اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق وذكرى تأسيسه الخامسة والستين

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

في العام 1948 كانت الحياة السياسية في البلاد بحال من الغليان. فما زالت  يومها آثار الحرب الكونية الثانية وتأثير الصراع على السلطة واضطراب الأسواق والوضع الاقتصادي المزري فضلا عن الضغوط الخارجية وتحديدا الاتفاقات التي كبلت البلاد بشروطها القاسية. بالمقابل كانت الحركة الوطنية تصعّد من نضالاتها وباتت من الاتساع ما شمل قطاعات شعبية ومهنية جديدة من جهة التنظيم وولادة تشكيلات حزبية وحركات وجمعيات ترقى لمستوى الحدث وتستجيب لوعي الشارع السياسي وتستطيع أداء مهامها بموضوعية وسلامة. وكانت حلقات الطلبة قد تهيأت في مثل هذا الظرف لعقد مؤتمرها التاريخي بحماية شغيلة البلاد في ساحة السباع ببغداد. الأمر الذي لم يأتِ عبثا بل أعقب أنشطة فاعلة لتلك الحلقات بانتفاضة عُرفت بانتفاضة الجسر حيث قدموا قرابين نضالاتهم شهداء وجرحى ومصابين الأمر الذي قوى العزائم ورفعها لمستويات نوعية جديدة.

ولطالما خاض اتحاد الطلبة العام كفاحا عتيدا ضد المظالم وأشكال الاستغلال وتعبيرا عن مطالب طلبة العراق في حق التعليم بأفضل الشروط وأرقاها. ومن هنا شهدت الميادين والمدارس والجامعات التظاهرات العارمة طوال خمسينات القرن المنصرم. وإذا كانت مسيرة الاتحاد قد ترسخت في ظروف ثورة الرابع عشر من تموز وبات اتحاد الطلبة العام أكثر حضورا محليا وإقليميا ودوليا وعزز من عضويته في اتحاد الطلاب العالمي وأصبح عضوا في قيادته، فإنه سرعان ما وجد نفسه وهو يصطف مع قوى الثورة الوطنية دفاعا عن مكاسب الشعب، في حال من التعرض لهجمات القوى المضادة وانقلابها الدموي الأسود.

ليقدم مجددا قرابين أخرى استرخصت الدماء والأرواح فداء للشعب ومطامحه وتطلعاته في الانعتاق والانتفاض لثورته التي اغتالوها غدرا في ليل. ومع ذلك وعلى الرغم من المطاردات البوليسية البشعة والاعتقالات فقد عدنا يومها للتظاهر والاحتجاج ومواصلة مهام رسخها قبلنا زملاء سطروا  وقائع البطولة حد التضحية بالأرواح. وفي نهاية الستينات أكد اتحاد الطلبة العام جماهيريته وعلاقته الأكثر عمقا بالطلبة ليفوز بالانتخابات على الرغم من كل تلك الألاعيب الخبيثة وإجراءات السلطة والأعمال القمعية، وعلى الرغم من منافسة اتحاد آخر محروس بالمال والبلطجة وأسلحة السلطة نفسها. وذاك الفوز الكاسح جاء من أن أصوات الناخبين الطلبة كانت هي الحارس الأقوى  لخيار جماهير الطلبة لاتحادهم الذي عرفوا دوما أنه الأقرب لتطلعاتهم ولمصالحهم ولحراسة آمالهم والتعبير عنها.

ولعل تلك التجربة البهية يمكن أن تبقى الدرس المكين لمن يتجه اليوم للانتخابات كي يؤمن بنفسه ويثق بها ويتأكد من أن خيار الديموقراطيين وقوى المدنية هو الخيار الذي يؤمِّن له حراسة تطلعاته وتلبية مطالبه وهو الأمر الذي يدعونا للتصويت لخيارنا المدني الديموقراطي بالاستناد لمثل تلك الدروس البهية ونفض غبار الخشية والقلق غير المبرر من العودة للتصويت لمن نريدهم حقا ولمن أثبتت التجربة كونهم الأنقى والأنصع بياضا في قلوبهم واياديهم..

وبالعودة لسفر التاريخ المجيد فلقد برهنت تجربة السبعينات على قوة اتحاد الطلبة العام. فعلى الرغم من صدور قوانين جديدة في ظل سلطة البعثفاشية وصلت أحكامها إلى حد عقوبة الإعدام على أعضاء اتحاد الطلبة العام، إلا أن الاتحاد عرف كيف يمارس دوره وكيف يتعامل مع الظرف ويومها  وجَّه بمقاطعة الانتخابات التي صمموها لكي يفوز بها اتحاد يمثل سلطة الفاشست.. وكانت الاستجابة  مميزة وكبيرة  وعلى سبيل المثال لا الحصر أضرب طلبة إعدادية الكاظمية يوم الانتخابات ولم يحضر ما نسبته 66% منهم ورمى بالورقة البيضاء ما نسبته 17% وبهذا لم يحظ اتحاد السلطة مع كل الضغوط التي مارسوها وأشكال التضييق والتعنيف والبلطجة سوى على نسبة جد هامشية تجاه الأغلبية الطلابية التي تجاوزت نسبة الـ 82% تلك التي ساندت اتحاد الطلبة العام في المقاطعة.

لقد عبرت دروس ونضالات اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية عن أعمق شعور وطني تجاه ظروف الشعب ومطالبه العامة ووعي مهني ديموقراطي  يستجيب لمطالب الطلبة والظرف العام للتعليم في البلاد. ولربما راهنت سلطات الأمس على دمويتها وبشاعة قمعها وبلطجتها، ولكن تلك الدروس أثبتت فشلها في قمع إرادة طلبتنا الذين اتسموا بالوعي وبصلابة الإرادة وقوة العزم  وكذلك على حيوية روح الشبيبة وعطائها وثباتها على التحدي ومقارعة الضيم ومشاكسة من يتعرض لهم وممارسة أروع مواقع البطولة ضد كل أعمال البلطجة.

لقد هاجموا تظاهرات اتحاد الطلبة العام يوما [1967] في ساحة الشهداء بالسكاكين والهراوات (التواثي والقمجيات) والأسلحة البيضاء الجارحة؛ لكن طلبتنا الأشاوس تصدوا لبلطجية البعثفاشية يومها والعناصر التي رافقتهم بقوة وردوهم على أعقابهم ولم ينقذهم سوى شرطة النظام آنذاك. واستطاع منظموا التظاهرة ترتيب انسحاب منظم لتجنيب الطلبة دموية بشعة لأولئك القتلة من بلطجية عُرِفوا بعنجهية وعدوانية وميل ثابت لاختلاق أششكال الشجار ومعارك الشوارع. لكن ذكاء أعضاء اتحاد الطلبة العام كان دوما يسحب البساط من تحتهم ويفوت عليهم فرص الإيقاع بطلبتنا. ولطالما كانت عصابات اتحاد البعثفاشيين تترصد لزميلاتنا وزملائنا لكنهم خابوا دوما إلا عند استعانتهم بقوات القمع (الأمنية) لاعتقال زميلة أو زميل، وهناك في المعتقلات عُرِفت شجاعة الزميلات والزملاء وروحهم الأبية التي لا تنكس لطاغية تجبر...

ربما شاهد طلبتنا في 25 شباط 2011 بعض المشاهد التي حاولت تكرار الاعتداءات الهمجية على شبيبتنا وطلبتنا، وربما شاهدوا لعبة التصيد ونصب الكمائن لزميلات وزملاء وربما بتنا اليوم نشاهد كثيرا من التضييقات واستغلال وسائل العنف والقمع. لكن الطلبة يلاحظون أن اتحاد الطلبة العام أوعى من الوقوع في مطبات الصدام والمشاكسة والبلطجة الوحشية وهم يعملون كدأبهم على تفويت الفرص على العدوانيين وعلى النيل من طلبتنا..

لكنهم لا يتوانون عن حمل هموم الطلبة ومواجهة الإدارات المتخلفة والأعمال الاستغلالية للطلبة أو تلك التي تدهورت بمستويات التعليم وبأوضاع الدراسة وبأحوال المدارس والمعاهد وبمستويات المحاضرة وبطبيعة المنهج  ومن هنا فإن برامجهم النضالية المهنية الديموقراطية تبقى على التزامها الأمتن بمصالح الطلبة ومجمل العملية التعليمية في المدارس والجامعات.

إن الخبرات المختزنة لدى اتحاد الطلبة العام وتاريخه العريق وكونه المنظمة الأعرق الأقدم في مسيرة طلبة البلاد تؤهله لحمل مهمة توحيد منظمات الطلبة وتطوير فاعلياتها وأنشطتها ووضعها في المسار الذي يتمسك باستقلالية العمل الطلابي وبابتعاده عن الصراعات الحزبوية الضيقة وبمنع سطوة قوى دخيلة على الحرم الجامعي وعلى نهج تعليم ينتمي لعصرنا وللحداثة ومنطق العلم  والتنوير.

وفي وقت لا يستهين بولادة جمعيات وتنظيمات جديدة فإنه يرى أن الطبيعي لطلبتنا أن يوحدوا جهودهم ويمضوا باتجاه اتحادهم الأم اتحاد الطلبة العام ويجعلوا منه أداتهم الأقوى للتعبير عن مطالبهم قبل أن تكون ظاهرة التشرذم وسيلة لمزيد من استغلالهم وافبقاع بهم وحرمانهم من مستقبلهم الأفضل.

إن مناسبة ذكرى تأسيس أول اتحاد لطلبة العراق ممثلا باتحاد الطلبة العام لهي مناسبة لشحذ الهمم والاحتفال بعيد طلبة العراق عيدا يلتقي فيه كل طلبتنا معا وسويا يشاركون بفرح غامر في إعادة مجد بطولاتهم وتاريخ شهداء الحركة الطلابية شهداء اتحاد الطلبة العام كي يقولوا ها نحن ما زلنا على العهد وتلكم هي القضية والأداة والطريق لاستعادة أفضل ظروف التعليم وأرقى مستوياته لعد كوارث انهياره وتدهوره ووقوعه في حضيض الأوضاع!

وبثقة نحن الذين كنا بالأمس أعضاء في اتحاد الطلبة العام نجدد التحية لاتحاد كان مدرسة وطنية وديموقراطية لنا وكان المدرسة القيمية التي جعلتنا على ما نحن فيه أساتذة في جامعاتنا ومبدعين نخدم حركة التجدد وإنتاج خيرات الوطن والناس، وسنبقى على العهد واثقين من أن زميلات اتحاد الطلبة العام وزملائه الجدد سيمضون اليوم من أجل غد أفضل. فتحية وسلام وكل عام وأنتم بخير في عيدكم المجيد.

 

 

استذكارات وتحايا:

1.  تحية لزميلاتي وزملائي في إعدادية الكاظمية \ بغداد. تحية لأعضاء اتحاد الطلبة في تلك الإعدادية مطلع سبعينات القرن المنصرم.

2.  تحية لزملائي في لجنتي الكاظمية و الكرخ   التضامن والحجاج  وإنني ما زلت متشرفا بذياك التاريخ البهي لوجودنا وعملنا معا.

3.   تحية لزملائي الذين واصلنا يومها العمل على الرغم من التهديد بعقوبة الإعدام، ومحاولاتنا التي تجددت دوما نضاليا من أجل مبدأ وقيم ومن أجل من آمنا بالدفاع عنهم.

4.  تحية لروح مستقل منزه عشناه في جهود اتحاد الطلبة العام وبعمق علاقة وارتباط بالحركة الوطنية الديموقراطية ومازالت تسم وجودكم المشرق خيرا.

5.  تحية لكم الييوم وأنتم تقارعون البلطجة والإرهاب ودمويتهما من جهة والإرهاب الفكري وعمليات المصادرة والقمع والمحاصرة من جهة أخرى.

6.  تحية لكم وأنتم تتقدمون لتوعية وتنوير في زمن الظلمة الحالكة والتخلف والجهل وفشل العملية التعليمية وتراجعها فيما تواصلون بعزم توسيع جهودكم لا تخشون الظلمة فأنتم الضوء الساطع الذي يزيلها.

7.  تحية لاحتفالاتكم اليوم تقارع من يحاول قلب حيواتكم إلى مجرد ملآتم ويمنع احتفالات الطلبة فيما أنتم تعيدون الاحتفال بالميلاد وانتصار إراد\ة الخي والمسرة والسعادة للجميع.

              وهذه تحية لجهودكم المميزة في جامعات البلاد ومنها جامعة ابن رشد فأنتم أصحاب الكلمة التي ترسم البشائر فواصلوا العمل ولن نتخلى عنكم يوما.