى القائمة دوليا في الفساد والفشل وهدد وجودها بالانهيار وهو ما تشهد عليه لعبة التمسك بتفاصيل الميزانية المعطل إقرارها بناء على محاولة فرض أحادية رسم تلك الميزانية!!

11.       التصفيات بالاغتيال والعزل والتسقيط والابتزاز لكل المنتمين للأطراف الأخرى. مع  إرسال ممثلين من المستوى الثاني بلا صلاحيات بقصد الازدراء والتهميش والإلغاء المسبق، سواء للحوار مع ممثلي الشعب وإن كانت بصورة تمثيلية مزيفة أم مع مبادرات الزعماء الوطنيين كما مبادرات القادة الكورد!!!

 

هذه هي الصورة العامة للموقف الحكومي تحديدا لموقف (رئيس الحكومة الذي يمارس دوره بوصفه قائدا عسكريا فوق السلطة المدنية) ليس من التظاهرات حسب بل من شركاء العملية السياسية ومن مبدأ الشراكة ذاتها وفي ظاهرة عسكرة مؤسسات الدولة وإخضاعها لسلطة فردية على حساب العمق المدني والمهني التخصصي لتلك المؤسسات...!

فهل بقي من شيء ينتظره المتظاهرون وكذلك القوى الوطنية من هكذا حكومة مسحوبة الصلاحيات، معطلتها؟ ألم تكفِ كل تلك المؤشرات لتشخيص طابع الحكومة التي باتت مشلولة محجوزة مختزلة بصوت رئيسها بممارسته العسكرية العنفية؟ أم أن كل تلك اللسعات واللدغات  - من نكث العهود وتعطيل القوانين والسلطات واحتكار القرار ونقض الاتفاقات وتهميش الشركاء ومصادرتهم  بل إلغائهم - لا تكفي كلها لاتخاذ القرار وحسم الأمر تجاه شخص السيد المالكي وسياسته وبرامجه؟

هل بات العراق مأسورا بشخص فرد من جديد؟ ألا يرى حتى أعضاء حزب السيد المالكي أن رئيس حزبهم صار العقدة في المنشار؟ ألا يرون أن الأوضاع تدهورت بما يكفي من سبب للتغيير؟

لماذا يرى بعض المحللين ببغداد [ولا نقول المطبلين] عن إدراك أو عن غيره أن تغيير المالكي مستحيل؟ ألم يقرأ أحدهم عن تجاريب الدول الديموقراطية التي تعيد الانتخابات ويجري تداول السلطة منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم بلا من يتباكى على رئيس وزراء أو زعيم حزب؟ أليست التداولية أداة ديموقراطية واجبة في لحظات الأزمات والاختناقات؟

 

بقي القول إنّ سياسة المماطلة والتسويف وسياسة التهديد والوعيد أي الجزرة والعصا أو الهراوة هي سياسة تمييع لا تعني تفويت فرص وعدم الاستجابة لمطلب حسب بل تعني ايضا أنها مفردة مبرمجة باتجاه الإسفار عن نظام استغلالي بشع جديد..

ولن نُفاجأ بهذا في غد قريب يوم نرى أن العنف الحكومي قد أسفر عن وجهه  ولكن يومها يكون العنف الحكومي قد انتهى من تصفية السلم الأهلي وانتقل لمرحلة يوقع فيها الشعبَ بمجازر دموية من اشتعال الفتن الطائفية وعنفها بما لا يُبقي ولا يذر؛ وعندها لا ينفع ترداد لات ساعة مندم! لأن الأمور تكون قد انفلتت من عقالها وبالإشارة لمن ما يزال صامتا أو مترددا نقول: تلك عاقبة الصمت على ممارسات الطغيان والعسكرة والمراهنة على شخص برهنت التجاريب على فشل برامجه وسياساته وتصويره بطلا في روايات دونكيشوتية انقرضت إنسانيا منذ قرون!

الشعب اختار النظام الديموقراطي التعددي الفديرالي بغنى ما عنده أي بمفكريه وساسته وتكنوقراطه من العقل العلمي العراقي، الجهة الأكيدة التي يجب أن نضع بيضنا في سلتها إنها جهة منتجي الفكر والمعرفة؛ راسمي البرامج الأنجع والأفضل..

ولهذه الغاية تبقى فرص عقد التحالفات بمستوياتها الرسمية والشعبية متاحة بتنوعات وآليات وجسور واشكال متعددة تضخ المياه في مجاريها  لتعيد الحياة لأرضنا البور بسبب  دمار الحروب وخراب نجم عن حلف الطائفية الفساد الإرهاب وممارسته وبرامجه.

ولتكن الخطوات التالية دوما مشروطة لا بتعهدات لا شفوية ولا مكتوبة بل بضمانات فاعلة فالقضية قضية حياة شعب وليست قضية رسومات على الورق .. إنها  مقدمات تقرير المصير للعراق الديموقراطي الفديرالي قبل أن يتم اغتياله وأسره في دويلات بلا سيادة وكانتونات بلا هوية يحيا أبناؤها بحماية البلطجية؟؟؟

وثقة الشعب مازالت حية في أهمية اتساع انتفاضته لتشمل جغرافيا جديدة وليجري تعميد الأهداف وطنيا ديموقراطيا ولمزيد من الحلف العربي الكوردي في إطار عراق اتحادي يدافع عن معنى التعددية ويحترمها ويقدس الحقوق والحريات لكل أبناء الشعب في هذا العراق الجديد نبني جنائن العصر المعلقة  ولكن بعد أن نُسقِط أوهام صكوك الجنان المزيفة التي اصدرتها مرجعيات سياسة الطائفية من زعامات حزبية فُضِح أمرها وانكشفت نتائج برامجها وخطابها....

فالحذر ولا تتركوا العنف الحكومي الآتي من بغداد ينحر السلم الأهلي بوحشية آلته الجهنمية وخطاعها وتضليلها.