رأس الشليلة وسط ارتباك الوضع العراقي!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

يصف العراقيون البحث عن جوهر الموضوعات والقضايا وسط الفوضى، بالبحث عن رأس الشليلة، توكيدا لعويص ما يجابهه البحث في المختلط من الأمور. ولعل إضاعة أسّ المعالجات وخرائط طرقها، في الواقع السائد هو اللعبة الأكثر استغلالا من جانب أصحاب المصالح في إضاعة سبل العلاج ومن ثمّ فهي المتاهة التي تشكل المصيدة للواقعين في شباكها من بعض مسؤولين رسميين وغير رسميين ومن كثير جمهورهم الذي ينتظر من طرف ما إيضاح الأمور بصدقية وشفافية.

ولقراءة الواقع العراقي وأوضاعه المرتبكة، لنقرأ الآتي:

1.    دورة اقتصادية معطلة يمكن لأبسط مواطن التعرف لهذه الحقيقة المأساوية؛ ولكن أين مفتاح تشغيل هذه الدورة؟ يبدو أنه ضائع وسط ركام من الأمور يبدأ من انهيار في مجمل مشروعات الصناعة والزراعة ومن فساد المشروعات الجديدة، حيث الكذبة التي تفضحها حالات الخواء الفعلية لهياكل مفرغة لتلك المشروعات. فضلا عن افتقاد لمشروعات استراتيجية منسقة منظمة والوقوع في فخ عشرات وربما مئات من الطروحات المتضاربة مختلفة الاتجاهات المتعارضة؛ وهي لا تظهر إلا بقصد إظهار (بعض) المسؤولين و(بعض) المؤسسات وكأنها تشتغل وتدير عجلة مسؤولياتها!؟ هنا وسط ركام من كل هذه المعالم يضيع المفتاح أو المدخل في متاهة ويضيع رأس الشليلة بوضعنا الاقتصادي المتردي بلا منجزات سوى أبواق الدعاية وإعلام بلا مصداقية خلا مصداقية قرع الطبول.

2.  في المجال الخدمي وفي رؤية الركائز البنيوية سواء لمجمل البنية الاقتصادية أم لمجمل الخدمات المتطلع إليها من مواطني العراق الجديد؛ لا يرى المعايش ولا القارئ للوضع سوى خرابا ودمارا من إرث العقود الماضية، وقليلا من هياكل جديدة لا ترقى لمستوى المنجز الذي يحتاجه أكثر من 30 مليون إنسان. فالكهرباء بأوسع فوضى بين الوطنية والمولدات المحلية والخاصة. والماء في شح لا للضرع ولا للزرع حسب بل لبني آدم من البشر الذين يبحثون عن مياه صالحة للشرب فلا يجدون ولا النزر اليسير في ظل جفاف وتصحر؛ ولا من يكترث لمشكلة المياه المطلة علينا بين سنة وأخرى ليستا بعيدتين عن هذا الشعب، وهي تُنذر بالكارثة! والطرقات تمشي فيها وكأنك تمشي وسط مناطق وعرة تتقلب بك تضاريسها الطبيعية والصناعية المنظمة [جدران الفصل الطائفي مثلا المسماة حواجز أمنية] وغير المنظمة [حفريات لمختلف المؤسسات أو لمخلفات الحروب العبثية الجديدة]. ولمن يريد التوجه من مكان لآخر عليه أن ينسى كل الآليات المعاصرة المساعدة على العثور على خرائط الطريق بين العنوانين لأن المتغيرات تحصل بالأيام وربما بالساعات، ولن يجد ضالته وسط التوهان أو لعبة المتاهة وعبثيتها وعبثها في الواقع المرّ!

3.  فإذا عزلنا أمر الصحة والتعليم منفردَيْن فإن القضية لا تقف عند انفلات في الرعاية الصحية وتحول لم ينضج ولم يكتمل في التعليم بل وقوف وسط السكة وكما يقول المثل العراقي [لا حِظَت برجيلها ولا خذت سيد علي] وفي الصيف ضيعت اللبن.. فالمريض المعدم من فقراء تحت خط الفقر وفي فجوة  الفقر المدقع ممن لا يملكون ثمن رغيف الخبز الباحثين عنه في أكوام النفايات لا يمكنهم التوجه لغير مستشفيات عفوا من تسميتها كذلك وللمواطن المطلع أن يضع التسمية الصحيحة لأن من يدخلها كالمستجير بالرمضاء من النار، والنتائج معروفة في نسب الأمراض الفتاكة المزمنة والتشوهات الخلقية والأمراض الوبائية غير المحكي عنها ولا في قصص ألف نهار أسود ونهار فاحم مما سادت العتمة حد الظلمة التامة! وللتعليم لوحده شجون وجنون وقائع. فالتزوير ساد حتى وصل المزورون (الباب العالي) وما يوجه العمل خطة اللاخطة ولدينا متاهة قوانين من زمن منقرض بمقابل مواجهة رسمية [بجانب من عناصرها] ضد التصحيح والتطهير ومحاولات التحديث. وطبعا النتيجة [في الغالب] خواء في البرامج العلمية وفي المدخلات والمخرجات وفي خدمة واقعنا وفي قبول وسائل حل مناسبة أقل كلفة وربما أكثر حداثة ومعاصرة في تقنيات بعض نظم التعليم مثل التعليم الألكتروني الذي تُرِك في ميدان لا يخضع للشرعنة ما يفضي لمزيد من ثغرات وأخطاء تتراكم فوق أكداس الموجود منها.

4.  وفي السياسة، فحدِّث ولا حرج. إنها دهاليز بلا مبتدأ ولا خبر. والكتابة فيها من كل لون ولغة إلا لغات البشر المعقولة منطقا والمفهومة من مواطن مغلوب على أمره، فيما المتفشي وباء لم يستطع لا عراف ولا منجمّة أن يقرأ له فنجان! (كتل) تتحد وأخرى تنقسم بناء على مصالح (مشِّيلي وأمشّيلك) أو (مررلي وأمررلك)  وطمطمة لأمور وعقد ومشكلات. والجريمة السياسية تتصاعد إلى حد خلط أوراق الصالح بالطالح. ومن يخرج محتجا يصبح مأجورا مدفوع الثمن حسب تضليل طبالي سلاطين جدد ومن يكافح وسط غبار معارك الطائفيين يجتمع عليه جناحا الطائفية لتصفيته وجثث بأكداس، منها جثث بشر أبرياء ومنها جثث كتل ومنظمات كارتونية باهتة وأخرى لمؤسسات ومنظمات وغيرها لقضايا ومعضلات تدخل توابيت لجان التحقيق التي لا تمثل سوى لجان الطمطمة  وإخفاء آثار الجرائم المرتكبة بالجملة لما يجري ببغداد اليوم.

5.  ومؤسسيا [أو مؤسساتيا كما ينسب بعضهم للجمع لا للإفراد بخلاف قواعد اللغة] ما عاد العاقل يدرك مَن فوق مَن؟ هل التنفيذي فوق التشريعي؟ أم القضائي فوق التشريعي؟ أم الأخير جزء من الأولين أو مرادف تنفيذي ينافسهما في أمر؟ وكيف تنبني المؤسسة هل بقانون أم بسلطة من يحتل الكرسي ويرسِّمه أو يسجله بدوائر الطابو حصة ثابتة لشخصه أو لكتلته؟ وأين يجري تنفيذ القوانين؟ ومتى؟ وكيف يمكن الخروج من متاهة التضارب بمواد دستورية مصنوع بعضها من حصة (الإسلامي) المولود متأخرا على زمانه أقصد زمن يعود لعصر الكهوف وحصة أخرى للديموقراطي الآتي مع رياح عصر الليبرالية الغربي وبصيص حصة أو بقايا حصة من أثر قد يُرى أو لا يرى بحسب حدة بصر من يفتش في الرمال عن حبة حنطة لجوعى عائلته المعدمة! أما القوانين فيستل منها المسؤول ما شاء من قديمها ومن جديدها ومن تشوهات الصياغات التي لا تستند لمدرسة!

أليست ((شليلة)) وضاع رأسها؟ أو كما يقولون بصورة معبرة أخرى ضاع الخيط والعصفور!! أو من أين نبدأ أمن الدجاجة أم البيضة؟؟

إنّ سؤال }ما (الحل)؟{ ليس هو السؤال المناسب هنا لنجد رأس الشليلة؛ ولكن السؤال ربما يكون أولا: ما سبب هذا الركام من المتاهات؟ وأيّ هذي المتاهات هي التي تخفي جوهر الحقيقة؟ فإن أجبنا عن هذين السؤالين تمكنا من التعرف إلى موضع رأس الشليلة أو تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وربما استطعنا الشروع بالحل فعليا.

لقد قرأنا في المقدس ما يفيد أنْ: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"؛ ومن ينتظر أن يتغير مجرم كمّن ينتظر غودو الذي لن يأتي؛ فالمجرم ممن يصنع فوضى العبث الإجرامي في البلاد أي الضرب مرة في أتباع الشيعة وأخرى في أتباع السنّة هو مجرم واحد بالتأكيد.. وهو من يضرب  عامدا التصفية والإبادة في المندائيين مرة وفي الأيزيديين مرة وفي المسيحيين أخرى في إشاعة للجريمة وأجوائها وإثارة غبار يغطي عنان السماء كي تضيع الأمور على أصحاب الحل!؟

وإذن من ينبغي أن يتولى إيجاد رأس الشليلة ليس الطبقة السياسية التي (تحتل الكراسي فتستغلها نفعيا وتترك المسؤوليات فتهملها تعمدا، لعجزها عن إدارة الواجب وممارسته.. ولقصد في إشاعة الاحباط) وترك البحث في بدائل وحلول. إن المواطن مسؤول أول وربما أخير في الظرف الحالي عن واجب التغيير. فالطبقة السياسية التي تتحكم اليوم بالوضع بوساطة جل ممثليها، هي أما قسم ساهم في الجريمة بكل أشكالها أو أن قسما آخر عجز عن أداء المهمة لعجزه وخواء إمكاناته[حيث لا مكان للكفاءة هنا] وبنسبة أخيرة فشلت بسبب من عدم توافر الصلاحيات في غابة من قوى الفساد أو في سحب لتلك الصلاحيات من رأس هرم أية مؤسسة يحتل فيها كرسي إدارتها!

ولكن البديل موجود؛ فهناك مخلصون وشخصيات كفء للمسؤوليات وهناك نخبة سياسية بديلة للطبقة السياسية والنخبة الآن خارج المسؤولية فيما الطبقة تحتل الكراسي مجمّدة العمل المؤسسي ومبعدة عناصر النزاهة والإنتاج عن موقع القرار.

رأس الشليلة بأيدي المواطنين أنفسهم. ونسأل بعض مواطنينا ممن ما زال مترددا في خياراته: لماذا تنتمي إلى حركات تقودها تلك الطبقة الخاوية؟ ألستَ من يمنحها القوة والظهير؟ لماذا تصوّت لتلك الطبقة؟ ألم يحشروك في خانة الطائفية؟ ألم يوجهوا منطق خياراتك طائفيا؟ وربما إرهابيا لعناصر تلتحف الاحتجاجات الشعبية لتمرق باتجاه نوازل الطائفية وسطوة جناحي حركة دويلات الطوائف الآتية إلينا بولادة متأخرة من زمن الجهل والتخلف.

إن المواطنين اليوم مطلوب منهم معرفة القوى المدنية، قوى العقل وحكمته.. قوى الحقيقة والعلم وبحوثه وحلوله. قوى الكفاءة والنزاهة. قوى البديل الذي يأتي بالنخبة الملأى بالفكر التنويري والمنتمي لحركة وطنية وقومية تحررية، ديموقراطية المنحى إنسانية الجوهر بديلا عن طبقة خاوية من جهة نفعية مرضية من جهة أخرى.

إن رأس الشليلة بمؤازرة البديل الوطني الديموقراطي في فرض حلوله عبر النضالات المطلبية وتراكمات نجاحاتها والنضال السياسي الوطني العميق بجوهره للتغيير الأعمق بوساطة مؤتمر وطني يواصل الانعقاد حتى ينتهي إلى فرض التغيير المنتظر.

وهذه الحلول واكتشاف رأس الشليلة ليس تنظيرات لا تطعم جائعا بل برامج عمل تتطلب صحوة ضمير شعبي ووحدة قوى شعبية ديموقراطية وعدم انشغال في خطاب الاتهامات ودوامة ما يقود إليه، وهذه الحلول [أيضا] رفض لبرامج سادت طوال عشر عجاف ملأى بحرب عبثية بحق الشعب ومصالحه. إن رأس الشليلة الذي لا يظهر اليوم بتوافق وطني شامل ويتعكز على أحادية كل طرف يحملها مدعيا امتلاكه الصواب لوحده، إن ذلك يعني أن البديل لن يتحقق.

ولكلمتي المقترحة هذه تطبيقات وأمثلة وخارطة طريق ينبغي أن نبدأ مشوارها اليوم وليس قبيل يوم من انتخابات التغيير. إن موقعة الانتخابات 2014، ستكون موقعة الشعب وقواه الوطنية والقومية التحررية الديموقراطية، قوى العقل بضفة وقوى الجهل والتخلف بضفة أخرى.. فهلا التقطنا رأس الشليلة في يومنا قبل أن تدفن وسط ركام جديد مضاف مازال يتضخم بجثث من بناتنا وأبنائنا وضحايا من وسطنا المبتلى؟؟؟؟؟