كرنفال النخلة العراقية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

قبل سنوات كان جهدنا المتواضع قد أطلق مقترحا بشأن استحداث يوم للنخلة في بلادنا.. وكانت الفكرة مرتبطة بفضاء يحاول استعادة ما للنخلة من دور ومكان ومكانة في الزراعة العراقية وفي البيئة العراقية؛ بخاصة في ظروف تراجع بيئي وتدهور في الحجم الفعلي المنتج للنخلة العراقية. إذ كان العراق يسمى بلد النخيل الأول، وكان يمتلك فعليا أكبر حجم عددي من النخيل ومن أنواعه التي فاقت الـ425 نوعا. لكننا بسبب الحروب العبثية الكارثية وبسبب انهيار السياسة الزراعية والافتقاد لاستراتيجيات وخطط فاعلة، تراجع العراق من أكثر من 30 مليون نخلة إلى حوالي الـ6 مليون نخلة ونسبة من هذا المتبقي يعاني من المرض!!

النخلة العراقية ليست شجرة مثمرة وانتهى الأمر لكنها شجرة يمكن عدّها من أنماط الزراعة التي تشكل المحاصيل الاستراتيجية بالمعطى الاقتصادي وهي ذات دور مهم في استعادة بيئة سليمة نظيفة وصحية في البلاد؛ بعد الخراب المهول والتغييرات البيئية التي هددت الزرع والضرع وقبلهما الإنسان! والنخلة يمكن أن تكون جزءا من حملة الرد على زحف الصحارى وفعاليات التصحر المأساوية.. كما يمكنها أن تكون الغطاء لأشجار الثمر الأخرى التي نحتاجها بتنويع زراعتنا وهي مع الخط الأول من الأحزمة الخضراء حول المدن والقرى وفي الواحات التي تكسر العمق النطي لصحارى الوطن...

ومثلما كان السومريون يحتفلون بثمار حصادهم للحبوب مصدرا لغذائهم فينشدون له ويتغنون به ويحتفلون شعبيا كرنفاليا بتلك المواسم التي تملأ خزائن الخير؛ مثلما كانت تلك الاحتفالات الكرنفالية الأبهى تجمع أبناء الشعوب السومرية معا وسويا وتضمهم في غامر الفرح والمسرة وتمحو لهم كل أشكال الاختلاف وما ربما أثار شكلا أو آخر من الخلاف أو الاصطراع؛ مثلما تلك القيم السلوكية السامية النبيلة التي انعكست في حركة الناس وفعالياتهم وجمعتهم حول موضوعات بنيوية في وجودهم: يمكننا اليوم أن نعيد تلك الاحتفالية البهية لا من بوابتها الاقتصادية المادية المحضة حسب بل من كل بواباتها التي تعيد ‘لينا إشراقة اللقاء والتفاعل بيننا أبناء الوطن بمكوناتنا وأطيافنا لنؤكد حقيقة وجودنا متشكلا بشعب يحتفي بكينونته عبر كل مفردات اللقاء والتعبير الجمعي المشترك.

إنّ ما تحتفل به البصرة وميسان وذي قار والمثنى وواسط والنجف وكربلاء تحتفل به الأنبار وديالى وصلاح الدين وبغداد ومعهم نينوى وكركوك وعموم محافظات كوردستان. إن الاحتفال بشجرة السهل يجتمع بالاحتفال بشجرة الجبل. ومن هنا لن يكون كرنفال النخلة بصريا أو كربلائيا أو أنباريا بل سيكون عراقيا في جغرافيا الهوية بكل خطاباتها البحثية العلمية والاقتصادية زراعة وصناعة وتجارة والسياسية والمجتمعية حيث وجودنا العراقي بعمقه التاريخي وانتمائه لسومر الحضارة وعمقه الإنساني الذي يحيل أنشطته إلى مفردات ممنهجة لاستعادة قيم الاحتفال بالعمل وبثمار ما تنتجه السواعد العراقية السمر...

إنّ احتفالنا بيوم النخلة بكرنفال شعبي رسمي شامل سيكون فرصة جدية للقاء عراقي يعلو فيه صوت الحكمة ومنطق العقل كيما نبرهن على أننا معا وسويا في ميادين العمل وليس في ميادين التعمية السياسية وصراعاتها المفتعلة. إنّ النخلة النامية في صحراء كربلاء والأنبار هي ذاتها النامية في غابات البصرة وديالى وما ينبغي لتلك الشجرة المباركة أن يكون من رعاية مطلوب منا جمعيا بوجودنا المشترك، بحركتنا المشتركة، بنشاطنا المشترك ولن يكون فاعلا ما لا ينتمي لفعلنا الموحد المشترك وبمساهمة حتى من تلك المحافظات التي لا تنمو ببيئتها النخلة.

ومن هنا فإننا في إطار ندائنا لــ ((كرنفال النخلة العراقية)) نريد إطلاق حملة وطنية لجمع العراقيين متطلعين لموافقات عملية على فكرة مشاركتنا بهذا الكرنفال الوطني الشامل باسم ((كرنفال النخلة العراقية)) متضمنا برامج جدية وحيوية من قبيل:

1. عقد ندوات بحثية بمحاور مستقلة منها ما يخص الشؤون البيئية، وأخرى تخص سلامة النخلة والصحة الزراعية، وخطط الاتساع الاستراتيجي واستعادة الأنواع الأشهر مع الحجم الأمثل وغير ذلك مما يجري تفصيله من مراكز البحث المتخصصة، مثلما مركز ابحاث النخيل بجامعة البصرة.

2. عقد احتفاليات بالمحافظات مع وجود احتفالية كرنفالية موحدة مخصوصة ربما في البصرة وربما في بغداد يعرض فيها متنوع الأداءات الفنية الاستعراضية الاحتفالية (الكرنفالية). قد يكون الأمر بمشاركة لا وزارة الزراعة والبيئة ولكن وزارات أخرى ومؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني بشكل مباشر بقصد توسيع المشاركة الشعبية تحديدا ، أي مشاركة ملايين جمهور الشعب بعيد عراقي يصير من بين كرنفالات اللقاء الوطني الجمعي المشترك.

3. التعريف بالنخلة وأنواع التمور عبر وسائل الإعلام والصحافة والمواقع الألكترونية بحملة شاملة تستند إلى الإحصاءات الإيجابية منها والسلبية كيما نتحدث عن الواقع والطموح. وضمنا سيكون من مفردات عمل الإعلام حشد العراقيات والعراقيين للمساهمة بهذا العيد وكرنفاله المنتظر.

4. دعوة الفنانين بخطاباتهم الغناسيقية والتشكيلية وغيرها لإنتاج أغنيات مخصوصة وفعاليات شعبية ربما سيكون لخشابة بصرة النخيل منفذها في إطلالة تراثية لموسيقانا الشعبية بألوانها الأخرى أيضا.

5. قد يكون من بين ما سيطلق لسوق غير هامشي هو صناعة ميداليات عراقية تستند لتصميمات مقصودة المضامين التي توحد هوية وجودنا ونحملها معا وسويا، بشكل شعبي عامر ثرّ غني، بالإشارة هنا للأوسمة والميداليات [مثلا السعفة الذهبية، النخلة بألوانها المستوحاة للتصميمات من الجوزي، الأخضر، والذهبي وألوان التمر الأخرى] والرايات والبوسترات واللوحات وبانوراما النخلة مشروعا مخصوصا للبصرة ولغيرها من المحافظات.

6.  لقد اخترنا من شهر آب أغسطس منتصفه يوم 14 منه متذكرين العشرة التي تكثر فيها الأرطاب على وفق السائد بيئيا في الخطاب المحكي العراقي.. ولربما استقر الجهد على هذه الاحتفالية التي نأمل ها أن تجري بمستويين ميداني تتبناه مؤسسات الوطن ومنظمات المجتمع المدني وفي العالم الافتراضي حيث نحمل أو نرفع صورة النخلة.. مثلما فعلنا من قبل بيوم السلام والتسامح وفي الكرنفال السومري في 14تموز بوضع الصورة بديلا لصورنا الشخصية في صفحاتنا بمواقع التواصل الاجتماعي..

7.  ربما سيكون هنا مفيدا أن تشتغل المسارح الميدانية في ساحات الوطن باستقطاب أنشطة تراثية نظيرة أو شبيهة من الجهات التي لها علاقة بموضوع الكرنفال.. وسيكون فرصة للانفتاح على الآخر وإغناء ودعوة لجذب فرص المساهمات الداعمة.

 

إنّ الهمة المنتظرة في إقبالنا على مثل هذا الكرنفال لا يقف عند حدود كرنفال وأنشطة في كنفه بيوم النخلة العراقية، بل القضية أعمق وأغنى حيث جهدنا المشترك الذي يجمعنا معا وسويا ويمنحنا قواسم مشتركة للعمل ونحن هنا نختار مادة لا يُختلف فيها ولا يتخضع للتقسيمات التي يفرضها قسرا ساسة التقسيم والتشظي والاحتراب بل تعلو بنا الاحتفالية لتؤكد هويتنا وطنية إنسانية موحدة نجتمع فيها على ما يشيع جهود البناء ويحاصر جهود التخريب والتدمير، جهود تقسيمنا وافتعال الصراعات والاحتراب.. إننا نمنح مساحة السلم الأهلي فرصا مضافة بجهودنا هذه.. ونضع أنفسنا على طريق الصواب من أوسع بوابات التقدم نحو إشادة جديد وجودنا وعدم الاتكاء على ماض انقضى.

إن أولوية العمل والتقدم نحو ميادين البناء هي التي يمكنها أن تكتنس ثقافة الموت لزرعنا وضرعنا ووجودنا الإنساني.

فإليكم نطلق النداء أيتها العراقيات، ايها العراقيون

ولنتقدم معا وسويا نحو هذا الجهد الكبير الذي ينتظرنا

كليات الزراعة وإدارة البيئة بالجامعات العراقية

مراكز البحث العلمي المتخصصة

العلماء والمهندسون والمتخصصون

الفنانون والأدباء والكتّاب

البلديات والحكومات المحلية

الوزارات المعنية وأولها الزراعة والري والبيئة

أجهزة الإعلام والصحافة وعلى رأسها الفضائيات

كل جمهورنا الذي يعنيه التقدم لتعزيز مساحة السلم الأهلي

فهلا تفاعلنا معا وسويا

الكرة بين أيدينا وقد أفلحنا قبل مدة باحتفاليات موفقة، ونحن نتطلع لاحتفالية حصاد كبرى حصاد لجهودنا والاستعدادات التي نأمل نجاحها بكم ولكم