رسالتي ودعوتي لتجاوز الاحباط ومحوه ولولوج عالم الأمل والبحث في تمكينه وتحققه

أليس ملفتا للنظر أنْ ترى أنَّ مَن يقرأ لك موادك،  في سويعات يومك، مئات أو آلاف من القراء، فإنْ كتبْتَ في لحظة مأزومة عن التهدئة والتأني والرزانة وتوظيف العقل لقرار حكيم يؤكد مبدأ المواطنة وجوهرها الإنساني ويُظهر قيم الإخاء والمساواة والاعتراف بالآخر والتسامح، وجدتَ أنَّ من يقرأ قد انخفض لعشرات معدودة أو حتى لأقل!؟ هل جمهور القراء تجذبه حقا العناوين الراديكالية الحادة؟ هل صحيح أنَّ المعالجات الهادئة الموضوعية بعيدة عن اهتمام المتلقي؟ هل وصلـْنا إلى وضع متوتر يمتلئ بالشحن العنفي وبالاحتكاك والاصطدام،؟ هل هي لحظة ما قبل الانفجار؟ هل وصلت الأمور حد التخندق والاحتراب واتخذت الأغلبية من الناس موقف المتفرج؟ هل الصورة باتت في فرجة الناس ومتابعتهم أخبار الصراع العنفي المحتدم بدل الاطلاع على ما يعالج لهم هذا الاحتدام بوساطة التهدئة والتأني وأعلى درجات ضبط النفس؟ هل بات معقدا إلى هذا الحدّ البحث في آليات ممارسة سلوك احترام الآخر؟ هل فعلا وصل الناس حد اليأس والقنوط والاحباط؟ وهل وصلوا مرحلة الاستسلام للانقسام؟ هل توزعوا على فريقي النزاع الطائفي؟ هل سلَّموا قيادهم لمالك سلاح العنف وسلوك الإرهاب والموت الأسود؟ وهل سلـَّموا أمورهم لشريك العنف، أي لسارق المال وناهب الثروة ورأس الفساد؟

أسئلة كثيرة يمكن أن تشي بها مراقبة حال القراءة والقراء وتوزعاتهم. ولكنني أثق بأنَّ الوضع لا يجب أنْ يُقرأ من بوابة وضع القارئ النفسي والاجتماعي والسياسي، وضع وعيه ومستوى المعرفة السائدة حسب بل يجب أنْ يُقرأ من بوابة درجة نجاح خطاب الكتّاب أنفسهم وكيفية ظهور معالجاتهم، وما تطرحه من بديل وإمكانات تحققِهِ؛ ومن بوابة أخرى هي بوابة الظروف الموضوعية العامة المتحكّمة بالقراءة وبالتفاعلات. من هنا فإنني أولا أحترم موقف القارئ كل قارئ وثانيا أعتدّ بدراسة موقفه غير المكتوب وتفاعله ولا أتطير أو أستغرب الحال السائد. وبدل الانجرار وراء لهيب التطاحن والاحتدامات التي تلهث وراء الحدث المشتعل أبحث في وسائل الوصول لأفئدة قرائي وعقولهم وإلى معاناتهم وما يتعرضون له من ضغوط كيما أجد وسائل محو ذاك الياس، القنوط والاحباط.

إنها حياة واحدة نحياها وما يذهب منها من دقائق وساعات وأيام وسنوات لا يعود.. يمكننا أن نجد هنيهة استرخاء حتى في خنادق المعارك مع أعداء البشرية والسلام. ولكن القضية أيتها السيدات أيها السادة تكمن في موقفنا من الوعي من درجة قبولنا الانتماء لثقافة عصرنا ثقافة منطق العقل وإغنائه بالمعارف والعلوم من جهة وبالمفردات السلوكية والقيمية التي تنتمي لزمن نعيشه. فبعضنا عن غير قصد يريد تمضية سويعاته وترك إرادة الفعل وعنصر وجوده المؤنسن وسط حطام التخريب والتدمير وهو مقدمة للانهزام الفردي وربما الجمعي.. القضية أن نقول نحن ممزقون خواء مستسلمون أم أننا بشيء من نباهة لا تكلفنا شيئا سوى استبدال خيار داخلي فردي وجمعي بالقول إننا نستحق الحياة ونستحقها تنتمي لعصرنا لهويتنا الإنسانية لأنسنة وجودنا البشري وآدميته.. هنا تختلف الأمور وسنجد المتعة والفائدة تتحدان فينا لترتقي بنا لحال الانتماء للعصر وللحداثة ولزمننا ولقييمه وللتمتع كما بقية بني البشر بحقوقنا. لا تعتقدوا أن سماحنا للضوء يدخل عقولنا يعني مزيدا من المآسي بالعكس إنه يعني مزيدا من إدراك ما يمتعنا وما يمنحنا تفاصيل مطالبنا وحقوقنا كما يضعنا موضوع قدرة الفعل والتأثير وفرض إرادتنا بخلاف إغماض الأعين والاستسلام فإنها لا تعدو عن استسلام لا يقبله معتقد ولا قانون ولا منطق عقل ولا مشاعر وقيم إنسانية.

القضية بحاجة لوقفة مع الذات، من القارئ! وأخرى من الكاتب! ولقاء متجدد بينهما لا يبحث عن عبارات تفاعل ولكن يأمل بثة بمواقف جديدة مشرقة خيرا لجميع أطراف أنسنة حيواتنا والسمو بها نحو آفاق بهية تنطلق فيها الحريات والحقوق ويزال الاحباط وتعود الحيوية.

لن نجد من يركن للملتهب السلبي بل سنجد من يتفاعل مع الملتهب الجياش مشاعر إنسانية وحلولا ومعالجات تفضي لزمن التعايش والإخاء والسلسم الأهلي زمن التعددية والتنوع واحترام الآخر والتسامح. إنه زمن الفرح الغامر انتصارا للبسمة فينا ولانتمائنا لإنسانيتنا وعصرنا ومنطقه.

فإلى قراءة من جديد لما أردتم قراءته فقد وجدتم الأمر هناك ليس في الكلمة المكتوبة المقروءة بل وفي إيحاءاتها وما نجم عن هذي القراءة مما تم خطّه في العقول النيرة المؤنسنة المستحقة للحياة الحرة الكريمة المنعتقة من قيود الاستغلال وأغلال الاحباط والاستسلام والأحادية في أسباب كانت تدفعنا للقراءة فصارت اليوم عبرنا وعبر قرار في دواخلنا أسباب متنوعة متعددة لا أحادية تمنحنا التفاؤل بديلا للتشاؤم والأمل بدل الاحباط.

فلْنقرأ ونواصل القراءة بكل عناوين الركوز والتأني والهدوء مثلما نقرأ للملتهب بانفعالات الخير والمحبة والسلام

ومودة