اتفاقية التعاون والشراكة مع الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي العراقي؟

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقثافي العراقي في المهجر

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

منذ أربع سنوات تجري مفاوضات ماراثونية بين الاتحاد الأوروبي والعراق بشأن التحضير لاتفاقية  تعاون وشراكة في المجال التجاري بخاصة والاقتصادي بعامة. وفي لقاء مرّ في الأخبار بشكل عابر بين الجانبين العراقي والألماني " طالبت ألمانيا الحكومة العراقية بإيضاح الأوضاع السياسية في العراق قبل مناقشة اتفاقية التعاون المشترك بين الإتحاد الأوروبي والعراق في اجتماع الاتحاد الشهر المقبل ." حسبما أوردته السبت 30 آذار مارس وكالة كل العراق للأنباء [أين]. وبيّن مصدر دبلوماسي قلق الاتحاد الأوروبي من جملة أمور منها: (...القلق من تدهور الوضع السياسي العام في العراق وانسحاب وزراء أطراف عديدة من الحكومة ما يهدد منطق التفاعل مع حكومة منقوصة في بنيتها وسلامة شرعيتها فضلا عن لجوء رئاسة الحكومة للتعامل العنفي مع الآخرين الأمر الذي دعا فيه الاتحاد الأوروبي لسياسة الحلول السلمية واللجوء للحوار والتفاعلات بين جميع الأطراف بوسائل أنضج وأسلم)..   كما تمت الإشارة لشرط يخص امتناع الحكومة العراقية عن المشاركة بسياسات تهدد أمن المنطقة وسلامتها بخاصة فيما يتعلق بموضوع احتمالات نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا عبر الأجواء العراقية. مع التوكيد على نقطة أخرى تؤشر موقفا سلبيا تجاه ممارسات دبلوماسية للحكومة العراقية من جهة إساءة معاملة الموظف العراقي في السفارة الفرنسية الذي زار الصحفي الفرنسي المعتقل.

إنّ من المهم التوكيد، على أنّ الحكومة العراقية وتحديدا رئاستها التي تنفرد بسلطة القرار اليوم، باتت تمارس سياسة ليس في الخروق الحقوقية التي طاولت فئات عريضة من الشعب حسب بل وفي عقد ارتباطات إقليمية تخرق القرارات الأممية بشأن منع تسليح قوى تعادي شعوبها وتهدد السلام الإقليمي والدولي.. فضلا عن تلك الخروق التي تجاوزت فيها على العلاقات الإيجابية مع أطراف أوروبية مثلما حصل مع الدبلوماسية الفرنسية الأمر الذي عبرت فيه فرنسا عن بالغ انزعاجها منه، وهو أمر لم ينتهِ بإطلاق سراح مؤقت للصحفي الفرنسي بقدر ما أكد طابعا سلبيا عن القضاء العراقي والجهات الأمنية وآليات اشتغالها.

وكالعادة في تعليق الأمور على شماعة تمرر سياسة تتصاعد بسلبيتها وتنحدر بالبلاد نحو هاوية أخرى، برر دبلوماسي عراقي على وفق الخبر إياه للجهة الأوروبية الأمر"بأن أجهزة الأمن العراقية تعاني أحيانا من وجود أفراد ترعرعوا في مدرسة النظام السابق والحكومة تسعى لترسيخ احترام حقوق الإنسان في صفوف تلك الأجهزة وهي تعالج كل التجاوزات عند اكتشافها" ولكن ما الذي فعلته الحكومة بقضية الصحفي الفرنسي المعتقل؟ وكيف تعاملت مع الموظف في السفارة الفرنسية؟ ولماذا لم يصدر بيان مخصوص يحسم القضية؟ في وقت يعرف الجميع كيف تدار تلك الأجهزة ومعها القضاء العراقي؟؟؟

إن مثل هذه الاتفاقية في حال عقدها في ظروف طبيعية سليمة ومع حكومة عراقية مكتملة تخضع للقانون ولوجود سلطتين تشريعية وقضائية مستقلتين سليمتين وذات تأثير، فإنها ستكون مثمرة ومنتجة وتمنح البلاد فرص تنموية كبيرة.

إلا أنّ واقع الحال يشير إلى اتجاه آخر مختلف فـ عقد الاتفاقية في ظل كل تلك المؤشرات التي لمسها الاتحاد الأوروبي وهي أقل بكثير مما يحصل فعليا ميدانيا في العراق ويعيشه العراقيون. ومن ثمّ سيكون عقد الاتفاقية بمثل هذا الواقع، مجرد شكليات لا تنعكس في نتائج فعلية للاستثمارات بل ستدعم تداعيات خطيرة في المشهد السياسي العراقي حيث انحدار في الوضع العام وتدهور في الاستقرار السياسي الأمني وتحول نحو مزيد من الاستبداد وربما إعادة إنتاج طغيان ودكتاورية جديدة!

وربما رأت المفوضية الأوروبية تغليب مصالحها الاقتصادية التجارية ولكن البرلمان الأوروبي والحكومات والبرلمانات الوطنية لن تقبل أن يتم خرق الدستور الأوروبي ودستور البلدان الديموقراطية بالاصطفاف مع حكومة بغداد في ظل تداعيات المشهد الذي أشار إليه الجانب الأوروبي في مفاوضاته. كما أن حركة شعبية أممية أوروبية إلى جانب الموقف الأوروبي الرسمي (الإيجابي) منتظر تصاعدها لوقف الانحدار في الوضع العراقي العام.

 

إنّ دعواتنا نحن العراقيين، بمختلف أطيافهم والحركات الوطنية الديموقراطية المعبرة عن تلك المكونات، لا تقف بالضد من نهج إشادة علاقات وطيدة مع الاتحاد الأوروبي ودول العالم. ولكنها دعوات تلخص نداء العقل والحكمة في عدم القبول بما يضخ الدم في الجثة الهامدة لخطاب الاستبداد واستبداله باستبداد من نمط جديد، مختلف شكلا ولكنه أسوأ جوهرا!

إنّ أيَّ مخلص وطني لا يمكنه إلا أن يدعو دول العالم لاتخاذ موقف رسمي واضح من أية ممارسات سلبية للحكومة العراقية تقوم على سياسة (قمعية) تستغل خطاب عسكرة المجتمع والدولة من جهة وعلى أحادية في الحكم ومصادرة الآخرين واستلابهم حق الشراكة الوطنية والوجود بكامل الحقوق في وطن يحتضن الجميع من جهة أخرى.

إنّ نداءات عدم توقيع اتفاقية التعاون تبقى واحدة من الأنشطة التي تبحث عن وقف التداعيات التي ترى بها (بعض) القوى أنّ يديها مطلقة في الإجراءات العنفية القمعية الداخلة بمنطق الاستبداد.. ولكن بالمقابل تتصدى لها القوى الوطنية بعدة مستويات منها مستوى العلاقات الدولية ومنع جعل تلك العلاقات منبعا يصب لمصلحة الاستبداد حيث سيلف الفساد كل الاستثمارات المتوقعة مثلما يشكل ذلك قوة داعمة لولادة طغيان جديد كما حصل يوم تمّ غض طرف أوروبي النظر عن توريد الأسلحة الكيمياوية للطاغية فاستخدمها ضد الشعب الكوردي!

إن الاستثمارات في إطار اتفاقية شراكة (في ظل هكذا مشهد ملتبس) يمكن أن تجر لمزالق أبعد لو تمت الآن مع حكومة تكتنفها حزمة كبيرة من الاعتراضات وطنيا شعبيا. فهي حكومة تستبعد الشركاء وتهمّشهم وتصادر حقهم في صياغة القرار.. وماذا أكثر من هذه السمات مقدمة تأسيسية لاستبداد الطغاة؟ علينا أن نكون متأكدين من أن إتمام الاتفاقية ينبغي أن يكون مع تطبيق الوجه الأبرز في إطارها وهو تطبيق آليات الديموقراطية وبناء دولة مدنية بمؤسسات قانونية فاعلة لا تخضع لسلطة الفرد كما بدا اليوم مجددا، والشعب العراقي ودولته الجديدة ليسا بحاجة لمستبد آخر كيما يواصلوا المشوار بل بحاجة لتعزيز مسيرة التقدم نحو مشروعية العمل المؤسسي الجمعي القائم على فلسفة الدولة الاتحادية الجديدة.

ولعلنا في شرطنا السياسي هذا وهو شرط أكدته مفاوضات الاتحاد الأوروبي من جهة وعدد من دوله كما بألمانيا من جهة أخرى، نؤكد أن القضية بوجهيها تبقى لعملة واحدة إذ من بين أبرز القضايا ليس المفردات التجارية ولكن الاستثمارات التي سيطلقها بنك الاستثمار الأوروبي بخاصة في مجال النفط والغاز؟ ألن يكون الأمر من الخطورة ما يحتاج لكلمة وطنية عراقية ترتقي لمستوى المسؤولية كي لا نقع في دوامة إعادة إنتاج الفساد بمدخلات عراقية ومنافذ دولية أوروبية هذه المرة؟؟

ألا يعلم الاتحاد الأوروبي بسياسة الحصار الاقتصادي التي تمارسها (الحكومة الاتحادية) بسلوك حكومة مركزية لا اتحادية ضد إقليم كوردستان بشأن شركات النفط وعقودها؟ ألم تفرض تلك السياسة جملة خسائر على جميع الأطراف وضحيتها الشعب العراقي برمته وأولهم شعب كوردستان تحت تلك الضغوط واشكال الحصار المرضية الخطيرة؟

هل يقبل الاتحاد الأوروبي بوجود حكومة تمارس المركزة والاستبداد بالمخالفة مع سمتي الديموقراطية والفديرالية المثبتتين بالدستور؟ هل يقبل الاتحاد الأوروبي أن يشترك في جريمة حقوقية؟ وهل يقبل بأن تتعرض الاستثمارات الأوروبية لهزات سياسة طائشة أو غير محسوبة بدقة وموضوعية؟

إنّ مصالح الطرفين: العراق وشعبه والاتحاد الأوروبي ودوله وشعوبه تبقى محفوظة في حال احترام القوانين والشرعة الأممية في حقوق الإنسان وفي تمكين الديموقراطية وتقدمها وتطورها بما يدخل في تأمين الشروط الأنجع لصواب القرارات.

إنّ دروسا وعبرا مكينة ينبغي الالتفات إليها في مثل هذه الاتفاقيات الاستراتيجية ولن يكون معقدا وصعبا الاطلاع على دروس التاريخ القريب سواء فيما انتهى برحيل نظام الاستبداد السابق أم فيما تجسد بالثغرات البنيوية لسياسة حكومة بغداد طوال العقد الأخير مما جعلها الأعلى فسادا عالميا وموئل مافيات الفساد الدولية! والأعلى فشلا ما يعرضها لانهيارات خطيرة إذا ما ساتمرت بسياستها  القائمة على التمميز والطائفية السياسية وإعلاء خطاب التفرد والاستبداد ولغة العنف التي تسمح بمزيد من نزيف الدم واحتدام الصراعات وأشكال الاحتراب بدل الحوار والتعايشش السلمي.

من هنا نعلن صوتنا وطنيا عراقيا برفض أية اتفاقات لا تنظر لمطالب الشعب وحقوقه في دولة مدنية للعدالة والقانون والعمل المؤسسي السليم.. ونشد على ايادي قوى القرار الرسمي في وضوح الرؤية وصرامة التشدد بتبلبية المطالب في المفاوضات بخاصة لجهة الملاحظات الرصينة التي تقدم الطرف الأوروبي ووضعها بقوة على طاولة الحوار.. بأمل أن تنفرج الأوضاع وطنيا لمصلحة حل وطني ديموقراطي فديرالي شامل يعالج الأزمة جوهريا ونهائيا.