نظام الكليبتوقراطية وطبقة الكربتوقراط وتطبيقات لتفسير المصطلح اقتصاسياسيا

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

 

الكلِيبتوقراطية مصطلح يرد تفسيره في معجم العلوم السياسية؛ بكونه تعبيرا عن نظام حكم جوهره الفساد واللصوصية أو نهب الثروات العامة. وتقوم سلطة الفساد على وحدة مكينة بين السلطة السياسية وسلطة مافيات لصوصية تسطو على الثروة العامة بوسائل عديدة يتم شرعنتها، بآليات عمل حكومية رسمية عبر برامج مشروعات وهمية وأشكال من التستر من قبيل إحالة ما يفتضح من أمور للجان تحقيقية تنهض بمهمة تمييع القضايا وسط تراكمها وكثرتها وضخامة ما فيها وفوضى ما ينثر حولها.

وعادة ما يتشكل نظام الكليبتوقراطية من قلة حكومية تدعي إيهاما وتضليلا كونها ممثلة شرعية لغالبية شعبية تأتي بها إلى السلطة.. ويقاد نظام الكليبتوقراطية بمجموعة تسمى الكربتوقراط الذين يتحكمون بالسلطة بذرائع من قبيل تمثيل طائفة أو تمثيل المقدس الديني أو ما شابه من أغطية تتستر بها، ولكنها في جوهرها ليست سوى قلة تمارس نهج نظام الكليبتوقراطية على حساب الجماعة، وقد تصل الأمور بنظام الكليبتوقراطية إلى مستوى حكم لا يعود بحاجة لادعاءات السعي إلى خدمة الجماعة أو تمثيلها بعد التمكن من أدوات السلطة وتجسّد السلطة بالكربتوقراط الذين يمثلون وحدة السياسي الحكومي ومافيا الفساد المالي. وأصل مصطلح الكليبتوقراطية يتشكل من مقطعين يونانيين؛ أولهما (كليبتو) [Κλεπτο] بمعنى لص، وثانيهما (قراط) (κρατ) بمعنى حُكم؛ ليتشكل منهما حكم اللصوص أو نظام الكليبتوقراطية.

ويظهر هذا النظام في الغالب في إطار النظم الدكتاتورية و\أو الاستبدادية؛ لكنه يظهر أيضا في مراحل انتقالية نحو النظم الديموقراطية التي تنحرف بسبب من هشاشة التجربة وضعفها وتعكزها على قوى وعناصر هزيلة مثل حركات لا تحمل برامج علمية أو تعتمد على فلسفات ماضوية أو تبريرات دينية لا علاقة مباشرة لها بخطاب الواقع ومطاليب تفاصيل اليوم العادي للإنسان، حيث تعول على تضخيم اهتمام الإنسان بالماورائيات وبالعالم الآخر بعد مماته على حساب تفعيل عقله وجهوده في بناء حياته، وطبعا خواء برامجها التنموية وفشلها في عمليات البناء الفعلية المؤملة المنتظرة.

إنّ الكليبتوقراطية هي نظام الفساد الشامل أو المطلق الذي يقوم جوهره على مشاغلة الناس في بلدان التخلف، بأمور أخروية؛ فيما يتمتع هو باستغلال الثروة ونهبها وتكديسها في خزائن الفساد ومافيات الكربتوقراط.

والسؤال التطبيقي لقراءة تفسير أشمل هو: إلى أيّ مدى يمكننا تطبيق هذا التوصيف لنظام الكليبتوقراطية وطبقة الحكم فيه أي الكربتوقراط على نماذج وُلِدت في بلدان شرق أوسطية حصلت فيها تغييرات راديكالية كبيرة؟

وللقارئ الحصيف، أن يختار بلدا، على سبيل المثال العراق، ويتمعن في توصيفات محلية ودولية لمستويات (الفساد) التي باتت من بين الأربعة الأولى عالميا! حتى وصل الأمر أن نرى مدخلات الموازنات الرسمية قد بلغت أكثر من 700مليار  دولار ولكن المخرجات لم تتجاوز بضع ملايين لا تمثل سوى هامشا جد هزيل فيما أغلب تلك الأموال تهدر في أطر الفساد المالي الصريح!! وأشكال نهب الثروة تجري بصيغ ومستويات وآليات مشرعنة وأخرى مغطاة متسترة بلا رادع ولا معالجة طوال 10 سنوات عجاف.

كما أن الإشارات العملية وانكشاف بعض الفضائح في إطار صراعات قوى الفساد تصرّح لا تلمح بأن جهات الفساد باتت بمستويات حكومية كبيرة وصلت أعلى هرم السلطة السياسية. كما أن اللجان التحقيقية ومؤسسات الحكومة المعتمدة للمعالجة والمتابعة لم تقدم لا للجهات (التشريعية) ولا أمام الشعب أيّ نتيجة فعلية حول أية فضيحة أو جريمة فساد حتى اليوم!؟ وما تم كشفه لم يجر بحقه لا معالجة واستعادة للثروة المنهوبة وهي بالمليارات ولا محاسبة قانونية بحق المحكوم المدان بل جرى تهريب الرؤوس الكبيرة دوما....!؟

من جهة أخرى باتت قوى الكربتوقراط أكثر جاهزية للتمكن من السلطة السياسية وللتمسك بكرسي السلطة وعدم ممارسة مسؤولياتها بما يُنتظر منها؛ فيما يجري مشاغلة العامة بأمور طقسية ما أنزل الله بها من سلطان وكثير من هؤلاء بين حال الاستسلام والاحباط ومن ثمّ تمشية أمور يومه مع هذه القوى المستحكمة وبين وقوعه برهبة القلق والهلع من سطوة وحشية همجية لقوى تصفوية لا قدرة له أن يقف بوجهها فيعكف على آلية: ولماذا أكون أنا بوجه المدفع؟ بالمحلي العراقي لهجيا سياسة ((الشعلينة لازم)) وممارسة المواقف السلبية تجاه ما يتهدده مباشرة وإن كان بعد حين، لحظة يأتي دوره في مذبح قرابين الكربتوقراط الجديد في عراق تكتنف عمليته السياسية ومشهده العام تناقضات كثيرة.

 

إن هذا، التحليل، لا يعني أننا بتنا بالمطلق بمثل هذا النظام أو وصلنا تماما مرحلة الكليبتوقراطية وأن الكربتوقراط قد تمكن نهائيا من السلطة بل يعني أن مقدمات هذا الأمر باتت بأدوات كبيرة هي المسيطرة ولكن في ذات الوقت مازالت تلك القوى حبيسة مستوياتها المتدنية من جهة إمكانات الأداء وإحكام سطوتها لتخلفها.

ولذا فمعالجة الأمر اليوم أسهل من الغد؛ إذا ما عرفنا توظيف البعد الدولي والمحلي باتجاه مأسسة العمل وتنظيمه شعبيا ورسميا لوقف مسلسل الفساد وتغلغله المرضي وتوسعه بمستويات شاملة وعميقة، بدل ترك الأمور لمافيات ربما تنحرف أو تنزلق بالوضع باتجاهات غير تطلعات الشعب وقواه السليمة الحية.

علما أن دولة بحجم العراق لن تخلو من العناصر النزيهة ومن القوى الإيجابية ومفردات الحل والخلاص من مستقبل نظام كليبتوقراطي، ومن صنع طبقة كربتوقراطية متماسكة كما يجري بمسلسل نموها اليوم.

هذه قراءة في المصطلح السياسي ومحاولة تطبيقه تتطلع لقراءات وتطبيقات تنضّج الجهد وتصل به إلى الصورة المثلى موضوعيا. من دون أن نقع أسرى الاحباط من جهة والسلبية والاستسلام لمجريات الصراعات وتناقضاتها من جهة أخرى، ولا التحول بملاحظاتنا للمطلقات والشمولية في الأحكام الإلغائية للآخر والعدمية في التعاطي مع عناصر الخير والبناء..

وينبغي أن نجد وسائلنا الفاعلة ذاتيا موضوعيا كيما نصل للحلول والمعالجات من دون الانشغال بخطاب الاتهام والشخصنة ولكن بولوج تحليل الظواهر ومعالجتها خارج إطار الفردنة والشللية واصطياد قوى التقدم والانعتاق من تلك الأمراض بأقفاص ألاعيبها.

فشكري وامتناني لتعليقاتكم وتداخلاتكم، هنا بعيدا عن التعريض بطرف أو آخر قريبا وعميقا حيث ينبغي أن نكون بمواضع منع الانزلاق بمصائد لعبة الفساد ومافياته وعلاقتها بكرسي السلطة.