الشرعية بين المفصَّل على مقاس طرف والمعبر عن السمو الدستوري لصوت الشعب؟؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

توطئة: في لحظة فارقة مهمة للثورة المصرية الشعبية، بسلمية طابعها وشرعيتها المنتمية لصوت الشعب وسمو صوته دستوريا؛ وفي ظرف أفتقد للتركيز لحال صحي خاص كتبت هذه المادخلة لتداعيات بشأن جانب مما تجابهه ثورة الشعب المصري التي نتضامن معها بقوة .

المداخلة:

ما يجري في مصر ليس احتجاجات نقابية أو حزبية على قضايا خدمية من تفاصيل اليوم العادي  للشعب وهي ليست حركة احتجاجية تقودها معارضة تقليدية وحركات حزبية محدودة؛ وما يحدث ليس انقلابا عسكريا ضد الشرعية ولكن ما يجري ويحدث هو هدير عال لصوت الشعب صاحب السمو الدستوري الأعلى يؤكد سحب الثقة من سلطة برهنت على انحرافها عن صحيح المسيرة بمحاولة التأسيس لاستبداد جديد مع خطل برامج أودت بمصالح الشعب وأصابتها بمقتل!

ولأن الوسائل التقليدية لسحب الثقة غير متوافرة بسبب من عدم اكتمال بناء المؤسسات الدستورية تحديدا البرلمان الممثل لصوت الشعب وسلطته التشريعية ولأن السلطة التنفيذية اتجهت نحو تغويل وجودها بمحاولات مصادرة صلاحيات التشريعي والقضائي وحصرها بين يديها مع فرض صبغة حزبية خاصة على تلك السلطة، فإن الشعب اضطر أمام أزماته الحادة الخانقة وأمام حال تغول السلطة وحزبنتها أو أخونتها، اضطر للعودة لأصل الآليات الديموقراطية والدستورية بجمع أصوات ملايينه في مطلب إعادة الانتخابات وبالنزول بشكل مباشر للشارع كيما يؤكد مطلبه وصحة توقيعه وثائق سحب الثقة وإعادة الانتخابات.

من هنا فإن بعض من يحاول القول إن الشعب منقسم على فريقين واهم أو متنكر للحقيقة ويحاول تجاهل أن الأمر يتجسد من جهة بثورة شعبية عارمة تشمل ملايين أطياف الشعب ومكوناته وتضخيم حجم أنصار طرف  يحاولون بكل الوسائل الظهور بمظهر الند للشعب وثورته. وعليه فلا الشعب منقسم بين طرفين ولا صواب لحجر يحاول مصادرة المظاهرات الشعبية التي تمثل سابقة عالمية في النزول إلى الشارع. كما أن القضية ليسست بين موالاة ومعارضة بل بين الشعب وسلطة حكم أفسدت وانحرفت وابتعدت عن مهام بناء الدولة المدنية لتحاول بناء شكل للدولة الدينية المقنعة مع هامش تريد به شرعنة ممارساتها الاستبدادية.

ومن هنا أيضا، فإن من يتحدث عن تمسكه بالشرعية وتمترسه خلفها إنما يتحدث عن آلية تمّ تشويهها عن عمد وسبق إصرار بغية تمكينه من ترسيخ الانحراف بالشرعية لتجييرها لمآرب خاصة تساعده على إحكام الإمساك بكرسي السلطة وسيلة لتطبيق فلسفة استبداد مخصوصة ممثلة بـ (الأخونة) وما خلفها ومن خلفها وما يحملون من مآرب ليس من بينها ولا مفردة واحدة تصب بمصلحة شعب مصر.

وفي الحقيقة لا وجود لشرعية تُفصَّل آلياتها على مقاس حزب وبضع شخوص. ومثل هذا يعني ولادة نظام استبدادي لم يعد مقبولا بعصرنا ولم يعد ممكنا لشعب أن يرضخ له أو يمنحه الشرعية. وعادة تسقط أية سلطة تنحرف عن جوهر وجودها المرحلي متحولة إلى تأسيس وسائل بقائها بطرق (مسلفنة بشرعية شكلية أو لفظية خاوية) تستلب الشعب حقه في دفع من يمثله حقيقة ومن ثم فهي تفرغ مبدأ دورية الانتخابات وتداولية السلطة من جوهره.

والأمر الآخر، إنّ من يأتي منتخبا لا يبرر له (هذا) مصادرة صوت الشعب. ولا يوجد دستوريا ما يسمح له أن يرفض سحب الثقة عندما تتم بالأغلبية. ولو أننا حسبنا الأمر بمعادل بين من نزل من المصريين إلى الشارع ومقاعد برلمانية مطلوبة لتحقيق سحب الثقة لوجدنا أن الملايين الأكثر من  33 مليون إنسان ستعادل أكثر من الأغلبية المطلوبة لإسقاط الحكومة والرئيس وإقرار إعادة الانتخابات.

ولكن دعونا في إطار مناقشة الخطاب الذي يدعي دفاعه عن الشرعية نستعرض أبرز مفرداته. فهناك

أولا وآخرا وضوح في أن التعددية والتنوع في الحركات الحزبية والفكرية والدينية ما قد غصت بها جبهة الشعب ممثلة بوجود اليسار واليمين السياسي وبوجود المسلمين والمسيحيين وبوجود الليبراليين وحتى إسلاميين وبوجود الشبيبة الحية ممثلة الأغلبية وبوجود النساء بقوة ونسبة كبيرة.. بمقابل وجود تيار واحد في صف ما يسمى دعم الرئيس وشرعيته هو تيار الإسلام السياسي بمركزية واضحة لحركة الأخوان المسلمين! هذا دع عنك الحجم بعشرات الملايين للحركة الشعبية بمقابل محدودية واضحة لجبهة الأخوان انحسرت عن حجمها السابق القائم على قوة التنظيم وحديديته، أي من جهة الشعب وثورته ومن جهة أخرى السلطة وطرف حزبي حركي محدود.

وجبهة الشعب وثورته أكدت بوضوح على سحب الثقة ومطلب إعادة الانتخابات على وفق آليات ديموقراطية وشفافية واحترام التعددية ومنع الإقصاء والإلغاء  ومساهمة الجميع على وفق القانون والشرعية. بمقابل خطاب عدائي عنفي لجبهة القيادة الأخوانية القائم على استعراض عضلات والتلميح بل التلويح بالميليشيات. وبهذا التأكيد تنفي عنها تهمة الانقلاب العسكري على وفق منطق وأوهام من يريد التضليل والتستر بشرعية مفرغة من محتواها.

 

ومن موقع آخر تنطلق صيحات شرعية بمعنى يبتغونه متجسدا في وهم أن الانتخاب يعني عندهم بيعة ابدية أو على أقل تقدير أن يكملوا مدة الدورة الانتخابية بالضد من حقيقة تنص على إمكان عدم إكمال المدة للدورة الانتخابية لأسباب يراها الشعب ولا وصابة ولا استعلاء في مثل تلك الحال لصوت فوق تقدير ما يراه الشعب.

وبعامة فإنه ينبغي التركيز في الرد السياسي العلمي على طروحات الدفاع عن الشرعية بأن الحريص على الشرعية عليه الدفاع عن اسمى مستوى لها وهو شرعية السمو الدستوري الأعلى لصوت الشعب، أما التعكز على لفظ شرعية فذلكم مصطلح مفرغ مبتور كما اشرنا، بقصره على الدفاع عن السلطة التنفيذية وهو خطل في قراءة القانون الدستوري وتشويه متعمد بقصد التضليل في محاولة لكسب جمهور لجهة تكاد تسطو في وضح النهار على السلطة واحتكارها وتسيد الموقف لحساب تلك الجهة التي كان يجب أن تلبي واجباتها تجاه ما كلفه إياها الشعب وفي مثل هذه الحال لا يبقى للشعب من طريق سوى ممارسة سلطته المشروعة الأسمى دستوريا بعزل من أدى وجوده في السلطة إلى انحراف الحكم وابتعاده عن مصالح الشعب.

من هنا فإن من يدافع عن الشرعية حقا اليوم هو صوت الملايين الشعبية التي تحمي تطلعاتها وأهدافها السامية وتمنع قوة بات معروفا أنها لم تتخلى عن فلسفتها العنفية وربما فشايتها وشوفينيتها التي تبيح لها ممارسة الطغيان والانفراد بالسلطة والاستبداد بها بعد أن تسلقت على أكتاف آليات الديموقراطية بالتضليل.

ومن هنا كان ينبغي للقوى الثورية اليوم التوكيد على مصطلح الشرعية ومنع استغلاله من قوى الظلام زورا وتضليلا. فهذه مهمة خطيرة قد تكسب بضع أصوات لديها الاستعداد للتفاعل مع خطاب التضليل والانضمام لقوى معادية للثورة. فلا تغفلوا موضوع الإعلام والتعبئة والتثقيف بالسليم الصائب لأن ذلك يكسب وحدة الشعب وسعة الثورة وجماهيرها.. ولا تنسوا أن المعركة من أجل الشرعية المعبرة عن صوت الشعب ستبقى بعيدة المنال إن لم يستمر الدفع بذات الهمة والحشد الجماهيري من أجل تحقيق الانتصار.

المعركة السلمية تتطلب الخبرات الدستورية والعقول المحترفة مثلما تتطلب الهبة الشعبية ومثلما تتطلب قوة الجيش المجسد لإرادة الشعب وتطلعاته.

إن انتصار إرادة الشعب لن تكون مجرد خطوة داخلية في تصحيح مسار الثورة بل انتصار على ضغوط دولية كبيرة بحجم الولايات المتحدة وثقل اختراقها وما يمكنها أن تصل إليه. وضد مساحة متعددة الطيف متلونته من التدخلات الإقليمية والمال السياسي القذر. وعليه فإن التضامن الفاعل من الشعوب والحركات والقوى الديموقراطية في المنطقة والعالم ستبقى هي الأخرى ضرورة تؤؤكد حسم المعركة السلمية ضد معركتهم التي يريدون الشعب ينجر إليها وهي معركة عنف وبلطجة ودموية بششعة.

هذي بعض تداعيات آمل أن تكون سجلت وقفة تحليلية من جهة ومؤازرة مكينة لحركة الشعب المصري في أبهى ثورة شعبية سلمية معاصرة.